Tuesday, January 29, 2008
مصر عادت إلي نقطة الصفر.. ومكانتها ضاعت لغياب المشروع القومي
كلنا محبطون وهناك إحساس عام بأن مصر التي نعيشها ليست هي مصر الحقيقية.. بهذه الكلمات عبر الدكتور حسن حنفي، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة، عن واقع الحال المصري في الندوة التي أقيمت أمس الأول، في معرض الكتاب تحت عنوان «أسئلة النهضة العربية علي مدي قرنين... لماذ تتكرر؟».
وقال حنفي إن هناك ثلاثة أسئلة لا تزال تبحث لنفسها عن إجابة منذ أكثر من مائتي عام، السؤال الأول عن كيفية تطوير الخطاب الديني؟ أما السؤال الثاني فهو كيف نبني الدولة الحديثة؟
وينحصر السؤال الثالث في كيف نفكر تفكيرًا عمليا؟ وأضاف حنفي أن عددًا كبيرًا من المفكرين المصريين والعرب قضوا وقتًا طويلاً في البحث عن إجابة لهذه الأسئلة علي مدار قرنين من الزمان،
واعتقدنا أن الأمر مفروغ منه، غير أننا لانزال نكرر هذه الأسئلة حتي الآن والأخطر من ذلك أننا لانزال نبحث لها عن إجابة. وأشار حنفي إلي أن هذه الأسئلة سوف تظل تتكرر طالما بقيت لافتة في أحد المطارات العربية مكتوب عليها «لا تفكر نحن نفكر لك»، وطالما استمرت حركات التحرر الوطني في العراق وفلسطين الأمر الذي يجعلنا مشغولين علي الدوام بالدفاع عن الوجود،
مما يجعل سؤال الحرية والقهر لايزال مطروحًا، إذ كيف نكون أحرارًا مع استمرار العمل بمقولة «لا اجتهاد مع النص»، وكيف يكون الفكر حرًا ولاتزال مظاهرات الجوع تجوب شوارع القاهرة حتي الآن، في الوقت الذي نسمع فيه أن ثروة شخص واحد تتعدي ٥٢ مليارًا في أساطير تقترب من أساطير ألف ليلة وليلة،
وأضاف حنفي أن هذه الأسئلة ستظل تتكرر طالما لم يحدث لنا التراكم الكمي الكافي لنتجاوز هذه الأسئلة، وضرب حنفي مثلاً بنفسه قائلاً أنا أنتمي إلي أربعة أجيال الملكي الإقطاعي والناصري وعهد السادات، وهذا العهد الذي نعيش فيه مؤكدًا أن هناك علامة استفهام كبيرة عن دور مصر في هذا الجيل، ويري أننا عدنا مرة أخري إلي الصفر بعد أن ضاعت مكانة مصر،
وفي النهاية فإن الشعب كله مهمش في ظل دولة حدودها مصطنعة غاب عنها المشروع القومي، وكما رأينا في رفح استطاع الفلسطينيون أن يكسروا الحدود في إشارة واضحة إلي أن كل الحدود التي صنعها الاستعمار وضعية، والشعوب وحدها هي القادرة علي صنع حدود جديدة.
شعب هذه حكومته وحكومة هذه شعبها: أين الخلاص؟
أكره اليأس كراهيتي للعجز، ولكنني أجد نفسي قريباً منهما حين أطالع أخبار مصر، وأتذكر خبرتي مع أهلها لمدة عامين قضيتهما فيها قبل أن أقرر الرحيل عنها مرة أخري. فقد كنت أجتهد في الدراسة والاطلاع أثناء وجودي بالخارج علي افتراض أن مصر قد أصابها فيروس التخلف وقد تحتاج لبعض أمثالي كي يساعدوها علي أن تبرأ مما أصابها. والتخلف هنا ليس وصفاً شائناً، وإنما هو مصطلح فني يشير إلي دولة، أي بنية سلطة ومؤسسات حكم، ومجتمع، أي أفراد تنتظمهم جماعات وتجمعات.
قد أخفقوا في أن يستفيدوا مما كان متاحاً لهم من فرص للنهضة والرقي مقارنة بأقرانهم. فتخلفهم ليس صفة أصيلة فيهم وإنما هو وصف لحالتهم حين نقارنهم بغيرهم ممن دخلوا معهم نفس الاختبار وحققوا نتائج أفضل منهم.
ولكن خبرة العامين اللذين قضيتهما في مصر أوضحا لي أن المسألة قد تخطت مشكلة التخلف والذي يعالج عادة بالعلم وإعادة النظر في البنية المؤسسية وفي القوانين الحاكمة لمؤسسات الدولة وتسييرها علي القواعد المتعارف عليها من الحكم الرشيد.
لكن المشكلة أصبحت معضلة، لأن المرض أصاب بنية القيم والأخلاق في الأفراد، فبدلاً من مشكلة تخلف الدولة ومؤسساتها أصبحنا أمام معضلة فساد المجتمع وأفراده. فالمصريون ليسوا متخلفين عن غيرهم فقط، ولكن قطاعاً واسعاً منهم فسد، لدرجة أنه من مصلحته الأصيلة استمرار هذا التخلف فاجتمع في مصر أكبر مرضين تصاب بهما الأمم: التخلف والفساد.
وقد قرأت خبراً ومقالاً أثارا عندي موضوع هذا المقال.
ولنبدأ بالخبر الذي نشرته صحيفة »البديل« في 23 يناير 2008 عن مجموعة من التصريحات المنسوبة إلي المستشار عدلي حسين، محافظ القليوبية، والذي له خبرة طويلة بدهاليز صنع القرار السياسي في مصر، والذي يعبر عن رؤية موجودة، وغالباً سائدة، عند أفراد جهاز الدولة من ساسة وبيروقراطيين. قال الخبر نقلاً عن السيد المحافظ: »الشعب المصري تضربه.. يقولك ضرب الحكومة شرف. وأرجع المحافظ صمت الشعب المصري علي الغلاء إلي أن الشعب دبر نفسه بعيداً عن الحكومة.. وسايبنا إحنا المسئولين نركب عربياتنا السودا ونشرب نسكافيه، والشعب لوحده معندوش مشكلة، شعب مش مزعج، نرفع نسبة الاختلاس تترفع نسبة الرشوة معندوش مشكلة«. وجزء آخر من الخبر يقول ما يلي: »وكشف المحافظ - بأريحية شديدة - تكتيك النظام في التعامل مع خصومه، حين قال: أيمن نور اتحاكم أمام محكمة جنائية، وبعدين ناس تسأل هو التزوير الوحيد في البلد؟ أنا بقول هو كده، اللي هيكعبل الحكومة هاطلع له.. الجرائم موجودة ومحفوظة عندنا في الدرج، منفعتش دي، حتكون دي، وكله موجود«.
هذه تعليقات كارثية، إن صحت وتحمل الكثير من الدلالات لكنني سأركز علي اثنتين منها: الأولي كأن هناك عقد غير مكتوب لكنه متفق عليه بموجبه تترك الحكومة، بحكم عجزها ومن ثم تخلفها، لأفراد الشعب مساحة من الفساد، بحكم قابليته للفساد واضطراره إليه. هذه المساحة من الفساد هي واحدة من أسباب استقرار الأوضاع في مصر، لأن المراكز المالية والحيثيات الاجتماعية والسلطة السياسية، استقرت علي وجود هذه المساحة التي تتركها الدولة للأفراد، طالما أنهم يمارسون هذا الفساد بعيداً عن تهديد بنية الحكم.
وهو ما يبدو من الدلالة الثانية، حيث إن الحديث عن أيمن نور باعتباره »مزوراً« لم يكن المشكلة، فالمزورون كثيرون لكنه »كعبل الحكومة«، أي وقف في طريقها فكان الحال هو أن تخرج له الحكومة من الجرائم الموجودة والمحفوظة في الدرج، بما ينال منه ومن أي شخص ينجح في أن يكون لنفسه أو لفكره مكانة يجتمع حولها قطاع من الناس بما يهدد بنية الحكم والقائمين عليه. إن صحت هذه التصريحات أولاً، وإن عبرت عن توجهات قطاع واسع من رجال الحكم ثانياً، إذا فنحن بصدد حكومة تسيير أعمال المجتمع بما يحافظ علي مصالح أفرادها في الأساس، وعليه، فإنه لا مجال للحديث عن ديمقراطية حقيقية أو تداول سلمي للسلطة باعتبار هذه وتلك »كعبلة« للحزب الحاكم ورجاله الذين أدوا ما عليهم بأن تركوا مساحة واسعة من الفساد للمدرسين عن طريق الدروس الخصوصية، وللموظفين عن طريق »الشاي« والإكراميات، وهكذا. ويبدو أن هذه المساحة من الفساد لم تكن كافية لإطعام كل فم، وإخراس كل لسان، فبدأت تخرج بعض فئات المجتمع في اعتصامات وإضرابات لأنها لم تأخذ من فطيرة الفساد التي أعدتها الحكومة ما يكفيها للحياة المعقولة. وكأن المفهوم ضمناً من تصريحات سيادة المحافظ، أن النخبة الحاكمة في مصر ليست فقط عاجزة عن علاج مشاكل مصر، لكنها لن تسمح لغيرها أن يعالجها لأنها »هتكعبله« قبل ما يكعبلها وكله موجود في الدرج«.
وهكذا بادل المواطن الحكومة سوء خلق بسوء خلق، وهو ما جسدته مقالة الأستاذ أسامة هيكل عن »المواطن النعجة والمواطن الذئب« في »المصري اليوم« بتاريخ 24 يناير 2008. وهي مقالة موجعة بحق تبدأ بقول صاحبها: »تعرضت الأسبوع الماضي لامتحان حقيقي ولا أدري إذا كنت قد اجتزته بنجاح أم لا، إذ إنني ما عدت أدرك معايير النجاح.. كل ما أدركه أن هذا البلد لم يعد يصلح وطناً بالمرة«. والقصة لمن لم يقرأها أن كاتب المقال قد وقع فريسة لنصاب يتاجر في السيراميك انطبق عليه وعيد الحق سبحانه بالويل للمطففين الذين إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. وما كان منه إلا أن لجأ لعميد شرطة صديق له كي يستشيره، فكان البديل المقترح هو الضغط علي النصاب بوسائل العقاب البدني، فما كان من الأستاذ أسامة هيكل، إلا أن تردد لأنه وجد نفسه في مأزق أخلاقي تجتمع فيه قيمه التي ترفض استخدام التعذيب ضد المواطنين ومصلحته ممزوجة بجرح أصاب كرامته. ويختم مقاله بتعليق يستحق التأمل كثيراً: »ما أظلم هذا الوطن الذي يضيق الخيارات أمام أبنائه ويجعل المرء ليس أمامه، إلا أن يكون نعجة أو يكون ذئباً مفترساً. أظن أن الهجرة قد تكون حلاً مناسباً لمن يرفض الخيارين السابقين ويصر علي أن يظل إنساناً«! والغريب أن هذه القصة بدت أمام ناظري كأنها حكاية كل يوم علي أرض مصر.
والسؤال: شعب هذه حكومته، وحكومة هذا شعبها: أين الخلاص؟
Saturday, January 26, 2008
بين النمو.. والعدالة
"النمو وحده لا يكفي.. فغني الأمم ونجاحها في مكافحة الفقر وتحقيق التقدم مرهونان بإرساء العدالة بين الناس".. توقفت كثيرا أمام تلك العبارة التي تضمنها مقال نعيد نشره اليوم للدكتور محمود محيي الدين تحت عنوان "النمو وحده لا يكفي" والذي يقدم فيها عرضا لأحد الكتب الاقتصادية، لكنه يخلص إلي أن العدالة هي مفتاح السر لشعور الناس بمعدلات النمو الاقتصادي التي هي في ذاتها ليست أكسيرا ناجعا - كما يقول ..
والحقيقة أن إحساس الناس بغياب العدالة في مصر.. هو شعور عارم يجتاح جميع الطبقات من أفقرها إلي أغناها.. وهو الشعور الذي يضعف من سطوة دولة القانون، كما يوهن من إحساس المرء بانتمائه وبحقه وواجبه.. فيؤثر سلبا علي قيم العمل والجهد والكفاءة، في مناخ يتراجع فيه تقييم تلك المعايير لحساب الوساطة والمحسوبية والعلاقات الفاسدة. فالمواطن المصري يعرف أنه لن ينال حقه المشروع بالطرق الطبيعية سواء كان ذلك الحق فرصة عمل، علاجا، تعليما أو حتي رحلة حج أو عمرة.
وأقوي دليل علي ذلك تلك الأكوام من المشاكل التي تصلني يوميا وتصل زملائي في برامج تلفزيونية جماهيرية في انتظار أن نجد لها حلا أو مسئولا يستمع إليها أو فاعل خير ينالها بعطفه.. فما الذي يجعل سيدة مسنة تقف في عز برد الشتاء القارص علي باب ماسبيرو أو مدينة الإنتاج الإعلامي، في انتظار أن يستمع إلي شكواها أي منا.. علي أمل أن تحل مشكلتها، تلك السيدة وغيرها كثيرون يؤمنون بلا مواربة أن خلاصهم في أيدينا وليس في النظام أو القانون أو القنوات الشرعية الطبيعية أيا كان ذلك الخلاص.
ولا أظن أن تراكم تلك المشاكل علي أبوابنا أو علي بريد الصحافة دليل علي نجاحنا.. بقدر ما هو دليل علي انسداد القنوات وشعور هؤلاء - وغيرهم كثيرون - بانعدام تكافؤ الفرص وغياب العدالة في هذا الوطن. الواقع يقول إن هذا الشعور لا يجتاح الفقراء فحسب من الذين يبحثون دائما عن وساطة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.. لكنه شعور بل قناعة لدي طبقات اجتماعية واقتصادية أعلي تستخدم وساطة أرفع شأنا وعلاقات أكثر تعقيدا للحصول علي مناقصة أو عقد كبير، أو أرض بأسعار مخفضة أو معرفة معلومات داخلية غير متوافرة لدي باقي المنافسين في نفس الوقت وبنفس القدر.. وفي ذلك تستخدم العلاقات كما قد يستخدم المال، بدءا من الاكراميات الصغيرة لموظف جمارك وانتهاء بالرشاوي الضخمة لمسئولين أكبر شأنا.
وعلي الرغم من أن كثيرا من هذه الظواهر قد تراجع - ونحن نقر بذلك في بعض المجالات وليست جميعها - فإن ذلك الشعور قد يمتد إلي المستثمر القادم إلي مصر.. والذي يصل إليه أيضا تراكم خبرات السابقين أن هناك طرقا ما للقيام بالأعمال في مصر وتحاشي البيروقراطية وتعقيد الأمور.. وهو الأمر الذي يرفع من "تكلفة أداء الأعمال في مصر" كما يطلق عليها.
فإذا كانت تلك هي العدالة ـ أو غيابها ـ في الشأن الاقتصادي.. فإن العدالة في الشأن السياسي لا تقل أهمية.. وفي كنفها يشعر المواطن بحقوقه الإنسانية الكاملة، وحقه كدافع ضرائب، وحقه المتساوي في الترشح للانتخابات أيا كان مستواها، وتكافؤ الفرص في ترقيته ووصوله إلي أعلي المناصب دون وساطة، وإلي التطلع والطموح إلي الدرجات العلي.. والأهم سيادة دولة القانون الذي لن يظلمه إذا عارض ولن يحبسه إذا اعترض ولن يعتقله إذا انتقد. إن العدل والعدالة سواء كان في أداء الخدمة أو الحصول علي فرصة عمل أو المنافسة أو تطبيق القانون، أو دخول السوق أو الحصول علي الموارد أو الترشح للانتخابات أو حتي المنافسة علي منصب رئيس الجمهورية، جميعا تقع تحت مسمي واحد.
ولن يشعر المواطن بمعدلات النمو - مهما ارتفعت - وجدوي الديمقراطية - مهما تغني البعض بها - إلا إذا شعر أن فرصته هي نفس فرصة جاره في الحياة الكريمة.
إن الطفلة التي ذكرها محيي الدين وغيرها من البنات.. لن ينتظرن تساقط ثمار النمو من أهل الغني - كما قال - هن فقط يحتجن إلي تكافؤ الفرص.. تماما كما تحتاجه السيدة المسنة التي تقف كل ليلة علي باب مبني التلفزيون.. ويحتاجه كل من يتمسكون بأن لهم حقا في هذا الوطن.
رفقاً بنا
طوال الأسبوع الماضي وأنا أفكر جدياً في إنهاء اشتراكي بقناة «أوربت» والتي ربطني بها بصفة أساسية برنامج «القاهرة اليوم» الذي يقدمه الإعلامي خفيف الدم وصاحب الأسلوب المميز عمرو أديب. وحيث إنني من مدمني مشاهدة هذا البرنامج فقد قررت أولاً وقبل أن أنهي اشتراكي بالقناة أن أكتب إليه هذه المناشدة العلنية، لعله يرفق بنا نحن المهمومين بقضايا هذا البلد وما آلت إليه أحواله بفعل منظومة الفساد والإفساد، التي بدأت إرهاصاتها في سبعينيات القرن الماضي.
ففي غضون أقل من أسبوع أفسح عمرو أديب برنامجه المتميز لمسؤولين سابقين، سواء كانوا من أصحاب السوابق وخريجي السجون أو من الهاربين أو المتقاعدين، وفي معرض دفاع كل واحد عن نفسه وإبراء ذمته أمام الناس وادعاء الشرف والرجولة والتضحية فإنه كان يضطر إلي الخوض في وقائع وحكايات تمس الآخرين.
وحيث إنهم جميعاً كانوا في يوم من الأيام يشار إليهم بالبنان، وكانوا قريبين من مراكز السلطة ومحاسيب السلطان، فإن ما تبادلوه من اتهامات وحكايات تمس ذمم المال وشرف الرجال بل تطعنها في الصميم، جعلني أشعر وكثيرين غيري بأننا نعيش في مستنقع من الفساد، ليست له حدود أو قرار، وأن ما يظهر في وسائل الإعلام ما هو إلا طفح يسير منه!!
يومان يتبادل فيهما الاتهامات مستشار سابق احتل أرفع المناصب وظل سنوات وسنوات محافظاً، مع مسؤول كبير سابق كان من المقربين، والسكرتير الخاص لوزير يضرب به المثل في طول توليه المنصب.. يتحدثون عن ملايين راحت وجاءت كما لو كانوا يتحدثون عن قروش قليلة.. ويتحدثون عن الهدايا والرشاوي كأنها حق وحقيقة، ويكشفون بلا مواراة أو خجل عن فضائح مالية وشخصية يندي لها الجبين.. وتحدث مداخلات أثناء حديثهما تزيد النفس ألماً وقرفاً وحسرة علي ما آلت إليه أخلاق مجتمع باشوات وبكوات هذا الزمن الأغبر..
فنسمع محامياً خرج لتوه من السجن ويتباهي دوماً بصلاته بكبار المسؤولين في الدولة، ويعرض نفسه عليهم بطريقة فجة لتقديم خدماته حتي لمن أذلوه وأهانوه، تسمعه يدخل في شجار وسباب بأعلي الأصوات مع سكرتير الوزير السابق بطريقة وكلمات لا يمكن أن يفهم معانيها إلا من عايش فتوات و«ردحات» حواري بولاق في زمن مضي، ويعرف بالضبط ماذا يعني تعبير «فرش الملاءة» الشهير في الأحياء الشعبية!!
ولا نكاد نلتقط أنفاسنا حتي يفاجئنا عمرو أديب بمسؤول كبير سابق في جهاز رقابي مهم، وكان ملء السمع والبصر طوال سنوات قريبة ماضية، وجدناه يحكي عن وقائع رشوة وفساد وتربح يتهم فيها رئيسا سابقا للجهاز نفسه.. يؤكدها اتصال تليفوني من هارب كبير من أصحاب شركات توظيف الأموال في السبعينيات والثمانينيات، له من الحكايات والوقائع مع مسؤولين كبار في النظام آنذاك ما تشيب له الولدان، والرجل يقول بمنتهي الوضوح والصراحة: نعم أنا كنت فاسداً، ولكني لم أكن مفسداً.. وحاسبوا من دفعني إلي الفساد قبل أن تحاسبوني.
فالرجل الذي كان علي قمة الجهاز الذي يمكن أن يجهز عليه بإشارة منه، طلب منه شراء مزرعة لا نعرف من خصصها وزرعها وهيأها له وهو في عنفوان السلطة، فيعطيه هذا الذي جمع أموال الناس بالخداع والتضليل، يعطيه شيكاً علي بياض ويقول له اكتب أنت الثمن الذي تريدني أن أشتري به المزرعة ـ تجنباً لبطشه!! حكايات واعترافات وبذاءات لا أول لها ولا آخر تذاع علي القناة الفضائية التي يراها كل الناطقين بالعربية في أنحاء الأرض.. جعلت عمرو أديب يكاد يشد شعر رأسه ذهولاً وألماً لولا ظروفه الخاصة التي تمنعه من ذلك، فاختار أن يخرج توتره وانفعاله في عمل طائرات وزوارق من ورق وهو يسمع هولاً ونشازاً وإجراماً!! لقد قال عمرو أديب ـ وهو محق في ذلك ـ إن وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة التي من واجبها أن تكشف المستور وتظهر الحقائق للنور، ولكن أقول للعزيز عمرو..
إن هذا صحيح في حال وجود السلطات الثلاث الأخري وجوداً حقيقياً وليس مظهرياً.. وفي مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل واختصرت فيه السلطات الثلاث في سلطة واحدة تفعل ما تريد، فإن ما تقوم به تلك السلطة الرابعة ـ وأعني الإعلام القوي الهادف ـ يصبح عبئاً نفسياً علينا.. سوف يصيبنا بجميع الأمراض العضوية والنفسية ـ فرفقاً بنا.
Friday, January 25, 2008
لمـــــاذا يذهـــب أبنـــاؤنا إلي المـــــــدارس؟
هل نسأل أنفسنا لماذا يذهب أبناؤنا للمدارس؟ وأعتقد أن السؤال علي بساطته مباغت ومستفز، غير أن إجابته الوحيدة الصحيحة أو النموذجية- إن شئنا استخدام مصطلحات التعليم- أكثر مباغتة واستفزازا. فلن يستطيع أحد أن يجيب بان أبناءنا يذهبون إلي المدارس لكي يتعلموا، فأي تعليم هذاعلي مناهج عفي عليها الزمان تكرس صناعة الحفظ والتلقين والذاكرة والامتحان...إلخ تلك المنظومة البائسة التي شاخت وتعفنت وأصبحت تضر أكثر مما تفيد .
ولعل نظرة واحدة إلي حال أبنائنا من خريجي المدارس والجامعات تؤكد ما نذهب إليه ، وانظر بنفسك إلي طبيعة تعامل أبنائنا مع الصحافة والكتب، وطبيعة تعاملهم مع قضايانا الحياتية والثقافية ومنهج تفكيرهم في تلك القضايا إذ أنك لن تجد في النهاية سوي التطرف، وفي أحسن الحالات لن تجد سوي السطحية والاغتراب، ويكفي ما نشاهده من التفاف الشباب وحفاوة وسائل الإعلام بما يقوله ويكتبه واحد مثل الشيخ زغلول النجار مثلا، وهو كلام لا يمت بصلة لا إلي العلم ولا إلي المنهج العلمي. ومن البديهي إن ليس هناك تعلم حقيقي يقوم علي فكرة حفظ المعلومات المفككة والمقطوعة الصلة بالواقع من ناحية وبمنهجيات التفكير العلمي من ناحية ثانية.
وإذا كان الأمر كذلك وأن من الصعب التسليم بأن أبناءنا يذهبون إلي المدارس من أجل العلم، تصبح الإجابة الوحيدة والصحيحة والنموذجية أنهم يذهبون إلي المدارس من أجل الحصول علي الشهادة، والحصول علي تلك الشهادة ليس له سوي باب وحيد أوحد هو الامتحان.
وهكذا أصبح الامتحان هو الغاية من الذهاب إلي المدارس وأصبح الامتحان ليس محورا للعملية التعليمية بل بديلا لها، وأصبح كل ما يساعد علي دخول الامتحان والنجاح فيه مقبولا، مهما كان غير مفيد وغير مشروع وغير أخلاقي وغير قانوني ولعلنا لم ننس تلك المعارك الضارية التي خاضها وزير التعليم الأسبق ضد من اسماهم مافيا الدروس الخصوصية ومن الحق ان نعترف بان تلك المعركة قد فشلت فشلا ذريعا في الحد من الدروس الخصوصية فضلا عن القضاء عليها ومن الحق أن نعترف أيضاً أن الوزير قد دخل تلك المعركة وحيدا فلم يكن معه الطلاب ولا المعلمون ولا أولياء الامور ومن الحق أيضاً أن نعترف أن الهزيمة كانت حتمية طالما ظل الامتحان يقيس كمية ما حفظه الطالب من معلومات وليس ما فهمه واختبره وتعامل معه وانفعل به وجربه، وحول الامتحان أيضاً ازدهرت الكتب الخارجية و مذكرات الدروس الخصوصية التي تبتذل المعلومات وتفككها وتمزقها حتي تصبح بلا معني ولا مضمون ومع ذلك فهي الوسيلة المضمونة للنجاح يشتريها الطلاب ويحفظونها عن ظهر قلبوأصبح من النادر أن تجد بيد طالب كتاب الوزارة المقرر، وأصبح الطلاب يتسلمون الكتب ويركنونها في منازلهم وربما لا يفتحونها مطلقا، وتلك الكتب في الحقيقة تنفق عليها الوزارة عدة مليارات من الجنيهات، ويقوم عليها مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية ولا يعلم أحد أي تطوير هذا.ومع توحش ظاهرة الدروس الخصوصية - التي يسميها أستاذنا سعيد إسماعيل علي السوق الموازية للتعليم - أصبح الذهاب إلي المدرسة نفسها مضيعة للوقت.
وباختصار شديد فقد أصبح الامتحان هو كعب اخيل العملية التعليمية في مدارسنا بل وجامعاتنا.ولم يعد ذلك الامتحان هو محور التعليم فحسب بل محور حياة الطالب وأسرتهولن أتحدث هنا عن ظواهر الغش الجماعي والغش الفردي وتفشي ظاهرة البرشام وتفنن الطلاب فيه والتي أصبحت من الأخبار المثيرة والشهيرة في أيام الامتحانات. ولقد ارتبط بظاهرة عملقة الامتحان أن انصرف الطلاب عن الأنشطة والمقررات والمناهج التي لا يربطها بالامتحان صلة مباشرة، وتحت وطاة الظروف والأعباء المالية شايعت الوزارة الطلاب في هذا الانصراف، وهكذا اختفت من مناهجنا ومن مدارسنا كلها أنشطة الموسيقي والغناء والمسرح والتمثيل وأنشطة الفنون من الرسم والزخرفة والخزف وما يرتبط بكل هذا من معارض ومسابقات كما اختفت حصص التربية الزراعية واختفت الصوبة وحصص صناعة المربي وغيرها من المنتجات الزراعية.إنني هنا لا أتحدث عن أنشطة ترفيهية تكميلية تافهة، إن تلك الأنشطة هي ميدان التعليم الحقيقي ولعلي لا أبالغ أن قلت إن تلك الأنشطة هي التي عصمتنا ونحن طلاب من الانخراط في جماعات التطرف والإرهاب - ولهذا حديث آخر.إن الخطورة الحقيقية وراء تلك الحال السيئة التي وصل إليها التعليم في ظل هيمنة وتوحش الامتحان لا تعود إلي ماسبق الحديث عنه من ظواهر فحسب بل تعود إلي غياب الأسئلة الحقيقية والجوهرية حول التعليم حتي بين مثقفينا واكاديميينا وصناع السياسات والتشريعيين والتنفيذيين وغيرهم.
انظر مثلا إلي المقالات التي تهتم بالتعليم في صحفنا ودورياتنا فلن تجد سوي مناقشات فنية تجزيئية مثلا هل ندرس النحو منفصلا أم عبر دروس الأدب والنصوص؟هل ندرس التاريخ منفصلا أم مع الجغرافية في مادة واحدة تسمي الاجتماعيات؟هل التربية الدينية ينبغي أن تحسب درجاتها في الامتحان أم لا؟ثم حديث عن مستوي الامتحانات والأسئلة التي من خارج المقرر والتي من داخله.المهم أنه في ظل هذه المعمعة كما قلت غابت الأسئلة الجوهرية التي ينبغي أن ينشغل بها الناس بوجه عام والمثقفون والمفكرون بوجه خاص.ومن تلك الأسئلة علي سبيل المثال لا الحصر:ماهو المنهج العلمي وما هو العلم وكيف نفكر بطريقة علمية؟من نحن؟ ومن هم الآخرون؟ وهل نظل نحن علي حق دائما؟ ويظل الآخرون علي باطل دائما؟ماهي الحرية؟ وما هي حدودها؟ وما هي الديمقراطية؟ وما هي ملامحها؟ وما القانون؟ ولماذا القانون؟ وماهي السلطة؟ وكيف تتكون السلطة؟ ولمن تكون السلطة؟ ماهو الدستور؟تلك هي الأسئلة التي أغفلناها منذ نسينا أن نسأل أنفسنا ذلك السؤال البدهي لماذا يذهب أبناؤنا للمدارس؟
ببساطة
* ملعونة تلك الزعامة التي تكتسب شرعيتها علي جثث الابرياء.. أتكلم عن القيادات الفلسطينية.
* لن يصدق الشارع اي قضايا عن الاحتكار مالم يقتنع بعدم وجود أي احتقار في الحديد.
* حين يختلط الدين بالسياسة تنتج دول مثل لبنان وافغانستان.
* طالما نرفض نقد المؤسسات الاجنبية لاوضاعنا الداخلية فيجب الا نحتفي بها عندما تشيد بنفس هذه الاوضاع.
*دبلوماسية تجارة السلاح في منطقة الخليج يقابلها التخويف من ايران شيء لزوم الشيء.
* حتي السياسة دخلت هيئة الأرصاد ولاتريد ان تعترف بدرجة الصفر حتي لانتذكر بقية الأصفار.
* لو أتيح للناس المشاركة والتفاعل مع بقية المؤسسات مثلما يتفاعلون مع المنتخب لتغيرت الأمور السياسية والأقتصادية في هذا البلد.
* مايحدث في غزة يؤكد ان هتلر كان اشرف من باراك والنازية ارحم من الصهيونية.
Saturday, January 12, 2008
تعلمـــــــــوا من كينيا
وبالرغم من علم الشعوب بتلك الألاعيب المفضوحة، فإنها لم تحاول يوماً أن تقول لتجار الانتخابات ومزوريها: كفى، بل اكتفت بالتهكم عليها همساً كي لا يصيبها ما أصاب ذلك الرجل العربي الذي صوّت في أحد الانتخابات بـ"لا"، فما أن أخبر زوجته بـ"فعلته الشنيعة" حتى توسلت إليه أن يعود فوراً إلى مركز الاقتراع ليغير "لا" بـ"نعم" كي لا تصبح العائلة في خبر كان، فعاد الرجل، وأخبر "نواطير" صندوق الاقتراع بما فعل، فقالوا له: "لا تقلق، لقد قمنا بتصحيح فعلتك بعد أن خرجت من المركز مباشرة، لكن إياك أن تعيدها ثانية".
هذا هو حال الانتخابات في العالم الثالث، تلفيق بتلفيق. لكن الانتفاضة الكينية ربما تكون الشرارة الأولى لثورة عالمثالثية مطلوبة على جريمة تزوير إرادة الشعوب والتلاعب بها بكل صفاقة ووقاحة دون رادع أو احتجاج. لأول مرة في التاريخ الحديث ينتفض شعب عالمثالثي عنفاً على مزوري إرادته، ويحرق الأخضر واليابس، ويهز عروش المزورين، ويزلزل الأرض تحت أقدامهم، ويجبرهم على التنازلات. إنها ليست "ديمقراطية السواطير"، كما سماها كاتب عربي، بل انتفاضة ديمقراطية حقيقية طال انتظارها. فبينما تبتلع الشعوب العربية بصمت مطبق نتائج الانتخابات والاستفتاءات التي يتلوها عليهم وزراء الداخلية في ختام المسرحيات الانتخابية، وتصل نسبة النجاح فيها إلى مائة في المائة أحياناً، ها هو الشعب الكيني وقد نفض عن نفسه غبار الاستكانة، وراح يُسمع صوته للعالم أجمع، فقد احتلت أخبار الانتفاضة الكينية شاشات العالم لما انطوت عليه من عنف وضجيج وأحداث دامية احتجاجاً على تزوير الانتخابات لصالح الرئيس الحاكم. لم يقبل الكينيون أن يتوافدوا إلى مراكز الاقتراع، ومن بعد ذلك يجدون أصواتهم وقد ذهبت لمن لا يستحقها، هكذا بجرة قلم على أيدي النظام الحاكم وزبانيته الفاسدين.
فقد اعتادت الأنظمة الحاكمة في عالمنا الثالث التي تزِّور - عادة - حتى درجات الحرارة أن تجري انتخابات على عينك يا تاجر، فقط لإيهام العالم بأنها تطبق الديمقراطية، بينما هي في واقع الأمر، تزور أصوات الشعوب، وتفصّل نتائج الانتخابات والاستفتاءات قبل أن تبدأ. ويُحكى أن وزير داخلية عربياً كان بلده على وشك إجراء استفتاء، فأراد أن تكون نتيجته ضمن الأرقام المعمول بها عربياً، فاتصل ذات يوم بوزير دولة عربية أخرى، وسأله عن نتيجة الاستفتاء الذي ستجريه الدولة الاخرى بعد شهور، فقال له: "والله نفكر بأن تكون نسبة الفوز لدينا ثمانية وتسعين ونصف بالمائة". قد يبدو الأمر نكتة سمجة، لكنه حقيقة واقعة، والويل كل الويل لمن لا يبصم عليها بالعشرة. وكم أعجبت بكلام سيف الإسلام القذافي ذات يوم عندما رد على الذين ينتقدون ليبيا لأنها لا تجري انتخابات، فقال ما معناه: "من أسهل ما يكون أن نجري انتخابات كتلك التي يجرونها في البلدان العربية المجاورة، لكننا نفضل ألا ندخل تلك اللعبة. صحيح أن كل الدول العربية، بما فيها ليبيا، في الديمقراطية شرقُ، لكن على الأقل، فإن المسؤول الليبي المذكور كان صريحاً عندما ألمح إلى صورية ومهزلة ما يجري من انتخابات واستفتاءات في البلدان العربية، وبأنه يعرف البئر وغطاءه، ولا يريد تكرار التجربة المضحكة. أي إنه من الأفضل أن تقول أنا غير ديمقراطي على أن تضحك على الشعوب بانتخابات مفبركة من رأسها حتى أخمص قدميها.
لكن بينما الشعوب العربية مستمتعة بمهازلها الانتخابية الكوميدية، أبى الشعب الكيني إلا أن يضحي بدمه واستقراره من أجل انتخابات نظيفة خالية من التزوير والفبركة والتلاعب. قد يرى البعض في أحداث كينيا التي خلفت مئات الألوف من القتلى والجرحى والمشردين مثالاً على التخلف وبداية لتفكيك البلد الأكثر استقراراً في إفريقيا. لكن لماذا لا نقول: إن القضية التي استشهد من أجلها بعض الكينيين تستحق ذلك الثمن المدفوع من الدماء والفوضى؟ إلى متى تتوخى شعوب العالم الثالث السلامة والاستكانة على حساب التصحيح الديمقراطي، حتى لو اقترن بالعنف والدماء؟ متى حصل شعب عبر التاريخ على حقوقه الديمقراطية إلا عن طريق التضحيات؟ متى قدم الحكام الديمقراطية لشعوبهم على طبق من ذهب؟ أليس كل ما يُمنح يُمنع؟ ألم تولد الديمقراطية تاريخياً من رحم الثورات والانتفاضات والدماء الغزيرة؟ أليست الهبـّة الكينية العارمة درساً لكل من يحاول أن يتلاعب بنتائج الانتخابات في البلاد في المستقبل؟ ألم يلقن المنتفضون الكينيون مزوري إرادة الشعب الكيني درساً لن ينسوه أبداً؟ ألن يحرضوا غيرهم من الشعوب الخامدة على التصدى في المستقبل لعمليات الغش والتزوير الانتخابية، وربما تدفع البعض إلى إجراء انتخابات حرة نسبياً؟ ألم تحذر المعارضة السودانية النظام الحاكم قبل أيام، بأنه سيواجه أحداثاً مشابهة لما شهدته كينيا، فيما لو تلاعب بنتائج الانتخابات؟
ألا يؤكد علماء السياسة والاجتماع أن أهم عنصر لتحقيق الديمقراطية الحقيقية يكمن في الحراك الاجتماعي، أي إن الديمقراطية لا يمكن أن تولد إلا من صُلب الصراعات والاشتباكات، حتى لو كانت عنيفة ودموية في أغلب الأحيان، فالوضع المزدهر الذي آلت إليه أوروبا وأمريكا مثلا لم يأت فجأة، فالمجتمعات الغربية لم تتناحر بعضها مع بعض فقط، بل شهدت أيضا حروباً وصراعات داخلية أشد وأعتى، فأمريكا مرت بحرب أهلية دوّنها التاريخ حتى وصلت إلى ديمقراطيتيها الحالية. أما بريطانيا، كما يجادل بشير موسى نافع،" فلم تكن الديمقراطية فيها ممكنة لولا انتهاء الصراعات الدموية منذ القرن السادس عشر... لقد وُلد الإجماع البريطاني في نهاية مائتي سنة من الحروب الأهلية الطاحنة، ووُلد هذا الإجماع في ألمانيا من أتون اضطرابات كبيرة. ولا ننسى ثورات فرنسا وإسبانيا وغيرهما". هل كانت فرنسا لتحظى بديمقراطيتها الحالية لولا الثورة الفرنسية الدامية؟ أما إيطاليا فقد عاشت كغيرها من الدول الأوروبية فترات عصيبة من الصراعات والمشاحنات الداخلية قبل أن تستقر فيها الأمور، وتصل إلى مبتغاها الديمقراطي.
بعبارة أخرى فإن حالة الاستقرار والديمقراطية كانت نتيجة نضال عسير بين أبناء البلاد أنفسهم، فكانت الجماعات والأحزاب والفصائل تشتبك، وتتناحر، ويقاتل بعضها البعض حتى وصلت إلى الإجماع الوطني المطلوب، فمن أهم مقومات بناء الديمقراطية، كما يرى بعض المفكرين، هو الإجماع الداخلي بعد الحراك والصراع، ومن ثم التوصل إلى وضع مشترك يحسم الأمور، ويتفق عليه الجميع، فمن دون ذلك تظل البلاد في حالة مخاض. وكلنا يعرف أن المرأة لا تلد مولودها إلا بعد أن تنتهي من مرحلة المخاض المعروفة بالطلق. أما نحن فنريد أن نصنع العجة دون أن نكسر بيضة واحدة! متى تتعلم أحزاب المعارضة العربية من نظيراتها الكينية؟ متى تقول كفى للتزوير ودبلجة نتائج الانتخابات العربية حسب الطلب؟ متى تكسر البيض لصناعة العجة؟
لم يبق لنا إلا أن نقول للمعارضين العرب: يا خيبتكم، تعلموا من كينيا. «فيفا كينيا»، تحيا كينيا!!
مجتمع يأكل نفسه
لم تعد أزمتنا في مصر ترتبط بوجود نظام سياسي "متحلل" يقف ضد نواميس الكون، أو في سيطرة نخبة كومبرادورية (فاسدة) تمتص قوت الشعب كي تنفخ به كروشها وجيوبها، وإنما هي في مجتمع بات يأكل نفسه ويعيد إنتاج أزماته كما لو كان فيروساً يتحوّر كلما اشتدت مقاومته.
فعندما يصبح الاقتصاد الوطني حكراً علي مجموعة من "المرتزقة" يفعلون به كما يشاءون تحت ادعاءات اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية، فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يحظي فيلم يحض علي الرذيلة ويشوه ثقافتنا ويدمر قيمنا تحت دعوي التحريض الثوري، ويحقق أعلي الإيرادات (حين مسخرة) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما يصبح ممثل أبله وأخر "عبيط" وثالث "هايف" هم سادة القوم ومصدر فخره .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يقوم كاتب "ناشئ" بالتهكم علي تيار سياسي بأكمله (اليسار) ويصمه بالفشل والحماقة ومحاولة محوه من التاريخ بجرة قلم .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!وعندما يصبح الفن مصدراً للتنويم "المغناطيسي" الشعبي ومفعوله أشبه بمفعول "الأفيون" في عقول الشباب .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما يتحول عاطل وفاشل كي يصبح مليونيراً بين ليلة وضحاها بسبب بلاهة و"جشع" البعض منا (مليونيرات ساقية مكي وقليوب وأبو زعبل) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما تصبح حياة المواطن مجالاً للتفاوض والتسعير والمزايدة (حادثة الفتاة السعودية) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يصل عدد المباني المفترض تنكيسها إلي أكثر من مائة ألف عمارة تحوي بداخلها قرابة ثلاثة ملايين نفس بشرية تنتظر قيام ساعتها دون أن يتحرك أحد.. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!وعندما يصبح انتقال "لاعب" من ناد إلي ناد مدعاة لإشعال حرب أهلية (حسني عبد ربه وسيد معوض نموذجاً) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما يحتكر مواطن واحد اسمه (أحمد عز) 63 بالمائة من سوق الحديد باعتراف الحكومة و(تشجيعها) ولا يقوي أحد علي ردعه .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!وعندما تستباح أراضي الدولة ويتم توزيعها علي بعض الفاسدين دون رقيب أو حسيب (أراضي وزارتي الزراعة والإسكان) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يصبح رفات شهداءنا أدني كرامة من رفات الصهاينة ولا ينتفض لذلك مسؤول أو يشعر بالخزي والعار .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما تقوم بعض صحفنا "المستقلة" بالارتزاق ورفع أرقام توزيعها علي حساب السلام الاجتماعي وعقدنا الوطني.. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وحين تنقسم النخبة، أو ما يفترض أنها كذلك، حول مبادرة جريئة لوقف العنف وحفظ الدماء لمجرد رغبة البعض في الظهور.. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!وعندما تتحول قصاصات صحفية مصدراً لنثر بذور الفتنة الدينية (حادثتي إسنا والأقصر) دون أدني مراعاة للتوازنات الطائفية والعلاقات الاجتماعية في بلدنا .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يتطاول البعض علي تاريخنا ويسعي للزعامة علي حساب نسيجنا الوطني ورباطنا الأخوي فيصدر بيانات تحريضية ويعقد ندوات ولقاءات ابتزازية .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما تستجدي النخبة والمثقفين عطفاً من هذا المسؤول أو ذاك من أجل "تخليص مصالحها" .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما يتدني بعض مثقفينا وصحفيينا في مطالبهم من أجل الحصول علي معونة من الحكومة أو كي يصبحوا ضيوفاً علي موائد المسؤولين ورجال الأعمال .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما تفتقد جماعة كبيرة ومنظمة (الإخوان) إلي عقل سياسي وتصبح مجرد ترس في ملحمة الفوضي والعبث الاجتماعي دون القدرة علي تغييره .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!وعندما تصبح أحزابنا أوكاراً للعاطلين والمرتزقة والطامحين في امتطاء جواد السلطة تحت أي مسمي .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!! وعندما تتحول "حقوق الإنسان" إلي "سبوبة" يتاجر بها البعض من أجل حفنة دولارات .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
وعندما تفتقد 90 بالمائة من مشروعات الدولة إلي دراسات الجدوي والمتابعة دون رقيب أو حسيب (باعتراف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في أهرام الجمعة 11 يناير 2008) .. فهذا مجتمع يأكل نفسه!!
إذا المشكلة في بلادنا لم تعد تتعلق بقهر السلطة للشعب، فهذا ناموس السياسة وقانونها، بيد أن الأخطر هو أن يتحول القهر كي يصبح صناعة شعبية محضة تمارسها فئات المجتمع وطبقاته تجاه بعضها البعض كما هي الحال الآن. ويبدو الأمر كما لو كان حقيقة تاريخية تكاد تكون ملازمة لتاريخنا الطويل، كما لو كانت أقرب لردة فعل تلقائية علي قهر السلطة، وأشبه بحال سيكولوجية، تزداد سخونة كلما شاخت السلطة، حينئذ يتحول المجتمع كله إلي قطيع من الذئاب، ينهش بعضه بعضاً من أجل الحصول علي ما تبقى من تركة السلطان، ونهب كل ما تقع أيديهم عليه.وهي ظاهرة يرصدها التاريخ منذ أيام الملك العجوز "بيبى" قبل خمسة آلاف عام، والذى شهد أول ثورة في التاريخ بسبب انتشار الجوع والفقر، وحتي سلاطين الدولة العثمانية وأمراء المماليك الذين ما فتئوا يتصارعون مع الأيوبيين علي فتات الباب العالى.وخلال العصر الحديث، شهدت مصر جميع أنواع القهر الاجتماعي، حتي يكاد التاريخ المصري طيلة المائتى عام الأخيرة يسطَّر من خلال تاريخ الفقراء والمقهورين.
أو ليس غريباً أن جميع الثورات التي شهدتها مصر لم تقم لأسباب سياسية ابتداءً؟ بل الأنكي أنها لم تكن موجهة للاحتلال الأجنبى، بقدر ما كانت ثورة علي القهر الاجتماعي والفساد الاقتصادى؟ فثورة عرابي "رغم محدوديتها"، كانت تستهدف إصلاح القصر الملكي "الخديو توفيق" احتجاجاً علي فساد العائلة المالكة وحاشيتها، ورهن البلاد في أيدى الصيارفة الأجانب. كما كانت ثورة 1919 تعبيراً عن تمرد اجتماعي واقتصادي علي الأوضاع الاحتكارية والإقطاعية التي انتشرت في البلاد آنذاك. وثورة يوليو 1952 وإن اقتلعت الفساد الملكي من جذوره وأعادت الملكية للشعب إلا أنها رسخت الفساد والاستبداد الفردي بكل معانيه.لينظر كل واحد منا إلي نفسه في المرآة، سيجد نفسه أمام نسخة متطابقة من ذلك "المصري" القديم الراكع تحت أقدام الملك -الإله، ينشد رضاه، ويطلب جوده وكرمه. وهى حال سيكولوجية تتكرر معنا كل يوم في الداخل والخارج، صورة العبد الذليل أمام رب عمله، وكأنما يهبه الرزق والحياة، وصورة الفرد الفقير الذى يستدر عطف الغنى، وصورة المرؤوس الذي ينشد رضا رئيسه، وإذا ما وضعت هذه الصور إلي جوار بعضها البعض، لوجدت نفسك أمام لوحة معمارية كبيرة تجسد جميع معاني القهر الاجتماعي في مصر.
إن معضلتنا ليست في وجود الديمقراطية من عدمها، فذاك ترف لم ندفع فاتورته بعد، وإنما في غياب قوة اجتماعية تتمتع بحس أخلاقي رفيع، ولديها منظومة قيمية منزّهة عن الهوي "الذاتي" يمكن أن تمثل مصدر إلهام لليائسين والمحبطين والهائمين علي وجوههم صباحاً ومساءاً لسد رمق العيش. بل بالأحري نحن في حاجة إلي مجتمع جديد واثب يمكنه إعادة بندول الأخلاق والقيم والعمل (إحياء الروح العامة) إلي مكانه الطبيعي، وهو ما لن يحدث دون القيام بجراحة عقلية تبدأ من المنازل والمساجد والكنائس وحجرات التدريس، وبدون ذلك سنظل وإلي الأبد مجتمعاً يأكل نفسه!!
سرطان العشوائيات الذي ينتشر لـ«حين ميسرة»
كانت ليلة صعبة للغاية، تلك التي حاولت النوم فيها عقب مشاهدتي الفيلم الرائع «حين ميسرة»، للمبدع الموهوب المخرج خالد يوسف، الذي حمل فيلمه المتميز رسالة خطيرة ومهمة، نفذت إلي العقول والقلوب الحية، وفتحت العيون الغافلة والآذان الصماء،
مفادها أن النظام، الذي يحكمنا منذ بداية السبعينيات قد ارتكب جريمة كبري في حق هذا الوطن وفي حق أجيال وأجيال من أبنائه.. وهي أنه في ظل الانشغال بتنمية ثروات وامتيازات طبقة صغيرة جداً من أهل السلطة والسلطان وحلفائهم من أصحاب الثروات، التي لا يعرف أحد من أين أتت وتكونت..
وفي ظل الانشغال بشطر مصر إلي قسمين - ولا أقول نصفين - لا علاقة لهما ببعضهما البعض.. لم يشعر النظام ببدايات مرض خبيث بدأ ينمو في كل بقعة من جسد الوطن، في قلبه وعلي أطرافه، اسمه العشوائيات. لقد تضمن سيناريو الفيلم حواراً عبقرياً كان يتحدث فيه أحد أبطال الفيلم الرائعين من ساكني العشوائيات إلي صديقه، ويذكره بواقعة تمرد جنود الأمن المركزي التي حدثت في منتصف الثمانينيات،
والتي تم فيها لأول مرة فرض حظر التجول في القاهرة والجيزة ونزول دبابات الجيش إلي الشوارع، وكيف أنه في هذا الوقت خرج هو وأصدقاؤه إلي الشارع ليعرفوا ماذا سيحدث لهم إذا خالفوا حظر التجول هذا، ومشوا في الشارع ليشاهدوا الدبابات عن قرب،
فقال لصديقه: لم يحدث شيء لنا.. يبدو أن هؤلاء الناس لا يروننا، ثم أضاف بأسي: صعب علي الإنسان أن يشعر أنه يأتي إلي الحياة ويذهب دون أن يشعر به أحد!! إنها الحقيقة واضحة وناصعة.. لم يشعر النظام - وهو المستمر إلي الآن - وقتها بهؤلاء الناس.. أصابهم العمي والطرش والخرس.. فتركوا المرض يستفحل، وعشش الصفيح والبنايات الهشة القبيحة تكثر وتتمدد،
والمنطقة الصغيرة المحدودة تتحول تحت سمع وبصر المسؤولين، أو في غفلة منهم، الله وحده يعلم - إلي أحياء كبيرة مزدحمة تتلاصق فيها البيوت والأجساد، ولا يوجد بداخلها أي أثر يدل علي أن هذا المكان تابع لدولة أو نظام حكم.. بشر تحكمهم وتتحكم فيهم غرائزهم، وتنتشر بينهم جميع الموبقات، ولا يحصلون علي أي خدمات.. لتكون هذه الأحياء البيئة المناسبة لنمو جميع الأمراض والآفات الاجتماعية، التي يحملها ساكنو هذه الأحياء التعسة معهم، عندما يخرجون منها إلي حيث يعملون لدي وبين أبناء مصر الأولي ومصر الأخري..
فتسود أخلاق الرعاع والألفاظ السوقية المنحطة، وتنتشر المخدرات بجميع أشكالها وجميع صور الانحراف النفسي والجسدي.. إنني أعتقد أن ما نراه في الشاراع المصري الآن من فوضي عارمة خرجت عن نطاق السيطرة،
وما نسميه الآن ظاهرة أطفال الشوارع، نتاج طبيعي لانتشار هذا السرطان المدمر المسمي بالعشوائيات.. وأن ثقافة «البلطجة» و«الفتونة» التي يمارسها الكثير من مختلف طبقات الشعب بلا حياء، ونراها رأي العين حولنا في كل مكان.. هي أيضاً مظهر من مظاهر المرض الخبيث الذي انتشر واستفحل.
لقد أثار هذا الفيلم الذي أعتبره علامة مهمة في تاريخ السينما المصرية، قضية، لا أبالغ حين أقول إنها الأهم الآن علي الساحة المصرية.. ذلك لمن يفهم ويتدبر.. أتمني ألا يظن هؤلاء الذين يتاجرون بفقر هؤلاء الناس، ويظنون أنهم قادرون على استغلالهم أىام الانتخابات، سواء بشراء أصواتهم أو فى أعمال البلطجة، أن هذه الأماكن كلها تحت سىطرتهم، وأنهم فى مأمن.
إننى أدعو إلى مشروع قومى كبىر ىقوم فىه كل واحد من مليارديرات مصر الكبار، الذين يتصدرون المشهد السياسي المصري، بالتكفل بعمل حي سكني كامل توفر له الدولة الأرض بالمجان، وتزوده بالخدمات التعليمية والصحية والترفهية وخدمات النقل والمواصلات.. تنتقل إليه إحدي البؤر العشوائية، علي أن يكون ذلك بأطراف المدن الجديدة خارج نطاق القاهرة الكبري، وبتخطيط وتنسيق مع المحافظين.. ثم يتم بعد ذلك إزالة هذه السبة العشوائية من علي وجه مصر الحضاري..
وأعتقد أن عدد المليارديرات علي أرض مصر المحروسة، كفيل بأن ينجح هذا المشروع في جراحة الاستئصال هذه المطلوبة لهذا المرض الخبيث.. قبل أن نفيق علي يوم نندم فيه علي ما فعلنا يوم لا ينفع الندم، حين يكون تشخيص حالتنا: «حالة ميئوس منها» والعياذ بالله.
Friday, January 11, 2008
ببساطة
* كثرة الكلام عن الدعم النقدي هو اعتراف رسمي بأن هناك لصوصا يسرقون الدعم العيني من الفقراء.
* مفهوم الدعم العيني عندي طعام بلا مبيدات وكوب مياه نظيف وسرير في مستشفي وتعليم بلا دروس خصوصية وفرصة متكافئة في الحياة.
* ألف باء الشفافية أن يعترف كل رب أسرة من أين يحصل علي الفرق بين دخله وما ينفقه شهريا.
* كلما زاد هجوم إسرائيل علي حماس وإيران وحزب الله ازداد حبنا لهم لأن عدو عدوي صديقي.
* الظلم أن يتساوي في الأجر من يعمل ومن لا يعمل, والفساد أن يصبح الثاني رئيسا للأول.
* شعرت بالخجل من تليفزيون مصر, عندما شاهدت قناة الجزيرة تحتفي بعالمة الوراثة الدكتورة سامية التمتامي.
* مطلوب إقامة نصب للفساد في ميدان الجيزة بوصفه أكثر مكان في مصر فسادا.
* أمنية واحدة في حياتي.. أن اعيش لتداول الأيام وأري العرب يفعلون بإسرائيل ما تفعله بهم الآن.
* يوم يفكر قادة المنطقة بأن الأمن القومي لبلادهم يبدأ من الجيران, لن تستطيع امريكا الاستقواء بأي دولة عربية.
Tuesday, January 8, 2008
الحكومة في مواجهة من يزرعون اليأس
المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، غاضب هذه الأيام.. وسبب غضبه ليس لأنه يتعرض لهجوم شديد علي شخصه أو أنه متهم بالفشل في عمله الوزاري، لكن سبب الغضب هو حملة اليأس التي يقودها البعض في المجتمع، علي حد قوله، وأنه مستعد لاتهامه بأنه وزير فاشل، لكنه لا يوافق علي اتهام الصناعة المصرية ورجالها بالفشل.
قال المهندس رشيد هذا الكلام علي شاشة قناة «أوربت» مع الإعلامي عمرو أديب، ثم قاله بشكل آخر في إحدي الندوات التي عقدت بالإسكندرية، وفيها قال إن البعض يصر علي النكد.
والوزير رشيد ليس من الوزراء المغرقين في التفاؤل، لكنه يريد أن يقدم صورة متوازنة عن حالة المجتمع المصري، فليس كله مجتمع العجز والفشل والحرامية واللصوص، فإلي جانب هؤلاء يوجد شرفاء ومنتجون ومخلصون، وكما أن هناك سلبيات «وناس مش مبسوطة، هناك إيجابيات وناس مبسوطة».
ولن أدخل في جدل مع المهندس رشيد حول نظريته تلك، وإن كنت أتفق معه ـ حتي ولو كان علي المستوي الشخصي ـ علي قدر من التفاؤل والأمل كدافع للتحرك إلي الأمام، وما ينطبق علي الأشخاص ينطبق علي المجتمعات.
فإذا كان هناك من يحاول «التنكيد» علي الناس وتسويد كل شيء كما قال، فلماذا لا تحاول الحكومة وهي تدعي النجاح وتحقيق إنجازات ملموسة يعترف لها بها المجتمع الدولي والمؤسسات المصرفية والاقتصادية العالمية، أن تمنحنا هذا الأمل وهذا التفاؤل؟ ليس بالكلام لأنه سيأتي بنتائج عكسية، ولولا شعوري شخصيا بصدق المهندس رشيد في دعوته، لما أعطيت كلامه أقل اهتمام.
الحكومة في مواجهة من يزرعون اليأس في قلوب الناس، أليست معادلة عادلة، والحكومة أمامها مئات الفرص وعشرات الوسائل التي تحقق بها ذلك، ثم تترك للناس الحكم بعد ذلك، ولا نصادر علي حقهم في قدرتهم علي التقييم السليم للأمور.
والوزير رشيد يدرك أو لابد أنه يدرك، أن الثقة لا تمنح مجانا، خاصة إذا كانت بين الحاكم والمحكوم وبين الحكومة والشعب، وإذا كانت هناك فئة استفادت أو مبسوطة من الحكومة، فهذه التي من الواجب عليها أن تدعمها وتمنحها ثقتها.. لكن الآخرين الذين لم يستفيدوا وضغوط الحياة والأسعار تتزايد عليهم، لماذا يمنحون ثقتهم للحكومة؟
هل يعطيني المهندس رشيد محمد رشيد مبرراً واحداً لذلك؟
Sunday, January 6, 2008
اكّلم ورحرح!
صرخ الدكتور أحمد نظيف في بيانه أمام نواب الشعب خلال الأسبوع الماضي قائلاً إن عدد خطوط المحمول المتداولة في أيدي المصريين وصل إلي ٣٠ مليون خط، وقد أراد كبير المسؤولين بهذه العبارة التعريض بذلك الشعب الذي يدعي الفقر علي حكومته «الغلبانة» كي يبتز أموالها!، في الوقت الذي يرفل فيه أبناؤه في الثراء،
وليست تلك هي المرة الأولي التي يستخدم فيها رئيس الوزراء هذا النوع من الخطاب في مواجهة أي مساءلة عن معاناة الناس نتيجة ارتفاع الأسعار وضعف الدخول، فقد سبق أن تحدث - في أحد البرامج التليفزيونية - عن تزاحم المصريين علي السوبر ماركتات وخروجهم منها محملين بالأطايب من الطعام والشراب وخلافه، رغم ما يدعونه من فقر ومن حاجة إلي الدعم!.
ويذكرني هذا الأسلوب في تحليل معاناة الملايين من فقراء المصريين بالطريقة التي يتحدث بها بعض الموسرين عن المتسولين.
فما أكثر ما تسمع هؤلاء يقولون في معرض حديثهم عن متسول معين إنه يدعي الفقر رغم أنه يجمع ألوف الجنيهات التي ينفقها علي بناء العمارات واقتناء السيارات وشراء خطوط المحمول، ويبدو أن حكومة الدكتور نظيف تنظر إلي الكثير من رعاياها علي أنهم من هذا النوع أو الصنف!.
وتكشف هذه الطريقة في التفكير عن عدم اقتناع الحكومة بوجود مشاكل معيشية حقيقية تواجه المصريين ونظرتها إلي الناس علي أنهم مجموعة من البشر الذين يحاولون ابتزار الحكومة حتي آخر جنيه في جيبها، رغم ألوف الجنيهات التي ترتع في جيوبهم!،
وعلي الرغم من عدم وجود مشكلات حقيقية تؤرق عليهم ليلهم وتنغص عليهم نهارهم فإنهم لا يملون من الصراخ والشكوي للحكومة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة تفوق طاقتهم وتزيد علي احتمالهم. فالدكتور نظيف يريد أن يؤكد لنا أن المشكلة ليست في الحكومة التي تتاجر علي الشعب، بل في الشعب الذي يتاجر علي الحكومة حتي آخر جنيه في جيبها المفلس لكي يأخذه ويضعه في جيبه العامر.
ومن يرد أن يتأكد من ذلك عليه أن يتذكر هذا الرقم المذهل لعدد خطوط المحمول في مصر والذي استوقف الدكتور مهندس أحمد نظيف وجعله ينظر إلي المصريين علي أنهم شعب غني يمتلك أفراده ٣٠ مليون خط محمول!.
وأتصور أن الرجل نسي أن يستدعي من ذاكرته أو أن يكلف مستشاريه بجمع أرقام أخري عن ظواهر مختلفة تبرهن بنفس الطريقة علي ثراء المصريين مثل عدد أجهزة التليفزيون والثلاجات والغسالات التي تنتشر في بيوت المصريين بالملايين، وقد يتفوق عددها - وأيضاً سعرها - علي مجموع وقيمة ما يمتلكه المصريون من خطوط وأجهزة المحمول.
تلك الأرقام كان من الممكن أن تسعف ذاكرة الدكتور نظيف في ظل عدم اتساعها لتخزين أرقام أخري من عينة حصيلة الضرائب التي تجمعها الحكومة والتي بلغت خلال ثلاثة أشهر فقط (من يوليو حتي سبتمبر ٢٠٠٧) ١٧.٨ مليار جنيه كما جاء علي لسان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية، وغيرها من الأرقام التي حصلتها الدولة من بيع ما كان يطلق عليه أملاك الشعب من مشروعات القطاع العام، وبيع الأراضي في سيناء والقاهرة الجديدة وغيرها من المدن الأخري لمستثمرين عرب وأجانب، هذه الأراضي التي لم ترثها الحكومة عن أمها وأبيها وإنما هي شرك بين المصريين جميعاً، كل هذه الأرقام وغيرها لم يتذكرها الدكتور نظيف، لكنه تكلم «ورحرح» - أقصد براحته - وهو يشير إلي خطوط المحمول التي تتجول في أيدي المصريين بالملايين.
والأمر الذي يجب أن يفهمه الناس أن بيزنس الموبايلات في مصر يعد فخاً نصبته الحكومة للمواطن بالتعاون مع بعض أحبائها من رجال الأعمال حتي تستنزف آخر نصف جنيه في جيب المواطن. فالدكتور نظيف يعلم أن السلعة الوحيدة التي انخفض سعرها في مصر خلال السنوات الأخيرة هي خطوط المحمول، ويكفي أن نشير إلي أن سعر الخط الشعبي انخفض من ١٢٥٠ جنيهاً عند بداية ظهوره إلي ما لا يزيد علي ثلاثين جنيهاً حالياً، بل من المتوقع أن ينخفض ثمنه أكثر وأكثر، وقد يصبح خلال فترة زمنية قصيرة بالمجان، أو يوزع للأطفال كجوائز داخل أكياس «الشيبسي».
والدكتور نظيف كخبير اتصالات يعلم أن وزارته قد خفضت مؤخراً سعر الخطوط التليفونية الثابتة (المنزلية) لأن القيمة لم تعد للخط، بل أصبحت للمكالمات التي تحصل الدولة وشركات المحمول علي جانب كبير من أموال المصريين من خلالها.
عبارة «اتكلم براحتك» التي تملأ شوارعنا لا تمثل مجرد شعار يرفعه أصحاب بيزنس الموبايلات بشرائحهم المختلفة بل هو شعار ترفعه الحكومة بأكملها، يكفي أن نراجع بيان الدكتور نظيف - الذي ذكر فيه عدد خطوط المحمول في مصر كدليل علي ثراء هذا الشعب - حيث تكلم الرجل براحته، في حين ترك نواب المعارضة يصرخون براحتهم، ونواب الحكومة يصفقون براحتهم، فكله يجب أن «يتكلم براحته»، لأن الكلام أصبح هو المجال الأكبر والمساحة الأكثر اتساعاً للاستثمار وتحقيق الأرباح في مصر، وهو يعكس - كما يذهب الدكتور نظيف وغيره ممن يفكرون بنفس الطريقة - حالة الشعب المصري الغني الذي يريد «الاستنطاع» علي الحكومة.
إنني أتصور أن المسكوت عنه في عبارة الدكتور نظيف حول الثلاثين مليون خط محمول يحمل نوعاً من الإهانة للناس، وسيكون السكوت عليها مهانة أكبر، وأقترح الرد عليها بالسكوت لمدة يوم عن استخدام التليفون، فلو أن الناس امتنعت عن الكلام في التليفونات لمدة يوم واحد لعلمت هذه الحكومة الأدب وأعطت كبيرها درساً في أصول اللياقة عند الحديث عن شعبه.
Saturday, January 5, 2008
اللي ما يعرفش يقول "دعم"
جلال عامر
وعلي الرئاسة دعما رئاسيا فالحقيقة أنه إنفاق عادي اختارت الحكومة منه ما يخص الشعب وأسمته "دعماً" ليعطي إيحاءً بمعني الصدقة أو الإحسان وهذا خطأ سياسي واقتصادي انساق كثيرون وراءه مع الأسف.. وقد أثبتت الحكومة الذكية أنها ذكية فعلاً عندما طرحت الموضوع للمناقشة علي طريقة "كيف نسد عجز الموازنة بإلغاء الإنفاق عليكم".
. لأنها تعلم أن مناقشة الموضوع من باب ترشيد الإنفاق العام قد يدفع البعض للحديث عن المليارات التي تنفق علي الأمن المركزي أو السفه الحكومي أو الإعفاءات أو غير ذلك وأصبح كل جنيه تنفقه الحكومة علي نفسها اسمه إنفاق وكل جنية تنفقه علي الشعب تسميه دعماً ولو كان علي تذكرة سينما أو رصف طريق أو بناء مستشفي أو مدرسة أو محكمة.
. وأصبحت الست "ذكية" حرة تدعم السلطة الفلسطينية ولا تدعم أساسات عمارة لوران.. تدعم "الحراسات" ولا تدعم "الكراسات" فقد ورثت المال العام يوم أن قالت أن الانفاق اسمه "دعم" وصدقها الناس لذلك من حقها أن تمنعه عنا لتوزعه علي أعضاء الحزب الوطني. المربع الذهبيوقفنا ضد بيع فيللا "أم كلثوم" بعد وفاتها فقد كنا نرغب في إقامة متحف لها ثم توصلنا إلي حل وسط مع المستثمر بأن تهدم الفيللا ويقام مكانها برج ثم يخصص السطوح كمتحف لأم كلثوم.. لذلك من الممكن حل مشكلة "الضبعة" بنفس الطريقة نبيعها للمستثمر ويقيم برجاً ضخماً علي أن يخصص السطوح للمحطة النووية.
قال «الفساد للركب».. فضحكوا ونافقوا.. ثم ناموا
كان منظرًا يثير الرثاء والعجب لحالنا ذلك الذي نقله التليفزيون المصري لجلسة مجلس الشعب الموقر، التي ناقش فيها كارثة انهيار عمارة الإسكندرية.. فالذين تكلموا من الأعضاء سواء منهم التابعون لحزب الحكومة أو المعارضون تباروا في اختيار الألفاظ والعبارات الحماسية وفي علو الصوت بكلمة يجب كذا وكذا.. وفي توزيع الاتهامات يمينًا ويسارًا!!
وسبب العجب والرثاء اللذين شعرت بهما وأنا أتابع وقائع هذه الجلسة، هو أنه تداعت إلي مخيلتي وقائع جلسات سابقة للمجلس بعد انهيارات حدثت مرارًا وتكررًا علي مدي السنوات الأخيرة.. تذكرت منها علي وجه الخصوص واقعتي انهيار عمارة بمصر الجديدة وأخري بمدينة نصر، وتخيلت نفس الوجوه المنفعلة والأوداج المنتفخة والأصوات العالية التي لا تلبث أن تهدأ بعد الانتقال إلي جدول الأعمال وإحالة الموضوع إلي لجنة ما لدراسته، إلي أن تتكرر المأساة مرات ومرات!!
الغريب في هذا الشعب المصري أو بصورة أدق من يمثلونه في برلمانه، أن جميعهم يعرف الحقائق كاملة، ويعرف أسباب هذه المآسي المتكررة التي قلما تعرض لها شعب في التاريخ..
وأن ما نعانيه صباح مساء يرجع في المقام الأول إلي حالة التسيب والفساد والانهيار في الإدارات المحلية علي مستوي الجمهورية التي هي جزء من منظومة الحكم المحلي التي تتحكم فيها بيروقراطية عتيقة بدءًا من قمة هرم هذه المنظومة وانتهاء بقاعدتها..
فهذه الإدارات المحلية هي المسؤولة عن إعطاء تراخيص أي شيء أو حجبها عمن تشاء ولا يستطيع كائن من كان، وحتي محافظ الإقليم أن يقلص من نفوذها أو يقلم أظافرها.. وكذلك فإن هؤلاء المحافظين لا رقيب عليهم ولا حسيب طالما يعينه رئيس الجمهورية ويمنحه من سلطاته الكثير، يستخدمها حسب هواه أو مزاجه الشخصي حسب ما يتراءي له أو حسبما يصدر إليه من تعليمات من كبراء لا يستطيع رد طلبهم..
وهكذا انتشر الفساد وساد في أجهزة الحكم المحلي، إلي الدرجة التي جعلت واحدًا من أركان النظام يقول يومًا بالمجلس عبارة عامية عادية عن أن الفساد في المحليات قد وصل إلي الركب!! لم يحدث شيء منذ أن قيلت هذه العبارة تحت قبة المجلس.. فقد ظل المنافقون من مختلف التيارات والاتجاهات يرددونها كأنها قول مأثور، وحكمة لا تبور مثلها مثل قول عامة الناس مثلاً: «سعد باشا قال ما فيش فايدة»!!..
حتي بدا لي أن هذه العبارة التي قيلت تحت قبة المجلس لم تكن أكثر من تقرير شيء علينا أن نقبل به، لأنه لم يعقبها أي رأي أو فكر يدلنا علي كيفية مواجهة هذا الفساد الذي وصل إلي الركب، وحتي لا يصل - كما حدث الآن - إلي الأعناق أو نغرق فيه!! لماذا لم ينتفض المجلس الموقر منذ الكوارث الأولي ليطلب قانونًا جديدًا نظيفًا للحكم المحلي علي وجه السرعة؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن السادة الكبار في الحزب الحاكم، لا يريدون انتخابات محلية جديدة هذه الأيام.. والسبب المعلن لتأجيل هذه الانتخابات هو أنهم يريدونها تحت مظلة القانون الجديد..
فلماذا العجلة في إصدار القانون وإحراج الحزب العتيد؟ ثم لماذا يسمحون أصلاً بقيام نظام حكم محلي جديد متكامل يتم اختيار أعضائه من القاعدة إلي القمة بالانتخاب الحر المباشر وتكون لهم وعليهم سلطات رقابية حازمة وفعالة، والشعب المصري ينسي كوارثه ويسهل خداعه ببضع كلمات، وكل ما يفعله أن يقف بعض ممن اختيروا لتمثيله في المجلس الموقر «يبعبعون» ويمثلون علي الناس؟!
فلا بأس من بضع كلمات يقولها ممثل الحكومة، يترحم فيها علي الضحايا بأسي مصطنع، ويبشرهم بأن حكومته السنية سوف تضرب بيد من حديد علي كذا.. وكذا؟! سنوات وسنوات وكل شيء كما هو في هذا المستنقع الآسن من الفساد.. والضحايا يتزايدون.. ولا نري ضربًا أو يدًا من حديد أو حرير.. كأنما شُلت أيديهم.. فبئس ما يأفكون!!