Wednesday, October 15, 2008

«الإخوان» وإبراهيم سليمان.. محاولة للفهم!

بقلم مجدي الجلاد

حاولت كثيراً أن أفهم تنظيم الإخوان المسلمين.. تمنيت كثيراً أن أضع سياقاً واحداً لتصريحات قياداته، وتحركات قواعده، لاسيما أنني لا أقف في مساحة دعم أو عداء لهذا التنظيم. أختلف معهم أحياناً، وأتفق أحياناً أخري، ولكن الدهشة تصيبني مرات ومرات، حين يكشف الإخوان عن الوجه الموالي للنظام الحاكم، أو الوجه «الخفي» للعبة السياسة، دون النظر إلي مصلحة الوطن الكبير.

تحولت الدهشة إلي صدمة، أمس الأول، وأنا أطالع الخبر الذي نشرته «المصري اليوم» للزميل محمود محمد تحت عنوان «كتلة الإخوان في مجلس الشعب ترفض التوقيع علي مذكرة إسقاط عضوية د. محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق»..

والقصة أن عدداً من النواب المستقلين أعدوا المذكرة لأسباب منطقية، وتتوافق مع لائحة المجلس، وقالوا فيها - وفقاً لتصريحات النائب النشيط علاء عبدالمنعم - إن «سليمان» نائب الجمالية أخلّ بواجباته البرلمانية بتغيبه عن جلسات المجلس، ووصل الأمر به إلي التغيب عن اجتماعات اللجان التي ناقشت كارثة «الدويقة»، رغم أنه نائب الدائرة نفسها «الجمالية ومنشأة ناصر»..

فكيف لنائب انتخبه أهالي الدائرة أن «يغيب» عن جلسات تم تخصيصها لكارثة ألمت بنفس المواطنين الذين ذهبوا - أو يفترض - إلي صناديق الاقتراع ومنحوه أصواتهم؟!

واستندت المذكرة، التي أعدها النواب علاء عبدالمنعم وسعد عبود ود. جمال زهران، إلي المادة ٩٦ من الدستور، التي تنص علي إسقاط عضوية النائب إذا أخل بواجبات العضوية، ودللوا علي ذلك بغياب إبراهيم سليمان عن حضور جلسات المجلس لمدد طويلة، وتواجده بصفة شبه دائمة خارج البلاد، وطالبوا بمراجعة جواز سفره، للتأكد من ذلك.

وكان منطقياً أن يلجأ النواب الثلاثة لكتلة «الإخوان» المعارضة داخل مجلس الشعب، للتوقيع علي المذكرة، لأن لائحة المجلس تشترط موافقة خُمس الأعضاء، أي نحو ٩٢ نائباً.. رفض نواب الإخوان،

وساقوا مبرراً واهياً ومكشوفاً «قال د. حمدي حسن عضو المجلس عن الإخوان المسلمين: إن سبب رفضنا يرجع إلي عدم تشتيت جهود محاربة الفساد وفشل الحكومة في مواجهة أزمة الدويقة».. وكانت المحصلة «إجهاض واحدة من أهم المواجهات داخل البرلمان، أو حماية أحد أعمدة النظام الحاكم والحكومة والحزب الوطني من المساءلة والحساب»!

أمعنوا التفكير معي في محاولة تحليل هذا الموقف العجيب.. لن تصلوا إلي نتيجة إلا إذا وضعناه في سياقه التاريخي الطبيعي، وفي قلب وعقل السياسة «الإخوانية» في التعامل مع النظام الحاكم من جهة، والشارع من جهة أخري.

دأب الإخوان - رغم القاعدة الجماهيرية التي يمتلكونها، وقدرتهم التنظيمية الكبيرة - علي مداهنة النظام والحكومة في فترات كثيرة، ومع رموز محددة، ووفقاً لحسابات غير معلنة.. فإذا كان المواطن المصري قد انتخب ٨٨ عضواً إخوانياً في مجلس الشعب تحت شعارات «إخوانية» واضحة، فإن هذا الاختيار يفرض عليهم أن يمارسوا الدور التشريعي والرقابي الكامل تحت قبة البرلمان.. هذا الدور وتلك الأمانة متي ستتم ممارستهما،

ونواب الجماعة يفرضون سياجاً من الحماية والتستر علي أحد رموز النظام، الذين تحيطهم اتهامات مختلفة، وقطعاً لن تسنح فرصة أفضل من تغيب إبراهيم سليمان عن جلسات المجلس عموماً، واجتماعات «الدويقة» خصوصاً.

ولمن يريدون أن يفهموا أكثر.. دعونا نرجع إلي أرشيف الانتخابات البرلمانية والمواقف «الإخوانية» في أحداث وملفات كثيرة.. مبدئياً سنجد أن سياسة «الجماعة»، في مواجهة النظام الحاكم والحكومة والحزب الوطني، تستند إلي «فهم عميق» وبراجماتي لطبيعة الحكم في مصر..

فقيادات «الإخوان» يركزون هجومهم دائماً علي النظام والحكومة والحزب، ككيانات عامة، دون انتقاد أو كشف أو ملاحقة الأشخاص أو الرموز بأعينهم، أما المعارك الانتخابية فهي أكثر وأعمق كشفاً لذلك.. إذ لم يسبق لجماعة الإخوان ترشيح أحد أعضاء الجماعة في دوائر بعينها، هذه الدوائر هي التي يترشح فيها وزراء أو مسؤولون بارزون..

ففي الانتخابات الأخيرة عام ٢٠٠٥ حرصوا علي عدم منافسة: فتحي سرور، كمال الشاذلي، زكريا عزمي، أحمد عز، محمد إبراهيم سليمان، يوسف بطرس غالي، بل تركوا الساحة خالية لرجال الأعمال من الحزب الوطني، أمثال هاني سرور، ومحمد أبوالعينين، ومن قبل رامي لكح.. بينما وضعوا منافساً قوياً في الانتخابات الماضية للزعيم الكبير خالد محيي الدين، زعيم حزب التجمع، وأحد رجال ثورة يوليو!!

راجعوا هذه الوقائع، لنصل إلي تحليل واقعي لرفض «الإخوان» شطب عضوية محمد إبراهيم سليمان في مجلس الشعب.. راجعوها بإمعان، لنعرف كيف تدار لعبة السياسة في مصر!!

No comments: