سقط «المسعود»، تاجر السيارات الشهير، في قبضة رجال الرقابة الإدارية، وهو يدفع رشوة مالية إلي موظف بإحدي النيابات، للحصول علي حكم يمكنه من قطعة أرض شاسعة في أحسن مناطق مصر الجديدة.
والقبض علي المسعود - الراشي - لا يعني إدانته، حتي لو تيقنت المحكمة من ارتكابه الجريمة، فالقانون يحمي الراشي والوسيط إذا اعترفا بالرشوة لتثبيت التهمة علي المرتشي. وبهذا يحاول القانون إغلاق باب واحد للفساد ويترك الأبواب الأخري مشرعة.
القانون يحاول أن يردع المرتشين، ولكنه في الوقت نفسه يشجع الراشي، فما الذي سيخسره، هو يحاول في بعض الأحيان أن يحصل علي غير حقه، وما يتم ضبطه لا يمثل ١% مما يتم بنجاح، فإما أن يجني ثمار جريمته، وإما أن ينجو بغنيمته بعد أن يذهب بموظف إلي السجن ويخرج هو للحياة بريئاً منعماً.
عندما شاعت الرشوة في البلاد، بسبب الفقر وفساد الذمم وسقوط القيم مع وجود ثغرات في القانون، أصبح الإنسان لا يستطيع قضاء مصلحة - حتي وهو صاحب حق - إلا إذا دفع.
أصبح القبض حقا مكتسبا لأي موظف في أي مصلحة حكومية، فإذا لم تفهم وتفتح دماغك، وتدفع الاصطباحة أو كوب الشاي، ستجد أسهل إجابة «فوت علينا بعد يومين»، ورقك ناقص، وغيرهما من الأسباب التي تجعلك «كعب داير» في المصالح الحكومية في أبسط الأشياء وأعقدها.
عندما أصبحت الحال هكذا، وصارت الرشوة مقننة، ورعاها القانون بعين واحدة، لجأ الناس إلي علماء الدين يسألونهم: إذا كان لنا حق في مصلحة ولا نستطيع الحصول عليها إلا بدفع رشوة فهل هذا حرام؟ وجاءت إجابات العلماء بأن الراشي في هذه الحالة مضطر، وأن الوزر يقع علي المرتشي.
الشرع يبرئ الراشي، صاحب الحق المضطر، ولكن اللصوص استغلوا الفتوي كما استغلوا القانون، فشاع الفساد في البلاد..سقط المسعود في قضية واحدة - وقد يخرج منها بريئا - وهو يضع يده ويمتلك مئات الآلاف من الأفدنة في الهرم وصحراء الأهرام وطريق مصر - الإسكندرية وغيرها، ولا نعرف بأي طريق حصل عليها. ليس «المسعود» وحده، فمثله الآلاف من بينهم شخصيات مرموقة في الحكومة، وإن كانت الأراضي بأسماء عائلاتهم.
الأرض المنهوبة، ليست قضيتي الآن، ولكني أتحدث عن الرشوة وقانونها فتاواها، وكلي أمل في فقهاء القانون، وأعضاء مجلس الشعب، أن يدرسوا تعديلاً قانونياً للرشوة التي شاعت واستفحلت.
قال لي فقيه قانوني، وأنا أناقشه في هذا الأمر، إن أفضل حل لهذه الأزمة أن يكون لدينا تشريع يمنح المعروض عليه الرشوة كل قيمتها إذا أبلغ، وفي هذه الحالة لن يجرؤ أحد علي عرض رشوة علي موظف عمومي، لأنه سيحصل علي قيمتها بالحلال، وقتها ستنعدم الثقة بين كل أطراف الجريمة.
الاقتراح وجيه ومناسب لغير أصحاب الحقوق، ولكن ما الذي يضمن أن الموظفين في حالات أصحاب الحقوق سيسيرون لهم الأمور، فربما - وهذا الاحتمال الأكبر - سيضعون «العقدة في المنشار»، فإذا اضطر المواطن المغلوب علي أمره لأن يدفع، سيجد نفسه متهماً بالرشوة، والمرتشي سيكون سعيدا منتشيا، فهو الذي قبض رسميا وأصبح شريفا أمام الناس.. فعلاًَ مشكلة كبري!
No comments:
Post a Comment