بقلم مجدي الجلاد
«تكلم حتي أراك».. قالها «أرسطو»، وأجدها مناسبة للغاية في فهم رجل اسمه «جمال مبارك».. فإذا جاز لنا أن نختار بطلاً أو نجماً لهذا الأسبوع فلن يكون سوي «جمال مبارك».. والسبب أنه تحدث كما لم يتحدث من قبل.. حوارات تليفزيونية مع محطات أجنبية وعربية ومصرية.. وتصريحات ومؤتمرات صحفية في مؤتمر «دافوس» بشرم الشيخ.. وإذا كان من حق جمال أن يتكلم.. فمن حقنا ـ قطعا ـ أن نحاول فهم وتحليل ما يقوله وما يفعله.
الثابت أن الأيام الأخيرة حملت تصعيداً إعلامياً وسياسياً لجمال مبارك، إذ طرح نفسه بكثافة في وسائل الإعلام، ثم دخل منطقة التعليق علي قضايا كبري، مثل القضية الفلسطينية، والعلاقة مع الغرب.. هذا التصعيد يمكن تسميته مجازاً «ترقية» لجمال من «قائد» فعلي للتوجهات الاقتصادية الجديدة، إلي متحدث باسم النظام في الملفات السياسية الشائكة، ربما تمهيدا لـ«ترقية» أخري، أو تصعيد جديد، إلي موقع «الصانع» للسياسات المصرية في الداخل والخارج.
غير أن هذا الإلحاح الإعلامي لجمال مبارك، خلال الفترة الأخيرة، لا يشغلني كثيراً.. فالمؤكد أن وراء ذلك هدفاً ورؤية، تم وضعهما داخل «مطبخ» الحزب الوطني.. أو بخطة من فريق عمل، مهمته صناعة «الصورة الذهنية» للرجل لدي الرأي العام.. ما أفكر فيه كثيرا منذ ظهور جمال مبارك علي الساحة السياسية، هو تحليل أهداف واستراتيجية ذلك، لاسيما أنني لا أحب «الأحكام المطلقة».. واسمحوا لي أن أطرح هذا التحليل الشخصي للنقاش الإيجابي.
في السياسة والعمل العام.. لا يبذل شخص جهداً دون وجود طموحات وأهداف وغايات يريد الوصول إليها.. من هذا المنطلق لابد أن نعترف، ويعترف جمال نفسه، بأن وجوده السياسي المكثف، وتحمله الهجوم الإعلامي المتصاعد، وراءه أهداف بداخله، أو بداخل النظام الحاكم ذاته.. وليس شرطا أن تكون أهدافاً «شريرة».. المهم أنها «أهداف» استراتيجية «طويلة المدي».
نحن إذن ـ وفي هذه الحالة ـ أمام سيناريو أو احتمال من ثلاثة ـ وفقا لتحليلي الشخصي ـ لظهور وتصعيد جمال مبارك سياسياً داخل حزب الأغلبية والنظام الحاكم:
السيناريو الأول.. «الخليفة»: النظام الحاكم يري أن جمال مبارك هو الأنسب لخلافة والده في مقعد الرئاسة.. وبالتالي يصعب، بل يستحيل، أن يطرحه علي الشعب فجأة دون صقله سياسيا، وتسليمه ملفات مهمة في الدولة، والأهم منحه شرعية الحكم.. فإذا كان الرئيس مبارك يستمد شرعيته من حرب أكتوبر، فإن شرعية جمال ربما تستمد من قيادته الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق الرفاهية للمواطنين، كخطوة أولي، ثم قيادة الإصلاح السياسي والدستوري في مرحلة مقبلة.
ولأن المواطن المصري يعاني تدهورا ملحوظا في حالته الاقتصادية، فقد وضع النظام الإصلاح الاقتصادي علي قمة الأولويات، بهدف كسب «شرعية» سريعة ومؤثرة لجمال مبارك.
السيناريو الثاني.. «السنيد»: الرئيس مبارك بحاجة ماسة إلي عنصر شبابي متدفق بالحيوية والنشاط، لتجديد دماء النظام الحاكم نفسه.. مدير مكتب سياسي لـ«والده».. جرعة أوكسجين للنظام.. «دراع يمين»، يتحرك ويتابع ويرصد ويرفع التقارير ويتلقي التوصيات والتعليمات.. وقطعا لابد أن يكون «محل ثقة».. وليس أفضل من «الابن» للقيام بهذه المهمة.. لاسيما أن الهدف هنا هو «شد عود» النظام الحاكم، وإضفاء «مسحة» شباب وحيوية علي مؤسسة الرئاسة.
السيناريو الثالث.. «الدرع»: النظام الحاكم دخل مرحلة شديدة الحساسية في علاقته مع الشارع والقوي السياسية والإعلامية المختلفة.. ولأن الرئيس مبارك يتم النظر إليه باعتباره آخر قيادة تاريخية لجيل الثورة والصراع العربي ـ الإسرائيلي، كان لابد من وجود «درع» أو «مصد»، للهجوم الحتمي علي مؤسسة الرئاسة..
ولأن «الابن» هو الخيار الوحيد لاستقطاب جزء كبير من هذا الهجوم، بات طبيعيا أن يتصدي جمال مبارك لملفات التحول والإصلاح الاقتصادي «المرير» بدلا من «الأب».. فضلا عن توجيه قدر كبير من الهجوم و«تصريف» قدر أكبر من احتقان الشارع في اتجاه «ملف التوريث».. فينشغل الجميع بـ«جمال».. وتخف وطأة الهجوم علي مؤسسة الرئاسة ذاتها.
في تصوري أن ظهور وتصعيد جمال مبارك سياسيا لا يخرج عن السيناريوهات الثلاثة.. وفي تصوري أيضا أن «النظام» فشل ـ حتي الآن ـ في «الثلاثة».
التوريث يواجه رفضاً سياسياً، والشرعية لم تتحقق لجمال مبارك، لأن الإصلاح الاقتصادي يتعرض لإخفاقات متتالية.. و«السنيد» لم يقدم لـ«الرئاسة» سوي وجوه صنعت خصومة أكبر مع الشارع.. و«الدرع» أضاف علي النظام الحاكم عبئاً أكثر ثقلاً.. وباتت «الرئاسة» مطالبة بالدفاع عن النظام.. وعن «جمال» أيضا.. والدليل تدخل الرئيس الدائم لإجهاض غضب الرأي العام تجاه سياسات «الفكر الجديد».. فما رأيكم؟!
Thursday, May 22, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment