Wednesday, May 21, 2008

سلطة بلا مسؤولية.. «مُتعة»

بقلم محمد عبدالهادي
.. مصر من بلدان العالم التي تتملك أفراد شعبها الرغبة في السلطة أو الانتساب إليها بأي شكل من الأشكال، فالسلطة في مصر مركزية ومن ثم «القرار».. وإن رددنا الحديث كالببغاوات عن اللامركزية والمجالس المحلية وتعديل الدستور لإعطاء صلاحيات أوسع لرئيس مجلس الوزراء.
إذا سألت طفلاً: ماذا تريد أن تكون في المستقبل فالإجابة في الأغلب هي: «ضابط».. فالضباط في الصورة الذهنية لدي الطفل المصري، وفي العقل الجمعي، هو السلطة التي تلغي فوراً الفجوة بين الرغبة والقدرة. وربما اختلفت الإجابة هذه الأيام لتكون رجل أعمال، فالصورة الذهنية لرجل الأعمال التي ترسخها السينما والمسلسلات الدرامية ووسائل الإعلام هي أنه الشخص القادر علي فتح كل الأبواب وتحقيق الأحلام وصناعة النجوم، فهو فوق السلطة يمتلك مُتع الحياة ومتاعها.
وإذا سألت شخصاً عن قريب له في العاصمة يتبوأ منصباً يقول لك: «فلان ماسك (كذا) في مصر».. لاحظ لفظ «ماسك».. بينما الناس في دول العالم يقولون: «فلان استلم منصب (كذا)». باعتبار أن المنصب مسؤولية ومؤقت وليس ممسوكاً ممسوكاً.. وأن الشخص ليس «ملبوساً» بالمنصب ولن يتخلي عنه إلا أن يشاء الله.
وترتبط بذلك ظواهر ينفرد مجتمعنا بها مثل ظاهرة توريث المواقع والوظائف في المؤسسات والهيئات والجامعات وحتي في الأعمال الحرة فقد عرفت مصر عائلات وأسراً تخصص أبناؤها في مهنة أو عمل ما، وفي تاريخ مصر ما يسمي بـ«طائفة التجار»، و«طائفة الصُناع» واليوم «طائفة السياحة»، و«العقارات»،
و«طائفة تجار الأراضي»، لكن الجديد في مصر الآن هو «طائفة المشتغلين بالعمل العام»، فالعمل العام بطبيعته عام.. لكن أبناء الطائفة احتكروا حتي العمل العام وحظروا علي غيرهم من خارج «الطائفة» أو العائلة اختراقه، لأن العمل العام بات مغنماً وليس تطوعاً.. فالمناصب والأحزاب والجمعيات غير الحكومية صارت «سبوبة» تُدر أموالاً من الداخل والخارج.
بسبب تاريخ طويل من المظالم والتوق إلي العدل، أصبحت السلطة الوسيلة المتاحة للتحصن ضد الظلم، ولإرهاب الغير من الاجتراء، ولتحقيق المطالب المشروعة وغير المشروعة سواء بالسعي لتبوئها أو بالاقتراب منها بأي شكل من الأشكال،
والشائع منها هو علاقات المصاهرة، فالناس إن لم تمسك سلطة.. تناسبها، فالمصاهرة عزوة، تماماً كما غنت شادية (ريا) أغنية «ناسبنا الحكومة» عندما تزوجت شقيقتها (سكينة) من شاويش في مسرحية «ريا وسكينة».
وتعكس هذه الظاهرة المصرية ثقافة سياسية ومجتمعية فاقدة الثقة في تطبيق قيم العدالة والمساواة وغير مؤمنة بالمعايير ولا تحترم القانون.
ولأن السلطة هي الهدف وليس الوسيلة فمن الطبيعي في حالة الشبق هذه أن تضيع المسؤولية، ويكون ذلك الذي تتملكه شهوة السلطة أول من يتهرب منها فور تبوئه الموقع.
علي سبيل المثال، في مصر ظاهرة تنفرد بها المؤسسات المصرية «المسؤولة»، فكثيراً ما تصدر جهات «رسمية» شهادات دراسية.. خبرة.. أو حتي شهادات تفيد بأن أصحابها لايزالون علي قيد الحياة وخلافه، مذيلة بتوقيع «مسؤول» ويسبق التوقيع عبارة تاريخية أثيرة تقول: «صدرت هذه الشهادة بناء علي طلب صاحبها ودون أدني مسؤولية».. علي هذا المسؤول أو الجهة التي يتولي مسؤوليتها!!؟
وهذه الأيام يطالع الناس في مصر بانتظام تصريحات «لمسؤولين» تبدأ وتنتهي بعبارة «نحن نواجه (مافيا) تحاول عرقلة مسيرة التنمية والتقدم والإصلاح»، عندما يواجهون أزمات ومشكلات في حدود اختصاصاتهم ومسؤولياتهم ويفشلون في حلها.. فأولي خطوات المواجهة «المسؤولة» للمشاكل هي الهروب من «المسؤولية» وإلقاؤها علي «لهو خفي».. وعلي الناس أن تبحث عنه لتدل «المسؤول» عليه.
وكثيراً ما يبدأ صحفيون الدفاع عن مسؤول بالقول: «إن هذا المسؤول ليس (مسؤولاً) عن قرارات وأخطاء موظفيه».. إذن من المسؤول.. أليس هو من اختارهم؟!.. حتي من تجرأ يوماً أمام الرئيس - وأقصد هنا حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح في اللقاء الشهير للرئيس السادات عام ١٩٧٧ مع اتحادات طلاب الجامعات - حمَّل المسؤولية لرجال حول الرئيس ينافقونه ويقدمون إليه معلومات غير صحيحة.
وحتي لو اعترف المسؤول بالمسؤولية، مثلما اعترف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، في خطاب التنحي، بالمسؤولية عن كارثة ١٩٦٧، وجد بين محبيه من ينفي عنه «المسؤولية»!!
وتكتمل خيوط الكوميديا السوداء ببعض النقاد الرياضيين، فمنهم من يكتب أن حارس المرمي «غير مسؤول» عن أهداف سكنت مرماه، ومنهم من يدفع بمسؤولية هزيمة فريق بعيداً عن إدارة النادي والمدرب واللاعبين.
ما الدنيا إلا شهوة سلطة.. ومسؤولية يتحملها المتفرجون!

No comments: