Friday, March 27, 2009
ببساطة
Friday, March 13, 2009
ببساطة
Thursday, March 12, 2009
ثمن التوريث
أثارت زيارة جمال مبارك إلى واشنطن شبه السرية وشبه المعلنة، والتى شملت لقاءات مع دبلوماسيين فى وزارة الخارجية، وخبراء فى مراكز بحوث، لغطاً كبيراً، لأن مَنْ قام بها يتبوأ موقعاً قيادياً فى الحزب الحاكم، وليس وزيراً أو مسؤولاً فى الدولة، ورغم ذلك أعطى لنفسه الحق فى أن يقوم بمهام لا يستطيع سياسى آخر أن يقوم بها وإلا اتهم بالخيانة والعمالة لأمريكا، فى تناقض صارخ بين ما هو مسموح به لسياسى لأنه نجل الرئيس وآخر من باقى الناس.
وإذا كان الخطاب الرسمى يرى أن الدولة والمسؤولين الحكوميين هم وحدهم الذين لهم حق التواصل مع الدول والحكومات الغربية والأمريكية، وأن قيام غيرهم بهذا الدور يعتبر نوعاً من الاستقواء بالخارج على حساب الوطن، فكيف سيتعامل هذا الخطاب مع زيارات جمال مبارك المتكررة إلى واشنطن، وكيف يمكن أن نعتبر أن تسويق مشروع التوريث فى أمريكا تحت مسمى عرض «إنجازات» الإصلاح هو قضية وطنية يعطى فيها الحق لشخص، ويحرم منها كل نظرائه من السياسيين المصريين.
لقد اعتبرت الحكومة أن قيام جمعية أو منظمة بعرض انتهاكات حقوق الإنسان أمام نظرائها فى أمريكا «خيانة للوطن»، فى حين أن زيارات جمال مبارك المتكررة لأمريكا هى كلها من أجل صالح الوطن، وبدا الشعب وكأنه قد خرج من تعريف هذا الوطن، الذى لم يعد التنكيل به يثير مشكلة أو حتى تعاطفاً إنسانياً من قبل الحكم، وصار عقاب الضحية على شكواها أكبر بكثير من عقاب الجلاد على جريمته.
والمشكلة أنه لأول مرة منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة فى مصر منذ أكثر من قرنين، يشعر الناس بأنهم لا يواجهون نظاماً يبطش بهم أو دولة تقسو عليهم، إنما مجموعة ضيقة جدا من أهل الحكم تنكل بهم كل يوم، وتهين كرامتهم، وتستغل استكانتهم بعد أن تركتهم ضحايا خطط التجهيل التى أصابت وعيهم، كل ذلك من أجل إنجاح مشروع التوريث الذى يستلزم وجود شعب مغيب، ودولة نائمة، ومؤسسات مترهلة، ونخبة معدومة الكفاءة والأخلاق.
فالمؤكد أن المصريين لا يواجهون، كما جرى فى فترة سابقة، نظاماً تسلطياً، إنما «شلة توريث» استبعدت كل القوى والأفكار والرموز الإصلاحية الموجودة داخل النظام وخارجه، فى مشهد تَرَحَّم فيه الكثيرون على أيام الدولة التسلطية بعد أن شهدوا عصر العزب والمماليك الخاصة، وتذكروا بالخير نظماً تسلطية بعد أن رأوا مرحلة الفوضى والعشوائية واللانظام.
والمؤكد أن الشعب المصرى سيدفع ثمناً باهظاً نتيجة تخاذله فى إجهاض مشروع التوريث، الذى أصبح يمثل الخطر الأكبر على مستقبل هذا البلد، وسيعنى فى حال نجاحه استكمال الفشل الذى عرفناه على مدار ٣٠ عاماً، وانتقاله من فشل سياسى واقتصادى إلى فشل معنوى وأخلاقى سينتهى معه مبرر تأسيس النظام الجمهورى عبر انقلاب عسكرى، وقيام الشعب المصرى بتضحيات كبرى من أجل استقلاله وكرامته، وتصبح التقاليد المعروفة فى النظم الملكية أكثر احتراماً من توريث الجمهوريات، خاصة إذا كان هذا التوريث لم يجلب تقدماً واحداً ولو على سبيل السهو فى مجال الإصلاح السياسى أو محاربة الفقر والتهميش والفساد.
فلم يحاول ولو خطأ أن يضع بين الـ ٣٤ مادة التى تم تعديلها من الدستور، مادة واحدة يمكن وصفها بالإصلاحية، وحتى تغيير المادة ٧٧ وتحديد مدة حكم رئيس الجمهورية بمدتين، كما طالبت القوى الإصلاحية، وكثير منها كان داخل الحزب الوطنى، لم يلتفت له أحد من أركان الحكم، وصار مكتوباً على مصر ألا تعرف لقب الرئيس السابق، لأنها لم تجد من داخل النظام الحاكم من يجرؤ على القول علناً (وليس سراً) إن الأزمة الحقيقية التى تعانى منها مصر تعود إلى حالة الجمود السياسى نتيجة بقاء رئيس الجمهورية حاكما لمدة ٢٨ عاما، وفى حال إذا كان الرئيس مبارك قد غادر السلطة عام ١٩٩٣ أى بعد أن أنهى مدتين فى الحكم، لكان يمكن اعتباره واحداً من أفضل الرؤساء الذين عرفتهم مصر فى تاريخها الحديث.
واللافت أن فشل الحكم فى السياسة، لم يعوضه نجاح فى أى مجال آخر، فلم نجد جامعة وطنية يتيمة ناجحة، أو مؤسسة عامة واحدة تعمل وفق معايير الحد الأدنى من الكفاءة، أو صحيفة واحدة مثل «الشرق الأوسط» أو «الحياة» أو «الأهرام» منذ أربعين عاماً، أو حتى شارعاً واحداً به رصيف يمشى عليه الناس، وإشارة مرور تعمل كما كان عليه الحال فى كل العصور السابقة.
ويكفى فقط أن نشاهد صور الشوارع وشكل الناس ومظهر المبانى والعمران قبل ٣٠ عاماً ونقارنها بحالتها البائسة حالياً لنعرف حجم التدهور الذى أصابنا، رغم أنه كان من المفروض أن نقفز خطوات إلى الأمام لا أن نركض بسلاسة إلى الخلف.
لقد أصبحت أعداد القتلى فى ظل السلام أكبر من أعدادهم فى فترات الحروب، لأننا لم نعرف إلا فى هذا العهد استفحال مشكلة الفساد وسوء الإدارة، بعد أن عجز النظام عن وضع معايير محترمة لاختيار قياداته العليا فارتاح إلى الموظفين المطيعين، ويا حبذا لو كانوا مثل هؤلاء الذين تركوا ضحايا العبَّارة يموتون فى عرض البحر لساعات، أو عباقرة النقل والمواصلات الذين تجلت قدرتهم فى تكرار حوادث الطرق والقطارات نتيجة الإهمال والفساد وسوء الإدارة.
والحقيقة أن فوضى الشارع والحياة العامة انتقلت إلى السياسة، وأصبحنا نشهد حروباً وحملات لتلويث السمعة والشرف وهدم أى قيمة أو معنى لرموز مصر ونخبتها، ومساعدة كثير منهم على الفساد والإفساد، حتى لا يكون أمامنا إلا وريث واحد لحكم البلاد.
لقد اعتدنا فى عصورنا الجمهورية السابقة أن تتخاصم الدولة السياسية مع المعارضين السياسيين، فَتَعَرَّضَ كل مَنْ انتمى لتنظيم شيوعى أو إسلامى فى عصر عبدالناصر لاعتقال، وكنا نفهم (ولا نقول نوافق) أن يقوم نظام ثورى واشتراكى مثل نظام عبدالناصر باعتقال صحفى يمينى له علاقات بأمريكا كالراحل مصطفى أمين، ولكننا لم نفهم قيام النظام الحالى حليف أمريكا الأول فى العالم العربى، بحملات تخوين قاسية ضد د. سعدالدين إبراهيم لأن له علاقات طيبة مثل النظام المصرى بواشنطن، وعوقب بشدة لمجرد أنه استخدم القنوات نفسها التى يستخدمها جمال مبارك لإيصال رؤيته للأمريكيين.
وأصبح كل رمز سياسى مؤثر عدواً صريحاً لشلة التوريث، وصار كل رمز علمى أو قيمة فكرية، عدواً محتملاً حتى لو كان مثل أحمد زويل أو محمد البرادعى، فالمطلوب هو الحفاظ على مصر جرداء وفى تصحر مستمر حتى ينجح مشروع التوريث.
ولأن هذا المشروع يجرى فى الظلام وليس له أدنى علاقة بالناس، فقد مارس أكبر عملية استبعاد وتهميش فى تاريخ مصر الحديث للمواطنين وللنخبة ولدور مؤسسات الدولة، ولم يحاول أن ينقلنا خطوة إلى الأمام فى أى جانب، واختطف الدولة لحساب شلة عطلت قدراتها وأهدرت كفاءتها وهيبتها وصار رموزها محل هجوم بالحق والباطل من أجل اختزال البديل فى التوريث.
فهل سندفع ثمن هذا المشروع مرتين: مرة بما فعله فينا ومرة بوصوله إلى السلطة، وحينها سنكون فقدنا كل شىء، أى الحاضر والمستقبل وقبلهما التاريخ، الذى كان فى يوم ما به كثير من الجوانب المشرقة؟!
مدد.. مدد
وما مصر الآن إلا مولد كبير.. الشعب يعيش فى الشارع، مسافة ليست بعيدة بين غيبوبة الدراويش والمريدين وتمرد العلماء والمثقفين وأغلب فئات المجتمع.
«الشعب فى الشارع»، هذه الجملة تختصر واقع مصر الآن، مليونا مواطن فى الليلة الكبيرة لمولد سيدى الحسين رضى الله عنه، وجوه محبة وعاشقة، وجوه ذاهلة، وأخرى ذابلة.. مدد يا سيدى مدد.. لم تنقطع سبل العباد مع الله، ولكنهم يتشككون فى وصول شكاواهم وآلامهم إليه، النوايا لم تعد خالصة، والحجب مرصوصة..
الوصول إلى الله أصبح صعباً، كما هو الحال مع المسؤولين، الوساطة لا تجدى مع الله ولكنها تجدى جداً مع المسؤولين، المحبون لآل البيت ولأولياء الله الصالحين كثر، والمتشبثون بأعتابهم طالبوا المدد أيضاً كثر، الوصول إلى الله يسير، ارفع وجهك للسماء، طهر قلبك قبل جسدك، صل، اسجد، واسأل الله ما تشاء، ستجده قريباً يجيب دعوة الداعى إذا دعاه.
أما المسؤولون فلا، لن تجدى معك الاستغاثات ولا الالتماسات ولا طرق أبواب المحاكم، «وضعوا أصابعهم فى آذانهم»، اخرج للشارع، أضرب واعتصم، ليسمع المسؤول ويستجيب!
كل يوم مولد، وكل يوم إضراب ومظاهرة، طلاب معهد عال يعتصمون لتحويل معهدهم إلى كلية، فليختلط الباطل بالحق، فنحن فى زمن شهود الزور من كل الأطراف.
أصحاب الحق، أصحاب الكلمة يئنون، الإعلاميون والصحفيون أيضاً فى الشارع، لم ينفعهم سوط الكلمة وصدقها، لم يجدوا بديلا عن الصراخ، فانشقت سماء المسؤولين.
علماؤنا فى الشارع، العالم فى مركز البحوث، الحاصل على الدكتوراه، راتبه لا يزيد على ألف جنيه، مطلوب منه أن يفكر ويبحث ويبتكر بألف جنيه، يجمعها المتسول فى يومين، والعامل فى السيراميك فى أسبوع، والبوشى فى ثانية، لم يجد العلماء أمامهم إلا ترك معاملهم والوقوف فى الشارع، سبقهم أساتذة الجامعة والعمال وموظفو الضرائب العقارية والمعلمون، ولم يبق فى مصر إلا المسؤولون لم يخرجوا إلى الشارع، فهم فى مكاتب مكيفة يقبضون الحوافز والبدلات ومكافآت الإشراف وحضور الاجتماعات، فمتى يخرجون إلى المولد حتى من باب المشاركة؟!
الشعب يطلب المدد، والمدد لا يأتى من السماء ولا من الأرض!
■ ■ ■
هذه المساحة سأخصصها فى كل مقالاتى المقبلة لسؤال واحد ولن أتوقف إلا بعد أن يصلنى رد واضح من وزارة الداخلية أو من أى مسؤول فى هذا البلد:
أين وكيف هرب يوسف عبدالرحمن وراندا الشامى وعماد الجلدة والملاح، الصادرة ضدهم أحكام نهائية واجبة النفاذ فى قضايا فساد ورشوة؟!
كسر العين!
تعرض عدد من محررى وكتاب «الأهرام» لاستفزازات ومحاولة افتعال شجار معهم من بعض العمال بمؤسسة «الأهرام»، وكان عدد غير قليل من الكتاب والمحررين تجمعوا فى مدخل مبنى «الأهرام» ليعلنوا رفضهم قرار مجلس الإدارة بمنعهم من الكتابة خارج «الأهرام»، وفى محاولة للرد جىء بقطاع من عمال مطابع قليوب، وهم الأكثر عدداً، ليساندوا الإدارة.
رئيس مجلس الإدارة قال إن العمال يمثلون ٩٥٪ من المؤسسة وإنهم يساندونه، وإن المعترضين قلة، وقوله صحيح بالمعيار الكمى والعددى.. ترك عمال المطبعة موقعهم ومهمتهم الأساسية وذهبوا إلى مبنى المحررين، وهتفوا لرئيس مجلس الإدارة، الذى دخل محاطاً بهم، يلوح لهم من الناحيتين، فى موكب جرى فيه نوع من التلويح بالعنف تجاه الأقل عدداً..!!
بعض المراقبين ذهبوا إلى أن رئيس مجلس إدارة «الأهرام» مرسى عطا الله يتعمد التصعيد الآن، لصرف الانتباه عن الحديث والمطالبة بالتغييرات الصحفية، التى لو تمت سوف يخرج معها، وهو تفسير لا يستقيم كثيراً، لكن الذين تعرضوا لمحاولات الاعتداء اتهموا عطاالله بأنه يشعل حرباً أهلية داخل المؤسسة العريقة -١٣٣ سنة بالتمام والكمال - ويبدو لى أن الموضوع أكبر منذ ذلك وينطوى على أبعاد محزنة ومخيفة.
لنكن صرحاء، فمنذ أن تم تنظيم - تأميم - الصحافة سنة ١٩٦٠ وهناك عملية تهميش للكتاب والمحررين بالمؤسسات، وجعلهم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للهوان داخل المؤسسات إلى جوار الإداريين والعمال، وهكذا فإن المحررين هم أصحاب الرواتب الأقل والمكافآت الأضعف، وتتضخم المؤسسات ويتم سحق المحررين والكتاب، الذين تكالب عليهم الجميع، فالدولة تنظر لهم بريبة، واستفاد الإداريون والعمال من ذلك، فكان بعضهم فى حالات كثيرة أدوات للأجهزة الأمنية والرسمية ضد المحررين، ولم تكن القضية تتعلق بالولاء للنظام فقط، فقد كان معظم الصحفيين، قبل التأميم وبعده، يحملون ولاء للدولة وللنظام السياسى، المشكلة أن هناك اتجاهاً ظهر فى الدولة منذ منتصف الخمسينيات يقوم على نظرية «كسر العين» ضماناً للولاء المطلق طوال الوقت..
«كسر العين» استعمل مع النخبة عموماً، ومع الكتاب والصحفيين تحديداً، فإذا شكك كتبة التقارير فى ولاء كاتب أو صحفى أو حتى رئيس تحرير، يتم إطلاق بعض العمال عليه للهتاف ضده أو محاولة الاعتداء عليه، فلا يكون أمامه بديل سوى اللجوء إلى الأجهزة كى تضمن سلامته، حدث ذلك مراراً وفى معظم المؤسسات الصحفية، ولنتذكر ما حدث مع أحمد بهاء الدين، حين غضب عليه الرئيس السادات فى بداية حكمه، حيث أقيل من رئاسة تحرير «المصور»، وعاد إلى «روز اليوسف»، فاستقبل بهتاف العمال، الذين لا يريدون «شيوعياً» بينهم، ولم يكن بهاء شيوعياً فى يوم من الأيام!!
لقد فهم بعض العمال أن مهمتهم الحقيقية لم تعد فى تجويد الإنتاج، بل فى تأديب المارقين من الصحفيين والكتاب، واستوعب رؤساء التحرير وبعض الكتاب ذلك، حتى إن رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات كان يفخر دائماً بأنه لا يرفض طلباً لعامل وأن العامل «سيده» وأنه «مقدس» عنده، أما المحرر فيعاقب ولا يتسامح معه أبداً!!
الوقائع كثيرة ومريرة، ولذا تخرج الصحف والمجلات المصرية القومية مليئة بالأخطاء المطبعية ومستوى طباعى ردىء للغاية، لكن أحداً لا يجرؤ أن يحاسب السادة العمال، تطبع كتب وزارة التربية فى المؤسسات الصحفية فتخرج فى أردأ شكل، وأسوأ طباعة ممكنة، وتعترض الوزارة ويضغط رؤساء المؤسسات لتسحب الوزارة اعتراضاتها، لكن لا أحد يستطيع محاسبة أو حتى توجيه اللوم إلى السادة عمال المطابع، لأنهم كما قال مرسى عطا الله ٩٥٪،
ولأنهم يمكن أن يهتفوا للإدارة أو يهتفوا ضدها، ولأننا جميعاً فى المؤسسات القومية نعيش عقلية أن الـ٩٥٪ وعقلية ٥٠٪ عمال وفلاحين والعقلية التى تجيز بل تحرض على أن يضرب بعض العمال الفقيه القانونى د. السنهورى فى مكتبه بمجلس الدولة بـ«بالجزمة» - لن أقول الحذاء - هى نفسها العقلية التى تجلب عمال المطبعة ليرهبوا الكتاب وأصحاب الرأى بدعوى أنهم الأغلبية، وأن الكتاب «قلة يرفضون أى تطوير لصالح المؤسسة».
ما حدث يوم الأحد فى مدخل مبنى «الأهرام» يجعلنا نشكك فى الادعاء بأن قرار المنع هدفه الإصلاح، ومن حقنا أن نتساءل: لماذا يمنع كتاب المقالات، رغم أن كتابة المقال حق لكل مواطن، وهو تعبير عن رأيه وذلك يختلف تماماً عن ممارسة المهام الصحفية من الحصول على الخبر وإجراء التحقيق الصحفى أو الحوار؟ وهل هناك مساحات متوفرة للكتاب كى يكتبوا فى صحيفتهم ويعبروا عن رأيهم، وهل تحتمل الصحيفة أن تنشر مقالاً يختلف مع توجه رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة؟!
نعرف أن توجه الصحيفة وسياستها لا يتم بالتوافق العام بين محرريها وكتابها بل تحدده جهات سياسية وسيادية من خارج الصحيفة.. وهل إذا قدم كاتب مقالاً متميزاً يمكن أن ينشر بالصفحة الأولى أم أنها محجوزة للأبد لرئيس التحرير ولرئيس مجلس الإدارة؟!
لقد تحمست الإدارة لاستصدار قرار بمنع الكتاب من الكتابة خارج الجريدة، فهل لدى الإدارة نفس الحماس للفصل التام والجاد بين التحرير والإعلان، وهل تم تخيير من تتركز جهودهم فى جلب الإعلانات بين التوقف أو أن ينقلوا إلى قسم الإعلانات؟ وهل الإدارة على استعداد لأن تفعل الشىء نفسه مع العمال الذين أسسوا مطابع خاصة أو يديرون مطابع خاصة ومكاتب كمبيوتر خاصة وافتتحوا استديوهات تصوير وتحميض وطبع الأفلام؟ عشرات التساؤلات تترى والإجابة معروفة تقريباً.
Friday, March 6, 2009
لم تعد «بلد شهادات».. بل بلد «بهوات وباشوات
كُلنا نذكر بلا شك ذلك «الإفيه» الشهير للنجم عادل إمام فى أولى خطواته على المسرح فى إحدى مسرحيات الراحل العظيم فؤاد المهندس، والذى ردده أكثر من مرة، وهو وصفه لبلدنا العزيز بأنه «بلد شهادات بصحيح» حتى صار التعبير مثلاً شائعاً. تغير الأمر فى مصر المحروسة رويداً رويداً كما نلاحظ ونعيشه واقعاً مريراً تزداد حدته يوماً بعد يوم خاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة..
فلم تعد الشهادة الآن هى الهدف والمقصد بعد أن تحولت فى ظل التدهور الرهيب فى التعليم سواء منه قبل الجامعى أو الجامعى إلى مجرد ورقة لا تساوى حتى قيمة المداد الذى كتبت به، فالحصيلة من العلم والخبرات والتأهيل لسوق العمل حالياً تساوى تقريباً صفراً، فضلاً عن فوضى إعطاء الألقاب العلمية والمسميات الوهمية للمعاهد والكليات والأكاديميات، ناهيك عن سهولة شراء أى شىء فى هذا الزمن الأغبر حتى الشهادات!!
لعلنا نلحظ هذه الأيام فى بعض إعلانات التهانى والوفيات أسماء رجال أعمال بارزين تُذكر مجردة وليس أمام أسمائهم أى ألقاب تدل على شهاداتهم.. فالمهم أن أسماءهم فى سوق المال ورجال الأعمال هى الأهم والأعظم.. ومع تناقص قيمة الشهادة على أرض مصر المحروسة، تزايدت وبشكل جامح ولافت للنظر فوضى الألقاب بشكل مثير للعجب والرثاء..
ولا أعتقد أن هناك مكاناً واحداً على ظهر الكرة الأرضية، سكانه مغرمون بالتفخيم والألقاب مثلما هو الحال فى بلادنا.. حتى البلاد التى اخترعت فيها هذه الألقاب ونقلتها إلينا طوال سنوات الاحتلال والحكم الجائر، لم تعد تُستعمل فيها، ولم تعد تعنى فى هذه البلاد شيئاً.. ولكننا هنا.. على أرض مصر المحروسة.. أرض النفاق والرياء.. وجدت هذه الألقاب التربة الخصبة لكى تنمو وتترعرع.. فتصبح على كل لسان..
تتداولها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ليل نهار، ويتعامل بها السادة المسؤولون فى الدولة باعتبارها شيئاً واجباً!! بعض الوزراء مثلاً يمتعضون حينما لا يشار إليهم بلفظ «معالى الوزير».. والسادة المذيعون وأصحاب البرامج التليفزيونية فى شتى القنوات لا يتصورون أن ينطقوا لفظ الوزير فى هذه الأيام بدون «معاليه».. وضيوف البرامج التليفزيونية يكلم بعضهم البعض وكذلك المذيع بسعادة البيه أو الباشا بلا حرج وكأنه الشىء المفروض أن يكون..
والمواطنون المصريون الغلابة الذين هم - على رأى المبدع الساخر بلال فضل السكان الأصليون لمصر - لا يستطيعون أن يقضوا مصلحة فى مكان ما أو تقديم طلب لموظف أو الحديث معه إلا بأن يبدأوا الكلام بتحية «سعادة البيه» أو «الباشا» كما يتراءى لهم، وحسب مدى النفاق الذى يعتقد أن الموقف يحتاجه..
ناهيك عن أن هؤلاء المواطنين لا يملكون أصلاً القدرة أو الجرأة على الحديث مع أحد أولئك الذين يتعاملون معهم فى أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم بدون لفظ البيه أو الباشا.. ويمكن أن يتعرضوا لجميع صنوف المعاملات السيئة والازدراء إذا خاطبوا ضابطاً مثلاً برتبته أو ذكروا اسم وكيل نيابة حديث التخرج مسبوقاً بكلمة السيد فلان أو الأستاذ فلان..
وطلبة الدراسات العليا فى الجامعات لا يجرؤون على مخاطبة أساتذتهم إلا وقد تقدم أو تأخر لفظ البيه والباشا مضافاً لاسمه.. وهكذا فى كل مكان على أرض المحروسة!! يقولون إن مصر عادت إلى مجتمع «النصف فى المائة» الذى كان سائداً قبل ثورة يوليو.. وهى بالفعل قد عادت إلى شىء قريب منه..
لكن هناك شيئاً واحداً مختلفاً، وهو أنه قبل الثورة كانت هناك قوانين وأعراف يعرف منها من هو «الباشا» ومن هو «البيه» ومن هو «الأفندى»!! أما الآن فقد اختلط الحابل بالنابل، ولم تعد هناك قوانين ولا أعراف لتقسيم الناس إلى فئات وطبقات، وترك كل شىء على حسب الهوى والمزاج ومدى النفاق المطلوب!!
يبقى فى الحقيقة أمران: الأول هو أن ما أصدرته ثورة يوليو عقب قيامها مباشرة بإلغاء الألقاب مازال هو القانون الرسمى للدولة ولكننا - كعادتنا مع كل القوانين - ندوسها بأحذيتنا وننساق لهوى ألسنتنا، والثانى أن الدولة المحترمة تقوم بالأساس على عنصرى الأخلاق والقيم..
وعلى رأس هذه القيم العدل والمساواة والعمل الجماعى واحترام حقوق الإنسان والبعد عن الكذب والنفاق.. وهى كما ترون جميعاً لا يمكن أن يستقيم وجودها فى مجتمع يفرض طبقية وانقساماً ونفاقاً، بالإصرار على ألفاظ لا تعرفها إلا البلاد شديدة التخلف والجهل.
إن صحافتنا القومية وتلك التابعة للحزب الحاكم تقدم فى صفحاتها الأولى يومياً خاصة فى عناوينها دروساً فى النفاق والتملق والكذب والخداع.. فما الغريب إذن أن نكون بلد بهوات وباشوات.. ولا شىء غير ذلك!! ترى هل نحن فى حاجة إلى ثورة جديدة؟