بقلم لميس الحديدي
جاء صوت هاتفه المحمول مزعجًا.. يصر علي الرنين وسط محاولات البعض الاستماع إلي كلمات محمد البرادعي.
لم يتوقف هاتفه عن الرنين.. استدار أمين عام الجامعة العربية عمرو موسي، وقال له: «أرجوك نريد أن نسمع».. لم يشعر بالخجل لم يغلق هاتفه، وفي المرة الثانية عندما رن الهاتف مجددًا لم يتردد بل رد عليه أجاب محدثه: «أنا في محاضرة د. البرادعي أيوه أيوه.. بعدين بعدين».
سألت من الرجل.. قيل لي أستاذ في الجامعة!!
المشهد السابق ليس سيناريو في فيلم مزعج، بل هو مشهد شاهدته بنفسي، وأنا أشارك في فعاليات احتفال جامعة القاهرة بتكريم تلميذها، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، د. محمد البرادعي، ومنحه الدكتوراه الفخرية.
وما حدث هو نموذج ربما بسيط لفوضي الجامعة الآن .. فلا احترام للمتحدث، ولا احترام لمن يريد أن يستمع.. والأسوأ أنه يحدث داخل حرم الجامعة وبين الأساتذة الذين هم قدوة للطلبة.. وعليك من كل هذا، فكلمات البرادعي جاءت لتخفف من مشهد الفوضي، وتضع نقاطا فوق حروف قد نعرفها جميعا، لكننا نتجاهلها كثيرًا.
ماذا قال؟! تحدث البرادعي عن مفتاح النهضة، وهو العلم والمعرفة. ذلك المفتاح الضائع ما بين نسبة أمية بلغت ٤٠% وهبوط في مستوي التعليم بجميع مراحله - كما قال.
تحدث البرادعي عن الإصلاح الاقتصادي.. «إصلاح يضمن زيادة الإنتاجية وخلق قدرة تنافسية للاقتصاد الوطني» وأظن أن كلمة الإنتاج لم تعد موجودة في قاموسنا الاقتصادي فقط نسمع كلمات بيع، استهلاك، تضخم، ضرائب.
تحدث البرادعي عن إصلاح سياسي يحقق التوازن بين الأمن والحرية «فعندما يشارك الفرد في كل قرار يتعلق بحياته ومصيره ويشعر أن لديه الحرية التامة في اختيار من يحكمه سيستطيع أن يساهم في حل مشاكل وطنه كشريك وليس متفرجًا».
تحدث البرادعي عن نظام يحمي الأقلية قبل الأغلبية، المرأة قبل الرجل والضعيف قبل القوي.
تحدث البرادعي عن دستور وقانون يجب أن يكون السيد والحكم في جميع الظروف، وقفت طويلاً أمام تعبيره «الدستور والقانون يجب أن يكونا مصممين لمواجهة مختلف الظروف التي تمر بها الدولة بما فيها الظروف الاستثنائية».
بينما نحن نسن القانون لأحوال بعينها.. ونعدل الدستور لحالات بعينها، نغير ونبدل لأشخاص بعينهم .
هكذا تحدث البرادعي وهو يحصل أخيرًا علي تقدير جامعته.. فقد حصل علي درجات دكتوراه فخرية من عدد من الجامعات الأجنبية وأخيرًا.. جامعة القاهرة الحمد لله أنهم تذكروه.. لكن هل سمعوه؟
سألت نفسي وأنا أتابع رد فعل المنصة وسألت نفسي وأنا أنظر حولي لهذا الذي يرد علي هاتفه. وذاك الذي مل الجلوس.
قمة التناقض بين الفوضي والعلم، بين الرجل المصري الأصيل القادم من العالم الخارجي المنضبط، وأنصاف المتعلمين الذين يعيشون ويموتون في عالم من العدم. كم نحتاج لعشرات من البرادعي لنهضة هذا الوطن.
Tuesday, July 15, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment