Saturday, May 31, 2008

الانفجار القادم من غزة

عبد الباري عطوان

نتمني ان يقرأ الزعماء العرب، والرئيس المصري حسني مبارك علي وجه التحديد، التصريحات التي ادلي بها الأسقف الجنوب افريقي ديزموند توتو الفائز بجائزة نوبل للسلام اثناء ختام جولة تفقد الحقائق في قطاع غزة، ووصف الاوضاع فيها بانها جريمة ضد الانسانية، وعار علي المجتمع الدولي المتواطيء مع هذه الجريمة.المجتمع الدولي ليس وحده المتواطئ مع جريمة قتل مليون ونصف المليون انسان جوعا وإذلالا، وانما ايضا القادة العرب جميعا، ومعهم ثلاثمئة مليون مواطن عربي يشاركون في مؤامرة الصمت هذه، ولا يحركون ساكنا.قطاع غزة بلا طعام ولا وقود، ولا بضائع ولا مستشفيات ولا ادوية، فقط موت بطيء يزحف علي ابنائه الصابرين الصامدين في وجه اشرس استعمار نازي في التاريخ الحديث.الرئيس الامريكي جورج بوش استخدم منبر المنتدي الاقتصادي الدولي في شرم الشيخ، وضيافة الحكومة المصرية له، لكي يلقي علينا محاضرات حول الديمقراطية وحقوق الانسان، وسط تصفيق الحاضرين وبينهم شمعون بيريز، وتسيبي ليفني وبنيامين نتنياهو، وايهود اولمرت، ولكنه لم يتطرق بكلمة واحدة عن انتهاك هؤلاء الفاضح لحقوق الانسان الفلسطيني، وحرمان اهالي الاراضي المحتلة، في الضفة والقطاع، من الحد الأدني من متطلبات الحياة الكريمة.
ولم يقل ان الحكومة الاسرائيلية التي يتغني بديمقراطيتها منعت الأسقف توتو ولجنة تقصي الحقائق الاممية التي يترأسها من دخول قطاع غزة لأكثر من عامين، ورفضت التعاون معها كليا، لانها تدرك تماما ان المهمة المكلفة فيها وهي التحقيق بمذبحة بيت حانون، سيدينها بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية جمعاء.لا نستغرب ان يتواطأ الرئيس بوش مع اسرائيل وجرائمها، فهو الرئيس الاكثر مساندة لها في التاريخ الامريكي، وخاض حربين من اجل استمرارها في ارتكاب مجازرها هذه،
ولكن ما نستغربه هو تواطؤ الزعماء العرب، وقادة محور الاعتدال علي وجه الخصوص، الذين نصبوا من انفسهم مدافعين عن العرب السنة في المنطقة.بالأمس انطلق الآلاف من ابناء القطاع في مظاهرات احتجاجية صاخبة امام معبر صوفيا الاسرائيلي، وواجهوا رصاص القوات الاسرائيلية بصدورهم العامرة بالايمان، وسقط منهم عشرة اشخاص جرحي، اثنان منهم جراحهما مميتة. وغدا ربما يتكرر المشهد مرة اخري امام معبر رفح، ولا نستبعد مجزرة اكثر ضراوة، بعد تهديدات السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصري بكسر رجل كل من يعبر الحدود المصرية، والهجوم الاعلامي الشرس الذي شنه كتّاب السلطة المصرية علي الفلسطينيين المحاصرين، وتحريض الشعب المصري ضدهم عبر قصص مفبركة عن صدور فتوي من امام فلسطيني لمسجد صغير في رفح بإباحة دم حرس الحدود المصريين، وهي فتوي نفاها صاحبها، ويجري اتصالات حاليا مع فريق من المحامين لرفع دعوي قضائية ضد الصحف الرسمية التي نشرتها.
المحاصرون في قطاع غزة انتظروا اكثر من اربعة اشهر تنفيذ الحكومة المصرية لوعودها بفتح المعبر، واكمال اتصالاتها مع الطرف الاسرائيلي، ولكنها لم تفعل شيئا، وصعّدت تهديداتها وتحذيراتها، وعززت من اعداد قواتها الامنية في الجانب المصري من المعبر، وامرت هؤلاء باطلاق النار تحت عنوان حماية السيادة المصرية ومنع انتهاكها من الفلسطينيين.
اللواء عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات المصري المكلف بالملف الفلسطيني، تعهد لوفد من حركة حماس بفتح معبر رفح من جانب مصر في حال رفض الحكومة الاسرائيلية للوساطة المصرية في التهدئة. ممثلو حركة المقاومة الفلسطينية في القطاع قبلوا بالوساطة المصرية وبنودها كاملة من اجل انجاحها، بما في ذلك البند المتعلق بوقف اطلاق الصواريخ، وحتي هذه اللحظة لم تقدم الحكومة المصرية علي اي اجراء بشأن فتح المعبر، والسماح للمعتقلين في القطاع بالحصول علي حاجاتهم الانسانية الأبسط من الغذاء والدواء.
وربما يجادل بعض المقربين من الحكومة المصرية بانها فتحت المعبر امام الحالات الانسانية، مثل السماح للمرضي بالعبور من اجل تلقي العلاج في مستشفيات القاهرة، ونسيت ان كل ابناء القطاع تنطبق عليهم هذه التسمية، وتكفي الاشارة الي ما قاله الأسقف توتو في وصفه لحال هؤلاء الوضع في غزة مأساوي ومؤلم، لم نر اية ملامح للحياة، ولا اي عابر طريق. لم نشاهد اطفالا يضحكون ويلعبون، ولم نر حتي سيارات لنقل المواطنين لانعدام الوقود .ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي قال ان الاتفاق علي التهدئة ما زال بعيدا جدا، وهذا يعني احد امرين، الاول ان يستمر هذا الحصار النازي لأشهر مقبلة، والثاني الإعداد لاجتياح عسكري كبير للقطاع علي امل تصفية حركات المقاومة فيه، وبشكل نهائي.الحكومة الاسرائيلية تملك الدبابات والطائرات والعتاد العسكري اللازم لاجتياح القطاع، ولكن السؤال هو حول الخسائر الضخمة التي ستتكبدها اذا ما اقدمت علي هذه الجريمة، وكيف ستتصرف في حال نجاح هذا الاجتياح وهو امر مشكوك فيه.فاجتياح مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع استغرق عشرة ايام علي الاقل، وكلف الاسرائيليين 26 قتيلا، وعشرات الجرحي، ومحاولة اقتحام بيروت الغربية، استغرقت ثمانين يوما قبل 26 عاما وبالتحديد في حزيران (يونيو) عام 1982. تري كم يوما ستحتاج القوات الاسرائيلية لاحتلال قطاع غزة (365 كيلومترا مربعا) ثم ماذا ستفعل بعد ذلك، هل ستبقي كقوة احتلال، ام تنسحب منه وتسلمه لسلطة محمود عباس، وهل يمكن ان تقبل هذه السلطة بحكم القطاع علي جثث مئات وربما آلاف الشهداء الذين قاوموا الغزو الاسرائيلي دفاعا عن كرامة الأمة والعقيدة؟
نتمني ان تقدم الحكومة المصرية علي تنفيذ وعودها بفتح معبر رفح، وتجنب نفسها، والشعب المصري، والأمة العربية بأسرها كارثة كبيرة نراها واقعة لا محالة في حال استمرار الاغلاق. فاسود غزة عقدوا العزم علي كسر اقفاص الجوع والحصار مرة اخري، وباتت تحضيراتهم للزحف الكبير، علي وشك الاكتمال.
نحن امام مجزرة كبيرة ولكنها قد تكون علي ايدي الاشقاء، وبين الاشقاء، وهنا تكمن المصيبة الكبري التي لا يتمناها او يريدها احد.
والامر مناط بحكمة العقلاء في الحكومة المصرية، للتحرك بسرعة ونزع فتيل الأزمة، قبل حدوث الانفجار الكبير.كلمة اخيرة نوجهها الي الشعب المصري البطل الذي قدم آلاف الشهداء من اجل قضايا الامة والعقيدة، وما زال يذكر المجازر الاسرائيلية ضد ابنائه في مدن القناة ومدرسة بحر البقر، ان لا ينخدع بحملات التضليل الاعلامية التي يمكن ان تضع المسؤولية علي الضحية الفلسطينية تحت ذريعة كرامة مصر وسيادة ارضها.الذي ينتهك كرامة مصر وسيادتها ويسيء الي تاريخها العريق في نصرة قضايا الحق، ويتصدي للظلم هو الذي يقبل بتجويع الاشقاء وإذلالهم بحصار نازي، ويحكم اغلاق سجنهم خدمة للجلادين الامريكي والاسرائيلي، اما من يحاول كسر هذا الحصار، ويتصدي للاسرائيليين ويستشهد من اجل تأكيد عروبة الارض، واستعادة مقدسات الأمة، فهو الأحرص علي مصر وكرامتها وسيادتها.

لا لزوم لهذا المجلس إذا أقر هذه الموازنة

بقلم د. طارق الغزالي حرب
أتابع هذه الأيام تعليقات كثيرة علي ما يتسرب من أنباء وأرقام موازنة العام ٢٠٠٨/٢٠٠٩، خاصة فيما يتعلق بميزانيتي التعليم والصحة، تنبئ بأن ما خصص لهما لا يصل حتي إلي ثلث ما هو مطلوب لأداء خدماتهما بالحد الأدني للجودة.
إنني لن أناقش هنا مدي أهمية توفير الموارد المالية للقيام بعملية جادة ومستمرة لإصلاح التعليم الأساسي وإتاحته للجميع بجودة عالية، ولكنني أعتقد أن جميع المسؤولين في هذه الدولة، يعرفون أن مصر جاءت في الترتيب قبل الأخير عالمياً في تقرير التنافسية الذي يعتمد علي كفاءة قوة العمل المتوفرة بالمجتمع، والتي تعتمد أساساً علي وجود تعليم حقيقي يكسب المواطن المهارات الأساسية التي تحتاجها سوق العمل..
ولكنني أعرف أيضاً أن كبار مسؤولينا لا يولون هذه التقارير اهتمامهم، ولا ينزعجون منها، طالما أن لديهم تقارير أخري تشيد بما فعلوه أو يفعلونه. سنون طويلة وجميع الذين لهم حتي ذرة انتماء وحب لهذا الوطن يثيرون قضية التعليم ليل نهار، ويلحون في توجيه النظر إلي ما أصاب العملية التعليمية بمدارس الحكومة من انهيار شديد، ومؤتمرات وورش عمل كلها تطالب بإصلاح جذري،
يتطلب موارد مالية كبيرة.. وقلت وقال غيري مراراً إن توزيع ميزانية الدولة يجب أن يشهد تغيراً كبيراً في الأولويات، وإن التعليم يجب أن تسبق مخصصاته أي مخصصات أخري، فأمن الوطن الحقيقي ودرعه وسنده بل عموده الفقري هو التعليم الجيد المتاح لجميع أبناء هذا الشعب فيخرج منهم بلا شك في مختلف المهن من سينقذونه من طريق الانهيار والانحدار المستمر منذ عقود..
أم يا تري هناك رؤي أخري تفضل بقاء الحال علي ما هي عليه، لتكون هناك شريحة رقيقة من أبناء باشوات وبهوات هذا الزمان يتلقون التعليم المتميز ويدفعون فيه الآلاف المؤلفة، وتحتهم طبقات وطبقات يذهبون إلي مدارس وكليات لا تنتج إلا جهلة وأنصاف متعلمين!! إنني أحمل أعضاء مجلس الشعب «الموقر» خاصة هؤلاء الذين يشكلون أغلبيته، ويتلقون الأوامر برسائل المحمول والتليفونات وفي جلسات العزائم بالفنادق ذات الخمس نجوم..
أحملهم جميعاً حال موافقتهم علي هذه الموازنة الهزيلة المقترحة للتعليم، مسؤولية المشاركة في استمرار عملية سد الطريق أمام مستقبل شباب هذا البلد المنكوب، أما بالنسبة لصحة هذا الشعب التي يبخل عليها نظام حكمه ويعدها ترفاً وإنفاقاً لا عائد منه ولا يخصص لها إلا ما بالكاد يصل إلي ٧% من ناتجه القومي..
فلا تعليق لدي سوي أن أذكر السادة نواب المجلس المحترم خاصة من هم أعضاء بالحزب الحاكم، بأن ليس لهم أي حق طوال العام القادم في أي طلبات أو مناقشات لأحوال صحية متدهورة تعانيها دوائرهم.. فكيف يجرؤ مثل هؤلاء النواب بالمطالبة بكذا.. وكذا.. وكذا.. وهم يعلمون أنهم أقروا ميزانية لصحة هذا الشعب لا تغني ولا تسمن من جوع..
ميزانية يستحيل معها تحسين أحوال مقدمي الخدمة الصحية من أطباء وتمريض وغيرهم، وبالتالي يستمرون فيما يشبه عصياناً مدنياً أو إضراباً مستتراً، فلا يعطون للعمل في منشآت الحكومة الصحية إلا أقل القليل وقتاً وجهداً.. ميزانية يستحيل معها القيام بأي تطوير حقيقي للمنشآت الصحية وتحديثها بعدما تستنفد الرواتب الهزيلة التي يتقاضاها العاملون بالصحة أكثر من نصف الميزانية المخصصة لهذه الوزارة..
ميزانية يستحيل معها الاستمرار في الالتزام بعلاج غير القادرين علي نفقة الدولة بعدما زادت أسعار كل شيء من الأدوية إلي المستلزمات الطبية وحتي الأجور. إنني أهيب بالسادة نواب الشعب -إذا كانوا حقاً وصدقاً ممثلين له- أن يرفضوا بطريقة حاسمة وواضحة أن يكون تعليم النشء وصحة الناس في ذيل أولويات نظام الحكم.. في الوقت الذي يمثل فيه أمنه وأمانه وعضلاته ومصروفاته السرية رأسه وعقله وفكره.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مصاريف الـ "KG " في مؤسسته 50 ألف دولار.. أحمد عز يؤسس مجمعًا تعليميًا بـ 6 أكتوبر رصد 100 مليون جنيه ميزانية له

أنهى رجل الأعمال وأمين التنظيم بالحزب "الوطني" أحمد، 70% من المنشآت الخاصة بمجمعه التعليمي بمدينة السادس من أكتوبر، والذي يقع على أكثر من 30 فدانا، ويشاركه فيها رجال أعمال، من بينهم مندوه الحسيني عضو مجلس الشعب، والدكتور حسام بدراوي، عضو أمانة "السياسات" بالحزب الحاكم. وقام عز بتصميم المجمع على أحدث النظم المعمارية، حيث رصد له ما يقارب من مائة مليون جنيه، مستهدفا وضعه في صدارة المؤسسات التعليمية الخاصة، عبر الاستعانة بمناهج التدريس الأمريكية والأوروبية، واستخدام التكنولوجيا في نظام التدريس.لكن الالتحاق بها سيكون مقصورا على شريحة الأثرياء في مصر، نظرا للمصروفات المرتفعة، والتي ستكون بالدولار، علما بأن مصاريف الدراسة في الـ "KG" ستقارب 50 ألف دولار.

من جانبه، أكد عبد الحفيظ طايل رئيس مجلس إدارة جمعية الحق في التعليم، أن هناك اتجاها في مصر لإلغاء مصطلح الدولة الراعية للتعليم، وهي حاليا تقوم بالانسحاب من أداء دورها ليحتكر رجال الأعمال هذا القطاع، والتوسع في تأسيس مدارس خاصة. وأضاف أنه لا توجد مؤسسة تعليمية عالمية تجني ربحا سوى في مصر، لأن التعليم الحكومي رديء، وهو ما يستغله رجال الأعمال من أصحاب المدارس الخاصة في تحقيق أرباح طائلة من وراء المواطنين الذين اتجه قطاع عريض منهم، لإلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص، بسبب التعليم السيئ بالمدارس الحكومية.وأشار إلى أن ميزانية الدولة للتعليم تقدر بـ 26 مليار جنيه، 80 % منها يتم إنفاقها في صورة بدلات ومكافآت، بينما يخصص النسبة المتبقية للاستثمار العلمي، وهو الكتاب والمدرسة والتغذية والديسك والسبورة، لافتا إلى أن نصيب الطالب في التعليم في مصر 26 جنيها كحد أدنى وحده الأقصى 45 جنيها. وعن اتجاه رجال الأعمال لإنشاء مدارس خاصة في الوقت الراهن، اعتبر طايل هذا الأمر جزءا من مخطط لتخريب التعليم، فعندما يجد رجال الأعمال أن الدولة تقدم خدمة تعليمية سيئة تتمثل في تعظيم الجزء الإداري والنفقات الجارية على حساب الجزء الفني الخاص بالمدارس، فهذا معناه إنشاء مدارس خاصة تقدم خدمة متواضعة لا تخدم المجتمع بالقدر الكبير.

وأوضح أن وزارة التربية والتعليم بها 711 ألف إداري و 105 ألف عامل و 821 ألف معلم، وهذا معناه أن هناك إداريا لكل 1.1 معلم، وأن هناك بطالة مقنعة، وهو ما يأتي على حساب الجانب الفني للتعليم.وحمل رئيس مجلس إدارة جمعية الحق في التعليم، مجموعة من رجال الأعمال على رأسهم أحمد عز المسئولية عن انسحاب الدولة من أداء دورها تجاه المجتمع، حيث أنهم يفعلون ما يرونه في صالحهم في مجال التعليم الخاص.

Thursday, May 29, 2008

الجياع العرب ومليارات النفط

عبد الباري عطوان

تبرعت دولة الامارات العربية المتحدة بمبلغ 300 مليار دولار الي الحكومة المغربية لمساعدتها في تغطية نفقات فاتورة الوقود بسبب ارتفاع اسعار النفط الي معدلات قياسية، (المغرب يستورد جميع احتياجاته من الاسواق العالمية) كما ارسلت نصف مليون طن من القمح الي اليمن لمساعدة الشعب اليمني علي تجاوز ازمة الغذاء وارتفاع اسعاره.هذه المبادرة تستحق التنويه لانها تعكس موقفا مسؤولا تجاه الاشقاء الفقراء، ولكنها ليست كافية، لانها لا تنطلق من عمل مؤسساتي مؤطر ينطلق من استراتيجية خليجية او عربية، مؤطرة وموحدة، تملك رؤية وتتسم بالديمومة.فبقدر ما افادت المعدلات القياسية لاسعار النفط الدول المنتجة، سواء كانت خليجية او مغاربية (الجزائر وليبيا)، من حيث زيادة عوائدها الي ارقام فلكية، فانها الحقت اضرارا كبيرة بالدول العربية والاسلامية غير المنتجة، انعكست فقرا ومعاناة علي المستويات الشعبية المسحوقة اصلا، وعجزا كبيرا في ميزانيات حكوماتها.
دخل دول الخليج من العوائد النفطية ارتفع من 280 مليار دولار عام 2007 الي ما يقارب 450 مليار دولار في عام 2008 حسب التوقعات العالمية، اي ما يعادل 1.3 مليار دولار يوميا. وحتي نشرح اكثر، وبلغة الارقام، فان دخل المملكة العربية السعودية الذي بلغ 235 مليار دولار عام 2007، سيرتفع الي اكثر من 350 مليار دولار بنهاية هذا العام، والكويت 60 مليار دولار العام الماضي الي ما يقارب 90 مليار دولار هذا العام، اما دولة الامارات العربية المتحدة فوصل دخلها في العام الماضي الي 82 مليار دولار وهو مرشح للزيادة بنسبة خمسين في المئة مع نهاية العام. اما دخل ليبيا فيفوق الستين مليار دولار حسب احصاءات العام الماضي. واذا اضفنا الي هذه الارقام الدخول الخليجية من الصناعات البترولية الأخري فإن الصورة تبدو اكثر وضوحا.واذا حاولنا معرفة انعكاس هذه الزيادات الكبيرة في اسعار النفط علي المنتوجات الغذائية والصناعية في البلدان الفقيرة، فان الآثار ستبدو مرعبة، فالمخصبات الصناعية المستخلصة من النفط (Fertiliser Produced Petro Chimically) ارتفعت اسعارها بمعدل 70% في عام واحد فقط، مثلما ارتفعت بالنسبة نفسها تقريبا اسعار وقود التراكتورات والآلات الزراعية، والشيء نفسه ينطبق علي سلسلة من الخدمات المرتبطة بالانتاج الزراعي مثل التبريد والنقل والتوزيع والشحن.
ولأن نصف دول العالم الثالث تقريبا هي من الدول العربية والاسلامية، فان علينا ان نتخيل حجم المعاناة في اوساط شعوب هذه الدول، وما قد يصاحبها من احقاد وربما كراهية للدول العربية المنتجة للنفط، خاصة اذا جري نشر وتوزيع حجم الصناديق المالية الادخارية لهذه الدول او ما يسمي (Sovereign Funds) حيث تحتل دولة الامارات المرتبة الثانية بعد اليابان (875 مليار دولار) وبعدها الكويت (250 مليارا) وقطر (50 مليارا) وليبيا (40 مليارا) والمملكة العربية السعودية التي انضمت حديثا اي في شهر نيسان (ابريل) الماضي (5.2 مليار) وهذه الارقام مرشحة للارتفاع شهريا.
المنطق يقول بضرورة الاستفادة من هذه الثروة الهائلة في تحسين الظروف المعيشية لشعوب الدول النفطية اولا، من حيث استثمارها بشكل جيد في اقامة مشاريع منتجة توفر الوظائف، وتطور قطاعات الخدمات العامة من صحة وتعليم ومواصلات، فمن المؤسف ان معظم شعوب الدول العربية المنتجة للنفط لا تجد الرعاية الصحية الاساسية، حيث المستشفيات تعاني من الاهمال المطلق والنقص الحاد في الأدوية الاولية ناهيك عن الخبرات الطبية، الأمر الذي ادي الي ازدهار الخدمات الطبية الخاصة، واستغلالها البشع للمواطنين بالتالي، ومن يزر مستشفيات وعيادات لندن وبرلين وفيينا يجد المأساة مجسدة في طوابير من المرضي القادمين من الدول العربية الثرية للعلاج من امراض من المفترض ان يكون متوفرا علاجها في مستشفياتها الوطنية.وفي الوقت نفسه لا بد من الالتفات الي دول الجوار العربي والاسلامي، وحتي دول العالم الثالث من خلال خطة مساعدات مدروسة، وتشكيل صناديق ومؤسسات خيرية لمساعدة هذه الدول، عبر تمويل مشاريع انتاجية، وتحسين الخدمات الاساسية، شريطة ان تقدم هذه المساعدات بعيدا عن اساليب التمنن والمعايرة، واذاعة وبث الارقام عبر الصحف ومحطات التلفزة، مثلما حدث ويحدث في الماضي، وابرز الامثلة علي ذلك ما حدث للفلسطينيين، ففي كل مرة كان يطرأ خلاف في العلاقات معهم او مع منظمتهم (عندما كانت منظمة تحرير) نجد الحكومات تصدر بيانات عن حجم الدعم الذي قدمته لهم، بما في ذلك فاتورة اقلام الرصاص لمدارسهم، ولا نريد ان نفتح جروحا وهي كثيرة للأسف.نحن لا نحسد الدول العربية النفطية علي ثرواتها الهائلة، بل ونتمني لها ان تتضاعف، ولكننا نجد لزاما علينا ان نحذر من خطورة نهج الأنانية الذي نراه حاليا، او التطنيش حسب التوصيف الشعبي، تجاه معاناة الآخرين، خاصة في منطقة متوترة اساسا، وتتنافس علي قصعتها امم كثيرة.
فموقف الحكومتين السورية والمصرية علي وجه الخصوص، حيث مستودع هائل من الفقر، قدم تغطية شرعية ضرورية للاستعانة بالقوات الامريكية لاخراج القوات العراقية من الكويت. وشاهدنا الحكومة الكويتية ترسل وفودا سياسية واعلامية الي معظم الدول العربية، وغير النفطية خصوصا من اجل شرح وجهة نظرها، وكسب التأييد لقضيتها.الرئيس الراحل صدام حسين كسب تعاطفا شعبيا عربيا هائلا عندما تحدث عن التوزيع العادل للثروة العــــربية علي الشعـــوب العربية جميعا، فقراء واغنياء، قبل عشرين عاما تقريبا. ومن اللافت ان التاريخ يوشك ان يعيد نفسه، وبدأت المنطقة تزحف نحو حرب اقليمية جديدة ربما تصبح دول الخليج احد ابرز ضحاياها.الدول الغنية تبادر بنفسها في تقديم مساعدات سنوية للفقراء في العالم، فالولايات المتحدة تقدم 21 مليار دولار سنويا، والمانيا 11 مليارا، وفرنسا 9 مليارات، وبريطانيا 8.8 مليار، والنرويج 3.3 مليار، والدنمارك 2.3 مليار دولار، ونتمني ان نجد الدول العربية في طليعة الدول المانحة بل والاكثر كرما.وما نقوله عن الدول والحكومات، نقوله ايضا عن المليارديرات العرب، الذين يتكاثرون كالأرانب هذه الايام، ولا نري منهم غير العقوق، والشره لتكديس المليارات في حساباتهم.
ومن المؤسف ان كرام القوم من هؤلاء ينفقون الفتات علي المشاريع الخيرية، او رصد جوائز لشراء المثقفين، وغالبا ما تكون مرفقة بالتمنن ومن اجل الدعاية الاعلامية لهم ولنسلهم.فلم نر ثريا عربيا واحدا مثل وارن بافيت الملياردير الذي تبرع بـ43.5 مليار دولار من ثروته الخاصة لمؤسسة ميليندا وبيل غيتس الخيرية، او حتي مثل بيل غيتس نفسه الذي تبرع بمبلغ 30 مليار دولار للاعمال الخيرية، ولا ننسي تيد تيرنر الذي كان الرائد في هذا المجال وتبرع بمبلغ مليار دولار، اي نصف ثروته لتمويل مشاريع لمنظمات الامم المتحدة في العالم الثالث عام 2006.مرة اخري نؤكد اننا لا نكتب هنا من منطلق الغيرة او الحسد، او طلبا لمساعدة، او لاسباب طبقية وانما من منطلق محاولة اصلاح ظاهرة مؤسفة في وطننا العربي، حيث يزداد الاغنياء غني والفقراء فقرا، دون ان يتحرك احد لمعالجة هذا الخلل غير الاخلاقي وغير الاسلامي.

Thursday, May 22, 2008

رجل اسمه «جمال مبارك»

بقلم مجدي الجلاد
«تكلم حتي أراك».. قالها «أرسطو»، وأجدها مناسبة للغاية في فهم رجل اسمه «جمال مبارك».. فإذا جاز لنا أن نختار بطلاً أو نجماً لهذا الأسبوع فلن يكون سوي «جمال مبارك».. والسبب أنه تحدث كما لم يتحدث من قبل.. حوارات تليفزيونية مع محطات أجنبية وعربية ومصرية.. وتصريحات ومؤتمرات صحفية في مؤتمر «دافوس» بشرم الشيخ.. وإذا كان من حق جمال أن يتكلم.. فمن حقنا ـ قطعا ـ أن نحاول فهم وتحليل ما يقوله وما يفعله.
الثابت أن الأيام الأخيرة حملت تصعيداً إعلامياً وسياسياً لجمال مبارك، إذ طرح نفسه بكثافة في وسائل الإعلام، ثم دخل منطقة التعليق علي قضايا كبري، مثل القضية الفلسطينية، والعلاقة مع الغرب.. هذا التصعيد يمكن تسميته مجازاً «ترقية» لجمال من «قائد» فعلي للتوجهات الاقتصادية الجديدة، إلي متحدث باسم النظام في الملفات السياسية الشائكة، ربما تمهيدا لـ«ترقية» أخري، أو تصعيد جديد، إلي موقع «الصانع» للسياسات المصرية في الداخل والخارج.
غير أن هذا الإلحاح الإعلامي لجمال مبارك، خلال الفترة الأخيرة، لا يشغلني كثيراً.. فالمؤكد أن وراء ذلك هدفاً ورؤية، تم وضعهما داخل «مطبخ» الحزب الوطني.. أو بخطة من فريق عمل، مهمته صناعة «الصورة الذهنية» للرجل لدي الرأي العام.. ما أفكر فيه كثيرا منذ ظهور جمال مبارك علي الساحة السياسية، هو تحليل أهداف واستراتيجية ذلك، لاسيما أنني لا أحب «الأحكام المطلقة».. واسمحوا لي أن أطرح هذا التحليل الشخصي للنقاش الإيجابي.
في السياسة والعمل العام.. لا يبذل شخص جهداً دون وجود طموحات وأهداف وغايات يريد الوصول إليها.. من هذا المنطلق لابد أن نعترف، ويعترف جمال نفسه، بأن وجوده السياسي المكثف، وتحمله الهجوم الإعلامي المتصاعد، وراءه أهداف بداخله، أو بداخل النظام الحاكم ذاته.. وليس شرطا أن تكون أهدافاً «شريرة».. المهم أنها «أهداف» استراتيجية «طويلة المدي».
نحن إذن ـ وفي هذه الحالة ـ أمام سيناريو أو احتمال من ثلاثة ـ وفقا لتحليلي الشخصي ـ لظهور وتصعيد جمال مبارك سياسياً داخل حزب الأغلبية والنظام الحاكم:
السيناريو الأول.. «الخليفة»: النظام الحاكم يري أن جمال مبارك هو الأنسب لخلافة والده في مقعد الرئاسة.. وبالتالي يصعب، بل يستحيل، أن يطرحه علي الشعب فجأة دون صقله سياسيا، وتسليمه ملفات مهمة في الدولة، والأهم منحه شرعية الحكم.. فإذا كان الرئيس مبارك يستمد شرعيته من حرب أكتوبر، فإن شرعية جمال ربما تستمد من قيادته الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق الرفاهية للمواطنين، كخطوة أولي، ثم قيادة الإصلاح السياسي والدستوري في مرحلة مقبلة.
ولأن المواطن المصري يعاني تدهورا ملحوظا في حالته الاقتصادية، فقد وضع النظام الإصلاح الاقتصادي علي قمة الأولويات، بهدف كسب «شرعية» سريعة ومؤثرة لجمال مبارك.
السيناريو الثاني.. «السنيد»: الرئيس مبارك بحاجة ماسة إلي عنصر شبابي متدفق بالحيوية والنشاط، لتجديد دماء النظام الحاكم نفسه.. مدير مكتب سياسي لـ«والده».. جرعة أوكسجين للنظام.. «دراع يمين»، يتحرك ويتابع ويرصد ويرفع التقارير ويتلقي التوصيات والتعليمات.. وقطعا لابد أن يكون «محل ثقة».. وليس أفضل من «الابن» للقيام بهذه المهمة.. لاسيما أن الهدف هنا هو «شد عود» النظام الحاكم، وإضفاء «مسحة» شباب وحيوية علي مؤسسة الرئاسة.
السيناريو الثالث.. «الدرع»: النظام الحاكم دخل مرحلة شديدة الحساسية في علاقته مع الشارع والقوي السياسية والإعلامية المختلفة.. ولأن الرئيس مبارك يتم النظر إليه باعتباره آخر قيادة تاريخية لجيل الثورة والصراع العربي ـ الإسرائيلي، كان لابد من وجود «درع» أو «مصد»، للهجوم الحتمي علي مؤسسة الرئاسة..
ولأن «الابن» هو الخيار الوحيد لاستقطاب جزء كبير من هذا الهجوم، بات طبيعيا أن يتصدي جمال مبارك لملفات التحول والإصلاح الاقتصادي «المرير» بدلا من «الأب».. فضلا عن توجيه قدر كبير من الهجوم و«تصريف» قدر أكبر من احتقان الشارع في اتجاه «ملف التوريث».. فينشغل الجميع بـ«جمال».. وتخف وطأة الهجوم علي مؤسسة الرئاسة ذاتها.
في تصوري أن ظهور وتصعيد جمال مبارك سياسيا لا يخرج عن السيناريوهات الثلاثة.. وفي تصوري أيضا أن «النظام» فشل ـ حتي الآن ـ في «الثلاثة».
التوريث يواجه رفضاً سياسياً، والشرعية لم تتحقق لجمال مبارك، لأن الإصلاح الاقتصادي يتعرض لإخفاقات متتالية.. و«السنيد» لم يقدم لـ«الرئاسة» سوي وجوه صنعت خصومة أكبر مع الشارع.. و«الدرع» أضاف علي النظام الحاكم عبئاً أكثر ثقلاً.. وباتت «الرئاسة» مطالبة بالدفاع عن النظام.. وعن «جمال» أيضا.. والدليل تدخل الرئيس الدائم لإجهاض غضب الرأي العام تجاه سياسات «الفكر الجديد».. فما رأيكم؟!

Wednesday, May 21, 2008

سلطة بلا مسؤولية.. «مُتعة»

بقلم محمد عبدالهادي
.. مصر من بلدان العالم التي تتملك أفراد شعبها الرغبة في السلطة أو الانتساب إليها بأي شكل من الأشكال، فالسلطة في مصر مركزية ومن ثم «القرار».. وإن رددنا الحديث كالببغاوات عن اللامركزية والمجالس المحلية وتعديل الدستور لإعطاء صلاحيات أوسع لرئيس مجلس الوزراء.
إذا سألت طفلاً: ماذا تريد أن تكون في المستقبل فالإجابة في الأغلب هي: «ضابط».. فالضباط في الصورة الذهنية لدي الطفل المصري، وفي العقل الجمعي، هو السلطة التي تلغي فوراً الفجوة بين الرغبة والقدرة. وربما اختلفت الإجابة هذه الأيام لتكون رجل أعمال، فالصورة الذهنية لرجل الأعمال التي ترسخها السينما والمسلسلات الدرامية ووسائل الإعلام هي أنه الشخص القادر علي فتح كل الأبواب وتحقيق الأحلام وصناعة النجوم، فهو فوق السلطة يمتلك مُتع الحياة ومتاعها.
وإذا سألت شخصاً عن قريب له في العاصمة يتبوأ منصباً يقول لك: «فلان ماسك (كذا) في مصر».. لاحظ لفظ «ماسك».. بينما الناس في دول العالم يقولون: «فلان استلم منصب (كذا)». باعتبار أن المنصب مسؤولية ومؤقت وليس ممسوكاً ممسوكاً.. وأن الشخص ليس «ملبوساً» بالمنصب ولن يتخلي عنه إلا أن يشاء الله.
وترتبط بذلك ظواهر ينفرد مجتمعنا بها مثل ظاهرة توريث المواقع والوظائف في المؤسسات والهيئات والجامعات وحتي في الأعمال الحرة فقد عرفت مصر عائلات وأسراً تخصص أبناؤها في مهنة أو عمل ما، وفي تاريخ مصر ما يسمي بـ«طائفة التجار»، و«طائفة الصُناع» واليوم «طائفة السياحة»، و«العقارات»،
و«طائفة تجار الأراضي»، لكن الجديد في مصر الآن هو «طائفة المشتغلين بالعمل العام»، فالعمل العام بطبيعته عام.. لكن أبناء الطائفة احتكروا حتي العمل العام وحظروا علي غيرهم من خارج «الطائفة» أو العائلة اختراقه، لأن العمل العام بات مغنماً وليس تطوعاً.. فالمناصب والأحزاب والجمعيات غير الحكومية صارت «سبوبة» تُدر أموالاً من الداخل والخارج.
بسبب تاريخ طويل من المظالم والتوق إلي العدل، أصبحت السلطة الوسيلة المتاحة للتحصن ضد الظلم، ولإرهاب الغير من الاجتراء، ولتحقيق المطالب المشروعة وغير المشروعة سواء بالسعي لتبوئها أو بالاقتراب منها بأي شكل من الأشكال،
والشائع منها هو علاقات المصاهرة، فالناس إن لم تمسك سلطة.. تناسبها، فالمصاهرة عزوة، تماماً كما غنت شادية (ريا) أغنية «ناسبنا الحكومة» عندما تزوجت شقيقتها (سكينة) من شاويش في مسرحية «ريا وسكينة».
وتعكس هذه الظاهرة المصرية ثقافة سياسية ومجتمعية فاقدة الثقة في تطبيق قيم العدالة والمساواة وغير مؤمنة بالمعايير ولا تحترم القانون.
ولأن السلطة هي الهدف وليس الوسيلة فمن الطبيعي في حالة الشبق هذه أن تضيع المسؤولية، ويكون ذلك الذي تتملكه شهوة السلطة أول من يتهرب منها فور تبوئه الموقع.
علي سبيل المثال، في مصر ظاهرة تنفرد بها المؤسسات المصرية «المسؤولة»، فكثيراً ما تصدر جهات «رسمية» شهادات دراسية.. خبرة.. أو حتي شهادات تفيد بأن أصحابها لايزالون علي قيد الحياة وخلافه، مذيلة بتوقيع «مسؤول» ويسبق التوقيع عبارة تاريخية أثيرة تقول: «صدرت هذه الشهادة بناء علي طلب صاحبها ودون أدني مسؤولية».. علي هذا المسؤول أو الجهة التي يتولي مسؤوليتها!!؟
وهذه الأيام يطالع الناس في مصر بانتظام تصريحات «لمسؤولين» تبدأ وتنتهي بعبارة «نحن نواجه (مافيا) تحاول عرقلة مسيرة التنمية والتقدم والإصلاح»، عندما يواجهون أزمات ومشكلات في حدود اختصاصاتهم ومسؤولياتهم ويفشلون في حلها.. فأولي خطوات المواجهة «المسؤولة» للمشاكل هي الهروب من «المسؤولية» وإلقاؤها علي «لهو خفي».. وعلي الناس أن تبحث عنه لتدل «المسؤول» عليه.
وكثيراً ما يبدأ صحفيون الدفاع عن مسؤول بالقول: «إن هذا المسؤول ليس (مسؤولاً) عن قرارات وأخطاء موظفيه».. إذن من المسؤول.. أليس هو من اختارهم؟!.. حتي من تجرأ يوماً أمام الرئيس - وأقصد هنا حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح في اللقاء الشهير للرئيس السادات عام ١٩٧٧ مع اتحادات طلاب الجامعات - حمَّل المسؤولية لرجال حول الرئيس ينافقونه ويقدمون إليه معلومات غير صحيحة.
وحتي لو اعترف المسؤول بالمسؤولية، مثلما اعترف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، في خطاب التنحي، بالمسؤولية عن كارثة ١٩٦٧، وجد بين محبيه من ينفي عنه «المسؤولية»!!
وتكتمل خيوط الكوميديا السوداء ببعض النقاد الرياضيين، فمنهم من يكتب أن حارس المرمي «غير مسؤول» عن أهداف سكنت مرماه، ومنهم من يدفع بمسؤولية هزيمة فريق بعيداً عن إدارة النادي والمدرب واللاعبين.
ما الدنيا إلا شهوة سلطة.. ومسؤولية يتحملها المتفرجون!

Saturday, May 17, 2008

زمن «الاختلاف والفوضي والكسل»!

بقلم د. طارق الغزالي حرب

طالعت منذ أسابيع قليلة حديثاً لمفكر مصري محترم علي صفحات «المصري اليوم»، ذكر فيه ضمن ما قاله أن الدولة المصرية حالياً هي دولة شعارات لا أثر لها في الواقع الذي نعيشه. دفعني هذا القول إلي التفكير في الماضي الذي عاشته بلادي منذ أكثر من نصف قرن، حيث كان لكل مرحلة من مراحل عملها أو نضالها أو كفاحها.. شعارات ترفع في كل مكان، ولا يبدأ أو ينتهي حديث لمسؤول كبيراً كان أم صغيراً في وقتها إلا بذكر شعار المرحلة وجعله الأساس الذي عليه يقوم بناء حديثه..
ثم خطر لي أن أسأل نفسي: وهل للمرحلة التي نعيشها الآن شعار؟ دعك من العبارات الخائبة مثل «بلدنا بتتقدم بينا» و«الفكر الجديد» وغيرها من الصياغات التي ترد مصادفة علي ألسنة بعض هواة السياسة هذه الأيام، ولكن بالتأكيد فإنه ليس لهذه المرحلة التي نعيشها الآن ما يمكن أن نرفعه كهدف نسعي إليه ونتوق إلي تحقيقه..
ورجعت بي الذاكرة إلي أيام الرئيس الراحل السادات الذي رفع شعار «دولة العلم والإيمان» في مرحلة ما، انتهت بترسيخ دولة «الجهل والتطرف».. وقبلها كان التنظيم السياسي الأوحد في ذلك الوقت وهو الاتحاد الاشتراكي العربي يرفع راية «الحرية والاشتراكية والوحدة» في فترة المد القومي العربي وازدهار الفكر الاشتراكي.. ثم عدت بذاكرتي أكثر فأكثر وتذكرت شعاراً رفعته ثورة يوليو في بداياتها وهو «الاتحاد والنظام والعمل» والذي كان موجوداً علي كل حائط وعلي كل كراسة مدرسية أو كتاب..
وبينما كنت أفكر في هذه الكلمات الثلاث التي مازالت عالقة بذهني قفز أمام عيني شعار أعتقد أنه هو المعبر بصدق عن هذه المرحلة التي لا يعرف أحد علي وجه التحديد متي بدأت أو متي ستنقضي.. إنه ببساطة عكس ما كنا نرفعه وننادي به في الأيام الأولي من الثورة.. إنه عصر «الاختلاف» بديلاً عن «الاتحاد».. و«الفوضي» بديلاً عن «النظام».. و«الكسل» بديلاً عن «العمل»!! إنني أقول ذلك بمنتهي الصدق مع النفس وليس من باب التشاؤم أو المبالغة أو جلد الذات أو النظر إلي نصف الكوب الفارغ، أليس هذا زمن «الاختلاف» ونحن نجد النخبة من أهل هذا الوطن المسكين لا يتفقون علي كلمة سواء فيما بينهم في أي من أمور السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع الأساسية، والتي علي أساسها يقوم بناء الدولة الحديثة؟ أعرف أنه في كل بلاد العالم هنالك آراء مختلفة ومذاهب متنوعة.. ولكنها تكون في التطبيق وليس في المبدأ ذاته..
مثلاً هل نحن مع تديين الدولة وخلط الدين بالسياسة، أم مع علمنة الدولة وفصل الدين عن السياسة؟ هل نحن مع قبول دولة إسرائيل في المنطقة والتعامل معها أم لا؟ هل نحن مع فتح المجال للاقتصاد الحر وآليات السوق أم ضد هذا أم مع ترشيده بتدخل الدولة في الوقت المناسب؟ أليس هذا زمن «الفوضي» وكل ما حولنا في الشارع ووسائل المواصلات وأماكن العمل.. ما نفعله في أفراحنا وأحزاننا..
حتي في معاملاتنا وعباداتنا يوحي بالفوضي بل هو الفوضي بعينها؟ أليس هذا هو زمن «الكسل» وحكومتنا الرشيدة تتفنن في إعطاء الإجازات لموظفي الدولة والعمال، حتي تظل إنتاجيتهم لا تتجاوز دقائق معدودة في اليوم، وتريح الدولة وأجهزتها نفسها من عناء توفير الحد الأدني من الظروف الآمنة والمطلوبة لمعيشة الناس لأداء أعمالهم والتركيز فيها؟
أمثلة كثيرة لا تجد فيها من هذه الدولة إلا إصراراً غريباً علي إهدار الوقت، والانتقاص من قيمة العمل الجاد!! ألستم معي إذن أن شعار هذه المرحلة هو تماماً عكس ما كان في بدايات الثورة، مما يوحي بأنه يبدو أننا في حاجة لبدايات جديدة بالفعل.

Thursday, May 15, 2008

ابتكار التسول

د. إبراهيم السايح

الغالبية العظمي من فقراء مصر وعاطليها ومعدميها لا يأنفون من تسول الرزق بل إنهم يتفننون في ابتكار مصادر عجيبة لهذا التسول.. بعضهم يستغيث بخادم الحرمين، ويطلب من جلالته شقة أو عقد عمل أو علاجاً علي حساب المملكة السعودية، وبعضهم يرسل خطابات استغاثة إلي أهل الخير في الامارات أو الكويت، وبعضهم يلتمس الخير من أي رئيس أمريكي طيب
مثل كارتر أو كنيدي، وبعضهم يقبع أمام الفنادق الكبري التي يقيم فيها الأمراء والأثرياء العرب أثناء وجودهم في القاهرة، وفريق منهم يلجأ إلي سفارة إسرائيل ويطلب منها مساعدته في العمل أو الزواج أو الفرار من الفقر المصري، فضلاً عن قطاعات أخري من الفقراء والمعدمين تتقاضي معونات شهرية منتظمة من السادة تجار المخدرات، والسادة تجار الانتخابات والسادة كبار لصوص الأراضي والآثار وآكلي مال النبي!!

وبعد تطبيق نظام الاحتراف في كرة القدم، وغيرها من اللعبات الرياضية، صار قطاع من الفقراء والبلطجية يعيش علي نفقة اللاعبين والمدربين والإداريين بالذوق أحياناً وبالعافية غالباً، بلطجية هذا القطاع تضم مجموعات من المشجعين العاطلين، وأصحاب السوابق، وهذه الفئة تتقاضي إتاوات ثابتة من اللاعبين والمدربين والإداريين مقابل الهتاف لهم أثناء المباريات أو الهتاف ضد منافسيهم في نفس النادي، فضلاً عن الدور المهم الذي يلعبه هؤلاء البلطجية في انتخابات الأندية الشعبية أو انتخابات البرلمان أو الأنشطة التزويرية والتلفيقية للحزب الوطني.أماالفقراء الغلابة فهم يلجأون إلي أي لاعب أو مدرب أو إداري ممن يحصلون علي بطولات أو مكافآت ضخمة، ويتسولون منه الإعانات المالية الدائمة أو المؤقتة.
عند حصول كرم جابر علي ميدالية المصارعة في الدورة الأوليمبية الماضية فوجئ بنصف سكان حي الجمرك ينتظرونه أمام منزله عساه يتصدق عليهم بجزء من الملايين التي حصل عليها، وعقب انتهاء الدورة الأفريقية الماضية في كرة القدم تفرغ اللاعب محمد أبو تريكة لتوزيع المعونات والصدقات علي الفقراء والمساكين والمرضي الذين حاصروا منزله ومقر النادي الأهلي.حتي اللاعب أحمد حسام «ميدو» المحترف في انجلترا مازال حتي الآن يواجه ابتزاز المشجعين وغيرهم كلما عاد إلي مصر في إحدي الإجازات.
الوحيد الذي امتلك شجاعة فهم وإعلان هذه الأوضاع المقرفة هو الكابتن حسام حسن، والذي صرح لجريدة «المصري اليوم» بأن النظام يوزع الفقر، والبؤس والتعاسة علي الغني والفقير، وأن الحل الوحيد أمام الأغنياء والموسرين هو الهروب من البلد قبل أن ينفجر بالجميع!!

من سيحصل علي توكيل العَجَل في مصر؟

بقلم خيري رمضان

«شوية برد بهدلوني وخلوني زي الكتكوت الغرقان في تشت ميه.. لا مضادات حيوية، ولا عسل بالليمون، ولا حتي قشر الرومان جايبين نتيجة.. يللا حُسن الختام.. ختام هو إحنا لسه ابتدينا؟!.. والأولاد دول مين يربيهم؟ لهم رب كريم.. لا إله إلا الله، مؤمنين، موحدين،
لكن هيدفعوا الضريبة العقارية بتاعة عمو يوسف منين؟! دا المعاش لن يكفي ثمن العيش والجبنة الرومي، ولاّ اللبن.. عمر ابني بيشرب علبة في اليوم.
يا عم قول يا باسط، شوية برد يوصلوك للآخرة بسرعة كده؟ كل الناس عندها برد.. سألت نفسي: هل المسؤولون يصابون بالأنفلونزا أيضا، هل يهلوسون مثلي، ويخافون الموت، ويجلسون في حالة قلق وخوف علي أولادهم، هم أيضا معاشهم محدود، وسياراتهم، غصباً عنهم،
فاخرة، يعني بنزين ٩٥ المدعوم، المشكلة في تجديد الرخصة.. يا سيدي أولادهم يبيعوا العربيات الغالية ويشتروا ١٦٠٠ سي سي، وبلاها فيلا مارينا، كفاية القطامية هايتس».
ولأن الحكاية مجرد هلاوس مرضية، فدعوني أختلف مع صديقي خالد صلاح في مقاله أمس «المشروع القومي للنقل العام»، الذي تبناه رئيس التحرير، وكأنهما بذلك يضعان الحكومة والحزب في «مزنق» وسيصرخان: وجدتها.. وجدتها.. الحكومة يا خالد عاجزة عن حل مشكلة مصنع «أجريوم»، يبقي في دمياط أم يذهب إلي محافظة أخري؟!..
الضغط الشعبي يواجهها في كل مكان، ولا مسؤول واحداً عاقلاً خرج علينا ليقول الحقيقة أو يتخذ قرارا ويتحمل مسؤوليته.
الحكومية ـ يا صديقي خالد ـ تضع خططها في غرف مغلقة، وعندما تخرج إلي ملعب التنفيذ، تلعب كلها دور حارس المرمي، عليها فقط صد الهجوم، والحكومة التي تتفرغ للصد لن يمكنها بناء هجمة واحدة، وعندما تهاجم تصيب فريقها وجمهورها بالضرائب وارتفاع الأسعار.
هل يمكن لحكومة فشلت في إيجاد حارة مرورية للإسعاف أو المطافئ أن توجد حارة لسيارة نقل عام؟.. الحكومة التي تسلمت مترو الأنفاق وهو مفخرة لمصر، فحولته إلي خرابة، تتبني مشروعا مثل الذي تطرحه عليها؟!.
علي كل، دعني أكن متفائلا معك ومع رئيس التحرير، وبما أننا شركاء في تلك المساحة «يوم ويوم»، أضيف إلي ما كتبت، أننا في حاجة إلي مشروع قومي للعجل ـ أي للدراجات ـ ففي ظل الأزمة المرورية الطاحنة،
وبعد ارتفاع قيمة استخراج الرخص، وارتفاع البنزين، يمكن أن يتجه أفراد الشعب إلي التقليل من استخدام السيارات داخل المدن، فلماذا لا نقيم طريقا نحيلا محدودا لمرور الدراجات وتكون لها أرقام وتدون مخالفات للمخالفين،
ويعد لها «باركنج»؟ وهذا سيسهم في حماية البيئة وتخفيف الضغط علي الطرقات، ولتكن خطوة مبدئية تمهيدا لمشروع خالد القومي للنقل العام.

. كل ما أخشاه: من سيحصل علي توكيل العَجَل في مصر؟

Wednesday, May 14, 2008

كلمات راقصة

جلال عامر

- كلما رأيت مجلس الشوري قلت في سري "فعلاً الموت علينا حق".

- في نهاية مايو سوف يتحججون ويطلبون أن يمدوا العمل بقانون الطوارئ لمدة عام حتي ينتهي عقد "مانويل جوزيه

- كتب محمد علي إبراهيم عن كرتونة البيض (إفطار) وكتب ممتاز القط عن طشة الملوخية (غداء) نريد من أسامة سرايا أن يكون (العشاء) زبادي ومربي.

- من عجائب قانون المرور الجديد أن من يركن عربية في الممنوع يروح السجن ومن يغرق عبارة يروح السينما.

مكالمة من الجحيم

ياسر الزيات
توفي رئيس دولة من دول العالم الثالث، فذهب إلي النار مباشرة. وهناك قابل العديد من رؤساء دول العالم الثالث، لكنه قابل أيضا جورج بوش والملكة إليزابيث. وأصيب بوش والملكة بحالة اكتئاب حادة، مصدرها حنين كل منهما إلي شعبه، وشوقه الذي لا ينكره إلي كرسي الحكم.
وطلبت الملكة إليزابيث من الشيطان أن تجري مكالمة مدفوعة الأجر لبلادها، حتي تطمئن
علي شعبها. وتحدثت لمدة دقيقتين ثم توجهت لتدفع الحساب، وقالت للشيطان: «عايز كام»، فطلب مليون جنيه إسترليني، دفعته وقررت أن تعود إلي بلادها، لإصلاح ما أفسده غيابها. أحس جورج بوش بالغيرة، فقرر أن يجري مكالمة ببلاده هو الآخر، فأخذ الموبايل من الشيطان، وظل يتكلم لمدة 10 دقائق، بعدها قال له: «عايز كام؟» فطلب 10 ملايين دولار ثمناً للمكالمة، دفعها بوش وقرر العودة إلي بلاده، لأنه اكتشف أنها لم تدخل حرباً واحدة بعد وفاته، وعاد.

وأحس رئيس الدولة الفقيرة بغيرة شديدة مما حدث مع بوش والملكة إليزابيث، فقرر أن يقلدهما، وأخذ الموبايل من الشيطان، وظل يتكلم ويتكلم ويتكلم، واستمرت المكالمة حوالي 20 ساعة، بعدها ذهب إلي الشيطان ليدفع الحساب، فطلب منه جنيهاً واحداً فقط، واندهش الرئيس، وقال: «بس اشمعني المكالمة بتاعتي رخيصة كده؟» فأجابه الشيطان «لأنها مكالمة محلية، من الجحيم للجحيم».
أريد أن أنتقي لكم بعضاً من عناوين الصحف المصرية الصادرة في اليومين الماضيين فقط.اقرأوا معي:
«محاكمة ضابطين ومخبرين بتهمة تعذيب عقيد سابق، وإحالة الشرطي المتهم بقتل صياد المطرية إلي الجنايات»،
«الأمن يقتحم منزل شاب كتب علي تي شيرت كلمة: ارحل»،
«26% من المصريين مصابون بارتفاع ضغط الدم»،
«انتحار موظف بالمعاش المبكر لعجزه عن سداد احتياجات أسرته»،
«ربة منزل تتهم ضابط مباحث شبرا الخيمة بتلفيق قضية مخدرات لابنها»،
«إضراب 8 من معتقلي 6 أبريل عن الطعام في سجن برج العرب»،
«انتحار ثلاثة مواطنين في أسيوط في يوم واحد بسبب ارتفاع الأسعار»،
«إحالة مقدم شرطة للجنايات بتهمتي السرقة بالإكراه والشروع في القتل».
هذه العناوين ربما تجعل الحياة في مصر تبدو سوداء في عين من يقرؤها، ومع ذلك يجب أن ننظر إلي الجانب المشرق، فالمصريون شعب محظوظ، لأن أقاربهم الذين سيدخلون النار يمكنهم أن يتصلوا بهم من هناك، بسعر مكالمة محلية.