Tuesday, November 4, 2008

سيناريو عربي مكرر

محمد كريشان

ما أعلنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مؤخرا من قرب تعديل لدستور بلاده ليسمح له في الحقيقة بمدة رئاسية ثالثة، لم يكن الدستور الحالي يتضمنها، يمثل تدشينا لسيناريو معروف في كثير من دول العالم الثالث وإن بات اختصاصا عربيا بامتياز في السنوات الماضية.
مقدمة هذا السيناريو تقوم على الترويج قبل سنوات من الاستحقاق الرئاسي، وهو في الحالة الجزائرية العام المقبل، بأن الرئيس يعتزم على الأرجح عدم الخضوع لأحكام الدستور في عدم تسيير البلاد لأكثر من مدتين رئاسيتين، وهي المادة التي تضعها في الغالب كل الديمقراطيات في العالم لضمان تداول سلمي على السلطة يمنع جنوح من هو على رأس هرم الدولة إلى الخضوع لأهوائه ومصالح الفئات التي تدعمه أو كانت أوصلته إلى السلطة ليستمرئ البقاء فيها. الرئيس هنا لا يفصح عن شيء من هذا، ولا يتعدى الأمر في بدايته مجرد إشاعات تحتمل الصدق أو الكذب ثم تزدهر بورصة التكهنات بين قائل إن الرئيس لن يفعلها وبين مؤكد أن الأمر حسم ولم تبق سوى تفاصيل الإخراج.
الخطوة التالية تبدأ بمقال هنا أو هناك أو تصريح صحافي من هذا المسؤول أو ذاك يقول إن مسيرة الاستقرار والتنمية التي تنعم بها البلاد ، والتي شهد بها العالم كله طبعا، تقتضي أن يواصل ربان السفينة القيادة وأن النصوص التي تحكم دواليب الدولة ليست محنطة أو مقدسة فهي مهيأة للتعديل بما يخدم المصلحة العليا للوطن وهي المصلحة التي تتمثل بطبيعة الحال في أن يستمر الرئيس رئيسا.
هذا التصريح أو المقال يمثل في الحقيقة شرارة انطلاق حملة، عفوية كما هو معروف، من منظمات وهيئات ونقابات وأحزاب تناشد السيد الرئيس الترشح لولاية رئاسية جديدة، في خطوة عجيبة في عالمنا لأنه يفترض ألا يطالب أحد أحدا علنا وفي وضح النهار بخرق القانون فما بالك إذا كان هذا القانون هو النص الأعلى في البلاد. تنتشر في هذا الاتجاه المقالات والتصريحات وربما المظاهرات المطالبة بمواصلة قيادة الرئيس للمسيرة المظفرة. لكن الرئيس أمام كل هذا لا يقول شيئا فتزداد الحماسة أكثر فأكثر وتنتقل رويدا لقبة البرلمان ليشير هذا النائب أو ذاك لضرورة التجاوب مع هذا المطلب الشعبي الجارف.
يزداد الاستحقاق الرئاسي قربا وتزداد المطالب إلحاحا إلى أن يخرج الرئيس في مناسبة ما ليهمهم بكلمات ليست واضحة تماما تفيد بعد فك طلاسمها أن الرجل يعتزم التجاوب مع هذه الرغبة الشعبية الجارفة فيكون ذلك إيذانا ببدء العملية الإجرائية العلنية لتعديل الدستور، على أساس أن هناك من انطلق قبل مدة في السر في ترتيب كل التخريجات القانونية الممكنة. بعدها تخرج المظاهرات وتنهال البرقيات والمواقف التي تشكر السيد الرئيس على تفضله بالتجاوب مع الرغبة الشعبية في التمديد لعهده الميمون. هذه التعديلات ستعرض إما على الشعب مباشرة في استفتاء لا يمكن أن يخيب آمال المبادرين به أو على البرلمان فقط إذا كان 'الوقت ضيقا' كما الحالة الجزائرية والمهم هنا أن ما من أحد في كل هذا الحديث عن التعديلات الدستورية يشير إليها على أساس أن بيت القصيد فيها هو التمديد للرئيس إذ تزدهر التنظيرات القائلة بأن الهدف من هذه التعديلات هو إحكام سير دواليب الدولة والمزيد من تطوير المؤسسات الدستورية ولم لا، في الحالة الجزائرية، حماية رموز الثورة وإعلاء مكانة المرأة!!
وفي نهاية المطاف تسير الحبكة كما رسم لها دون أن يكدر صفوها سوى أصوات بعض الحاقدين في الداخل والخارج من الذين يغيظهم جدا نجاحات البلاد وتألقها. تكرر هذا في أكثر من بلد عربي وكلما نجح مع رئيس إلا وقال غيره ولم لا أنا أيضاّّ؟!! آخرهم كان بوتفليقة ولن يكون آخرهم بالتأكيد فيما لم يبق من المطالب الديمقراطية في الوقت الحاضر سوى المناداة فقط بتحسين هذا السيناريو ومحاولة تطويره أو ابتكار غيره لأننا مللنا تكراره... وفي نسخ متعددة كل واحدة اردأ من سابقتها.

No comments: