بقلم د. طارق الغزالي حرب
أتابع هذه الأيام تعليقات كثيرة علي ما يتسرب من أنباء وأرقام موازنة العام ٢٠٠٨/٢٠٠٩، خاصة فيما يتعلق بميزانيتي التعليم والصحة، تنبئ بأن ما خصص لهما لا يصل حتي إلي ثلث ما هو مطلوب لأداء خدماتهما بالحد الأدني للجودة.
إنني لن أناقش هنا مدي أهمية توفير الموارد المالية للقيام بعملية جادة ومستمرة لإصلاح التعليم الأساسي وإتاحته للجميع بجودة عالية، ولكنني أعتقد أن جميع المسؤولين في هذه الدولة، يعرفون أن مصر جاءت في الترتيب قبل الأخير عالمياً في تقرير التنافسية الذي يعتمد علي كفاءة قوة العمل المتوفرة بالمجتمع، والتي تعتمد أساساً علي وجود تعليم حقيقي يكسب المواطن المهارات الأساسية التي تحتاجها سوق العمل..
ولكنني أعرف أيضاً أن كبار مسؤولينا لا يولون هذه التقارير اهتمامهم، ولا ينزعجون منها، طالما أن لديهم تقارير أخري تشيد بما فعلوه أو يفعلونه. سنون طويلة وجميع الذين لهم حتي ذرة انتماء وحب لهذا الوطن يثيرون قضية التعليم ليل نهار، ويلحون في توجيه النظر إلي ما أصاب العملية التعليمية بمدارس الحكومة من انهيار شديد، ومؤتمرات وورش عمل كلها تطالب بإصلاح جذري،
يتطلب موارد مالية كبيرة.. وقلت وقال غيري مراراً إن توزيع ميزانية الدولة يجب أن يشهد تغيراً كبيراً في الأولويات، وإن التعليم يجب أن تسبق مخصصاته أي مخصصات أخري، فأمن الوطن الحقيقي ودرعه وسنده بل عموده الفقري هو التعليم الجيد المتاح لجميع أبناء هذا الشعب فيخرج منهم بلا شك في مختلف المهن من سينقذونه من طريق الانهيار والانحدار المستمر منذ عقود..
أم يا تري هناك رؤي أخري تفضل بقاء الحال علي ما هي عليه، لتكون هناك شريحة رقيقة من أبناء باشوات وبهوات هذا الزمان يتلقون التعليم المتميز ويدفعون فيه الآلاف المؤلفة، وتحتهم طبقات وطبقات يذهبون إلي مدارس وكليات لا تنتج إلا جهلة وأنصاف متعلمين!! إنني أحمل أعضاء مجلس الشعب «الموقر» خاصة هؤلاء الذين يشكلون أغلبيته، ويتلقون الأوامر برسائل المحمول والتليفونات وفي جلسات العزائم بالفنادق ذات الخمس نجوم..
أحملهم جميعاً حال موافقتهم علي هذه الموازنة الهزيلة المقترحة للتعليم، مسؤولية المشاركة في استمرار عملية سد الطريق أمام مستقبل شباب هذا البلد المنكوب، أما بالنسبة لصحة هذا الشعب التي يبخل عليها نظام حكمه ويعدها ترفاً وإنفاقاً لا عائد منه ولا يخصص لها إلا ما بالكاد يصل إلي ٧% من ناتجه القومي..
فلا تعليق لدي سوي أن أذكر السادة نواب المجلس المحترم خاصة من هم أعضاء بالحزب الحاكم، بأن ليس لهم أي حق طوال العام القادم في أي طلبات أو مناقشات لأحوال صحية متدهورة تعانيها دوائرهم.. فكيف يجرؤ مثل هؤلاء النواب بالمطالبة بكذا.. وكذا.. وكذا.. وهم يعلمون أنهم أقروا ميزانية لصحة هذا الشعب لا تغني ولا تسمن من جوع..
ميزانية يستحيل معها تحسين أحوال مقدمي الخدمة الصحية من أطباء وتمريض وغيرهم، وبالتالي يستمرون فيما يشبه عصياناً مدنياً أو إضراباً مستتراً، فلا يعطون للعمل في منشآت الحكومة الصحية إلا أقل القليل وقتاً وجهداً.. ميزانية يستحيل معها القيام بأي تطوير حقيقي للمنشآت الصحية وتحديثها بعدما تستنفد الرواتب الهزيلة التي يتقاضاها العاملون بالصحة أكثر من نصف الميزانية المخصصة لهذه الوزارة..
ميزانية يستحيل معها الاستمرار في الالتزام بعلاج غير القادرين علي نفقة الدولة بعدما زادت أسعار كل شيء من الأدوية إلي المستلزمات الطبية وحتي الأجور. إنني أهيب بالسادة نواب الشعب -إذا كانوا حقاً وصدقاً ممثلين له- أن يرفضوا بطريقة حاسمة وواضحة أن يكون تعليم النشء وصحة الناس في ذيل أولويات نظام الحكم.. في الوقت الذي يمثل فيه أمنه وأمانه وعضلاته ومصروفاته السرية رأسه وعقله وفكره.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
Saturday, May 31, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment