أشك أن اتجاهاً رسمياً يسعي لإغلاق ملف جريمة التحرش، التي ارتكبها عشرات الشباب ضد ثلاث فتيات في شارع جامعة الدول العربية، فلا نعرف هل تم تجديد الحبس للشباب أم لا، وهل عثر علي الفتيات المجني عليهن، أم أنهن «فص جنس وذاب»؟
لا أحد من مصلحته، تأليب المواجع «اكفوا علي التحرش ماجور» والبنات أنفسهن يرفضن الظهور أو الذهاب للنيابة أو التعرف علي الجناة، فهن مدانات قبل وبعد التحرش، «لا تلوموا القطط إذا التهمت قطعة اللحم المكشوفة»، هكذا قال مفتي استراليا منذ عام، وهكذا فعل الشباب وقال الإعلام، وأفتي كل متحرش أو كل ملتحف بالدين، متخذها فرصة عظيمة للدعوة إلي الحجاب، ولو نزل إلي الشارع لاكتشف أن المنتقبات يتعرضن مع المحجبات لأنواع شتي من التحرش.
«غض البصر».. نصيحة دينية للرجال، لكن خطابنا الديني معد وجاهز لمواجهة النساء، منهن رأس الأفعي وبيت الداء ورأس الخطيئة.
لا داعي للمبالغة، مصر بخير، ولا يمكن وصم شباب مصر المتدين، بسبب قلة متحرشة، شبابنا «مايتحرشّ أبداً»! قلة مندسة، مثل تلك القلة المنتشرة في فروع فساد الوطن.
«الأمن غايب لو كانت العيال حاسة إنه موجود، مجرد إحساس، ماكنوش قربوا من البنات»، الأمن سيئ..، طيب والناس الطيبة، أهل الشهامة والمروءة فين.. الذين وقفوا يشاهدون الجريمة، وكأنها فيلم جنسي علي قارعة الطريق؟ هل جبنوا عن نجدة البنات، أم رأوا أنهن يستأهلن ما يحدث لهن، أم قالوا: «إحنا مالنا، خليها تولع» ـ مع الاعتذار لزميلي العزيز محمود الكردوسي؟!
أخلاقنا تغيرت منذ زمن، من سنوات بعيدة، هل تذكرون حادثة اغتصاب فتاة العتبة علي مرأي ومسمع المئات.. أخلاقنا تتدهور، ولكننا لا نلتفت أو لا نهتم.
التحرش كل يوم: في الشارع، العمل، المكاتب المغلقة، وفي إعلانات الجرائد التي تستغل البطالة واليأس، وتدعو الفتيات للعمل مذيعات ومندوبات وسكرتارية، الحاجة مذلة، والفضيحة فضيحة لا تنال إلا البنات.
لم تعد الأزمة في القانون، ولا من يطبقه فقط.. الأزمة فينا، في الضمير والأخلاق، وادعاءات التدين.. نحن نحتاج إلي النظر في المرآة، لنتأمل نفوسنا المشوهة، وعيوبنا التي تضخمت، حتي لا نتفرغ لتبادل كرات الإدانة ونصبح جميعاً جناة، بعد أن عشنا قروناً مجنياً علينا.
No comments:
Post a Comment