Monday, November 24, 2008

الإخوة الأعداء

بقلم خيرى رمضان

لم نعد شعباً مسالماً يؤمن بأن المسامح كريم.. المسامح جبان وضعيف.. جاهز للضرب على بطنه لأنه بلا ظهر.

حقك بذراعك، حتى ولو لم يكن حقك، ارفع صوتك، اصرخ، ادع أنه حقك وستجد من يساندك ويؤيدك، فنحن نعيش زمن الصوت العالى والقتل السهل.

«معدش حد طايق حد»، لو تقود سيارتك وانحرفت بها مخطئاً أو مضطراً، فستسمع سباباً لا تتوقعه، وليت الأمر يتوقف على السباب، بل قد يتطور ويصبح خناقة، وقد تدفع حياتك الرخيصة ثمناً لها، ستقتل بسكين أو بمسدس، لا فرق فى الغضب بين سائق الميكروباص وضابط الشرطة.

لا تعتقد أنك لو لم تكن تمتلك سيارة ومن فقراء هذا الوطن ستنجو من الإهانة أو الموت، فأمامك طابور «العيش»، ستكون حتماً مثل موظف مجلس مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة، وتفقد حياتك لأنك قاتلت للحصول على خمسة أرغفة لإطعام أبنائك.

فإذا نجوت من الشارع لا تعتقد أنك آمن فى بيتك، فأنت معرض للإهانة من جيرانك، فإذا أحنيت رأسك وتجنبت هذا الصدام، فمن المؤكد أنك ستجده بانتظارك فى بيتك، زوجتك قد تفعلها، فإن لم تفعلها هى، فستفعلها أنت، وقد تفعلانها بالأبناء أو يفعلونها بكما.

العنف لم يعد فردياً بل جماعياً، لم يعد اعتصامات وإضرابات وقطع طرق، بل وصل فى سيناء إلى تبادل القتل بين الشعب والشرطة، هيبة الدولة فى خطر، وكرامة الشعب فى الحضيض، لا يوجد مجال للحوار ولا للقانون، كله ضد كله، لا أحد يطيق أحداً ولا يقبل منه خطأ.

العنف وصل إلى أهل الحوار والأدب، العنف وصل إلى الصحافة بعد التليفزيون.. «المصرى اليوم» تنشر تصويباً لمحمود جامع لكلام نشره فى «صوت الأمة».. خطأ مهنى يحتمل حسن النية، يحتمل عتاباً من الأخيرة للأولى، وعندما يصل إلى مداه، يتحول إلى شكوى فى نقابة الصحفيين، ولكنه تحول إلى سباب واتهامات بالكذب والعمالة والخيانة.

الناقد الكبير سمير فريد اعترض على قبول فيلم «بلطية العايمة» فى مهرجان القاهرة السينمائى، اعتراضه بدون مشاهدة الفيلم قد لا يرضى البعض، ويحتمل الخلاف فى وجهات النظر، ونقد النقد، ولكنه أغضب مؤلف الفيلم، صديقى الكاتب الساخر الفنان الهادئ بلال فضل، ولكن،

وعلى غير العادة، غضب بلال واستل قلم لينهال على سمير فريد بلا رحمة، لم أعهد بلال غاضباً إلى هذا الحد، وقد سبق أن تحمل الكثير من النقد بابتسامة ودودة، ولكن الغضب العام والعنف العام وصل إلى بلال كما وصل إلى الكثيرين.

إلى أين نحن ذاهبون بغضبنا وعنفنا؟ لماذا تحولنا إلى «الإخوة الأعداء»؟ هل من عاقل وهادئ يقول لهذا الشعب «المتخانق مع بعضه»: صلوا على النبى.. وهل الصلاة على نبينا الكريم أو الصلاة لله ستجدى فيما وصلنا إليه؟!

Tuesday, November 18, 2008

قانون إدارة الأصول الجديد

بقلم لميس الحديدى

يتندر البعض داخل الأوساط السياسية بالتفسير «التآمرى» الذى يربط ما بين الإعلان عن مشروع قانون إدارة الأصول الجديد وبين الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة (٢٠١٠ - ٢٠١١) حتى إن أحدهم قال لى: «مش معقول كل حاجة توريث.. توريث حتى لو اتنفسنا تقولوا استعدادًا للتوريث!!».

والحقيقة أننى لا أعيب على أصحاب هذا التفسير ما ذهبوا إليه هذه المرة.. ليس لقناعتى بأن كل شىء من أجل التوريث.. ولكن لأنه لا يوجد أى تفسير منطقى أو اقتصادى آخر لهذا المشروع سوى البحث للحزب والحكومة عن مشروع سياسى شعبى يتواصلون به مع الناس فى وقت فشلت فيه كل المشروعات السابقة.. خاصة أن البدء فى تنفيذ البرنامج سيقترب كثيرًا من موعد الانتخابات التشريعية فى ٢٠١٠.

ومن حق الحزب أن يبحث عن شعبية ومن حق الحكومة أن تبحث عن وسائل وسبل لبقائها واستمرارها واقترابها من الناس.. وكم سنرحب بذلك إذا كانت تلك الوسائل والسبل حقيقية وصادقة تحمل فائدة للطرفين أى للناس وللحزب، ولكن أن يكون مشروع القانون هو مجرد لافتة لما ليس فيه، مضاره أكثر من منافعه فهذا هو ما نقف أمامه.

اللافتة الأولى هنا تتحدث عن توسيع قاعدة الملكية - على الورق هذا صحيح - ولكن السؤال يجب أن يكون: وما فائدة ذلك؟! فهذه هى مجموعة شركات «قانون ٢٠٣» التى فشلت الحكومة فى بيعها إما لأسباب سياسية أو عمالية أو اقتصادية أو حتى لم تطرحها لمعرفة ما إذا كانت قد تلقى إقبالاً، وبالتالى كان التفكير فى التخلص منها دفعة واحدة.. لمن؟!

للشعب المسكين.. ثم يقال لنا إنكم شركاء!! يعنى «حسنة وأنا سيدك» فإذا كنا شركاء حقًا.. فلماذا لا نكون شركاء فى الشركات الرابحة أى البنوك العامة وحصص الدولة. فى الشركات المشتركة وشركات البترول وخلافه.. وهى شركات ستطرحها الدولة لاحقًا وهى الأكبر تحقيقًا للعائد.. فلماذا تشركنى فى الفتات ولا تشركنى فى العائد الحقيقى؟!

ثم ما فائدة توسيع الملكية هنا؟! يذكر د. محمود محيى الدين هنا فوائد الشفافية والحوكمة وتجربة طرح المصرية للاتصالات لكنه فى هذه الحالة يتحدث عن شركة رابحة، محتكرة طرحت الدولة منها ٢٠٪ فتحقق توسيع قاعدة الملكية عن حق.. ثم لا ننسى أن الطرح جاء تطبيقًا لالتزام مصر بتحرير قطاع الاتصالات يعنى التزامًا دوليًا لا يمكننا الفرار منه.. فهو طرح أرغمنا عليه ولم يكن باختيارنا.

فأى من هذه الشركات الموجودة يضاهى المصرية للاتصالات؟! المصرية لتسويق الأسماك، أم رمسيس لإدارة المشروعات أم النيل للكبريت والمساكن الجاهزة؟ وإذا كانت هناك شركات تباهى بها الدولة ضمن المحفظة المجانية «مثل الحديد والصلب والسكر والألومنيوم» فلماذا لم تفكر الدولة فى طرح حصصها فى البورصة من قبل؟ «الألومنيوم مطروح منها حصة ضئيلة لا تسمح بتداول نشط».

من يهمه أن يبقى على اسهم فى هذه الشركات من أصله؟ بنفس الإدارة الحكومية ونفس عدد العمال ونفس المشكلات ونفس الحصة الضئيلة من السوق.. أى مستثمر أو مواطن واع سيعرف أنه من الأفضل أن يتخلص من هذا الصك الآن قبل تدهور قيمته؟

هذا هو ما سيحدث بالضبط ليس فقط لأن المصريين جهلاء - لا قدر الله - «مليون ونصف فقط يتعاملون فى البورصة» ولكن لأن المصريين فقراء يحتاجون هذا المبلغ.. وأقل منه كثيرًا.

ثم ما فائدة توسيع الملكية مع أقلية لا تستطيع أن تغير الإدارة أو تكتشف فسادًا أو تضخ استثمارات؟! وإذا كانت الدولة حسنة النية فلماذا لم تحسن فى أوضاع تلك الشركات قبل توزيعها على الناس.

لقد أدركت الدولة أنها تملك مجموعة من الشركات لا تعرف كيف تتخلص منها كما أنها تريد أن تنهى صداع الخصخصة المزمن ومشاكله فتضرب عصفورين بحجر واحد.. لكن الحجر هذه المرة كان للأسف هو المواطن بدعوى توسيع قاعدة الملكية.

إن المشاركة - أى مشاركة - تقوم على توافق الشركاء ومعرفة الأطراف جميعًا بكل تفاصيل عقد الشراكة.. حقًا وواجبًا وللأسف لن تكفى تلك الصكوك لإحساس المواطن بأنه شريك فى الوطن.. فالدولة اختارت أن تشاركنا فى «الفضل والبواقى».. فيما فشلت فيه.. أما النجاحات فنبحث عن نصيبنا منها فى موازنة الدولة إذا بقيت.

Saturday, November 15, 2008

أخطاء غير قابلة للإصلاح

بقلم د. طارق عباس

فى كل لحظة وكل ساعة وكل يوم، يأتينا الحزب الوطنى بما لم يستطعه الأوائل، ويعلمنا ما لم نكن نعلم، ويبعث لنا من قاعدة الفكر الجديد التى ينفرد وحده بامتلاكها صواريخ من طراز غريب اسمها صواريخ (طحن شعب) منتجة محليًا بمصانع (شيلنى واشيلك) ذات رؤوس ملتوية، متعددة الأبعاد، تتمتع بقدرة خارقة فى التأثير على جميع المواطنين..

وأخطر هذه الصواريخ على مصر وعلى حاضرها ومستقبلها - من وجهة نظرى - هو هذا القرار العجيب الذى ولد فجأة، وعلمنا به فجأة، واتخذت فيه الخطوات بسرعة مذهلة، برعاية حكومة الحزب الوطنى وقياداته، وهو وضع أول برنامج من نوعه لإدارة الأصول المملوكة للدولة، الذى بمقتضاه يتم منح كل مواطن مصرى - فى الداخل أو فى الخارج - حصة مجانية من الأسهم فى قطاع الأعمال العام، من خلال صك يستفيد منه كل من بلغ ٢١ سنة أو أكثر.

أما القصر فسيحال نصيبهم لصندوق يسمى (صندوق الأجيال المقبلة)، ويسمح البرنامج ببيع الصكوك بمجرد الحصول عليها، وطرحها فى البورصة مع استبعاد الشركات الخاسرة من الطرح، والحقيقة أن خطورة هذا القرار تتبدى فى الأمور التالية:

أولاً: إن وجود برنامج جديد للخصخصة يعنى الاستمرار فى نفس السياسة الفاشلة التى أثبتت عدم جدواها، وسيكون الفرق الوحيد بين البرنامج القديم للخصخصة والبرنامج الجديد أن الأول كان يسمح ببيع الشركات والبنوك بالجملة لمستثمر واحد أو عدد من المستثمرين.

أما البرنامج الجديد فسيفتت الملكية ويجعل من الشعب المصرى وسيطًا فى بيع هذه الأسهم، لأن أول ما سيفكر فيه المحتاجون فور تسلمهم الصكوك هو بيعها مرة أخرى ليشتريها الملاك الجدد، لكن بموافقة المصريين وبكامل إرادتهم، وبصراحة كان يكفينا من الحزب الحاكم مغرفة واحدة، بعد إهدار المال العام، وتضييع إنجازات الأميرة فاطمة وسعد زغلول وطلعت حرب وجمال عبدالناصر، والكشف عن عمليات تخريب وإفساد وفضائح ارتكبت مع كل صفقة بيع، وإلا فبم نفسر بيع عمر أفندى بكل فروعه ومخازنه وأراضيه الفضاء وأقساطه المستحقة، بهذا المبلغ الزهيد (٥٩٠ مليون جنيه) هو ثمن مبنى واحد منه؟

بماذا نفسر خصخصة ميناء العين السخنة بعد أن أنفق عليه حوالى مليار دولار؟ بماذا نفسر بيع فندق آمون بأسوان، بقيمة ١٥ مليون جنيه، رغم أن قيمته الإيجارية ٢ مليون جنيه سنويًا كانت تدخل لخزينة الدولة؟ لماذا بيع فندق (سونستا) بمبلغ ٨ ملايين جنيه، علمًا بأن قيمة الأرض المقام عليها الفندق قدرها بعض الخبراء بحوالى ٢٤ مليون جنيه؟ أفهم أن الشركات الخاسرة تباع من أجل عيون الناس لكن لمصلحة من تباع الشركات الرابحة؟

لمصلحة من بيع بنك الإسكندرية والبنك المصرى الأمريكى ووضع معظم شركات الأسمنت والأدوية فى يد المستثمرين الأجانب؟ لمصلحة من بيعت المراجل البخارية والأهرام للمشروبات والنصر للغلايات والموانى وشركات النقل البحرى وبعض قطاعات الغزل والنسيج وأكثر من ١٩٢ شركة بمبلغ ١٧ تريليون دولار، رغم أن قيمتها الفعلية تصل إلى حوالى ٥٠٠ تريليون دولار؟ وكل ذلك وغيره يعنى أن الاستمرار فى سياسة الخصخصة ولو بشكل آخر هو مزيد من الإهدار لما تبقى للمصريين.

ثانيًا: حسبما فهمت من البرنامج المُعلن عنه، أن الشركات الخاسرة ستستبعد من الطرح، وبالتالى لا يصبح من حق المواطن امتلاك أسهم هذه الشركات، والسؤال هنا: ولمن سيؤول حق امتلاك هذه الشركات الخاسرة؟ وهل يعنى هذا أن الشركات الرابحة ستكون ملكًا للمصريين، والشركات الخاسرة التى ستصبح رابحة فيما بعد، ستكون من حق المرضى عنهم والمسموح لهم بالتجارة فى مقدراتنا؟

ثالثًا: ما مصير أولاد الشوارع ومن يسكنون فى النجوع والكفور ممن لا يحملون بطاقات شخصية ولا يعرفون أى شىء مما يدور حولهم؟ هل سيحرمون من نصيبهم فى الكعكة؟

رابعًا: شركات قطاع الأعمال هى بالفعل مملوكة للدولة، وبالتالى هى ملك الناس تدار لصالحهم وبمعرفة خبراء ومتخصصين، فلماذا كل هذا الإصرار الغريب على تفتيتها بهذه الصورة؟ وكيف يتمكن شعب تحاصره أمية العامة والمثقفين من اتخاذ قرار بيع الأسهم أو عدم بيعها؟ لقد أثبتت الرأسمالية العالمية أنها فى حاجة إلى تغيير شامل، ولجأت الدول الكبرى لتأميم بعض شركاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو ما يعنى شبه ارتداد عن بشاعة النظام الرأسمالى الحالى، وهو ما يعنى كذلك عدم جدوى هذه السياسات الظالمة فى مصر.

يا قادة الحزب الوطنى بيع مصر للمصريين يعنى أنهم غرباء عنها، وهو أمر غير مقبول شكلاً وموضوعًا، فليس من المعقول أن يباع للمالك ملكه، وأتمنى وليس بكثير على شرفاء هذا البلد من أعضاء الحزب الوطنى، ومن المعارضة ومن جمعيات المجتمع المدنى، ومن النقابات المختلفة أن نشكل جميعًا حائط صد، لمواجهة صواريخ الحزب التى تميتنا ونحن أحياء، قبل أن تضيع مصرنا، لأننا تجاوزنا الأخطاء الممكن علاجها إلى أخطاء غير قابلة للإصلاح.

ويسألونك عن التغيير

بقلم أسامة هيكل

لم تكن مفاجأة لأحد أن يعاد اختيار الدكتور أحمد فتحى سرور رئيسا لمجلس الشعب.. ففى مثل هذا الوقت من كل عام وعلى مدى ١٩ عاما تجتمع الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى وتختار سرور رئيسا للمجلس، ثم تبدأ الدورة البرلمانية ويتم التصديق على هذا القرار فى صورة انتخابات، وتنشر الصحف صور الدكتور سرور وهو يتلقى التهانى..

ولو كانت موسوعة جينيز للأرقام القياسية تهتم بأطول مدة قضاها شخص رئيسا لبرلمان على مستوى العالم لكان الدكتور سرور صاحب اللقب بلا منازع.. ولو أعطانا الله العمر وأعطاه سيفوز بهذا المنصب العام القادم والأعوام التالية مادام النظام بتركيبته الحالية.

وخلال حكم الرئيس مبارك تولى رئاسة المجلس ٤ رؤساء فقط، فقد كان الدكتور صوفى أبوطالب رئيسا للمجلس منذ ١٩٧٨ حتى ١٩٨٣، ثم تولى الدكتور محمد كامل ليلة رئاسة البرلمان عاما واحدا، ثم تولى الدكتور رفعت المحجوب منذ ١٩٨٤ حتى ١٩٩٠.

والثلاثة – رحمهم الله – رأسوا المجلس معا ١٢ عاما فقط، أما الدكتور سرور – أمد الله فى عمره – فقد اعتلى منفردا منصة المجلس ١٩ عاما كاملة ومتواصلة دون كلل أو ملل.. وهذه السنوات التسع عشرة تعادل ثلث حياة الدكتور سرور العملية التى تمتد ٥٥ عاما، فقد تخرج عام ١٩٥٣ فى كلية الحقوق، وعمل لمدة ٤ سنوات وكيلا للنائب العام، ثم انضم لهيئة تدريس كلية حقوق القاهرة عام ١٩٥٩، وتولى مناصب عدة بها حتى أصبح عميدا للكلية عام ١٩٨٣، وبعدها أصبح وزيرا للتعليم منذ عام ١٩٨٦ حتى ١٩٩٠.. ثم دخل مرحلة الاستقرار كرئيس لمجلس الشعب المصرى.

وطبعا الدكتور سرور - وهو شخص خفيف الظل شديد الذكاء وخبرة قانونية لاجدال فيها - ليس الشخص الوحيد فى مصر المؤهل لتولى رئاسة السلطة التشريعية.. ولكنه الأفضل من وجهة نظر النظام، وكل عام يمر فى رئاسة الدكتور سرور للمجلس يعنى – بالنسبة للنظام الذى يصر عليه – خبرة أكبر فى التعامل مع مجلس أغلبيته الدائمة من رجال النظام..

ولو كان الأمر يعتمد على الديمقراطية والتصويت فقط لأمكن لأى نائب أن يتولى هذا المنصب حتى ولو كان من المعارضة، وستكون النتيجة محسومة لصالح النظام والحزب الحاكم، ولكن الدكتور سرور يستطيع ببراعة أن يجد المخرج القانونى من كل مأزق، ويستطيع دائما أن يجد المبررات لتمرير رغبات الحكومة مهما كانت ضد إرادة الشعب، بدليل قرارات ٥ مايو الماضى والتى وافق عليها المجلس خلال ساعتين، وانحاز فيها المجلس بقيادة سرور للحكومة ضد الشعب الذى كان بكل طوائفه يرفض رفع الأسعار، وهذه البراعة يقدرها النظام للدكتور سرور ويترجمها فى استمرار رئاسته للمجلس.

وهنا يجب على النظام أن يسأل نفسه لو كان يفكر فى المستقبل: من هو الخليفة الذى يمكن أن يلعب دور الدكتور سرور لو لم يتمكن الدكتور سرور من أداء مهامه كرئيس للمجلس لأى سبب؟ هل يغلق المجلس وتتوقف الحياة؟ أم يضطر النظام وقتها للمغامرة برئيس جديد للمجلس؟

الحقيقة أن استمرار الدكتور سرور رئيسا للمجلس ١٩ عاما لايعنى إلا أن التغيير مجرد مزاعم وأكاذيب.. فلا شىء قابل للتغيير فى مصر، ولاتوجد رغبة حقيقية فى التغيير.. فالنظام يتعامل مع رجاله بمنطق العشرة – بكسر العين – وباعتبار أن «اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش»..

فالنظام لايجرؤ على تصور وجود شخص آخر رئيسا لمجلس الشعب خوفا من عدم قدرة هذا الشخص على لعب نفس دور الدكتور سرور بنفس الكفاءة.. وهذا هو نفس المنطق الحاكم عند الحديث عن أى تغيير، فالحكومة مثلا لاتتغير مهما ارتكبت من أخطاء، ومهما ضاق الشعب بها، ولو حدث التغيير يكون لأسباب غير معروفة لدينا كمواطنين .

وأنا شخصيا ضد تغيير الأشخاص لمجرد الزعم بأن تغييرا ما يجرى، فالمطلوب تغيير فى السياسات وتغيير فى شكل العلاقة بين المواطن والحكومة ومختلف مؤسسات الدولة.. ولكن تغيير السياسات والأفكار يستتبعه بالضرورة تغيير فى الأشخاص، بحيث يتبنى المسؤولون الجدد تلك السياسات الحديثة التى تؤدى للتغيير وتضمن تحقيق مستقبل أفضل..

أما استمرار الأشخاص لسنوات وسنوات فهو يعنى استمرار نفس النهج الذى مل الناس منه، وتسبب فى اتساع الهوة بين المواطن والحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة بدرجة يصعب رصدها.

وتثبيت السياسات والأشخاص معا لعقود طويلة، يعنى عدم القدرة على إحداث أى تغيير، ويعنى مزيدا من البعد بين مايقال ومايحدث ونشعر به، فالمصريون الآن يشعرون أنهم خارج اللعبة، يرفضون فلا يستجاب لرفضهم، ويصرخون فلا يسمع صراخهم أحد، وهذا وضع يؤدى لكارثة لامحالة.

ياسادة.. نحن نحتاج تغييراً حقيقياً، فعلا وقولا.

ويادكتور سرور.. ألم تشعر بالملل ولو مرة واحدة طوال ١٩ عاما؟

مرة ثانية.. «شوفتوا المساخر»

بقلم د. طارق الغزالى حرب

م يكن مفاجئاً لى ما كشفته صحيفة «الفجر» فى عددها الأخير عن حقيقة شقق ملياردير الحزب الوطنى وأمين تنظيمه أحمد عز، التى ظل الإعلام الحكومى المتمثل فى القناة الثانية للتليفزيون المصرى طوال شهر رمضان يطبل لها ويزمر ويرقص على أنغام «دقوا المزاهر»، وهو يعلن كل ساعة عن شركات وإنتاج مصانع عز، فى ثنايا حلقات عبارة عن مسابقات بين شباب مصرى مكافح، شاء حظه العاثر أن يولد ويترعرع فى عصر سُحقت فيه الطبقات الوسطى والفقيرة حتى صار حقهم فى الحصول على شقة مناسبة ضرباً من الخيال أو حلماً من الأحلام.

فقرر أن يخوض التجربة بما فيها من إراقة لماء الوجه على الهواء مباشرة وأمام ملايين المشاهدين أملاً فى الحصول على شقة فى مكان متميز -كما تقول إعلانات عز- يكملون فيها نصف دينهم.

أقول لم يكن مفاجئاً لى كل ما جاء فى هذا التحقيق الجرىء الذى أفسح له الصحفى الفذ الشجاع عادل حمودة الصفحة الأولى فى جريدة «الفجر»، والذى أعرب فيه العديد من الذين حازوا هذه الشقق عن خيبة أملهم وصدمتهم فى «الأماكن المتميزة» التى تقع فيها وفى مساحاتها وفى تشطيباتها وفى المندوبين الذين أرسلهم قطب الحزب الوطنى الكبير لتسليم الشقق لهؤلاء المحظوظين الواهمين..

وكنت أقول دوماً لمن أناقشه فى موضوع هذا البرنامج أثناء عرضه سترون ماذا سيقدم هذا الملياردير الذى لا يرى إلا نفسه ومصالحه الخاصة ولا ينظر إلا إلى موضع قدميه.

وأنا هنا لن أستفيض فى وصف هذه الشقق ولا أماكنها ولا الطريقة التى تمت بها عملية التسليم للشباب، فمن يرد أن يعرف كل هذه التفاصيل المحزنة والمهينة فليرجع إلى التحقيق بصحيفة «الفجر»، ولكنى فقط أريد أن أوضح أن ما لم أكن أتوقعه مطلقاً ولا أتخيله أن يكون العديد من هذه الشقق هو فى عمارات الإيواء والطوارئ لمختلف المحافظات! وأن يكون بعض آخر من هذه الشقق فى «مشروع مبارك» لإسكان الشباب وهى شقق لا تزيد على ٥٧ متراً فى صحراء جرداء وتحت الإنشاء!

السؤال المهم هنا هو: كيف حصل أمين تنظيم الحزب الأوحد على هذه الشقق المفترض أن يكون توزيعها وطريقة الحصول عليها سواء من الأجهزة المحلية أو هيئات التعمير التابعة لوزارة الإسكان يخضع لقواعد وشروط صارمة، وتحت رقابة أجهزة حكومية، حتى تصل هذه الشقق إلى مستحقيها فعلاً من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة وقاطنى العشوائيات والمقابر؟!

من يا ترى خصص لملياردير الحزب الوطنى هذه الشقق من حصة الغلابة حتى «يتمنظر» بها على الشعب المصرى المسحوق والذى يبدو فى السنوات الأخيرة فى حالة من البلاهة والغيبوبة لا تبدو لها نهاية فى الأفق المنظور؟!

لقد نشرت صحيفة «الفجر» صورة عقد إحدى هذه الشقق الذى يظهر بوضوح أنها إحدى شقق مشروع إسكان مبارك للشباب تحت الإنشاء التى لا تزيد مساحتها على ٥٧ متراً، وأن هؤلاء الشباب الذين امتلأت بهم حلقات البرنامج على مدى الشهر الكريم تنطبق عليهم شروط استحقاقها بمقدمات بسيطة وتقسيط مريح.. فلهفى عليك يا مصر.

Sunday, November 9, 2008

قال إن مصر لم تعد دولة عظيمة.. فاروق الباز يدعو المسئولين في مصر إلى الاعتراف بالفشل وترك مواقعهم للشباب

أكد عالم الجيولوجيا المصري الدكتور فاروق الباز، أن مشروعه الذي أعده منذ سنوات عن "ممر مصر للتنمية والتعمير" يمكن إنجازه في خلال خمس سنوات، ليكون وسيلة تأمين للأجيال القادمة في مصر، حيث من المتوقع أن يقوم باستيعاب 50 مليون نسمة.
ويمتد المشروع لنحو 1200 كيلو ويربط بين شمال مصر وجنوبها، وهو قائم على أساس مد قنوات من نهر النيل إلى الصحاري الغربية بشكل عرضي لتوصيل المياه إلى الصحراء، ويقترح الباز بناء مدن ومنشآت ومؤسسات وجامعات لتجذب الناس إليها وتخفف من زحام العاصمة والمدن الكبرى.
وانتقد الباز في حوار لفضائية "الحياة" الأوضاع التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، وأضاف: للآسف مصر لم تعد عظيمة، وفي وضعنا الحالي ليس عندنا حضارة، مشيرا إلى أنه لكي يتحقق ذلك لابد من توافر ثلاث مقومات، وهي: وجود فائض من الغذاء، وتقسيم العمل بين أفراد الشعب، وتوافر الحياة الكريمة في المدن لتساعد على ظهور مفكرين وأشخاص مبدعين.
لكنه مع ذلك أبدى تفاؤله بإمكانية أن تستعيد مصر مكانتها، وأن نعيد إليها بأيدينا عظمتها، خاصة وأن الخامة المصرية الأصلية مازالت موجودة في شبابنا، وأنها هذا يعطيه إحساسا بالتفاؤل، "لأن مصر مرت بسنوات انحطاط أكثر مما نحن فيه الآن وقمنا من جديد، وهذا يكفي أن نعود مرة أخرى ونعلو عن أي بلد في العالم".
واقترح الباز حلولاً لخروج مصر من كبوتها، وفي مقدمتها التعليم من خلال الإنفاق بسخاء عليه، كي تظهر عندنا كوادر ورواد في حركة التغيير لمستقبل أحسن لمصر، كما شدد على أهمية الزراعة في النهوض بمصر، واستدرك، قائلا: إن كنا الآن ليس لدينا الغذاء الكافي ونستورده بكميات مهولة من الخارج، فلابد من زيادة الرقعة الزراعية في مصر بشتى الطرق لتوفير احتياجاتنا من الغذاء.
واتهم الباز، أبناء جيله بالفشل الذريع في تحقيق آمال الشعب العربي، وطالب بمنح الفرصة للجيل الجديد كي يدير المؤسسات، وعلينا أن نبتعد لأننا لا نصلح لتغيير هذا الوطن ودفعه للأمام.
وانتقد المؤسسات الحكومية، وحملها المسئولية عن حالة الفشل الراهنة، وقال: فشلنا لأننا اعتمدنا على المؤسسات والحكومات ونسينا الفرد، وكان علينا أن نترك حرية الإبداع للأفراد ولا نعتمد على المؤسسات التي فشلت في تقدم هذا البلد، وللآسف مازالت مستمرة في فشلها إلى أن أصبحت حالياً مؤسسات "مسوسة وفاسدة".
وحث المسئولين على ضرورة الاعتراف بالفشل، والتراجع عن المركز القيادية وضرورة إعطاء الفرصة للشباب لإصلاح هذه المؤسسات ومساعدتهم على أن يعملوا بحرية لمزيد من الإبداع والتطوير .
وأشار الباز إلى أنه كان مستعدا للعودة إلى المصر بعد أن حصل على الدكتوراه، وإنه كان على استعدادا لإنشاء مدرسة تكنولوجية ليس لها مثيل في العالم، وإنه شحن 4 طن صخور لهذا الغرض، وكان سيأتي لهذه المدرسة طلاب من الولايات المتحدة، لكنه – والكلام له- عاد عن فكرته بسبب عدم توافر المناخ الملائم، وعدم وجود ترحيب من المسئولين، ما دفعه إلى الهجرة ثانية، "لكن مازال عندي آمل في العودة لتنفيذ مشروع مصر للتنمية ومشروع المدرسة التكنولوجية".
من ناحية ثانية، أبدى العالم الكبير رأيه في الانتخابات الأمريكية، قائلا: أوباما جعل الأمريكان يشعرون بأنهم قادرون على التغيير والتطوير، واعتمد على شباب الجامعات لأنهم هناك ينتخبون تحت سن الـ 18 عاما، وهم جيل يرفض سياسة الرئيس الحالي جورج بوش ويكرهها، وكان 22% فقط المعجبين به.
وأضاف: ولأن ماكين لم يكن سيغير شيء لأنه مثل بوش آتى بفكر الحرب، فرفض الشباب برنامجه،بينما أوباما بذكائه دعا إلى التغيير، ولم يتحدث عن العنصرية بل لعب على وتر أن أمريكا للأمريكيين، فأبهر الناس هناك وفكرهم بالزعيم نيلسون مانديلا.
وأعرب الباز عن اعتقاده بأن أوباما قادر على إبهار العالم، ولكنه كأمريكي سيغلب مصلحة بلاده على الجميع.

Tuesday, November 4, 2008

الانتخابات الامريكية: المقاومة فرضت التغيير

عبد الباري عطوان

سنتعرف في الساعات الأولى من فجر هذا اليوم على هوية الساكن الجديد للبيت الأبيض، حيث ترجّح جميع استطلاعات الرأي انه سيكون باراك أوباما. ولا نبالغ إذا قلنا، اننا كعرب ومسلمين، كنا الناخب الرئيسي الخفي الذي حسم نتيجة هذه الانتخابات، مثلما سيحدد ملامح سياسات الادارة الأمريكية الجديدة، حتى لو جاءت النتائج عكس جميع التوقعات.
وعندما أقول العرب والمسلمين، فإنني لا اقصد انظمة الحكم، وانما الشعوب المغلوبة على أمرها، والمحكومة بالاستبداد والقمع، وبالتحديد المجموعات الحية التي قررت شق عصا الطاعة على الهيمنة الأمريكية، وحملت سلاح المقاومة ضد مشاريعها الاستعمارية في العراق وافغانستان وجنوب لبنان وفلسطين المحتلة.
التغيير الذي سيبدأ في أمريكا اعتباراً من اليوم على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، والاجتماعية، ربما كان سيتأجل لعقود قادمة، لو أن القرن الأمريكي الجديد تكلل بالانتصار، وسارت الأمور بالطريقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق وافغانستان، أي استقرار سياسي وازدهار اقتصادي، وخنوع كامل لمواطني البلدين المستهدفين من قبل المشروع الأمريكي.
حرب الاستنزاف التي شنتها جماعات المقاومة في البلدين، والانتصار الكبير الذي تحقق ضد الآلة العسكرية الاسرائيلية الجبارة في لبنان، وصمود أهل الأرض المحتلة في مواجهة خطط التجويع والحصار، كلها عوامل أدت منفردة، أو مجتمعة، الى افلاس الولايات المتحدة اقتصادياً بعد افلاسها عسكرياً وسياسياً، الأمر الذي دفع بالشعب الأمريكي إلى البحث عن عجلة انقاذ تخرجه من أزماته الحالية، وتقوده إلى بر الأمان الذي يتطلع إليه.
إذا فاز أوباما اليوم، فإن كاريزمته السياسية، وبلاغته الخطابية، وذكاءه الفطري الحاد، ليست كلها او وحدها التي أدت إلى فوزه، ووصوله إلى أقوى زعامة في العالم، بل زعامة العالم بأسره، بل هي الهزيمة الساحقة التي الحقها العرب والمسلمون بالادارة الأمريكية السابقة، وجعلها مكروهة أمام مواطنيها اولاً، وأمام العالم بأسره.
فلو سارت الأمور بالطريقة التي أرادها، وخطط لها جورج بوش، وديك تشيني والمحافظون الجدد في كل من العراق وافغانستان، وأقاموا دولة فلسطينية مسخا بشروطهم، لما تقدم أوباما في استطلاعات الرأي بأكثر من سبع نقاط على الأقل، ولما اتيحت له فرصة الاقتراب من البيت الأبيض.
وحتى إذا افترضنا ان الشعب الأمريكي، أو قطاعاً كبيراً منه، قرر أن ينحاز إلى جذوره العنصرية، وصوّت في الاقتراع السري بطريقة مختلفة، وللشخص الذي لم يصوت له في استطلاعات الرأي العلنية، أي لصالح جون ماكين، الجمهوري اليميني المتطرف، فإن هذا الخيار سيعني استمرار المأزق، وتفاقم المخاطر، وانهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وان كنا، وما زلنا نعتقد بأن الشعب الأمريكي لن ينحرف إلى هذا الخيار، بعد أن اكتوى بنيران الجمهوريين ومحافظيهم الجدد وسياساتهم الدموية لأكثر من ثماني سنوات.

أيا كان الرئيس الأمريكي الجديد، فإنه سيجد نفسه في مواجهة مع العرب والمسلمين، فإذا أرادها مواجهة عسكرية، فهذا يعني استمرار الأوضاع على حالها، أي المزيد من الخسائر، وإذا أرادها مواجهة سلمية تقوم على الحوار والتفاهم، والاعتراف بالأخطاء واظهار كل جوانب الاستعداد لاصلاحها وبما يرضي جميع الاطراف، ويحفظ مصالحهم، فإنه سينقذ نفسه، وينقذ بلاده، وينقذ العالم بأسره من شرور الادارة السابقة.
صحيح أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون مشغولاً في سنواته الأولى بالأوضاع الداخلية الأمريكية، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، واصلاح ما افسدته الادارة السابقة، واعادة الهيبة والاحترام لزعامة البيت الأبيض، ولكن حتى هذه المهمة تحتاج إلى تعاون قوي، وعلى أسس جديدة مع العرب والمسلمين وشعوبهم على وجه التحديد.
بمعنى آخر، سيحتاج الرئيس الأمريكي الجديد الى مخزون الثروة العربي الهائل الناجم عن عوائد النفط ، لاخراج الاقتصاد الأمريكي من عثراته، كما سيحتاج الى نفوذهم واحتياطاتهم النفطية الهائلة لتخفيض اسعار الطاقة، وفق معدلات معقولة، تساعد على عودة الحياة الى شرايين الانتاج الصناعي المتيبسة، واسواق المال التي تعاني من سكرات الموت البطيء بعد ازمة الرهونات، وتحويل اقتصاد العالم وبورصاته الى كازينوهات للمقامرين، الأثرياء والفقراء في آن.
غوردون براون رئيس وزراء بريطانيا، ووزير خزانتها لأكثر من عشر سنوات كان اول من اعترف بهذه الحقيقة، وشدّ الرحال الى عواصم الثروة العربية في الوقت الراهن، اي المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة، مستجديا مساعدتها، من حيث توظيف فوائضها المالية الهائلة في الاسواق الغربية، وصندوق النقد الدولي لتوفير السيولة اللازمة لتخفيف حدة الانهيارات الاقتصادية الحالية، وتخفيف آثار الانكماش الاقتصادي في العالم الرأسمالي الغربي.

الرئيس الامريكي الجديد سيحذو حذو الحليف البريطاني حتما، فلا خيار آخر امامه، وسيدرك جيدا ان اسرائيل التي ابتزت امريكا والغرب لأكثر من ستة عقود هي اساس معظم العلل والمصائب التي يعيشها الغرب حاليا بسبب سياساتها الاستفزازية الدموية، وان مصلحة بلاده ليست في شن الحروب لاذلال العرب والمسلمين في حروب صليبية باهظة التكلفة، وانما بمواجهة صريحة مع الاسرائيليين في الارض المحتلة، يقول لهم فيها 'كفى' كبيرة مدوية، كفى احتلالا، كفى اغتصابا، كفى قتلا، كفى استهتارا بالشرعية الدولية وقوانينها، كفى تعطيلا لعمليات السلام، كفى استيطانا في اراضي الغير، كفى عدوانا على الجيران.
العرب الرسميون يجب ان تكون مساعدتهم للرئيس الامريكي مشروطة بحدوث تغيير في سياساته في المنطقة، وإلاّ فإنهم سيخسرون مثلما سيخسر هو في نهاية المطاف، لان القوى التي هزمت المشروعين الامريكي والاسرائيلي ما زالت موجودة، بل وتزداد قوة وانتشارا.
التغيير الذي سيجتاح امريكا وسياساتها وهويتها المستقبلية لن يتوقف عند الحدود الامريكية، وانما سيتعداها الى الخارج، وسيصل حتما الى المنطقة العربية التي ظلت عصية عليه،ومغلقة بإحكام امام كل عواصف الديمقراطية والاصلاحات السياسية والاقتصادية. فالذي منع وصول التغيير الى هذه المنطقة دون بقاع العالم الاخرى، هي الإدارات الامريكية المتعاقبة المتحالفة مع انظمة الفساد والقمع، والآن نحن امام ادارة امريكية جديدة تريد انقاذ نفسها، والتعلم من اخطاء سابقاتها لانقاذ بلادها وشعبها.
نحن الآن لا نقف امام رئيس جديد، وإنما امام امريكا جديدة، وعالم جديد مختلف تماما، عالم لم تعد تسيطر عليه امريكا، عالم يشهد نمو اقطاب جديدة، ونمور اكثر شراسة وتعطشا للصعود. عالم تنتصر فيه جماعات مقاومة صغيرة، بأيديولوجية قوية متطرفة في ايمانها، على قوى عظمى، وتقودها الى الافلاس الكامل.
العالم يتغير بسرعة، وحقائق جديدة بدأت تطل برأسها، وتفرض نفسها على معادلات القوة والثروة فيه، والفضل في ذلك يعود جزئيا، ان لم يكن كليا، الى من هزموا مشاريع الهيمنة الامريكية ومحافظيها الجدد والقدامى على حد سواء.

سيناريو عربي مكرر

محمد كريشان

ما أعلنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مؤخرا من قرب تعديل لدستور بلاده ليسمح له في الحقيقة بمدة رئاسية ثالثة، لم يكن الدستور الحالي يتضمنها، يمثل تدشينا لسيناريو معروف في كثير من دول العالم الثالث وإن بات اختصاصا عربيا بامتياز في السنوات الماضية.
مقدمة هذا السيناريو تقوم على الترويج قبل سنوات من الاستحقاق الرئاسي، وهو في الحالة الجزائرية العام المقبل، بأن الرئيس يعتزم على الأرجح عدم الخضوع لأحكام الدستور في عدم تسيير البلاد لأكثر من مدتين رئاسيتين، وهي المادة التي تضعها في الغالب كل الديمقراطيات في العالم لضمان تداول سلمي على السلطة يمنع جنوح من هو على رأس هرم الدولة إلى الخضوع لأهوائه ومصالح الفئات التي تدعمه أو كانت أوصلته إلى السلطة ليستمرئ البقاء فيها. الرئيس هنا لا يفصح عن شيء من هذا، ولا يتعدى الأمر في بدايته مجرد إشاعات تحتمل الصدق أو الكذب ثم تزدهر بورصة التكهنات بين قائل إن الرئيس لن يفعلها وبين مؤكد أن الأمر حسم ولم تبق سوى تفاصيل الإخراج.
الخطوة التالية تبدأ بمقال هنا أو هناك أو تصريح صحافي من هذا المسؤول أو ذاك يقول إن مسيرة الاستقرار والتنمية التي تنعم بها البلاد ، والتي شهد بها العالم كله طبعا، تقتضي أن يواصل ربان السفينة القيادة وأن النصوص التي تحكم دواليب الدولة ليست محنطة أو مقدسة فهي مهيأة للتعديل بما يخدم المصلحة العليا للوطن وهي المصلحة التي تتمثل بطبيعة الحال في أن يستمر الرئيس رئيسا.
هذا التصريح أو المقال يمثل في الحقيقة شرارة انطلاق حملة، عفوية كما هو معروف، من منظمات وهيئات ونقابات وأحزاب تناشد السيد الرئيس الترشح لولاية رئاسية جديدة، في خطوة عجيبة في عالمنا لأنه يفترض ألا يطالب أحد أحدا علنا وفي وضح النهار بخرق القانون فما بالك إذا كان هذا القانون هو النص الأعلى في البلاد. تنتشر في هذا الاتجاه المقالات والتصريحات وربما المظاهرات المطالبة بمواصلة قيادة الرئيس للمسيرة المظفرة. لكن الرئيس أمام كل هذا لا يقول شيئا فتزداد الحماسة أكثر فأكثر وتنتقل رويدا لقبة البرلمان ليشير هذا النائب أو ذاك لضرورة التجاوب مع هذا المطلب الشعبي الجارف.
يزداد الاستحقاق الرئاسي قربا وتزداد المطالب إلحاحا إلى أن يخرج الرئيس في مناسبة ما ليهمهم بكلمات ليست واضحة تماما تفيد بعد فك طلاسمها أن الرجل يعتزم التجاوب مع هذه الرغبة الشعبية الجارفة فيكون ذلك إيذانا ببدء العملية الإجرائية العلنية لتعديل الدستور، على أساس أن هناك من انطلق قبل مدة في السر في ترتيب كل التخريجات القانونية الممكنة. بعدها تخرج المظاهرات وتنهال البرقيات والمواقف التي تشكر السيد الرئيس على تفضله بالتجاوب مع الرغبة الشعبية في التمديد لعهده الميمون. هذه التعديلات ستعرض إما على الشعب مباشرة في استفتاء لا يمكن أن يخيب آمال المبادرين به أو على البرلمان فقط إذا كان 'الوقت ضيقا' كما الحالة الجزائرية والمهم هنا أن ما من أحد في كل هذا الحديث عن التعديلات الدستورية يشير إليها على أساس أن بيت القصيد فيها هو التمديد للرئيس إذ تزدهر التنظيرات القائلة بأن الهدف من هذه التعديلات هو إحكام سير دواليب الدولة والمزيد من تطوير المؤسسات الدستورية ولم لا، في الحالة الجزائرية، حماية رموز الثورة وإعلاء مكانة المرأة!!
وفي نهاية المطاف تسير الحبكة كما رسم لها دون أن يكدر صفوها سوى أصوات بعض الحاقدين في الداخل والخارج من الذين يغيظهم جدا نجاحات البلاد وتألقها. تكرر هذا في أكثر من بلد عربي وكلما نجح مع رئيس إلا وقال غيره ولم لا أنا أيضاّّ؟!! آخرهم كان بوتفليقة ولن يكون آخرهم بالتأكيد فيما لم يبق من المطالب الديمقراطية في الوقت الحاضر سوى المناداة فقط بتحسين هذا السيناريو ومحاولة تطويره أو ابتكار غيره لأننا مللنا تكراره... وفي نسخ متعددة كل واحدة اردأ من سابقتها.

التجربة الماليزية (8)

ياسر الزيات

واصل مهاتير هجومه علي الثقافة الغربية، إلي حد وصفها في كتاب له صدر عام 1994 بالاشتراك مع شيناترو إيشيهارا، بـ «الانحطاط الحضاري» وقال إنه «علي الولايات المتحدة الاستفادة من دروس النجاح في شرق آسيا، وقبول القيم الآسيوية وليس الالتفاف عليها».
وتكمن أهمية تجربة مهاتير محمد في أنه لم يكتف بوضع أفكار نظرية مجردة بل ترجمها فعليا في شكل سياسات قابلة للتنفيذ، وربما كان دخوله السياسة من بوابة الطب عاملا مهما في اعتماده التفكير العلمي منهجا للتنمية والحكم معا، وإيلائه اهتماما خاصا بتحويل ماليزيا من بلد زراعي يعيش علي زراعة المطاط وتصديره إلي نمر اقتصادي يعيش علي تصدير التكنولوجيا، ويجني منها عائد صادرات قيمته 59 مليار دولار سنويا ويحقق فائضا في ميزانه التجاري قيمته 25 مليار دولار سنويا، ويصل دخله القومي إلي 215 مليار دولار، ويقف ـ بذلك ـ ندا للدول الغربية التي طالما نظرت إلي بلاد مثل ماليزيا باعتبارها لن تتجاوز ـ يوما ـ كونها ترسا في عجلة العولمة.
وعندما انتخب مهاتير محمد رئيسا للوزراء لم يتفرغ لتوزيع الابتسامات علي الكاميرات، وإطلاق التصريحات الكاذبة حول قوة الاقتصاد الماليزي، ولم يتوجه إلي الصين أو أستراليا ليشحذ فرص عمل لمواطنيه العاطلين، أو ليتسول دعما لمشاريع وهمية، لكنه بدأ فورا في تطبيق أفكاره التي ناضل من أجلها، وبادر مهاتير في خطاباته إلي التمسك بالقيم الآسيوية وتوجيه انتقادات حادة إلي ما سماه «المعايير الغربية المزدوجة»، ونفذ مشاريع ضخمة حقيقية عمقت لدي مواطنيه ـ علي اختلاف أعراقهم ولغاتهم ودياناتهم ـ إحساسهم بالفخر والعزة الوطنية، وكان بين هذه المشاريع بناء مبني «بتروناس» الذي يعتبر ـ الآن ـ أطول مبني في العالم، وإنشاء الطريق السريع متعدد الوسائط وبناء العاصمة الذكية: بوتراجايا، بتكلفة 5.3 مليار دولار، علي أحدث نظم التخطيط العمراني، لتكون عاصمة إدارية جديدة لماليزيا، تخفف الضغط عن عاصمتها التاريخية كوالالمبور. وبوتراجايا هي نفسها، العاصمة التي شهدت انعقاد المؤتمر الإسلامي قبل أسبوعين من تقاعده، وألقي فيه مهاتير محمد كلمة قال فيها: «علي المسلمين أن يوازنوا بين دراستهم للدين ودراستهم للعلوم والرياضيات». وكان حريا بالزعماء الذين حضروا المؤتمر أن يحولوا كلمة مهاتير إلي برامج عمل لتطوير بلدانهم، بدلا من الاكتفاء بالتصفيق، ولكن هذا لم يحدث، وربما لن يحدث، مادامت الأولوية في هذه البلاد للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.
قد يختلف المرء مع مهاتير محمد في الكثير من أفكاره، مثل التنمية علي حساب الديمقراطية في مراحل التحول الاقتصادي، لكنه لن يستطيع أن يمنع نفسه من احترامه والإعجاب به، وهو ما يفعله الغربيون أيضا

اقـتـلـهـا وتـوكـل

جلال عامر

- (ماشافوهمش وهمّه بيسرقوا شافوهم وهمّه بيجتمعوا).
- (بخصوص الميزانية تقرر زيادة الاعتماد... زيادة الاعتماد علي أمريكا).
- (المؤتمر ثلاثة أيام حداداً علي المطربة).
- (هذا المؤتمر عقدوه تحت شعار "إقتلها وتوكل" وحضره العمال والفلاحون وشرطة "دبي").
- (خصصوا اليوم الأخير من أعمال المؤتمر لمسح البصمات).
- (مؤتمر الحزب الوطني ووعد بلفور كلاهما في نوفمبر لكن ليس هناك علاقة بينهما إلا الاستيلاء علي الأراضي).
- (الحزب الوطني هو حزب القرن والمفروض يروح اليابان... بس مايرجعش).
- (إلي الذين لا يذوقون اللحم... هذا المؤتمر ليس مؤتمر "اللحمة" فهو ثلاثة أيام فقط مثل العيد الصغير... إنه مؤتمر الكعك).
- (تمخض الحزب فولد صخراً).
- (المؤتمر نجح جماهيرياً لذلك يفكرون في إنتاج الجزء الثاني... ماحدش في اللي حضروا يقلع هدومه... الهدوم راكور).
- (آه يا مصر كم من المؤتمرات ترتكب باسمك... بعض من عرضوهم علي المشاهدين كانوا يستحقون العرض علي النيابة).
- (تحدثوا في المؤتمر عن ثمار التنمية... عزيزي المواطن احذر السير في الشوارع حتي لا تسقط علي رأسك ثمار التنمية).
- (ثمار التنمية ممكن تتعمل مربي؟!) <

تفوقوا علي الأنبياء

مدحت الزاهد

وفقا لأرقام أحمد عز، في حديثه أمام مؤتمر الوطني، انتزع الحزب 51 ألف مقعد من بين 51 ألفًا و570 مقعدا، في المجالس المحلية، بنسبة 99%، وهو إجماع لم يحققه الأنبياء، ولا حتي صاحب العرش جلت قدرته، ففي كل العصور زاد عدد المشركين علي 1%، بينما اختلف الناس حول الرسل، فسبحان الحزب الوطني.. والمجد له ولإنجازاته ولفكر ولي العهد وبرنامج الرئيس.
وأرقام عز صحيحة، أما تعداد زكريا عزمي، فقد أشار إلي اقتراب أعضاء الحزب من رقم 3 ملايين عضو. ونحن نعرف حقيقة ما جري في انتخابات المحليات وما سوف يجري في انتخابات مجلس الشعب .. وحقيقة تعداد عزمي.. ولكن إذا كان الحزب لا يكذب ولا يتجمل، ويصدق قدرته علي تحقيق هذا الاكتساح يصبح واجبًا عليه أن يقدم للرأي العام بيانًا عن الوقائع التالية:
> استمرار حالة الطوارئ لمدة 27 عاما.
> الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية ومد ولايته بغير قيود.
> دواعي الانقلاب الدستوري الذي قيد حقوق المنافسة في الانتخابات الرئاسية لصالح ولي العهد.
> الإطاحة بالإشراف القضائي علي الانتخابات في كل مراحلها.. ورفض مطالب القضاة بشأن كل مقومات استقلال السلطة القضائية ومحاصرة ناديهم.
> استمرار منطق وقوانين «الرخصة»، التي تشترط رخصة جهات الإدارة والأمن لمزاولة النشاط السياسي (موافقة لجنة شئون الأحزاب علي تأسيس أي حزب، والمجلس الأعلي للصحافة علي إصدار أي صحيفة، ووزارة الضمان الاجتماعي علي تأسيس أي جمعية أهلية).
> تجريم العمل السياسي في الجامعات، ووصاية الإدارة علي الاتحادات الطلابية وتشكيلها بما يشبه التعيين.. وسلطات الحرس الجامعي وجهات الأمن علي نشاط الطلاب وأعضاء هيئات التدريس.
> إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية غصبًا لسلطة القضاء الطبيعي.
> استمرار العمل بالقانون 100 للنقابات المهنية ضد أبسط مباديء الديمقراطية وضد إرادة أعضائها.
> حرمان النقابات العمالية من حق تكوين نقابات مصنعية تتمتع بالشخصية الاعتبارية الكاملة.. وإهدار حق الانضمام الطوعي للنقابات وتفصيل القانون لصالح هيمنة الموالين للإدارة والأمن.
> تقييد حقوق الإضراب والتظاهر والاعتصام وكل حقوق التعبير والتنظيم.
> الإنفاق الهائل الذي يستنزف موارد الدولة علي إعداد جيش ضخم للقمع، وهو الوجه الآخر لمصادرة الحريات.
>آلاف المعتقلين في السجون بحكم قانون الطوارئ وممن انتهت مدد أحكامهم. وهناك الكثير مما لا تتسع له المساحة والذي تجاهله كدابين الزفة.. لكنها زفة بعد انتهاء الحفل، فزواج جمال من الرئاسة بمنطق التوريث، مثل زواج عتريس من فؤادة - باطل <

مؤتمر الغضب

بقلم خيري رمضان

بعد أن انتهي مؤتمر «الحزب الوطني الديمقراطي»، أعتقد أن الحزب في حاجة لعقد مؤتمر آخر «علي الضيق»، ليسأل نفسه: لماذا عقدت هذا المؤتمر، وماذا جنيت منه؟

في اليوم الأول للمؤتمر، ومع ظهور ملحقين لجريدة قومية كبري، اعتقدت أن المؤتمر لإعادة مبايعة الرئيس مبارك، أو للتأكيد علي إعادة ترشيحه لانتخابات ٢٠١١، فعنوان أحد الملاحق «اخترناك»، كما ضم الملحقان - عدا الجريدة الأصلية - ٤٠ صورة للرئيس،

ولا يمكن إغفال الإشارات الموجهة والموحية لجمال مبارك، فقد حظي هو الآخر بـ١٤ صورة، مع أنه واحد من الأمناء المساعدين، ورئيس لجنة من لجان عدة بالحزب، وعندما يتباهي حزب بنجاحه وبما حققه الطبيعي أن ينسب هذا النجاح إلي رئيس الحزب، وإلي أمينه العام، السيد صفوت الشريف،

أما اختصاص «جمال» بهذا العدد من الصور والكلمات والاهتمام فإنه يحمل معني، يحاول الحزب بكل قياداته نفيه تماماً، حتي عندما تحدث المهندس أحمد عز عن «جمال»، وصفه بأنه «مفجّر ثورة التطوير»، متجاهلاً أن من يقوم بالثورة والتفجير هو رأس الحزب، حتي لو شارك ابنه هذا التفجير.

علي الحزب أن يسأل نفسه: لماذا كنت غاضباً؟ وإذا كنت واثقاً مما أنجزت، فما سبب الهجوم علي المعارضة وتهديدها بعدم الصمت علي تجاوزاتها؟

أعتقد أن خلطاً ما حدث في كلمات قيادات الحزب، بين المعارضة، بما تمثله من أحزاب هشة وحركات ضعيفة وتنظيم خارت قواه، وبين ما تنشره الصحف - مستقلة ومعارضة - وبدا الهجوم غير منطقي، ويعكس حالة من الإحساس بالفشل، أو علي الأقل الشعور بأن ما حققه الحزب لا يصل إلي الشعب.

السيد صفوت الشريف طالب بوضع نهاية لما سماه «العبث السياسي، والمزايدة بقيم الحرية، والتجاوز باسم الديمقراطية»، ولا أعرف هل أي حزب أو قوي معارضة يستطيع أن يرسي الديمقراطية أو يتجاوزها، وهو لا يملك حكومة ولا سلطة..

إن ما يحدث في مصر من صراخ علي كل المستويات هو مجرد رد فعل لتجاوزات الحزب الوطني وحكومته، وإلا ماذا يفعل الناس في المعارضة أو غيرها، عندما تسود الفوضي الشوارع.. تغرق العبارات.. تحترق القطارات..

يتعري الفاسدون في الحزب، يموت السياح كما المواطنين علي الأرصفة؟ ماذا يفعلون عندما يرون الحكومة عاجزة عن مواجهة ارتباك في المستشفيات، بسبب غاز «النيتروز» القاتل، ويكون الحل هو وقف وإغلاق غرف العمليات في المستشفيات الخاصة، كما الحكومية.. فضيحة اغتالت سمعة الطب المصري، وتحتاج إلي سنوات لمحو هذه الصورة السيئة.

المهندس أحمد عز، أمين التنظيم، يطالب أعضاء الحزب - البالغ عددهم، حسب تصريحات الدكتور زكريا عزمي ٣ ملايين - بأن يردوا الهجوم عنه، ويهدد المعارضة: «سنهاجم ضعف الآخرين وتفككهم».. لماذا تهاجم يا باشمهندس، أليس من الأولي أن تتحاور معهم وتستفيد من إمكاناتهم، بدلاً من التحريض علي مزيد من التفكك؟

كنت أتمني علي جمال مبارك، بدلاً من الدفاع عن رجال الأعمال في الحزب - ومنهم رموز وطنية حقيقية - والتأكيد علي أنه لا تستر علي فاسد، أن ينتهزها فرصة لينهي الأسئلة المشرعة والمشروعة، فيكشف لنا خرائط الطريق الصحراوي من بعد البوابة القديمة حتي البوابة الجديدة،

ليتأكد الجميع أن الأرض لم تذهب إلي عدد من وزراء عائلته وحكومته، ويعترف بأوجه القصور في الحزب وحكومته والتي أدت إلي ترسيخ الفساد في المحليات والمدارس والمستشفيات والإعلام والشرطة والقضاء، ويعلن خطة الحرب علي هذا الفساد.

الحزب الوطني اكتفي في مؤتمره بالغضب والتهديد لمن يعارضه.. يا خوفي علي مصر من القادم!!

Sunday, November 2, 2008

سؤال «الرشوة»

بقلم خيري رمضان

سقط «المسعود»، تاجر السيارات الشهير، في قبضة رجال الرقابة الإدارية، وهو يدفع رشوة مالية إلي موظف بإحدي النيابات، للحصول علي حكم يمكنه من قطعة أرض شاسعة في أحسن مناطق مصر الجديدة.

والقبض علي المسعود - الراشي - لا يعني إدانته، حتي لو تيقنت المحكمة من ارتكابه الجريمة، فالقانون يحمي الراشي والوسيط إذا اعترفا بالرشوة لتثبيت التهمة علي المرتشي. وبهذا يحاول القانون إغلاق باب واحد للفساد ويترك الأبواب الأخري مشرعة.

القانون يحاول أن يردع المرتشين، ولكنه في الوقت نفسه يشجع الراشي، فما الذي سيخسره، هو يحاول في بعض الأحيان أن يحصل علي غير حقه، وما يتم ضبطه لا يمثل ١% مما يتم بنجاح، فإما أن يجني ثمار جريمته، وإما أن ينجو بغنيمته بعد أن يذهب بموظف إلي السجن ويخرج هو للحياة بريئاً منعماً.

عندما شاعت الرشوة في البلاد، بسبب الفقر وفساد الذمم وسقوط القيم مع وجود ثغرات في القانون، أصبح الإنسان لا يستطيع قضاء مصلحة - حتي وهو صاحب حق - إلا إذا دفع.

أصبح القبض حقا مكتسبا لأي موظف في أي مصلحة حكومية، فإذا لم تفهم وتفتح دماغك، وتدفع الاصطباحة أو كوب الشاي، ستجد أسهل إجابة «فوت علينا بعد يومين»، ورقك ناقص، وغيرهما من الأسباب التي تجعلك «كعب داير» في المصالح الحكومية في أبسط الأشياء وأعقدها.

عندما أصبحت الحال هكذا، وصارت الرشوة مقننة، ورعاها القانون بعين واحدة، لجأ الناس إلي علماء الدين يسألونهم: إذا كان لنا حق في مصلحة ولا نستطيع الحصول عليها إلا بدفع رشوة فهل هذا حرام؟ وجاءت إجابات العلماء بأن الراشي في هذه الحالة مضطر، وأن الوزر يقع علي المرتشي.

الشرع يبرئ الراشي، صاحب الحق المضطر، ولكن اللصوص استغلوا الفتوي كما استغلوا القانون، فشاع الفساد في البلاد..سقط المسعود في قضية واحدة - وقد يخرج منها بريئا - وهو يضع يده ويمتلك مئات الآلاف من الأفدنة في الهرم وصحراء الأهرام وطريق مصر - الإسكندرية وغيرها، ولا نعرف بأي طريق حصل عليها. ليس «المسعود» وحده، فمثله الآلاف من بينهم شخصيات مرموقة في الحكومة، وإن كانت الأراضي بأسماء عائلاتهم.

الأرض المنهوبة، ليست قضيتي الآن، ولكني أتحدث عن الرشوة وقانونها فتاواها، وكلي أمل في فقهاء القانون، وأعضاء مجلس الشعب، أن يدرسوا تعديلاً قانونياً للرشوة التي شاعت واستفحلت.

قال لي فقيه قانوني، وأنا أناقشه في هذا الأمر، إن أفضل حل لهذه الأزمة أن يكون لدينا تشريع يمنح المعروض عليه الرشوة كل قيمتها إذا أبلغ، وفي هذه الحالة لن يجرؤ أحد علي عرض رشوة علي موظف عمومي، لأنه سيحصل علي قيمتها بالحلال، وقتها ستنعدم الثقة بين كل أطراف الجريمة.

الاقتراح وجيه ومناسب لغير أصحاب الحقوق، ولكن ما الذي يضمن أن الموظفين في حالات أصحاب الحقوق سيسيرون لهم الأمور، فربما - وهذا الاحتمال الأكبر - سيضعون «العقدة في المنشار»، فإذا اضطر المواطن المغلوب علي أمره لأن يدفع، سيجد نفسه متهماً بالرشوة، والمرتشي سيكون سعيدا منتشيا، فهو الذي قبض رسميا وأصبح شريفا أمام الناس.. فعلاًَ مشكلة كبري!