Monday, October 27, 2008

السجن لرجال الأعمال

بقلم على السيد

إذا كان رجال الأعمال فاسدين، فالسلطة تُقاسمهم الفساد، رغم أنها لا تشاركهم العقاب. تدس أنفها فى مالهم لأنها ترى نفسها شريكة فيه، وكذلك يحشر رجال الأعمال رؤوسهم وسط سيوف النظام طلبا للحماية وطمعا فى السلطة والجاه، لكن معظم الذين يقتربون من السلطة أكثر من اللازم يكتوون بنارها ما لم يكونوا شركاء معها كالحكومة الحالية.

تلقى، أى السلطة، بأموال البنوك تحت أقدامهم ثم تدخلهم السجون حين تنتهى اللعبة أو يخلص الدور. تفتح لهم حزبها وتهيئ لهم برلمانها، ثم تُشهّر بهم فى صحفها، لدرجة أننا لم نعد نعلم إن كان رجال الأعمال يمتطون السلطة ليصلوا لأهدافهم أسرع، أم أن السلطة هى التى تحولهم إلى حجارة تعبر عليها للضفة الأخرى ثم تتركهم للتيار يجرفهم فى أى اتجاه. لذلك فكثيرون يدخلون السجن وهم أبرياء.. وكثيرون يستحقون السجن ألف مرة ويعيشون حياتهم طلقاء لا تطالهم يد العدالة.

وكثير من رجال الأعمال دخلوا السجن، وكثير منهم ينتظر. وربما يكون سهلا، فى هذه الآونة، أن نستبدل المثل الشعبى (السجن للجدعان) بـ(السجن لرجال الأعمال)، رغم أن الفارق فى الحالتين كبير، إذ يقصد المثل أن الشهامة والشجاعة تقود أحيانا للسجن لكن، عند رجال الأعمال يختلف الأمر لأن منهم اللصوص والضحايا أيضا.

ومصر هى أكثر دول العالم حبساً لرجال الأعمال، ليس لأن السلطة تعمل بشفافية وتحارب الفساد، وليس لأن العدالة تأخذ مجراها، وليس لأن الذين يدخلون السجن فاسدون بالضرورة.

الواقع يقول إن بعض الذين دخلوا السجن لم يكونوا إلا كبش فداء للفاسدين واللصوص الكبار، فهناك من دخل السجن لأنه تجاسر على أحد النافذين فى النظام الحاكم أو لم يقم بدفع المعلوم كما ينبغى، أو تجاوز الخطوط الحمراء، أو انتهى دوره لصالح رجل أعمال جديد يدخل الحلبة بقوة وغباء.

هذا يجعلنا نسأل: ما التهمة التى استوجبت دخول حسام أبوالفتوح السجن وتدمير شركاته وتشريد مئات العاملين والموظفين عنده؟ هل كان السبب حيازة سلاح من دون ترخيص أم تصفية حسابات رخيصة؟ وهل كان الأفضل أن يدفع ما عليه من قروض وهو داخل السجن عن طريق بيع الأصول والشركات وتوقف أعماله وغلق شركاته، أم أن الرجل كان سيتهرب من دفع ما عليه من قروض لو لم يتم قطع أذنه؟

سدد حسام مليار جنيه للبنوك، وكذلك فعل عاطف سلام الذى دفع ملياراً ونصف المليار جنيه للبنوك، ولا أحد يعرف لماذا سجن ست سنوات ولماذا خرج بعد السداد، رغم أن البنوك لم تقدم ضده بلاغا واحد إلا بعد فترة من دخوله السجن؟ ولماذا لقب بـ «حوت السكر»؟..

ألم يكن الأجدر أن يسدد من دون تدمير الشركات وتشريد الموظفين والبقاء فى السجن. الواقع يكشف أن من يقدر على سداد مليار جنيه، أو أكثر، وهو خلف الأسوار، كان يمكن أن يسدد أضعاف هذا المبلغ وهو خارج السجن، إلا إذا كان فى الأمر شىء آخر. رجال الأعمال، الذين دخلوا السجون، سددوا ما عليهم من قروض بعد خصم جزء كبير من الفوائد، وبعد أن اضطرت البنوك للقبول بالأمر الواقع وتقييم الأصول بأكثر من قيمتها الفعلية،

أى أن مصر هى الخاسرة فى الحالتين، حين أقرضت وحين استردت جزءا من مالها، فضلا عن تدمير أسس التنمية والاستثمار وضياع الحقوق والثروات لصالح حفنة من المتدثرين بأردية الحكومة.

الآن ماذا عن الذين اشتروا أملاك الشعب المصرى من أراضوشركات ومصانع وموانئ برخص التراب؟ هؤلاء اشتروا بملاليم ثم باعوا بمليارات الجنيهات، وليتهم باعوا لجهات مصرية، بل كان البيع السخى لشركات ومجموعات أجنبية لا يعلم أحد أغراضها أو مساعيها تجاه هذا الوطن الذى تم بيع ممتلكاته وشركاته الرابحة كالخاسرة، دون أن يعاقب البائع القابع فى وزارته مستعداً لبيع ما تبقى من فتات وتراب لكى يزداد سمنة على سمنته،

فالرجل ذو الجبهة العريضة والوجه (المتبجح المترجرج) يمتلك قدرة عجيبة على كسر عنق الحقائق والترويج لبضاعة فاسدة وآراء خائبة عن حتمية بيع ممتلكات الوطن لننعم برفاهية اقتصاد السوق، وحين تم البيع ولم ننعم إلا بالفقر والخراب قال ابن التجربة الجديدة: (إنها الظروف العالمية).

هذا ليس اقتصادا، هذه عزبة لا يحكمها قانون ولا يحميها نظام.. يتملك فيها أصحاب الحنكة والقوة، ويخدم بداخلها الفقراء والبائسون ولا يطالون حتى الفتات. يأخذ خيراتها اللصوص، وينعم بعزها الفاسدون من رجال السلطة والمتصاهرين معهم.

No comments: