بقلم : جمال الشاعر
الهرولة هي حالة وسطية بين المشي والجري تزداد سرعة في عصر الإنسان الرقمي.. نهرول دائما للحصول علي رقم أعلي في الحساب البنكي.. أو للحصول علي سلعة أرخص في الأوكازيون. أو نهرول في ركاب السادة المدراء نفاقا وتزلفا.. هل كان الأقدمون يهرولون لهذه الأشياء؟!.. ربما.. ولكن المؤكد أن ابن رشد لم يكن منهم.. كان يهرول فقط للحصول علي معلومة جديدة.. ويهرول للفوز بمعرفة أكثر عمقا لعلوم ومعارف أنتجتها الأمم السابقة.. قضي جل عمره قارئا ومتأملا ومترجما ومؤلفا مبدعا.. احتار الفيلسوف العربي ابن رشد في فهم كلمة تراجيديا.. وهما الكلمتان المشتقتان من كلمة دراما.. والدراما لم تكن معروفة عند العرب.. أرسل له الله رسالة توضيحية وبيانا عمليا للمعني.. لكنه لم ينتبه.. كان الشارع يموج بأصوات أطفال تلعب.. نظر ابن رشد من النافذة.. فوجد طفلا يؤذن من فوق كتفي طفل طويل مثل دور المئذنة.. بينما طفل ثالث يصلي مقلدا المصلين الكبار.. لم ينتبه ابن رشد لأن هذا المشهد هو دراما.. وظل يبحث في أمهات الكتب حتي ذاب نور عينيه ونظر في المرآة فلم ير صورته.. كان يري شبح شيخ بذقن بيضاء طويلة تتلاشي في المرايا بعيدا ويغيب.. استراح قليلا ثم واصل البحث طويلا حتي وصل إلي المعني.. الكوميديا هي فرع الدراما الضاحك.. والتراجيديا هي فرع الدراما المأساوي.. ابن رشد بحكاياته وإبداعاته مثار إعجاب علماء وفلاسفة الغرب.. فهو همزة الوصل بينهم وبين أرسطو والفلسفة اليونانية والاغريقية.. وهو صاحب المعركة الكبري مع الإمام أبي حامد الغزالي الذي انتقده في كتابه الشهير تهافت الفلاسفة.. فاجتهد ابن رشد ليرد عليه في كتاب تهافت التهافت.. أبن رشد أحد علماء العصر العباسي عصر النهضة الإسلامية هذا العصر الذي عاش فيه نوابغ العرب.. ابن باجة نبغ في تراجم علوم ما وراء الطبيعة.. وجالينوس في الطب.. والكندي.. في التراجم في علم المنطق وإجادته للغات الأغريقية والفارسية والهندية.. أين نحن من هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين قاموا بأوسع حركة ترجمة وإبداع علمي ومعرفي في التاريخ الإسلامي.. نتعلم من الأمم المتقدمة أن الطريق إلي التقدم هو في البدء بالخطوة الأولي وهي حركة ترجمة واسعة وعميقة.. والخطوة الثانية.. تقليد المتقدم في إبداعاته.. والخطوة الثالثة.. إنتاج إبداع جديد فيه ملامح الهوية.. كل هذه المليارات في العالم العربي والإسلامي وكل هذه
الثروات ثم نبخل بإنشاء مؤسسات ومراكز ترجمة تنقذنا من حالة التخلف التي نعيشها.. بدون ترجمة للمعارف الإنسانية والعلوم.. لن يكون لدينا إنتاج معرفي.. وسوف نتأخر كثيرا عن اللحاق بآخر مقعد في آخر عربة في قطار التقدم الطويل جدا.. المسافة شاسعة.. وانتهاض الهمة قضية حياة أو موت..
اللحاق أو الانسحاق
No comments:
Post a Comment