تعرض عدد من محررى وكتاب «الأهرام» لاستفزازات ومحاولة افتعال شجار معهم من بعض العمال بمؤسسة «الأهرام»، وكان عدد غير قليل من الكتاب والمحررين تجمعوا فى مدخل مبنى «الأهرام» ليعلنوا رفضهم قرار مجلس الإدارة بمنعهم من الكتابة خارج «الأهرام»، وفى محاولة للرد جىء بقطاع من عمال مطابع قليوب، وهم الأكثر عدداً، ليساندوا الإدارة.
رئيس مجلس الإدارة قال إن العمال يمثلون ٩٥٪ من المؤسسة وإنهم يساندونه، وإن المعترضين قلة، وقوله صحيح بالمعيار الكمى والعددى.. ترك عمال المطبعة موقعهم ومهمتهم الأساسية وذهبوا إلى مبنى المحررين، وهتفوا لرئيس مجلس الإدارة، الذى دخل محاطاً بهم، يلوح لهم من الناحيتين، فى موكب جرى فيه نوع من التلويح بالعنف تجاه الأقل عدداً..!!
بعض المراقبين ذهبوا إلى أن رئيس مجلس إدارة «الأهرام» مرسى عطا الله يتعمد التصعيد الآن، لصرف الانتباه عن الحديث والمطالبة بالتغييرات الصحفية، التى لو تمت سوف يخرج معها، وهو تفسير لا يستقيم كثيراً، لكن الذين تعرضوا لمحاولات الاعتداء اتهموا عطاالله بأنه يشعل حرباً أهلية داخل المؤسسة العريقة -١٣٣ سنة بالتمام والكمال - ويبدو لى أن الموضوع أكبر منذ ذلك وينطوى على أبعاد محزنة ومخيفة.
لنكن صرحاء، فمنذ أن تم تنظيم - تأميم - الصحافة سنة ١٩٦٠ وهناك عملية تهميش للكتاب والمحررين بالمؤسسات، وجعلهم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للهوان داخل المؤسسات إلى جوار الإداريين والعمال، وهكذا فإن المحررين هم أصحاب الرواتب الأقل والمكافآت الأضعف، وتتضخم المؤسسات ويتم سحق المحررين والكتاب، الذين تكالب عليهم الجميع، فالدولة تنظر لهم بريبة، واستفاد الإداريون والعمال من ذلك، فكان بعضهم فى حالات كثيرة أدوات للأجهزة الأمنية والرسمية ضد المحررين، ولم تكن القضية تتعلق بالولاء للنظام فقط، فقد كان معظم الصحفيين، قبل التأميم وبعده، يحملون ولاء للدولة وللنظام السياسى، المشكلة أن هناك اتجاهاً ظهر فى الدولة منذ منتصف الخمسينيات يقوم على نظرية «كسر العين» ضماناً للولاء المطلق طوال الوقت..
«كسر العين» استعمل مع النخبة عموماً، ومع الكتاب والصحفيين تحديداً، فإذا شكك كتبة التقارير فى ولاء كاتب أو صحفى أو حتى رئيس تحرير، يتم إطلاق بعض العمال عليه للهتاف ضده أو محاولة الاعتداء عليه، فلا يكون أمامه بديل سوى اللجوء إلى الأجهزة كى تضمن سلامته، حدث ذلك مراراً وفى معظم المؤسسات الصحفية، ولنتذكر ما حدث مع أحمد بهاء الدين، حين غضب عليه الرئيس السادات فى بداية حكمه، حيث أقيل من رئاسة تحرير «المصور»، وعاد إلى «روز اليوسف»، فاستقبل بهتاف العمال، الذين لا يريدون «شيوعياً» بينهم، ولم يكن بهاء شيوعياً فى يوم من الأيام!!
لقد فهم بعض العمال أن مهمتهم الحقيقية لم تعد فى تجويد الإنتاج، بل فى تأديب المارقين من الصحفيين والكتاب، واستوعب رؤساء التحرير وبعض الكتاب ذلك، حتى إن رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات كان يفخر دائماً بأنه لا يرفض طلباً لعامل وأن العامل «سيده» وأنه «مقدس» عنده، أما المحرر فيعاقب ولا يتسامح معه أبداً!!
الوقائع كثيرة ومريرة، ولذا تخرج الصحف والمجلات المصرية القومية مليئة بالأخطاء المطبعية ومستوى طباعى ردىء للغاية، لكن أحداً لا يجرؤ أن يحاسب السادة العمال، تطبع كتب وزارة التربية فى المؤسسات الصحفية فتخرج فى أردأ شكل، وأسوأ طباعة ممكنة، وتعترض الوزارة ويضغط رؤساء المؤسسات لتسحب الوزارة اعتراضاتها، لكن لا أحد يستطيع محاسبة أو حتى توجيه اللوم إلى السادة عمال المطابع، لأنهم كما قال مرسى عطا الله ٩٥٪،
ولأنهم يمكن أن يهتفوا للإدارة أو يهتفوا ضدها، ولأننا جميعاً فى المؤسسات القومية نعيش عقلية أن الـ٩٥٪ وعقلية ٥٠٪ عمال وفلاحين والعقلية التى تجيز بل تحرض على أن يضرب بعض العمال الفقيه القانونى د. السنهورى فى مكتبه بمجلس الدولة بـ«بالجزمة» - لن أقول الحذاء - هى نفسها العقلية التى تجلب عمال المطبعة ليرهبوا الكتاب وأصحاب الرأى بدعوى أنهم الأغلبية، وأن الكتاب «قلة يرفضون أى تطوير لصالح المؤسسة».
ما حدث يوم الأحد فى مدخل مبنى «الأهرام» يجعلنا نشكك فى الادعاء بأن قرار المنع هدفه الإصلاح، ومن حقنا أن نتساءل: لماذا يمنع كتاب المقالات، رغم أن كتابة المقال حق لكل مواطن، وهو تعبير عن رأيه وذلك يختلف تماماً عن ممارسة المهام الصحفية من الحصول على الخبر وإجراء التحقيق الصحفى أو الحوار؟ وهل هناك مساحات متوفرة للكتاب كى يكتبوا فى صحيفتهم ويعبروا عن رأيهم، وهل تحتمل الصحيفة أن تنشر مقالاً يختلف مع توجه رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة؟!
نعرف أن توجه الصحيفة وسياستها لا يتم بالتوافق العام بين محرريها وكتابها بل تحدده جهات سياسية وسيادية من خارج الصحيفة.. وهل إذا قدم كاتب مقالاً متميزاً يمكن أن ينشر بالصفحة الأولى أم أنها محجوزة للأبد لرئيس التحرير ولرئيس مجلس الإدارة؟!
لقد تحمست الإدارة لاستصدار قرار بمنع الكتاب من الكتابة خارج الجريدة، فهل لدى الإدارة نفس الحماس للفصل التام والجاد بين التحرير والإعلان، وهل تم تخيير من تتركز جهودهم فى جلب الإعلانات بين التوقف أو أن ينقلوا إلى قسم الإعلانات؟ وهل الإدارة على استعداد لأن تفعل الشىء نفسه مع العمال الذين أسسوا مطابع خاصة أو يديرون مطابع خاصة ومكاتب كمبيوتر خاصة وافتتحوا استديوهات تصوير وتحميض وطبع الأفلام؟ عشرات التساؤلات تترى والإجابة معروفة تقريباً.
No comments:
Post a Comment