Saturday, December 13, 2008

قيمة الإنسان.. ما بين مصر واليونان!

بقلم د. طارق الغزالى حرب

لم يكن غريباً أن تتجاهل الصحف القومية فى صفحاتها الأولى أنباء انتفاضة الشعب اليونانى، التى بدأت فى العاصمة أثينا، ثم انتشرت واجتاحت العشرات من المدن اليونانية.. وسبب التجاهل واضح وضوح الشمس وهو أن كل هذه المظاهرات والاحتجاجات بسبب مقتل صبى يونانى عمره ١٥ عاماً، بواسطة رصاص أحد ضباط الشرطة،

أطلق أعيرته النارية دفاعاً عن نفسه وعن دوريته التى هوجمت من قبل بعض الشباب بالحجارة، وبالطبع فإن إبراز مثل هذه الأخبار سيدعو للمقارنة بما يحدث فى مصر المحروسة من حوادث قتل لمواطنين على يد ضباط الشرطة، بلغت فى الفترة القريبة الماضية حدوداً لم تعرفها مصر على مدى تاريخها، وسجلت أربع حالات قتل لمواطنين فى خلال عشرة أيام بمديرية أمن الجيزة وحدها!

المذهل فى الأمر أن هذه الاحتجاجات العنيفة قد حدثت فى اليونان على الرغم من اعتذار رئيس الوزراء اليونانى للشعب عن مقتل الصبى، وإعرابه شخصياً عن مواساته لأسرته، وتقدم وزير الداخلية باستقالته، ووضعها تحت تصرف رئيس الوزراء، مع الإعلان عن اعتقال الضابطين المتهمين وتقديمهما لمحاكمة عاجلة.

أما فى مصر المحروسة التى لم يقدم فيها أى مسؤول فى نظامها المستهين بأرواح الناس وكرامتهم، أى اعتذار من أى نوع عن أى من الجرائم والحماقات التى ارتكبها بعض رجال ينتمون إلى المؤسسة التى تحمى أمنهم وتقمع معارضيهم..

واكتفت وزارة الداخلية فيها ببيانات رسمية لا تتعدى الخمسة أسطر عن كل حادث، قتل فيه مواطن مصرى بواسطة ضباطها، تحاول فيه بعبارات ملتوية أن تلتمس العذر للضابط القاتل مع وعود مبهمة بالتحقيق والجزاء لا يتابعها أحد..

فى مصر المحروسة التى لم يفكر أن يقدم فيها مسؤول كبير واحد استقالته أو إبداء استعداده لها أو حتى الاعتراف العلنى بالخطأ والنية لمراجعة منظومة العمل بالداخلية، بدءاً من التعليم بكلية الشرطة وانتهاءً بنوعية الأوامر والتعلميات الصارمة التى يجب أن يلتزم بها الضابط..

فى مصر المحروسة هذه التى يتعامل نظامها مع المواطنين باستهتار واستخفاف واستهانة بكل حقوق الإنسان من أقصى حدودها الشمالية الشرقية حيث بدو سيناء، وحتى أقصى حدودها الجنوبية حيث أهالى النوبة.. فى مصر هذه كان رد فعل الشارع المصرى والرأى العام ومؤسسات المجتمع المدنى وكبار المثقفين وما يسمى النخبة، هزيلاً ومؤسفاً ويدعو للرثاء..

بل وأقول إنه كان مخزياً ومشعراً بالعار والهوان.. حتى فى الحالات التى كان هناك فيها رد فعل ما، بسبب طبيعة الناس التى ارتكبت فى حقهم الجرائم مثل بدو سيناء وأهل النوبة، تكالبت وسائل الإعلام المهترئة وأبواق الحكومة، فى التنديد بردود أفعال الناس الطبيعية هذه، بطريقة فجة منقطعة النظير!!

ما هذا الذى يحدث على أرضك يا مصر؟! هل أقنعك هذا النظام، أن إنسانك لا قيمة له ولا ثمن؟! ولماذا استسلم المصريون لهذا الواقع المُخزى والمُهين؟! لقد كانت البداية هى إقناعهم باستحالة أن يكون لهم رأى فى اختيار من يحكمونهم أو يمثلونهم، فتركوا لهم صناديق الاقتراع ليعبثوا فيها كما يشاءون..

ولكنهم لم يدركوا أن التفريط فى هذا الأمر سيقود هم إلى التعامل معهم ككائنات غير آدمية لا يهتز لرجال نظامها وأمنه طرف أو رمش، إذا ما أطلقوا عليهم الرصاص فى لحظة غضب، أو تركوهم ليموتوا دهساً بالأقدام، كما حدث فى طوابير العيش وطوابير صرف المعاشات؟! هل نحن فى انتظار إعلان وفاة الشعب المصرى وطلب الرحمة من الله له؟ أتمنى ألا أعيش حتى أرى هذا اليوم.

No comments: