بقلم د. طارق الغزالي حرب
لم يكن أحد يتصور منذ حوالي عشر سنوات ونحن علي أعتاب الألفية الثالثة، وكانت الكتابات والأحاديث لا تنقطع عما ستكون عليه بلادنا في القرن الحادي والعشرين، وأحلامنا وأمانينا وتطلعاتنا وآمالنا الكبار، لم يكن أحد يتصور أنه بعد مرور سنوات سبع علي بداية الألفية الثالثة أن يكون محور حديث الناس، أو بالأحري الغالبية العظمي منهم هو «رغيف العيش»!!
دون مقدمات ومع زيادة حديث الحكومة الذكية عن المؤشرات المبشرة والبيانات المبهرة، فجأة وجد الناس أنفسهم يتدافعون، ويقفون بالساعات في طوابير طويلة بحثاً عن رغيف خبز بثمن يستطيعون دفعه!! وظهرت علي شاشات الفضائيات مناظر مؤسفة ومؤذية لشعب يترك عمله وحاله ساعات طوال من أجل أن يظفر بعدد قليل من أرغفة العيش، يملأون بها بطونهم الخاوية!! لم تنتفض القيادة السياسية غضباً، ولم تعلن حالة الطوارئ بين صفوف وزرائها وكبرائها، لمواجهة هذه الفضيحة الشنعاء،
والتي لم نرها في أي بلد قريب أو بعيد، وقبلت القيادة التبريرات الساذجة الخبيثة التي قدمتها الحكومة وأرجعت السبب كله إلي ظروف خارجة عن إرادتها.. فأسعار القمح العالمية ارتفعت.. والمحصول المحلي قليل.. والموارد التي تسخر لدعم السلع الأساسية للمواطنين محدودة.. كذلك أرجعت حكومتنا السنية - كالعادة - جزءاً كبيراً من المشكلة إلي سوء تصرف الناس سواء منهم أصحاب الأفران أو الموزعون أو المستهلكون..
أما هم فأبرياء، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بل إنهم يقدحون رؤوسهم وعقولهم بحثاً عن مخارج للأزمة بعد أن حدثت، فيطرحون أفكاراً وشعارات هلامية ما أنزل الله بها من سلطان، فتارة يضعون شروطاً وقواعد غير قابلة للتنفيذ علي المطاحن والأفران،
وتارة يتحدثون عن فصل الإنتاج عن التوزيع، وتارة أخري يتحدثون عن توصيل العيش إلي المنازل، وتارة يفكرون في وضعه علي بطاقة التموين!! المشكلة يا سادة أن البهوات الذين يحكموننا ويتحكمون في مقدراتنا لا يرون إلا ما هو تحت أقدامهم، وجل عملهم هو البحث عن حلول مؤقتة لواقع مأزوم!! لم يحاولوا في يوم من الأيام أن يسألوا ويسائلوا، ويحاسبوا ويواجهوا بصراحة وشفافية.
إن من حق الشعب المصري الآن أن يعرف الأسباب الحقيقية للعار الذي وصلنا إليه.. ومن هو المسؤول عنه.. نعرف أن أسعار القمح العالمية قد ارتفعت، ولكني أعتقد أن الحكومات - حتي الغبية منها - يجب أن يكون لديها الحد الأدني من استشراف المستقبل وتوقع الأزمات، وأن تكون لديها الخبرة السياسية الكافية لتقدر خطورة أمور لا ينفع عند وقوعها إبداء المبررات والأعذار.
لقد قرأت مؤخراً أن الحكومة كانت قد أصدرت قراراً غبياً منذ عامين بعدم شراء القمح من المزارعين المصريين اعتماداً علي نظرة قاصرة ومحدودة للأمور، واستجابة لبعض أصحاب المصالح الذين ادعوا أن استيراد القمح أرخص وأوفر..
وبالتالي فإن كثيراً من المزارعين المصريين توقفوا عن زراعة القمح وانخفض الإنتاج المحلي إلي ما يقرب من النصف في العام الماضي، وحينما ارتفعت الأسعار العالمية للحبوب، وقعت الواقعة، وانكشف المستور، وأصبح لزاماً علي حكومتنا الذكية أن تدبر المليارات من أجل استيراد القمح، وبالتأكيد فإن لهذه القدرة حدوداً بما يمكن أن توفره من ميزانية الدولة المرهقة!
والآن نسمع التصريحات عن نية الحكومة شراء القمح من المزارعين المصريين بأسعار عالية ومجزية!! بالله عليكم، أليس من حق الشعب المصري أن يعرف من صاحب قرار التوقف عن شراء القمح المحلي، مما أدي إلي انحسار زراعته وانخفاض الناتج المحلي منه؟! ولصالح من صدر هذا القرار إن كان قد صدر؟!
من حق الشعب المصري أن يعرف لماذا تجاهلت الحكومة موضوع زراعة القمح عقوداً طويلة، واستمر هذا التجاهل وعدم الاهتمام حتي الآن.. ففي جريدة «المصري اليوم» يوم الاثنين ٢٥/٢ خبر عن مؤتمر تحت عنوان «استراتيجية إنتاج القمح المصري» نظمته الجمعية المصرية للطحن، غاب عنه كل الوزراء المعنيين بالموضوع، وكذلك بعض المحافظين الذين دعوا لحضوره!! ما معني هذا كله؟
هل السبب في عدم حضورهم هو خوفهم من مواجهة الخبراء والعالمين ببواطن الأمور الذين سينتقدون تجاهل الحكومة سنوات وسنوات للمطالب الوطنية والمخلصة باتباع سياسات تشجع المزارعين علي زراعة القمح والتوسع في زراعته؟ أليس تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح هدفاً قومياً يمكن أن نجمع حوله الشعب؟ أم يا تري هؤلاء الناس لم تعد الدماء تجري في عروقهم، حتي حمرة الخجل لا نراها علي وجوههم؟! لك الله يا شعب مصر الصابر!!
Sunday, March 2, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment