Saturday, January 5, 2008

قال «الفساد للركب».. فضحكوا ونافقوا.. ثم ناموا

بقلم د. طارق الغزالي حرب

كان منظرًا يثير الرثاء والعجب لحالنا ذلك الذي نقله التليفزيون المصري لجلسة مجلس الشعب الموقر، التي ناقش فيها كارثة انهيار عمارة الإسكندرية.. فالذين تكلموا من الأعضاء سواء منهم التابعون لحزب الحكومة أو المعارضون تباروا في اختيار الألفاظ والعبارات الحماسية وفي علو الصوت بكلمة يجب كذا وكذا.. وفي توزيع الاتهامات يمينًا ويسارًا!!

وسبب العجب والرثاء اللذين شعرت بهما وأنا أتابع وقائع هذه الجلسة، هو أنه تداعت إلي مخيلتي وقائع جلسات سابقة للمجلس بعد انهيارات حدثت مرارًا وتكررًا علي مدي السنوات الأخيرة.. تذكرت منها علي وجه الخصوص واقعتي انهيار عمارة بمصر الجديدة وأخري بمدينة نصر، وتخيلت نفس الوجوه المنفعلة والأوداج المنتفخة والأصوات العالية التي لا تلبث أن تهدأ بعد الانتقال إلي جدول الأعمال وإحالة الموضوع إلي لجنة ما لدراسته، إلي أن تتكرر المأساة مرات ومرات!!

الغريب في هذا الشعب المصري أو بصورة أدق من يمثلونه في برلمانه، أن جميعهم يعرف الحقائق كاملة، ويعرف أسباب هذه المآسي المتكررة التي قلما تعرض لها شعب في التاريخ..

وأن ما نعانيه صباح مساء يرجع في المقام الأول إلي حالة التسيب والفساد والانهيار في الإدارات المحلية علي مستوي الجمهورية التي هي جزء من منظومة الحكم المحلي التي تتحكم فيها بيروقراطية عتيقة بدءًا من قمة هرم هذه المنظومة وانتهاء بقاعدتها..
فهذه الإدارات المحلية هي المسؤولة عن إعطاء تراخيص أي شيء أو حجبها عمن تشاء ولا يستطيع كائن من كان، وحتي محافظ الإقليم أن يقلص من نفوذها أو يقلم أظافرها.. وكذلك فإن هؤلاء المحافظين لا رقيب عليهم ولا حسيب طالما يعينه رئيس الجمهورية ويمنحه من سلطاته الكثير، يستخدمها حسب هواه أو مزاجه الشخصي حسب ما يتراءي له أو حسبما يصدر إليه من تعليمات من كبراء لا يستطيع رد طلبهم..


وهكذا انتشر الفساد وساد في أجهزة الحكم المحلي، إلي الدرجة التي جعلت واحدًا من أركان النظام يقول يومًا بالمجلس عبارة عامية عادية عن أن الفساد في المحليات قد وصل إلي الركب!! لم يحدث شيء منذ أن قيلت هذه العبارة تحت قبة المجلس.. فقد ظل المنافقون من مختلف التيارات والاتجاهات يرددونها كأنها قول مأثور، وحكمة لا تبور مثلها مثل قول عامة الناس مثلاً: «سعد باشا قال ما فيش فايدة»!!..

حتي بدا لي أن هذه العبارة التي قيلت تحت قبة المجلس لم تكن أكثر من تقرير شيء علينا أن نقبل به، لأنه لم يعقبها أي رأي أو فكر يدلنا علي كيفية مواجهة هذا الفساد الذي وصل إلي الركب، وحتي لا يصل - كما حدث الآن - إلي الأعناق أو نغرق فيه!! لماذا لم ينتفض المجلس الموقر منذ الكوارث الأولي ليطلب قانونًا جديدًا نظيفًا للحكم المحلي علي وجه السرعة؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن السادة الكبار في الحزب الحاكم، لا يريدون انتخابات محلية جديدة هذه الأيام.. والسبب المعلن لتأجيل هذه الانتخابات هو أنهم يريدونها تحت مظلة القانون الجديد..

فلماذا العجلة في إصدار القانون وإحراج الحزب العتيد؟ ثم لماذا يسمحون أصلاً بقيام نظام حكم محلي جديد متكامل يتم اختيار أعضائه من القاعدة إلي القمة بالانتخاب الحر المباشر وتكون لهم وعليهم سلطات رقابية حازمة وفعالة، والشعب المصري ينسي كوارثه ويسهل خداعه ببضع كلمات، وكل ما يفعله أن يقف بعض ممن اختيروا لتمثيله في المجلس الموقر «يبعبعون» ويمثلون علي الناس؟!
فلا بأس من بضع كلمات يقولها ممثل الحكومة، يترحم فيها علي الضحايا بأسي مصطنع، ويبشرهم بأن حكومته السنية سوف تضرب بيد من حديد علي كذا.. وكذا؟! سنوات وسنوات وكل شيء كما هو في هذا المستنقع الآسن من الفساد.. والضحايا يتزايدون.. ولا نري ضربًا أو يدًا من حديد أو حرير.. كأنما شُلت أيديهم.. فبئس ما يأفكون!!

No comments: