Tuesday, October 7, 2008

الترجمة واللحاق بالتقدم

بقلم : جمال الشاعر

الهرولة هي حالة وسطية بين المشي والجري تزداد سرعة في عصر الإنسان الرقمي‏..‏ نهرول دائما للحصول علي رقم أعلي في الحساب البنكي‏..‏ أو للحصول علي سلعة أرخص في الأوكازيون‏.‏ أو نهرول في ركاب السادة المدراء نفاقا وتزلفا‏..‏ هل كان الأقدمون يهرولون لهذه الأشياء؟‏!..‏ ربما‏..‏ ولكن المؤكد أن ابن رشد لم يكن منهم‏..‏ كان يهرول فقط للحصول علي معلومة جديدة‏..‏ ويهرول للفوز بمعرفة أكثر عمقا لعلوم ومعارف أنتجتها الأمم السابقة‏..‏ قضي جل عمره قارئا ومتأملا ومترجما ومؤلفا مبدعا‏..‏ احتار الفيلسوف العربي ابن رشد في فهم كلمة تراجيديا‏..‏ وهما الكلمتان المشتقتان من كلمة دراما‏..‏ والدراما لم تكن معروفة عند العرب‏..‏ أرسل له الله رسالة توضيحية وبيانا عمليا للمعني‏..‏ لكنه لم ينتبه‏..‏ كان الشارع يموج بأصوات أطفال تلعب‏..‏ نظر ابن رشد من النافذة‏..‏ فوجد طفلا يؤذن من فوق كتفي طفل طويل مثل دور المئذنة‏..‏ بينما طفل ثالث يصلي مقلدا المصلين الكبار‏..‏ لم ينتبه ابن رشد لأن هذا المشهد هو دراما‏..‏ وظل يبحث في أمهات الكتب حتي ذاب نور عينيه ونظر في المرآة فلم ير صورته‏..‏ كان يري شبح شيخ بذقن بيضاء طويلة تتلاشي في المرايا بعيدا ويغيب‏.
.‏ استراح قليلا ثم واصل البحث طويلا حتي وصل إلي المعني‏..‏ الكوميديا هي فرع الدراما الضاحك‏..‏ والتراجيديا هي فرع الدراما المأساوي‏..‏ ابن رشد بحكاياته وإبداعاته مثار إعجاب علماء وفلاسفة الغرب‏..‏ فهو همزة الوصل بينهم وبين أرسطو والفلسفة اليونانية والاغريقية‏..‏ وهو صاحب المعركة الكبري مع الإمام أبي حامد الغزالي الذي انتقده في كتابه الشهير تهافت الفلاسفة‏..‏ فاجتهد ابن رشد ليرد عليه في كتاب تهافت التهافت‏..‏ أبن رشد أحد علماء العصر العباسي عصر النهضة الإسلامية هذا العصر الذي عاش فيه نوابغ العرب‏..‏ ابن باجة نبغ في تراجم علوم ما وراء الطبيعة‏..‏ وجالينوس في الطب‏..‏ والكندي‏..‏ في التراجم في علم المنطق وإجادته للغات الأغريقية والفارسية والهندية‏..‏ أين نحن من هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين قاموا بأوسع حركة ترجمة وإبداع علمي ومعرفي في التاريخ الإسلامي‏..‏ نتعلم من الأمم المتقدمة أن الطريق إلي التقدم هو في البدء بالخطوة الأولي وهي حركة ترجمة واسعة وعميقة‏..‏ والخطوة الثانية‏..‏ تقليد المتقدم في إبداعاته‏..‏ والخطوة الثالثة‏..‏ إنتاج إبداع جديد فيه ملامح الهوية‏..‏ كل هذه المليارات في العالم العربي والإسلامي وكل هذه
الثروات ثم نبخل بإنشاء مؤسسات ومراكز ترجمة تنقذنا من حالة التخلف التي نعيشها‏..‏ بدون ترجمة للمعارف الإنسانية والعلوم‏..‏ لن يكون لدينا إنتاج معرفي‏..‏ وسوف نتأخر كثيرا عن اللحاق بآخر مقعد في آخر عربة في قطار التقدم الطويل جدا‏..‏ المسافة شاسعة‏..‏ وانتهاض الهمة قضية حياة أو موت‏..‏

اللحاق أو الانسحاق

No comments: