يتندر البعض داخل الأوساط السياسية بالتفسير «التآمرى» الذى يربط ما بين الإعلان عن مشروع قانون إدارة الأصول الجديد وبين الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة (٢٠١٠ - ٢٠١١) حتى إن أحدهم قال لى: «مش معقول كل حاجة توريث.. توريث حتى لو اتنفسنا تقولوا استعدادًا للتوريث!!».
والحقيقة أننى لا أعيب على أصحاب هذا التفسير ما ذهبوا إليه هذه المرة.. ليس لقناعتى بأن كل شىء من أجل التوريث.. ولكن لأنه لا يوجد أى تفسير منطقى أو اقتصادى آخر لهذا المشروع سوى البحث للحزب والحكومة عن مشروع سياسى شعبى يتواصلون به مع الناس فى وقت فشلت فيه كل المشروعات السابقة.. خاصة أن البدء فى تنفيذ البرنامج سيقترب كثيرًا من موعد الانتخابات التشريعية فى ٢٠١٠.
ومن حق الحزب أن يبحث عن شعبية ومن حق الحكومة أن تبحث عن وسائل وسبل لبقائها واستمرارها واقترابها من الناس.. وكم سنرحب بذلك إذا كانت تلك الوسائل والسبل حقيقية وصادقة تحمل فائدة للطرفين أى للناس وللحزب، ولكن أن يكون مشروع القانون هو مجرد لافتة لما ليس فيه، مضاره أكثر من منافعه فهذا هو ما نقف أمامه.
اللافتة الأولى هنا تتحدث عن توسيع قاعدة الملكية - على الورق هذا صحيح - ولكن السؤال يجب أن يكون: وما فائدة ذلك؟! فهذه هى مجموعة شركات «قانون ٢٠٣» التى فشلت الحكومة فى بيعها إما لأسباب سياسية أو عمالية أو اقتصادية أو حتى لم تطرحها لمعرفة ما إذا كانت قد تلقى إقبالاً، وبالتالى كان التفكير فى التخلص منها دفعة واحدة.. لمن؟!
للشعب المسكين.. ثم يقال لنا إنكم شركاء!! يعنى «حسنة وأنا سيدك» فإذا كنا شركاء حقًا.. فلماذا لا نكون شركاء فى الشركات الرابحة أى البنوك العامة وحصص الدولة. فى الشركات المشتركة وشركات البترول وخلافه.. وهى شركات ستطرحها الدولة لاحقًا وهى الأكبر تحقيقًا للعائد.. فلماذا تشركنى فى الفتات ولا تشركنى فى العائد الحقيقى؟!
ثم ما فائدة توسيع الملكية هنا؟! يذكر د. محمود محيى الدين هنا فوائد الشفافية والحوكمة وتجربة طرح المصرية للاتصالات لكنه فى هذه الحالة يتحدث عن شركة رابحة، محتكرة طرحت الدولة منها ٢٠٪ فتحقق توسيع قاعدة الملكية عن حق.. ثم لا ننسى أن الطرح جاء تطبيقًا لالتزام مصر بتحرير قطاع الاتصالات يعنى التزامًا دوليًا لا يمكننا الفرار منه.. فهو طرح أرغمنا عليه ولم يكن باختيارنا.
فأى من هذه الشركات الموجودة يضاهى المصرية للاتصالات؟! المصرية لتسويق الأسماك، أم رمسيس لإدارة المشروعات أم النيل للكبريت والمساكن الجاهزة؟ وإذا كانت هناك شركات تباهى بها الدولة ضمن المحفظة المجانية «مثل الحديد والصلب والسكر والألومنيوم» فلماذا لم تفكر الدولة فى طرح حصصها فى البورصة من قبل؟ «الألومنيوم مطروح منها حصة ضئيلة لا تسمح بتداول نشط».
من يهمه أن يبقى على اسهم فى هذه الشركات من أصله؟ بنفس الإدارة الحكومية ونفس عدد العمال ونفس المشكلات ونفس الحصة الضئيلة من السوق.. أى مستثمر أو مواطن واع سيعرف أنه من الأفضل أن يتخلص من هذا الصك الآن قبل تدهور قيمته؟
هذا هو ما سيحدث بالضبط ليس فقط لأن المصريين جهلاء - لا قدر الله - «مليون ونصف فقط يتعاملون فى البورصة» ولكن لأن المصريين فقراء يحتاجون هذا المبلغ.. وأقل منه كثيرًا.
ثم ما فائدة توسيع الملكية مع أقلية لا تستطيع أن تغير الإدارة أو تكتشف فسادًا أو تضخ استثمارات؟! وإذا كانت الدولة حسنة النية فلماذا لم تحسن فى أوضاع تلك الشركات قبل توزيعها على الناس.
لقد أدركت الدولة أنها تملك مجموعة من الشركات لا تعرف كيف تتخلص منها كما أنها تريد أن تنهى صداع الخصخصة المزمن ومشاكله فتضرب عصفورين بحجر واحد.. لكن الحجر هذه المرة كان للأسف هو المواطن بدعوى توسيع قاعدة الملكية.
إن المشاركة - أى مشاركة - تقوم على توافق الشركاء ومعرفة الأطراف جميعًا بكل تفاصيل عقد الشراكة.. حقًا وواجبًا وللأسف لن تكفى تلك الصكوك لإحساس المواطن بأنه شريك فى الوطن.. فالدولة اختارت أن تشاركنا فى «الفضل والبواقى».. فيما فشلت فيه.. أما النجاحات فنبحث عن نصيبنا منها فى موازنة الدولة إذا بقيت.
No comments:
Post a Comment