لم نعد شعباً مسالماً يؤمن بأن المسامح كريم.. المسامح جبان وضعيف.. جاهز للضرب على بطنه لأنه بلا ظهر.
حقك بذراعك، حتى ولو لم يكن حقك، ارفع صوتك، اصرخ، ادع أنه حقك وستجد من يساندك ويؤيدك، فنحن نعيش زمن الصوت العالى والقتل السهل.
«معدش حد طايق حد»، لو تقود سيارتك وانحرفت بها مخطئاً أو مضطراً، فستسمع سباباً لا تتوقعه، وليت الأمر يتوقف على السباب، بل قد يتطور ويصبح خناقة، وقد تدفع حياتك الرخيصة ثمناً لها، ستقتل بسكين أو بمسدس، لا فرق فى الغضب بين سائق الميكروباص وضابط الشرطة.
لا تعتقد أنك لو لم تكن تمتلك سيارة ومن فقراء هذا الوطن ستنجو من الإهانة أو الموت، فأمامك طابور «العيش»، ستكون حتماً مثل موظف مجلس مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة، وتفقد حياتك لأنك قاتلت للحصول على خمسة أرغفة لإطعام أبنائك.
فإذا نجوت من الشارع لا تعتقد أنك آمن فى بيتك، فأنت معرض للإهانة من جيرانك، فإذا أحنيت رأسك وتجنبت هذا الصدام، فمن المؤكد أنك ستجده بانتظارك فى بيتك، زوجتك قد تفعلها، فإن لم تفعلها هى، فستفعلها أنت، وقد تفعلانها بالأبناء أو يفعلونها بكما.
العنف لم يعد فردياً بل جماعياً، لم يعد اعتصامات وإضرابات وقطع طرق، بل وصل فى سيناء إلى تبادل القتل بين الشعب والشرطة، هيبة الدولة فى خطر، وكرامة الشعب فى الحضيض، لا يوجد مجال للحوار ولا للقانون، كله ضد كله، لا أحد يطيق أحداً ولا يقبل منه خطأ.
العنف وصل إلى أهل الحوار والأدب، العنف وصل إلى الصحافة بعد التليفزيون.. «المصرى اليوم» تنشر تصويباً لمحمود جامع لكلام نشره فى «صوت الأمة».. خطأ مهنى يحتمل حسن النية، يحتمل عتاباً من الأخيرة للأولى، وعندما يصل إلى مداه، يتحول إلى شكوى فى نقابة الصحفيين، ولكنه تحول إلى سباب واتهامات بالكذب والعمالة والخيانة.
الناقد الكبير سمير فريد اعترض على قبول فيلم «بلطية العايمة» فى مهرجان القاهرة السينمائى، اعتراضه بدون مشاهدة الفيلم قد لا يرضى البعض، ويحتمل الخلاف فى وجهات النظر، ونقد النقد، ولكنه أغضب مؤلف الفيلم، صديقى الكاتب الساخر الفنان الهادئ بلال فضل، ولكن،
وعلى غير العادة، غضب بلال واستل قلم لينهال على سمير فريد بلا رحمة، لم أعهد بلال غاضباً إلى هذا الحد، وقد سبق أن تحمل الكثير من النقد بابتسامة ودودة، ولكن الغضب العام والعنف العام وصل إلى بلال كما وصل إلى الكثيرين.
إلى أين نحن ذاهبون بغضبنا وعنفنا؟ لماذا تحولنا إلى «الإخوة الأعداء»؟ هل من عاقل وهادئ يقول لهذا الشعب «المتخانق مع بعضه»: صلوا على النبى.. وهل الصلاة على نبينا الكريم أو الصلاة لله ستجدى فيما وصلنا إليه؟!