Saturday, May 17, 2008

زمن «الاختلاف والفوضي والكسل»!

بقلم د. طارق الغزالي حرب

طالعت منذ أسابيع قليلة حديثاً لمفكر مصري محترم علي صفحات «المصري اليوم»، ذكر فيه ضمن ما قاله أن الدولة المصرية حالياً هي دولة شعارات لا أثر لها في الواقع الذي نعيشه. دفعني هذا القول إلي التفكير في الماضي الذي عاشته بلادي منذ أكثر من نصف قرن، حيث كان لكل مرحلة من مراحل عملها أو نضالها أو كفاحها.. شعارات ترفع في كل مكان، ولا يبدأ أو ينتهي حديث لمسؤول كبيراً كان أم صغيراً في وقتها إلا بذكر شعار المرحلة وجعله الأساس الذي عليه يقوم بناء حديثه..
ثم خطر لي أن أسأل نفسي: وهل للمرحلة التي نعيشها الآن شعار؟ دعك من العبارات الخائبة مثل «بلدنا بتتقدم بينا» و«الفكر الجديد» وغيرها من الصياغات التي ترد مصادفة علي ألسنة بعض هواة السياسة هذه الأيام، ولكن بالتأكيد فإنه ليس لهذه المرحلة التي نعيشها الآن ما يمكن أن نرفعه كهدف نسعي إليه ونتوق إلي تحقيقه..
ورجعت بي الذاكرة إلي أيام الرئيس الراحل السادات الذي رفع شعار «دولة العلم والإيمان» في مرحلة ما، انتهت بترسيخ دولة «الجهل والتطرف».. وقبلها كان التنظيم السياسي الأوحد في ذلك الوقت وهو الاتحاد الاشتراكي العربي يرفع راية «الحرية والاشتراكية والوحدة» في فترة المد القومي العربي وازدهار الفكر الاشتراكي.. ثم عدت بذاكرتي أكثر فأكثر وتذكرت شعاراً رفعته ثورة يوليو في بداياتها وهو «الاتحاد والنظام والعمل» والذي كان موجوداً علي كل حائط وعلي كل كراسة مدرسية أو كتاب..
وبينما كنت أفكر في هذه الكلمات الثلاث التي مازالت عالقة بذهني قفز أمام عيني شعار أعتقد أنه هو المعبر بصدق عن هذه المرحلة التي لا يعرف أحد علي وجه التحديد متي بدأت أو متي ستنقضي.. إنه ببساطة عكس ما كنا نرفعه وننادي به في الأيام الأولي من الثورة.. إنه عصر «الاختلاف» بديلاً عن «الاتحاد».. و«الفوضي» بديلاً عن «النظام».. و«الكسل» بديلاً عن «العمل»!! إنني أقول ذلك بمنتهي الصدق مع النفس وليس من باب التشاؤم أو المبالغة أو جلد الذات أو النظر إلي نصف الكوب الفارغ، أليس هذا زمن «الاختلاف» ونحن نجد النخبة من أهل هذا الوطن المسكين لا يتفقون علي كلمة سواء فيما بينهم في أي من أمور السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع الأساسية، والتي علي أساسها يقوم بناء الدولة الحديثة؟ أعرف أنه في كل بلاد العالم هنالك آراء مختلفة ومذاهب متنوعة.. ولكنها تكون في التطبيق وليس في المبدأ ذاته..
مثلاً هل نحن مع تديين الدولة وخلط الدين بالسياسة، أم مع علمنة الدولة وفصل الدين عن السياسة؟ هل نحن مع قبول دولة إسرائيل في المنطقة والتعامل معها أم لا؟ هل نحن مع فتح المجال للاقتصاد الحر وآليات السوق أم ضد هذا أم مع ترشيده بتدخل الدولة في الوقت المناسب؟ أليس هذا زمن «الفوضي» وكل ما حولنا في الشارع ووسائل المواصلات وأماكن العمل.. ما نفعله في أفراحنا وأحزاننا..
حتي في معاملاتنا وعباداتنا يوحي بالفوضي بل هو الفوضي بعينها؟ أليس هذا هو زمن «الكسل» وحكومتنا الرشيدة تتفنن في إعطاء الإجازات لموظفي الدولة والعمال، حتي تظل إنتاجيتهم لا تتجاوز دقائق معدودة في اليوم، وتريح الدولة وأجهزتها نفسها من عناء توفير الحد الأدني من الظروف الآمنة والمطلوبة لمعيشة الناس لأداء أعمالهم والتركيز فيها؟
أمثلة كثيرة لا تجد فيها من هذه الدولة إلا إصراراً غريباً علي إهدار الوقت، والانتقاص من قيمة العمل الجاد!! ألستم معي إذن أن شعار هذه المرحلة هو تماماً عكس ما كان في بدايات الثورة، مما يوحي بأنه يبدو أننا في حاجة لبدايات جديدة بالفعل.

No comments: