Tuesday, July 8, 2008

كاريزما بديلة!

بقلم سليمان جودة

كان عبدالناصر إذا خطب في المواطنين، بدأ بعبارته الشهيرة «أيها الإخوة المواطنون»، وكانت الجماهير تفقد عقلها، بمجرد سماع العبارة، وكان عبدالناصر يجد نفسه مضطرًا إلي تكرارها، أكثر من مرة، حتي تسترد الجماهير الحاشدة، بعضًا من هدوئها، وشيئًا من عقلها!
وكانت «كاريزما» الرجل تجعل الاتصال بينه، وبين الناس، مباشرًا، وجارفًا، ومتخطيا لأي قواعد، أو قوانين، أو أصول!
وحين يتمتع زعيم بكاريزما من هذا النوع، فإن ذلك يرتبط، في الغالب، برسالة في عقله، يريد أن يؤديها لبلده، ويقترن بمهمة قومية، ووطنية، يتصور الزعيم - أي زعيم - أن عليه أن ينجزها في حياته!
وقد كانت رسالة عبدالناصر تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تطبيق فكرة الاشتراكية، وكانت مهمته، التي يراها لوطنه، تجسيد القومية العربية في كيان متحد بجميع بلاد العرب.
وحين تكون «الكاريزما» راشدة، ومنضبطة، وعاقلة، تقود الزعيم، ومعه وطنه، إلي النعيم، فإذا كانت العكس، قادت الاثنين إلي جحيم!
وليس هناك زعيم تمتع بمثل هذه الكاريزما الهائلة، إلا وكانت لديه رسالة عظمي، يسعي إلي بث الحياة فيها.. فسعد باشا زغلول، بلغ من تأثيره الطاغي علي المصريين، أنه كان في غمرة صراع الوفد مع «حزب الأحرار الدستوريين» يقول إنه توقف عن قراءة صحيفة «السياسة» لسان حال «الأحرار» وقتها فيتوقف المواطنون جميعًا عن قراءتها!.. وكانوا يقولون بأن سعدًا لو رشح حجرًا في أي دائرة انتخابية، فسوف ننتخبه، وكانوا يقولون إن نبات الفول، قد نضج في الصعيد، وعلي كل جزء من شجرة المحصول عبارة منقوشة تقول: يحيا سعد!
وكانت رسالة سعد هي الاستقلال، ولا رسالة غيرها، وكان المصريون مستعدين لخوض البحر، من ورائه، إذا قال إن هذا سوف يحقق الاستقلال!
وفي تركيا، كان أتاتورك صاحب كاريزما.. ورسالة!
وفي إسبانيا، كان فرانكو، صاحب كاريزما.. ومعها أيضًا رسالة!
وفي فرنسا كان ديجول متمتعًا بكاريزما.. وكانت عنده رسالة!
والمشكلة الحقيقية، أن الجماهير تتحول، في مثل هذه الحالات، إلي كتلة واحدة، يحركها الزعيم، بإشارة من يده، وتفقد وعيها تمامًا، وتتوقف عن التفكير، وتستقر علي أنه يفكر بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة عنها، وهو وضع غير سوي بالمرة، ويؤدي إلي كوارث كبري، إذا ظل العقل غائبًا عن مثل هذه العلاقة، ما بين صاحب الكاريزما، والذين يمارس عليهم الزعيم مقتضيات هذه الكاريزما!
ولابد أن غياب مثل هذه الصفة، عن زعيم، أو رئيس، في أي وقت ليس ذنبه، لأنها لا تأتي بالتدريب، ولا المران، ولكنها هبة من الله، في كل الأحوال!
وحين يكون المجتمع عنده رسالة، لا تحتمل التأجيل، ولا يجوز أن يتواني عنها، في سبيل تحقيق الإصلاح علي كل مستوي، كما هو حالنا، الآن، ثم لا تكون هناك كاريزما تتبني الرسالة، وتنهض بها، فإن الإعلام، في هذا العصر، هو بديل الكاريزما، بمعني من المعاني، لأنه قادر علي حشد الملايين، حول هدف يمثل الحلم لكل مواطن..
ولكن الإعلام، لا يحرك نفسه، ويظل في حاجة إلي مَنْ يحركه، في هذا الاتجاه، ثم يوظفه، علي أحسن ما ينبغي أن يكون!.. ولأن مثل هذه الحقيقة تبدو حاليا غائبة تمامًا، ولأن مثل هذه البديهية، تبدو أيضًا، تائهة، وغائمة، فإن المجتمع، يتبدي في كل حالاته، علي أنه مجتمع بلا رسالة!

No comments: