Saturday, March 22, 2008

إنها أزمة مصر كلها وليست المخابز فقط

بقلم د. طارق الغزالي حرب

طالعتنا كل الصحف تقريبًا صباح الاثنين الماضي بأخبار اجتماعات مهمة عقدها السيد رئيس الجمهورية مع كبار وزرائه ومساعديه، لمناقشة قضايا جماهيرية مهمة تفرض نفسها هذه الأيام، لتكون علي قمة اهتمامات الشعب المصري، الذي بدأ - ولأول مرة في تاريخه الحديث - يشعر بأن شبحًا ما يشبه المجاعة قد لاحت ملامحه..
ولعل التناحر والتقاتل بين أهل الوطن الواحد، للحصول علي رغيف خبز هو أحد مظاهره، وقلة أو عدم كفاية الموجود في بيوت المصريين من طعام بفعل غلاء فاحش هما أحد تجلياته.
لفت نظري في عرض الصحف المختصر دائمًا لما يدور في اجتماعات الرئيس، وبعدما أصدر توجيهاته بأن يتولي جهاز الخدمة الوطنية ووزارة الداخلية مسؤولية توزيع الخبز علي المواطنين، أن سيادته صرح بأن المشكلة ليست في توفير الدعم لرغيف العيش، وإنما أزمة المخابز في رأيه هي مسألة «إدارة ورقابة ومحاسبة»
كما جاء علي لسان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية. لقد أصاب الرئيس كبد الحقيقة بالفعل في تصريحه هذا، وإن كنت أتمني أن يكون الرئيس مدركًا أن مصر كلها تعاني بدرجة، لم يسبق لها مثيل من أزمة حقيقية في هذا المثلث، الذي لا تستقيم الحياة في مجتمع ما بدونه، وأعني به (الإدارة - الرقابة - المحاسبة).
أزمة إدارة الدولة المصرية أنها تُركت لمن يتصور أنهم أهل الثقة والولاء، وأبُعد عنها بالعمد أهل الخبرة والانتماء.
أزمة إدارة الدولة أنها تدار بعقلية جامدة متحجرة بحجة الاستقرار، في حين أنها تدفع البلد كله إلي الانهيار!! فلا تغيير ولا أفكار، ولا جرأة علي اتخاذ أي قرار!!
هذا عن الإدارة، أما عن الرقابة والمحاسبة في هذه الدولة، فحدث ولا حرج.. والأمثلة لا تنتهي، ويتعايش الناس معها كأنها قدر مكتوب.. ليبرز في كل حين السؤال الأهم: هل يمكن أن تكون هناك رقابة ومحاسبة في ظل غياب شبه تام للعدالة، وفي وجود طبقة من الناس فوق الرقابة والمحاسبة، بل فوق القانون ذاته؟! هل هناك في أي مكان محترم في العالم أجهزة رقابة تنتظر التوجيهات والتعليمات، لتفصح عن هذا وتُمسك عن ذاك؟!
وحتي إذا قادت المصادفة والغفلة إلي تبوؤ رجل وطني شريف رأس أحد الأجهزة الرقابية يومًا ما، فإن تقاريره لا يستمع لها أحد، بل يسفهها من يظنون أنفسهم أصحاب هذا البلد ومن عليه!! أين هي المحاسبة، وقد تسبب شخص ما من المقربين في غرق أكثر من ألف مصري في مياه البحر،
بإهماله ولا مبالاته ثم يغادر البلد من صالة كبار الزوار، وينعم الآن بملياراته، ويعمل بحرية في العواصم الأوروبية، وتصبح المأساة التي عصفت بآلاف الأسر الفقيرة مجرد جنحة تنظرها محكمة ابتدائية في الغردقة منذ أكثر من عامين؟!
أين هي المحاسبة وفي هذه الدولة وزير أشرف علي إنشاء طريق به من العيوب الهندسية والفنية ما جعله محورًا للحوادث وللموت للمئات علي مدي سنين عديدة، وتنفق عليه الدولة الآن - من جيبها لا من جيبه - مئات الملايين لإصلاحه، ثم تهديه الدولة وسامًا رفيعًا بعد أن قضي سنوات طويلة في وزارته يرتكب ما يشاء من مخالفات ومجاملات؟!
سيدي الرئيس.. ليست المخابز وحدها التي تنتظر حسن الإدارة والرقابة والمحاسبة.. بل هي الدولة بكاملها!!

No comments: