Thursday, February 21, 2008

توقف ندوة صحفية 3 دقائق بسبب بكاء فهمي هويدي على غزة

لم يتمالك الكاتب المصري المعروف فهمي هويدي نفسه وانهار باكيا لثلاث دقائق داخل نقابة الصحافيين المصرية، ولم يتمكن أحد من الموجودين من القيام بتهدئته، وذلك أثناء جلوسه علي منصة ندوة "العائدون من غزة"، التي أقيمت في القاهرة الأربعاء 20-2-2008، وحضرها عدد كبير ممن دخلوا إلي غزة بعد هدم السور الحدودي، وشاهدوا الأوضاع الحقيقية للفلسطينيين وعادوا ليرووا ما شاهدوه بأعينهم.

صدمة التغطية الاعلامية
وبدأت الندوة بشهادة من الناشطة في مجال حقوق الإنسان داليا صلاح التي أكدت أنها شعرت عند خروجها من غزة بأنها انتقلت من كوكب إلى آخر، وانها كانت محرجة بشدة أثناء وجودها في القطاع، خاصة وان الوجبة الغذائية الواحدة كانت تأتي من أكثر من بيت لضيق ذات اليد.وأكدت الناشطة الحقوقية أن أكثر ما صدمها عند عودتها الي مصر كان التغطية الاعلامية، حيث فوجئت بكلام من نوعية الحياة الهادئة والتعامل الرقيق الذي وجده المحاصَرون من قِبَل الأمن المصري، علاوة علي التمثيلية التي ظهرت على شاشات التلفاز من عقد زواج مصري بفلسطينية.وأشارت الصحفية مروة النجار إلى الحديث الذي دار بينها وبين أم فلسطينية استُشهد لها 3 أبناء، وقيام الأمن المصري بإجبار أصحاب المحلات في العريش أن يغلقوا محلاتهم حتى يملَّ الفلسطينيون، ويعودوا الي غزة وهو ما أدَّى إلى حالة من الجوع الشديد ونقص المواد الغذائية لأهل العريش.

ثلاث دقائق من البكاء المستمر
وبدا التأثر الشديد واضحا علي وجه هويدي وهو يستمع الي الشهادات، حتى أنه عندما بدأ في الحديث لم يستطع إكمال كلامه وانهار في البكاء حيث قال: "الكلام الذي قيل تعبير عن المشاعر.."، ولم يكمل.وانخرط في البكاء لأكثر من 3 دقائق على منصَّة الندوة. وبعد أن تمالك أعصابه تحدث عن الوضع في غزة واصفا اياه بأنه مأساه لا نري حقيقتها، في ظل تركيز بعض الصحف المحترمة على أن ما حدث هو مؤامرة، وتقوم بتشويه أصل القضية ومعالمها.واشار إلي إشكاليتين حدثَتا في التعامل مع أزمة غزة: الأولى كانت عملية غسيل المخ التي قام بها بعض وسائل الإعلام، مستغلة بعض الوقائع الفردية، والتي كان نتيجتها خروج مظاهرات لكرة القدم والصمت إزاء ما جرى في غزة. والإشكالية الثانية كانت في أن الشعب المصري بطبعه شعب "ميري"(حكومي) يتأثر سريعًا بموقف السلطة الحاكمة، وهذا جعله مهيئًا للذوبان والتأثر بموقف السلطة.

المساعدات ليست شفقة
وأوضح الكاتب هويدي أن المساعدات التي قدمتها مصر لغزة ليست من باب الشفقة، ولكنها ضريبةُ الدفاع عن الأمن القومي المصري، مشيرًا إلى أن الأمن القومي ليس فقط الأمن العسكري وأن من يتصور أن ما حدث في غزة يهدِّد الأمن القومي المصري هو خاطئ، مؤكدًا أن إقحام غزة في الأمن القومي هو ترويج لأكذوبة كبرى يراد منها التأثير في الرأي العام.وأنهي هويدي كلمته بالتأكيد علي أن مصر ليست في معركة مع غزة ورام الله، أو فتح وحماس، ولكنها قضية المقاومة أو لا مقاومة. لكن عندما طرح أحد الحاضرين مسألة الإصابات التي تعرَّض لها بعض أفراد الأمن المصري من قبل الفلسطينيين تدخَّل هويدي قائلاً: عدد الذين قُتلوا من مصر بالسلاح الصهيوني في الأربعة أعوام الأخيرة 57 فرداً، وهو رقم موثَّق، مؤكدا علي ضرورة عدم خلط الاوراق وعدم الانسياق وراء الاعلام الحكومي الذي يقلل من معاناة اهل غزة.وابدى استغرابه من التناقض الواضح بين الموقف الرسمي نفسه في مصر حيث هناك تصريح للرئيس مبارك يقول فيه انه لن يسمح بتجويع أهل غزة، وبعده بأيام تصريح لوزير الخارجية أحمد ابو الغيط يقول فيه انه سيكسر رجل أي شخص يعبر الحدود.

زويل يفتح النار علي الجامعات الخاصة

بقلم صبرى غنيم
أنا عاتب علي الزميل الكاتب الصحفي الأستاذ أسامة هيكل أنه استضاف العالم المصري، الدكتور أحمد زويل، في صالونه الثقافي بدار الأوبرا في غياب رئيس الحكومة، مادام سيتناول قضية خطيرة، وهي قضية العملية التعليمية الجامعية في مصر.. صحيح أن كلامه كان خطيراً.. ورسالته للحكومة كانت أخطر.. لأن الدكتور زويل، كعالم، عندما يبدي عدم اقتناعه بالتعليم الجامعي الخاص في مصر لابد أن نسمعه، لأنه يري أن التعليم عندنا يختلف عن التعليم في الدول الخارجية، حيث لا يملك الأفراد الجامعات ولا يسعون في الخارج إلي التربح وهو ما يجعل جامعاتهم في المقدمة.
والكلام الذي قاله الدكتور زويل لا يأتي إلا من محب.. فالرجل مصري مائة في المائة، رغم أنه يحمل الجواز الأمريكي.. وكلامه من واقع معايشته العملية التعليمية في أمريكا.. فهو يتمني أن تكون جامعات مصر سواء كانت حكومية أو خاصة، علي مستوي جامعات العالم.. وعندما أبدي مخاوفه من امتلاك أصحاب المال العملية التعليمية.. فإنه كان يخشي أن تصبح تجارية، وتكون النتيجة أن يتخرج في هذه الجامعات أنصاف المتعلمين.
والدكتور أحمد زويل، لأنه مصدوم في جامعاتنا، فقد أطلق هذا الطلق الناري، لأنه يعرف أن جامعة واحدة فقط وهي جامعة القاهرة اختيرت منذ عامين في قائمة أفضل ٥٠٠ جامعة في العالم، رغم أن ترتيبها كان في ذيل القائمة، حيث جاء ٤٠٣.
وقد كنا دائماً مستبعدين، لأنهم يعتبرون الجامعات المصرية من الجامعات الأقل جودة في التعليم، بسبب تدهور برامج التعليم فيها، وترتب علي ذلك أن أصبحت الشهادات الجامعية محلية غير معترف بها خارج مصر.. في حين أن جامعة شنغهاي الصينية تتصدر دائماً قائمة أفضل الجامعات في العالم.. وإسرائيل لها دائماً سبع جامعات في هذه القائمة.. لكن ماذا نقول للقوانين التي فتحت الباب لكل من هب ودب من تجار ورجال أعمال، جعلوا العملية التعليمية في بلادنا سوقاً جديدة لثرواتهم بامتلاكهم الجامعات الخاصة.
القانون لم يقصر امتلاك هذه الجامعات علي من لهم سابق خبرة في ممارسة العملية التعليمية من الحضانة حتي الثانوي.. وللأسف لا نجد من بين أصحاب هذه الجامعات إلا الدكتورة نوال الدجوي. وهي سيدة مصرية أعطت أحلي سِني عمرها للعملية التعليمية.. بدأتها بحضانة «دار الطفل» ثم مدارس «دار التربية» وعلي يديها تبوأ أولادها مراكز مرموقة في البنوك المصرية والطب والسلك الدبلوماسي.
ولها سابقة خبرة في بريطانيا، عندما أسست أول جامعة مصرية بريطانية في إنجلترا.. وفي ظل قانون الجامعات الخاصة تمتلك جامعة تمنح شهادتين إحداهما مصرية والأخري بريطانية.. ومع ذلك لم تحظ من الدولة بنفس الرعاية التي يحظي بها أصحاب جامعات أخري لا سابق خبرة لهم ولا يفهمون ما الرسالة التعليمية؟
ولذلك كان عالمنا الدكتور أحمد زويل محقاً وهو يشترط أن تكون الجامعات الخاصة مملوكة لهيئات أو جمعيات لا تهدف إلي الربح كما هو الحال في أمريكا.. وأنا معه لأن جامعة مثل جامعة هارفارد تعد واحدة من الجامعات القوية في أمريكا وتمتلكها هيئة خاصة.. والقبول فيها أصعب من القبول في الجامعات الحكومية الأمريكية.
علي أي حال، كلام الدكتور زويل في صالون الزميل أسامة هيكل لا يزعج وزيراً مثل وزير التعليم العالي عندنا، لأن مثل هذا الكلام يأتي علي هوي الوزير، الذي أعلن غضبه علي سياسة الجامعات الخاصة منذ دخوله الوزارة.. ولذلك يسعي إلي تصحيح مسار هذه العملية.. وأذكر له موقفاً في هذا الصدد، من خلال مقال نشرته في العام الماضي تحت عنوان «لا تذبحوا وزير التعليم»..
وكانت القضية يومها أن الدكتور هاني هلال استخدم حقه كوزير للتعليم ورفض قبول الطلاب في الكليات العملية، التي لم تصدر لها تراخيص لبدء الدراسة فيها.. واحتج أصحاب الجامعات الخاصة التي تمتلك هذه الكليات بعد أن تورطوا وقبلوا أعداداً هائلة من الطلاب.. وبالمخالفة جمعوا منهم المصاريف للالتحاق بهذه الكليات.. الوزير أصر علي موقفه.. لأن هذه الكليات تنقصها أجهزة ومعدات حتي تكون جاهزة للتعليم.. وانتهي الأمر إلي أنه تم تحويل الطلاب إلي كليات أخري.. وقضايا الجامعات الخاصة كثيرة.. ومستوي التعليم سيئ.. وأصبحنا نتاجر في التعليم.. وكل عام يتضاعف طابور البطالة بسبب أنصاف المتعلمين من الخريجين..
الحكومة تعرف أسباب ضعف مستوي التعليم في الجامعات الخاصة.. ومع ذلك ودن من طين.. وودن من عجين.. لقد تمنيت أن تأخذ بنصيحة واحد من أبناء مصر.. عاش الغربة.. وتعلم منها.. وأصبح عالماً فيها.. ولا يطلب شيئاً لنفسه... كل أمله أن ينصلح حالنا.. لأن مصر فيها العقول.. ودائماً هي الأفضل.. فهل يأتي اليوم الذي نسمع فيه أن حكومتنا علي استعداد أن تسمع عالمنا الدكتور أحمد زويل.. المهم أن يكون في القرية الذكية.. وليس في دار الأوبرا؟

هل توقف قلب مصر؟

بقلم د.عمرو الشوبكى
أطلق وزير الخارجية المصري تصريحاً نارياً الأسبوع قبل الماضي، أعلن فيه أنه سيكسر قدم كل من يعبر حدود مصر، في إشارة إلي الفلسطينيين الذين دفعهم الحصار الإسرائيلي الغاشم إلي عبور الحدود المصرية الشهر الماضي، في واقعة اضطرار يجب ألا تتكرر دون الحاجة لكسر أقدام شعب يدفع كل يوم ثمن الحصار الإسرائيلي والصمت العربي والتواطؤ الدولي.
والمؤسف في تصريحات الوزير ليس دفاعه عن احترام الحدود المصرية، فهو أمر مقدس بالنسبة لنا جميعا، إنما تلك اللغة الاستعلائية شديدة البؤس التي تحدث بها عن الشعب الفلسطيني، باعتبارهم صيداً سهلاً لا حول لهم ولا قوة، فسمح لنفسه أن يكيل لهم الاتهامات ويحدثهم بلغة التهديد والوعيد، التي لم يستخدمها ولو علي سبيل الخطأ تجاه إسرائيل، المسؤول الأول عما جري في غزة وعلي الحدود المصرية، نتيجة قلة عدد الجنود المصريين كما فرضت القيود الإسرائيلية، لا الفلسطينية.
والحقيقة أن تلك اللهجة الاستعلائية التي اعتاد أن يخرجها المسؤولون المصريون تجاه أي مواطن مصري أو عربي بسيط لا «ظهر» أمريكيا أو إسرائيليا له، تأتي عادة من أشخاص لديهم ثقافة «الموظف المحدود»، الذي يقسم العالم، كما فعل وزير الخارجية، إلي رؤساء ومرؤوسين، ووضع بالتأكيد أمريكا وإسرائيل في الجانب الأول، ونظر إلي الفلسطينيين باعتبارهم في الجانب الثاني، وهي طريقة تهدم ما تبقي من تقاليد وزارة الخارجية المصرية لأنها لا تتمتع «بكاريزما»، عمرو موسي، ولا مهنية وثقافة أحمد ماهر، كما أنها بالمعني الوظيفي لم تستفد شيئا من خبرة الرئيس مبارك الطويلة في الحكم، وجعلته يتخذ قراره الصائب بفتح الحدود،أمام أمواج الفلسطينيين.

الحقيقة أن تلك الحملة المسعورة والمخيفة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، أثرت ـ كما هي العادة ـ علي قطاعات يعتد بها من الشعب المصري، والتأثير لم يكن لصالح الدفاع عن السيادة والحدود، ولا كان اعتراضاً علي حماس وعلي توجهاتها السياسية، إنما مس المشاعر الإنسانية الطبيعية التي يفترض أن يشعر بها أي مواطن طبيعي تجاه الظلم الواقع علي أخيه الإنسان، وأن يبدي التعاطف السوي تجاه أهل غزة، ضحايا القهر والحصار، بعيدا عن حسابات السياسة الضيقة (مع أو ضد حماس)، تماما مثلما فعلت شعوب كثيرة غربية حين ضغطت علي إسرائيل، حتي تخفف من حصارها علي قطاع غزة بدوافع إنسانية لا علاقة لها بالموقف السياسي من حماس.
إن هذه الحرب الإعلامية علي الشعب الفلسطيني، حملت من العنصرية والعدوانية، ما أدي إلي خلق لغة شديدة الأنانية، تفقد «البني آدم» الطبيعي جانباً من مشاعره الإنسانية الطبيعية، وتجعله يعرف فقط الأخذ دون عطاء، والفهلوة لا العمل الجاد، وينتظر الفتات القادم من الآخرين، ويتعامل بطريقة مع أثرياء الخليج وبطريقة أخري مع فقراء فلسطين ومصر واليمن والسودان.
إن التعاطف الإنساني مع غزة ومع فلسطين هو أمر خارج ثنائية التطبيع أو قطع العلاقات مع إسرائيل، وخارج ثنائية الحرب والسلام، والمقاومة والقبول بالأمر الواقع، هو أمر يدخل في صميم التكوين الإنساني الطبيعي لأي مواطن سوي في أي مكان في العالم، وأصر البعض علي تخريبه هو الآخر في مصر.
فمن المفهوم أن يختلف الحكم في مصر مع حماس، ومن المفهوم أيضا أن تتعاطف جماعة «الإخوان المسلمين» مع حماس، ومنطقي أن تدعم الأولي سلطة محمود عباس، وتدعم الثانية إسماعيل هنية، لكن من غير المفهوم ولا المقبول أن يصل بنا الحال أن نفرض قيوداً علي الدعم المادي القادم من مصر إلي غزة، وأن يرفع اسم إيران عن مساعداتها التي قدمتها إلي الشعب الفلسطيني، حتي لو كنا نختلف معها.
قد يكون مفهوماً أن تمنع أجهزة الأمن أي تواصل سياسي بين الإخوان المسلمين وحماس، ولكن لا أفهم ولا أتصور كيف يبذل كل هذا الجهد، من أجل أن يكون الدعم الإنساني والغذائي لأهل غزة باهتاً ومحدوداً، وأن يرفض كثير من صور الدعم التي قدمتها جمعيات ليس لها علاقة بالإخوان، أو قادمة من دول مجاورة.
هذا العقل الأمني، الذي يتدخل في كل شيء من تعيينات الوزراء وعمداء الكليات وخفراء القري، وصل إلي حد التدخل في مشاعر الحب والتعاطف الإنساني، فالمطلوب أن يكون بحدود وألا يتجاوز السرعة التي يسير عليها القلب السياسي الذي توقفت شرايينه عن النبض، وصار مطلوباً أن «نهندس» قلوبنا الإنسانية علي الحدود، التي رسمتها عصا أجهزة الأمن الغليظة في كل مكان، فنتعلم الكراهية والأنانية، ونروج الروايات المختلقة عن أسلحة الفلسطينيين وقنابلهم، ونتناسي سلوكهم الرائع والعظيم في المدن المصرية، رغم أنه جاء في ظل حرمان ومعاناة بالغين.
وعلينا أن نتذكر كيف تدخل الحرس الوطني الأمريكي (وحدات عسكرية) حين قطعت الكهرباء عن مدينة نيويورك لمواجهة غزو الفقراء والمحرومين، الذين قاموا بعمليات سلب ونهب واغتصاب غير مسبوقة، حتي نغفر بعض الهنات لقلة نادرة من أبناء الشعب الفلسطيني.
إن هذه الحملة الإعلامية المسعورة علي هذا الشعب، بدت وكأنها «ضد الطبيعي»، فالإنسان له عقل وقلب وعنده مشاعر وفطرة إنسانية، اجتهدنا لفترات من أجل أن نغير في هذه «المكونات الطبيعية»، فنخلق لغة عدوانية تجاه الفلسطيني، ونتصور أننا بذلك انتصرنا لمصر، ونتناسي أننا نوجعها، ونخلق مواطناً عاجزاً عن أن يعطي قيمة مضافة في عمله أو تربية أبنائه أو في سلوكه مع جيرانه وأهله، حين نحمله بثقافة الكراهية والتعميم التي بثتها أجهزة الإعلام الأمنية.
لقد جاءت للحكم في مصر، فرصة حقيقية لكي يتقدم خطوات علي خصومه السياسيين، ويحقق رصيداً سياسياً داخل غزة، خاصة بعد أن تعثرت حماس نتيجة خيارات تحتاج بالكامل إلي مراجعة، وذلك بدعم الفلسطينيين إنسانياً، طالما عجز عن دعمهم سياسياً، ولكن كالعادة لم يفعل وقام بتشويه صورة الفلسطينيين، حتي يضبط الصورة بين متعاطفين معهم وكارهين لهم، فتكون النتيجة صفراً كبيراً.
لقد تركت ساحة التعاطف الإنساني الطبيعي، الذي يبديه أي مواطن سوي تجاه الشعب الفلسطيني (حتي لو كان يؤمن بالسلام والتسوية السلمية مع إسرائيل) إلي الإخوان المسلمين، الذين استفادوا بكفاءة من الشعور الطبيعي للناس تجاه غزة لصالح خطابهم السياسي، في حين أن الحكم خرب المشاعر الطبيعية لكل مواطن، واستسهل الحل الأمني والحملات الإعلامية المسعورة، رغم أنه بقليل من العقل كانت أمامه فرصة لكي يعمق من هذا التعاطف الإنساني لصالح ما يسمي بخطاب الاعتدال الذي يمثله، ولصالح سلطة عباس الذي يتحالف معه، ولكنه لم يفعل ولن يفعل، لأن تلك هي حدوده وقدراته.

Sunday, February 17, 2008

ونحن لا نفهم

بقلم خيري رمضان
الكبد في الموروث الشعبي العربي، رمز للصحة والعافية، لذا كانت المرأة المصرية تعبر عن فزعها علي ابنها أو قريب لها، إذا أصابه مكروه بقولها: «يا كبدي يا ابني»، تدليلاً علي حجم الألم والمصيبة التي ألمت بها، وفي الخليج يصفون الشخص الذي يؤلمهم أو يعذبهم بالقول «بط كبدي».
الكبد المصري الآن بعافية، بل مريض يوشك أن يفقد الأمة ثروتها الحقيقية وهي البشر. مجدي مهنا مات بكبده، أصابه الفيروس اللعين، وظل يقاوم حتي تلف الكبد فأصيب بالسرطان، ولم تفلح زراعة كبد جديد في مواجهة شراسة الورم السرطاني، فامتد إلي الجسد، الذي أعيته المقاومة والرغبة في الحياة، إن لم يكن حباً فيها، فمن أجل الملايين الذين أحبوه، ولكن للمقاومة حدود، وللقدر مواعيد لا تتقدم لحظة ولا تتأخر.
رافق مجدي مهنا في رحلة عذابه مع فيروس الكبد القاتل، وحتي يوم الرحيل، الناقد المبدع، مكتشف المواهب الأدبية رجاء النقاش، فوجئ هو الآخر بأن جسده يئن من الألم، وبالبحث والكشف تبين أنه مثل ما يقرب من سبعة ملايين مصري، وفي بعض الإحصاءات تسعة ملايين، مصابين بفيرس «سي»، نسبة كبيرة منهم أصيبت بالتليف، وتدعو الله أن يجنبها هجوم الأورام السرطانية، التي تستأسد علي الخلايا المتليفة في غفلة من صاحبها ومن حوله.
كل مصري أصبح يتحسس جسده الآن، فإذا وجد بعض البثور الحمراء أو شعر بخمول وإرهاق، أول ما يتبادر إلي ذهنه ويدعو الله أن ينجيه منه، هو فيروس «سي»، وإذا غامر وذهب إلي الطبيب، طلب منه علي الفور عمل التحاليل الطبية لمعرفة أنزيمات الكبد. ومن ينج منا من عنكبوت الـ«سي» يتحسس صدره، أو رئتيه، أو حتي أحباله الصوتية تحسباً من هجوم السرطان المرعب.
لماذا يصاب المصريون فقط دون شعوب العالم بالفيروسات الكبدية وبالسرطان؟.. وزارة الصحة تتحدث عن بروتوكولات لمواجهة فيروس «سي»، وتبذل جهوداً من أجل توفير حقن غالية الثمن لمواجهته، ونسب نجاحها عالمياً محدودة جداً، تسارع من أجل زيادة عمليات زراعة الكبد باهظة التكاليف، ولكنها عاجزة أمام الملايين التي تحتاج إلي هذه الزراعة، وتباطؤ مجلس الشعب في الموافقة علي قانون نقل الأعضاء.
ما الذي حدث للمصريين؟ من لم يمت في حادث طريق بلا ذنب، يموت بفيروس «سي» أو بالسرطان بلا ذنب أيضاً؟
هل انهارت مقاومة المصريين، بسبب معاناتهم اليومية في طوابير الخبز، وسوء المواصلات، والفقر، والإحساس بالخيبة وعدم الثقة في مستقبل أفضل؟
هل يموت المصريون بسبب سوء حكوماتهم التي لا تهتم بصحتهم، وتجعل نصف مليون سنوياً - أنا وأنت منهم - يصابون بالتسمم من تلوث المياه، حسب ما نشرته جريدة «الأهرام» أمس، عن دراسة للمركز القومي للسموم بطب القاهرة.
من حقي، ومن حقك قبل أن نموت، أو يموت نابغونا ومبدعونا وثروتنا الحقيقية، أن نفهم، نفهم فقط، لماذا نموت بهذه الطريقة، فليس من المعقول ولا المقبول، أن نعيش ونحن لا نفهم، ونموت أيضاً ونحن لا نفهم!

Friday, February 15, 2008

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي
*‏ بحثت في ماليزيا عن عقب سيجارة أو صوت كلاكس في الشارع فلم أسمع ولهذا أصبحوا نمرا‏...‏ لأن الزبالة والضوضاء لا تصنع إلا الفئران‏.‏

*‏ الحكومة الذكية هي التي لا يشعر الناس بوجودها في الصحف أو القرية الذكية‏,‏ ولكن عند قضاء حوائجهم‏.‏‏

*‏ أحب الناس محمد أبو تريكة لأنه أقلهم دعاية لنفسه وأكثرهم إخلاصا في العمل‏.‏

*‏ في سنغافورة عرفت ماذا يعني أن تعيش يوما واحدا كنمر أفضل من أن تعيش ألف يوم كخروف‏.‏‏

*‏ الفرق بين رجل الدولة ورجل الأعمال أن الوطن عند الأول أمه وعند الثاني زوجة أبيه‏.‏

Wednesday, February 13, 2008

من الكرة إلي الحرية

د . محمد السيد سعيد
الشعب هو البطل... صحيح. والمنتخب الوطني الذي فاز بالدورة الإفريقية هو تجسيد للشعب المصري بامتياز. ورغم كل ما حدث في البلد من معاناة ومشاكل وانقلابات لصالح كل ما ليس شعبيا، صمد الوطنيون والتقدميون علي إيمانهم بالشعب. ويكفي أن يشهد الإنسان الشعب في جميع المدن المصرية بالأمس وبعد مباراة البطولة لكي يتأكد بنفسه من هذه الحقيقة.
ولكنني أعتقد أن الإعلام في هذه الدورة الإفريقية كان بطلا أيضا. وبطولة الإعلام أنه انتهز فرصة الدورة لكي يقدم إفريقيا المنسية في ثقافتنا لشعبنا. ومن الطريف أن بعض الشباب الذين لم يقرأوا كلمة واحدة عن إفريقيا من قبل صاروا خبراء في غانا وساحل العاج والمسكينة الكاميرون.. وبالمناسبة عندي اقتراح بدعوة هذا الفريق المسكين وتمكينه من كسب مباراة ودية "كده وكده" في يوم ما قريب تعويضا عما فعله معه المنتخب الوطني!ونحن نهنئ القسم الرياضي والزملاء جميعا بـ «البديل» الذين راهنوا علي الفوز من اللحظة الأولي.ولأن الإنسان عدو ما يجهل، كنت قد عارضت التوسع في تغطية الدورة الإفريقية من صفحتين إلي أربع صفحات. فأنا أحد عناصر القبيلة المتلاشية التي لا تهتم بالكرة إلا تحت تهديد السلاح.

ورغم حبي لأبو تريكة وحسني عبدربه لم أكن واثقا في أن النتيجة ستكون في صالحنا.الفضل يعود لشباب القسم الرياضي عندنا والذي صنع أحد أجمل الأقسام الرياضية في الصحف المصرية. وأصر رئيس القسم الشاب كريم فاروق علي أننا سنفوز بالدورة الإفريقية، وأن الموضوع يستحق تخصيص أربع صفحات كاملة: أي ربع الجريدة. ولأن الخلاف الصاخب وصل إلي عنان السماء فقد انقسمت الجريدة إلي أقلية من شخص واحد هو رئيس التحرير والجميع. وانتصرت الأغلبية الشعبية... وكانوا أولاداً.. واثقين تماما من الفوز.
وأجمل ما في الأستاذ كريم هو أنه يثق في الشعب رغم أنه ليس من مواليد السيدة ولا العباسية بل يكاد لا يعرف معظم الأحياء الشعبية في القاهرة ولم يجرب بلاهة الجوع ولا خفة الدم واليد. الطريف أنه وهو صحفي مرموق يكتب بالفرنسية بالثقة ذاتها التي أودع بها أبو تريكة الهدف الأخير في الدورة مر بالعلم علي شوارع القاهرة التي لا يعرف أسماءها وهو يرفرف، وتصرف مثلي أنا ابن الأحياء الشعبية جدا..عجبي.
مبروك لكريم وهذه الأجيال الشابة، ونتمني عليهم أن ينقلوا هذا الحماس من الكرة إلي الكتب.. طيب الأحزاب؟ بلاش.. طيب الجمعيات؟ طب خليها الحرية بشكل عام. إيه رأيكم؟

الفرح الأسطوري

د. إبراهيم السايح

المدهش في قصة المنتخب هو ذلك الفرح الأسطوري الذي عم كل أرجاء البلاد في سابقة لم تشهد مثيلاً لها في بطولات أخري أحرزها المصريون خارج بلادهم في بوركينا فاسو، وفي مصر خلال الدورة السابقة. فما إن انتهت مباراة الكاميرون حتي ازدحمت الشوارع بالسيارات والمظاهرات والأعلام والهتافات التي شارك فيها الناس من كل الأعمار والأجناس والطبقات. احتفالات تلقائية صاخبة وفرحة عارمة لا يمكنك أن تميز بين المشاركين فيها من يفهم في كرة القدم ومن لم يشاهد مباراة كروية طوال حياته. واستمرت هذه الاحتفالات العفوية حتي ساعات متأخرة من الليل وظل التليفزيون المصري والعربي يتابعها حتي صباح اليوم التالي.لم يكن ثمة تفسير عقلاني لمثل هذا الهوس الجماهيري سوي الإحباط الرهيب الذي تعيشه كل طوائف الشعب المصري خلال الأعوام الأخيرة.
قد تكون هناك أسباب أخري مثل انتصار الفريق المصري علي أقوي فرق القارة، ومثل غياب عدد من أفضل لاعبينا عن الفريق الحالي، ومثل عدم ترشيح الخبراء للفريق المصري بين الفرق المتوقع وصولها للأدوار النهائية، ولكن هذه الأسباب تخص فقط متابعي الحالة الكروية عن كثب، ولا تخص الملايين الآخرين الذين اندفعوا في الشوارع يحتفلون بالنصر دون أن تكون لدي أحدهم أي معلومات شخصية عن أوضاع كرة القدم في مصر أو إفريقيا أو أي مكان آخر.
الناس في المظاهرات كانوا يمارسون سلوك المحروم الذي أنصفه القدر وعوضه عن حرمان طويل بمكافأة ضخمة غير متوقعة. كانوا كمن لم يعرف الفرحة طوال حياته إلا هذه الليلة. كانت المظاهرات التلقائية الصاخبة غير المسبوقة تمثل رد فعل حقيقياً واقعياً لحالة الإحباط الطويلة التي انتابت جموع المصريين علي جميع المستويات وسائر الأصعدة طوال العامين الأخيرين منذ حقق نفس الفريق بطولة كأس الأمم الأخيرة التي أقيمت في مصر، ولم نشهد وقتها نصف أو ربع ما شهدناه هذه المرة من الاحتفالات الجماهيرية.
لا يصح بالطبع في هذه الظروف القول بأن كل بطولات القارة والعالم في كرة القدم لن تصلح أحوال الشعب أو الوطن، ولا يصح أيضا القول إن الناس خرجت من المظاهرات لتتحدث في صباح اليوم التالي عن الملايين التي سوف يحصل عليها لاعبو الفريق ومدربهم، ولا يصح كذلك أن نسخر من المانشيت الخائب الذي قالت فيه جريدة «الجمهورية» صباح اليوم التالي للمباراة النهائية: «قالها الريس في أول تليفون.. الكاس لمصر مضمون»!!! يعني برضه حسن شحاتة ما عملش حاجة!!

أسوأ ما في مصر الآن أن «الوطني» يحتكر الوطن.. والإخوان يحتكرون الدين

فاروق جويدة

شن الكاتب والشاعر فاروق جويدة هجوماً حاداً علي أسلوب الحوار في مصر، لأنه يدور من طرف واحد، وعلينا نحن أن نستمع فقط سواء إلي بيان الحكومة، أو جلسات مجلس الشعب، أو ما يكتب في الصحف، رغم أن جمال الحوار هو أن يكون هناك رأي ورأي آخر.
وقال جويدة خلال ندوة نادي ليونز العاصمة برئاسة الدكتورة عواطف سراج الدين، مساء أمس الأول، إن مشكلة مصر الآن هي أن الحزب الوطني يحتكر الوطن، بينما يحتكر الإخوان الدين، فأصبح المواطن محاطاً بوجهتي نظر لا يملك الفكاك منهما، وهو ما يعني أنه لا يوجد في مصر ما يمكن أن نسميه الحوار، وهذا جريمة في حق الوطن والدين.

وأضاف: «لا يعقل أن توضع مصر بكل تاريخها في ركن واحد، إما إخوان أو حزب وطني، فهذا تصغير لها ولدورها»، مؤكداً أن الوطن لم يكن يوماً من الأيام ملكاً لأحد، وكان أجمل ما فيه هو التنوع، فلم نكن نشعر أننا مسلمون أو مسيحيون.
وقال جويدة إن الحزب الوطني والإخوان لا يريدان حواراً، وطالب الوطني بالتخلي عن أنانيته، والإخوان بالتخلي عن لافتة الدين، لأنه لا يعقل أن تصبح مصر قطعة «جاتوه بين سكين الطرفين».
وتساءل: «لماذا يجلس الوزير في منصبه ٢٥ عاماً ينفذ سياسات خاطئة ولا يناقشه أحد، يضع برامج زي الهباب، ولا يسأله أحد، ثم يمشي دون أن نعرف ماذا قدم للبلد؟».
وأضاف: «نحن في حاجة إلي هزة عنيفة من الوجدان تعيد إلينا مجموعة القيم والقدوة والضمير، خصوصاً بعد اختلاط المال العام بالخاص، وغياب الرقم الحقيقي لميزانية الدولة، وإذا خرج عليهم جودت الملط، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، يطلعوا عليه كأنهم «هياكلوه»، وتساءل: «من حق من يكون الحساب إذا لم يحاسبهم جهاز المحاسبات».
وتابع: «رأيت قائمة توزيع الأراضي في مصر، فقلت هذه خيانة عظمي بكل المقاييس، فهل يعقل أن نعطي ثلث مصر لـ ٥ أشخاص من رجال الأعمال؟! ليه جت منين العبقرية دي؟!».

Sunday, February 10, 2008

كن سعيد بن زيد، إن لم تكن عمر بن الخطاب

د. معتز بالله عبد الفتاح

قرأت مقالا مؤثرا للأستاذ عاطف حزين في جريدة الوفد يلخص عنوانه فكرته الأساسية: "دعونا نكتب، دعونا ننفخ في قربة مقطوعة."
وقد استحضرت تعليقا للمستشار طارق البشري يستحثني فيه على الاستمرار في الكتابة وعدم اليأس وحجته في ذلك أن مساحة غير المتوقع وغير المقصود أكبر كثيرا من مساحة المتوقع والمقصود عند من يحاولون تغيير العقول وتوعية الآخرين. وضرب مثلا بنفسه أنه شخصيا تأثر بما تعلمه وقرأه من الكثير من أعمدة القانون في مصر، لكنه لم يكن في دائرة معرفتهم به أو وعيهم بوجوده.
والحقيقة أن في كلام المستشار الفاضل الكثير ما يدفع للأمل. فبحق نحن لا نعرف في من نؤثر ونحن نكتب. قد لا يكون الكاتب عمر بن الخطاب ولكن قد يكون أحدنا سعيد بن زيد زوج أخته والذي كان سببا مباشرا في إسلامه.
وهو ما يجعلني أحيانا أستحضر الآية الكريمة: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما. وأنا أقول فليكتب كذلك في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يكتب في سبيل الله فيؤثر أو لا يؤثر فسوف يؤتيه الله أجرا عظيما، شأنه في هذا شأن من يعلم ويبني ويزرع في سبيل الله. إن مسؤوليتنا الأمل والعمل، ولكن ليس علينا العائد والناتج لأننا لن نستطيع أن نتدخل في قدر الله وتوفيقه.
وبمعنى أقل تجريدا، نحن نتمثل نموذج الإمام محمد عبده والذي لم يحقق الكثير من النجاح في حياته، لكن كتاباته وتلاميذه أحدثوا ثورات في الاقتصاد (طلعت حرب)، وفي السياسة (سعد زغلول)، وفي العمل الشعبي (حسن البنا)، وفي الإصلاح الديني (الشيخ المراغي). ويوم أن أخفق نجيب فاضل في السياسة فتحول عنها إلى الفكر ثم الشعر والتصوف ما كان يدري أنه سيخلف فكرا ومنهجا في العمل يؤثر في الفتى رجب طيب أردوجان الذي أخذ المنهج وأنزله منزل الفعل والتنفيذ بحكم تكوينه وبحكم تعلمه من خبرات وأخطاء السابقين عليه.
بل إن تأثير "عودة الروح" لتوفيق الحكيم على الطالب جمال عبد الناصر حسين مسألة صرح بها الرئيس عبد الناصر نفسه، بغض النظر عن تقييمنا لنوع التأثير واتجاهه. بل إنني أنا شخصيا أتذكر متابعتي لما كان يكتبه الأستاذ عاطف حزين نفسه ومعه الأستاذ خير رمضان في "الأهرام العربي" وكنت أحتفي بما كانا يكتبان احتفاء شديدا، و لا زلت.
ومع ذلك لا بد أن نكون واعيين بأننا نبيع بضاعة غير رائجة في مجتمع ينقسم أفراده إلى فئات أربع على الأقل:
1- هناك أشباه الموتى بيننا وهم فئة من الناس فقدوا القدرة على الإبصار لأنهم فقدوا أجهزة الإبصار نفسها وهؤلاء ما جعل الله لنا إليهم أو عليهم سبيلا لأنهم اختاروا الاستقالة من الحياة العامة.
2- وهناك ثانيا أهل الغفلة، وهم فئة من الناس لديهم جهاز الإبصار سليم، ولكنهم أغمضوا أعينهم عن الواقع الذي يعيشون فيه، لأن خبرة الحياة علمتهم أنهم "مسيرون" بلا اختيار، ولا يعرفون حجم الطاقة الموجودة داخلهم، كي يساعدوا أنفسهم والآخرين.
3- هناك ثالثا الحيارى، وهم فئة من الناس فتحوا عيونهم لكنهم لم يروا نورا فتساووا مع من ليست لهم قدرة على الإبصار لأن البيئة الخارجية لم تمدهم بالنور الذي يحتاجونه، وهؤلاء هم الذين يحتاجون كتابات المثقفين ومشاركتهم الحية في نقاشات المجتمع على أمل أن نوقظ فيهم الأمل والوعي.
4- وهناك رابعا من امتلك القدرة على الإبصار ورأى النور بالفعل، وهؤلاء هم أهل الفكر والرأي الذين يعطون مجتمعاتهم كفاء ما تتوقع منهم من جهد ودراية. وهؤلاء هم الذين عليهم أن ينبهوا الغافلين وأن يهدوا الحائرين. بيد أن هذه الفئة نفسها تنقسم في مدى نشاطها إلى ثلاثة أنواع: بعضهم يقف موقف المثقف الراهب الذي يعرف ويقرأ ويطلع ولكنه ليس على استعداد للمشاركة في التغيير إما يأسا أو انشغالا، ومنهم من يتصف بخاصية المثقف (بفتح القاف) المثقف (بكسر القاف)، والتعبير لأستاذي الدكتور مصطفى كامل السيد، وهم أولئك الذين وجدوا أن عليهم بالإضافة لدورهم في تحري المعرفة والأفكار، أن ينشروها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهؤلاء كثيرون عددا قليلون جودة في مجتمعنا العربي بصفة عامة. لكن هناك صنف ثالث أطلق عليه الفيلسوف الماركسي الشهير جرامشي "المثقف العضوي" الذي ينخرط في واقعه بالدراسة ثم بالتغيير من خلال الالتحام المباشر مع قطاع واسع من المواطنين الذين يعتبرونه قائدهم. إن هؤلاء هم الذين يتصفون عادة بخاصيتي: القدرة على الخيال Power of Imagination والشعور بالواقع Sense of Reality كما أشار إليهم الدكتور طارق حجي في إحدى مقالاته.

هذا الفريق الرابع هو الماء الذي يحي الصحراء القاحلة. "وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج." وهؤلاء يحتاجون إلى التضامن والتكاتف، كتفا بكتف، حتى لا يصيبهم الملل واليأس. وأختم بقصة تستحق التأمل عن مجموعة من الضفادع التي دخلت في سباق من أجل الوصول إلى قمة الجبل. وكان هناك مجموعة من المشاهدين الذين كانوا يغنون أنشودة اليأس باستحالة وصول أي من الضفادع إلى قمة الجبل، وبالفعل بدأت الضفادع المتسابقة تتساقط من الإعياء الواحدة تلو الأخرى، حتى نجح ضفدع في الوصول إلى خط النهاية بكل نشاط. وكانت المفاجأة أنه كان أصم، أي لم يسمع عبارات اليأس والتثبيط.
إن أصحاب الأقلام الشريفة بحاجة لأن يتواصوا بالأمل مع الحق، وإن لم يكن أي منهم عمر بن الخطاب، فهم يسيرون على نهج سعيد بن زيد. والأجر عند الله، ألم يجعلهما ربهما من العشر المبشرين بالجنة على تفاوت نصيب كل منهما في العطاء الدنيوي.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

Friday, February 8, 2008

ظلموك يا مصري !

محمد حامد

فرحة لاعبي المنتخب المصري بعد التأهل لنهائي أفريقيا أثبت المنتخب المصري لكرة القدم المشارك في نهائيات كأس الأمم الأفريقية الحالية والمقامة في غانا، أثبت من خلال النتائج والعروض المذهلة التي يقدمها أمام منتخبات أفريقية لها صبغة عالمية أنه منتخب مكون من نسيج شعب عظيم، وليس هذا الوصف من قبل المدح المبالغ فيه أو النرجسية أو الأغاني الوطنية، إنه حقًا شعب عظيم، حيث أن تركيبة المنتخب المصري تعتمد بشكل يكاد يكون كاملاً على عناصر محلية يلعبون في الدوري المصري، ورغم ذلك تفوقوا على نجوم برشلونة وتشلسي والأرسنال والمان يونايتد، فأين الدعم الإعلامي والدعم المادي وفرص الإحتراف لنجوم مصر الذين يتعرضون لظلم فادح بعدم ظهورهم في أكبر أندية العالم !
كما أن المدير الفني للمنتخب المصري "حسن شحاته" هو أحد أبناء مصر الذين خرجوا من أرضها الطيبة، فهو ابن اقليم الدلتا الريفي الذي يذوب عشقًا في حب مصر، ولمن لا يعلم فقد تعرض "المعلم" حسن شحاتة لحملات من الهجوم الضاري ومن داخل مصر، بل ومن داخل اتحادها الكروي الموقر، وقيل عنه أنه يفوز بخطة فريدة لا يستطيع أي مدرب في العالم أن يعتمد عليها وهي خطة "بركة دعاء الوالدين"، ليس هذا فحسب بل أن المفاجأة الكبرى تكمن في الراتب الشهري الذي يتقاضاه مدرب المنتخب المصري وهو حوالي 9 آلاف دولار ..! وبمقارنته براتب أي مدرب في كأس الأمم الأفريقية فسوف نكتشف ببساطة أنه أقل راتب بين جميع المدربين الذين يتقاضى أقلهم 40 أو 50 ألف دولار وصولاً إلى مئات الآلاف من الدولارات، وبناء على تلك المعطيات ألا يعد كل ذلك ظلماً لـ"حسن شحاته" ..؟!
ظلموك يا مصري يا من أعطيت البرهان القاطع والدليل الدامغ على أنك تذوب عشقًا في بلدك رغم كل ما تتعرض له من ظروف معيشية قاسية على مستوى الماديات والمعنويات على حد سواء (ولا داعي للدخول في تفاصيل يعلمها الجميع) ورغم ذلك فقد خرج هذا الشعب ليحتقل ويرقص ويغني حتى الصباح عقب كل انتصار يحققه منتخب بلاده رغم البرد القارص ورغم كل ظروف القهر والشعور بالمرارة، فأي قيادة في العالم لها أن تشعر بالراحة والطمأنينة إذا توافر لها شعب من تلك النوعية يذوب عشقاً وانتماءاً، ولكن تخبط الإدارة على كافة المستويات ومنذ عشرات السنوات أهدر طاقات هذا الشعب، وما أقصده بالطاقات هنا هو (طاقات البشر) .
ظلموك يا مصري يا من أجبرتك ظروف بلدك على الهجرة والتخلي عن صحبة الأهل والأصدقاء والأرض والجذور سعيًا وراء فرصة لتحسين أحوالك المعيشية خارج حدود بلدك، ورغم أنك بحكم المنطق يجب أن يقل حماسك لوطنك الذي أجبرك على الرحيل ولن نقول الوطن الذي (طردك من أحضانه) إلا أن المفاجأة المذهلة كانت في خروجك إلى شوارع بلد الغربة الذي تقطنه لكي ترقص وتغني وتحتفل بانتصار منتخب بلدك، وكان حماسك أعلى من أبن بلدك الذي يعيش في مصر ..! إنها حقًا معطيات وأحداث غريبة وعجيبة ولكنها تقود إلى حقيقة عظيمة، وهي أن هذا الشعب يذوب عشقًا في بلده وأرضه، وكرة القدم هنا ليست إلا مجرد رمز لهذا الحب، كما أن هذا الإنتماء العظيم ليس حكراً على المصري وحده بكل تأكيد كي لا يخرج علينا من يصفنا بالغلو والمبالغة ... وفي النهاية بقيت كلمة واحدة ... متى تأخذ مصر مكانتها بين الأمم وهي تمتلك أهم عناصر تلك المكانة ألا وهو عنصر البشر .

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ كل البشر يشترون الأراضي بالمتر الا رجال الأعمال يشترون بالكيلو متر‏.

*‏ مصيبة الشعب الفلسطيني أنهم يطالبون العالم بالحرص عليهم أكثر من قياداتهم سواء بتوع فتح أو حماس‏.‏

*‏ ليس مهما المؤهل أو الكفاءة‏..‏ الأهم الشلة‏.‏

*‏ يضبط العرب ساعاتهم علي اجتماعات وزراء الداخلية العرب كل سنة ولايعرفون اجتماعات وزراء العمل أو التعليم لأنها جامعة حكومات وليست شعوبا‏.‏

*‏ هل هي صدفة أن يكون حكام الدول الفقيرة أثرياء؟

*‏مصيبة أن تكون قيمة الشيكل ضعف الجنيه‏.‏

خدع السياسيين

هاني درويش ـ عبدالمنعم فهمي

لا تخلو جعبة السياسيين من خدع، حتي لو فقد الساحر كل حيله، لكن في أقصي ركن بجرابه الممتلئ، تقع دائما كرة القدم، رصيد لا ينفد وخدعة أخيرة تصلح لكل العصور، ومع كل الشخصياتويوماً تلو الآخر تكتسب كرة القدم أهميتها من كونها أفيون الشعوب الحديث، بعد أن كان الدين في بعض الأقوال يتبوأ تلك المكانة، ها هي الساحرة المستديرة تخرج المذعورين من جحورهم، ليتصدروا مشهد البطولات، ومقصورة الأبطال.. لاحظنا كثيراً خلال البطولة الأخيرة بغانا تصدر الرؤساء والوزراء مقصورة المباريات، وتاريخ البطولة الماضية ليس ببعيد، فتشريفة الأسرة الرئاسية اعتلت المنصة ولوحت بالإعلام واقتسمت «بتواضع جم» فرحة الملايين بالكأس، حتي لو نسي عميدها «الرئيس» متابعة المباراة بشغف، يكفي تلويحه بالعلم لاقتناص فلاشات الكاميرات، ليصبح الوطن كرة ورئيساً، كثيرون يعتقدون أن «مشهدنا» الرئاسي في بطولة 2006 يمكن مقارنته بمشهد الرئيس شيراك في نهائي مونديال 1998، عندما ارتدي فانلة الديوك، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الفارق ضخم.. هو نفس الفارق بين مستوي الكرة لدينا ومستواها مثلا في فرنسا هناك، الرئاسة حقيقية كما الكرة حقيقية، فالحضور الرئاسي كما ظهر مثلا مع نيلسون مانديلا عام 1996 في نفس البطولة كان حضور البطل المنتصر سياسياً، لكن حضور أبناء الرئيس واتصالاتهم لا تعني إلا البحث عن تواصل مقطوع مع سبب البهجة الوحيدة في حياة المصريين، بهجة يستكثرونها علي الناس فيشاركونهم فيها، مشاركة المدرك أنه يتلصص ويقتسم البهجة مع ضحاياه.. لا أكثر

No Comment


Tuesday, February 5, 2008

احمد ربنا فقد أعطاك كثيراً

أنيس منصور

الحمد لله فأنا وأنت لا نزال أحياء.. نقرأ ونكتب ونتلفت يمينا وشمالا.. ونجلس ونقف وننظر إلى بعيد وإلى قريب.. ونمد أيدينا إلى الطعام وندفعه بعيداً عنا ونخرج إلى أي مكان.. وكل هذه حركات يجب أن نحمد الله عليها..
فإن كنت ترى أن الذي فعلته أنت في هذه اللحظة ليس شيئا كبيرا، وأنه ليس أسخف من هذا الكلام الذي قلته لك مع بداية عام جديد: فأرجوك أن «تخطف» رجلك إلى أقرب مستشفى.. وانظر من بعيد ما الذي تراه؟ ما الذي تسمعه؟ ما الذي تشمه؟
الحمد لله أنك لست واحداً من هؤلاء الذين أمامك.. إنها نعمة كبرى أن تكون قادراً على الذهاب إلى هناك تتفرج.. وتمكث بعض الوقت.. وتهرب بعيداً، ناسياً أنك أحسن حالا وأصح جسما وأقدر على الحركة..
أرجوك أن تجعل طريقك على المقابر.. واحمد ربنا.. وإن كنت في سيارة فانظر إلى الناس.. إنهم يمشون على أقدامهم.. وإن كنت تمشي على قدميك، فانظر إلى الناس الذين ينزلون من السيارات وقد ساندوهم، لأنهم لا يقدرون على الحركة..
وإن كانت ذراع واحدة أو ساق واحدة أو عين واحدة توجعك، فاحمد الله على أنها واحدة..
وإذا وجدت وجوهاً «مكشرة» فابتسم فإن الابتسام نعمة كبرى.. إن الابتسام يغسل أعماقك ويجلو وجهك.. ويجعل دنياك أهدأ وأنعم.. صدقني إن الذي لا يملك الابتسام قد خسر كثيراً جداً.. ولا شيء يدل على حضارة الإنسان مثل ابتسامته وبشاشته.. فالشعوب البدائية لا تعرف كيف تبتسم.. والابتسامة هي أرخص عملية كيميائية خلقها الله.. فلا تكاد تبتسم حتى تتوازن في داخلك قوى وعضلات وأعصاب ووظائف.. مع أن الذي فعلته ليس إلا إضاءة شمعة واحدة على وجهك.. ولكن هذه الشمعة تضيء ما لا نهاية له من الشموع في داخلك.. في قلبك.. وعقلك.. وأحلامك والطريق أمامك..
أرجو أن تنظر إلى بيتك.. إلى غرفه.. إلى أثاثه. إلى زوجتك وأولادك..
احمد ربنا على الذي أعطاك.. لا بد أن تفعل ذلك.. لكي تريح نفسك وعقلك وجسمك والناس حولك..
وقوله تعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم» هو حكمة يومك وغدك وعامك القادم إن شاء الله..

Monday, February 4, 2008

عبقرية استيراد القمح

بقلم خالد صلاح

هل قرأت مانشيت «الأهرام» أمس الأحد؟
أحسبك تتفق معي، علي أنه لا شيء أكثر مرارة من المجاهرة بالخطيئة إلي الحد، الذي يعتبر فيه المسؤولون عن الغذاء في مصر، أن استيراد القمح «بطولة تاريخية»، وأن تنويع مصادر الاستيراد «عمل بارع»، تستحق عليه الحكومة قصائد المدح من شعراء البلاط، ففي متن الخبر الذي يتصدر النصف الأعلي للصفحة الأولي،
يشرح المهندس سعيد الحنفي، نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية، في كبرياء وطني منقطع النظير، كيف نجحت الحكومة في تأمين المخزون الاستراتيجي لمصر من القمح لفترة تصل إلي ستة أشهر، ويقول باستطالة المنتصرين إن هيئة السلع التموينية «نحجت في ١٧ يناير الماضي في عقد صفقة تعد الأكبر في تاريخ المناقصات لاستيراد نصف مليون طن من القمح من أربع دول دفعة واحدة»،
ويضيف في زهو، مستعرضًا مسيرة النجاج الخارق والعبقرية المذهلة لحراس الغذاء في مصر، أن الهيئة استوردت أيضًا ٢ مليون طن من القمح الأمريكي الأحمر والأبيض، ونحو ٢،٢ مليون طن من القمح الروسي، ونحو ٤١٠ آلاف من قمح كازاخستان، و٦٠ ألف طن من القمح الكندي خلال العام المالي ٢٠٠٧ - ٢٠٠٨.
ما كل هذه العبقرية! يا له من إبداع رائع، «إيه الشطارة دي!»، الآن نستطيع أن نطمئن علي خبزنا وملحنا، الآن ننام ملء الأعين فرحين بما أوتينا من نعيم الأرض، من أمريكا وروسيا وكازاخستان وكندا، هؤلاء الذين سخرهم الله لنا لنشتري منهم القمح بملايين الدولارات، واليوم نستطيع أن نرفع الرؤوس عاليا بأعظم صفقة استيراد في تاريخ القمح، لنهلل مع السيد المهندس سعيد الحنفي بخبرته غير المسبوقة في الشراء بالعملة الصعبة، وبقدرته الفذة علي عقد الصفقات الأكبر في تاريخ استيراد القمح.
أهكذا عيشنا؟!

نفاخر الأرض بما نستورد، ونطلق الألعاب النارية ابتهاجًا بما دفعناه من تعبنا، لنشتري الخبز من مزارعي الولايات المتحدة وروسيا، ننتظر القوارب، محملة بالقمح من أراضي غيرنا، ثم نترك أرضنا تزرع بالبرسيم للبهائم.
أهكذا عيشنا؟!
فخرنا بما نشتري لا بما نزرع، مجدنا في قدرتنا علي عقد صفقات الاستيراد، أمننا الوطني يحكمه المزارعون في بلاد غريبة، عزتنا التي تتصدر مانشيتات الصحف تسكن حاويات عملاقة تتخبط بين الأمواج علي متن قوارب الطعام في المحيط الأطلسي.
لو أنني مسؤول مثل سعيد الحنفي لاستحييت من توضيح قوائم الاستيراد، ولأخفيت وجهي عن أعين الكاميرات، وما استخدمت أبدًا تعبيرات «كبري وهائلة وتاريخية» لوصف صفقات لشراء الخبز، تكشف ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا علي الناس.
ولو أنني مسؤول في الحزب الوطني أو في دوائر السلطة العليا في الدولة لفكرت كثيرًا في جدوي كل المشروعات الاستراتيجية التي نعلنها علي الناس صباحًا ومساء، لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
الجوع يحل علينا إن لم تصل القوارب في موعدها.
الجوع يحل علينا إن أضرب مزارعو القمح في أمريكا.
الجوع يحل علينا إن غضبت روسيا أو تدللت كازاخستان.
.. وفي بلد يتمدد في أرضه البرسيم دون القمح، لا يوجد مستقبل.

Sunday, February 3, 2008

صِدق مجدي مهنا

بقلم خيري رمضان

«بكل كل الصدق، علي أتم استعداد فوري للتبرع العاجل بأي جزء من جسمي أو من كبدي لإنقاذ مجدي مهنا، فهو أنفع لمصر، الوطن والضمير، مني، عاوني لسرعة إتمام ذلك».
هذه الرسالة وصلتني علي هاتفي من أستاذ جامعي كبير، محترم ويقوم بخدمات جليلة لهذا الوطن، وأثق كل الثقة في صدق عرضه، واستعداده للتضحية بنفسه من أجل مجدي مهنا، علي الرغم من أنه - أي الأستاذ - يمثل طوق النجاة لآلاف الأسر في بر مصر.
ولكن ما يستحق التأمل هو هذا الألم العام، الذي يشعر به الجميع تجاه مجدي مهنا، القابع وحده مع الألم وفيه، في حجرة بمستشفي.
لماذا يحب الجميع مجدي إلي هذا الحد؟.. لماذا يخشي عليه خصومه قبل أصدقائه؟.. لماذا يذهب إليه كبار المسؤولين في الحزب الوطني سرًا، وهو الذي أوجعهم بكلماته، يبكون علي ألمه، ويدعون الله ليشفيه ويرفع عنه؟.. ولماذا يعرض رئيس الوزراء، المرة تلو الأخري، رغبة الدولة في تحمل نفقات علاج مجدي، علي الرغم من رفضه المتكرر ذلك العرض الكريم، فهو لم يكن يومًا من التابعين أو المناورين، أو المغازلين لتلك الدولة؟!
لماذا يعبر كل الكتاب الآن عن حزنهم علي غياب مجدي مهنا عن الكتابة، بمن فيهم من كانوا يحرصون علي إيلامه بكلماتهم، لا لشيء إلا لأنه يتبني وجهة نظر مخالفة، في أغلبها تنحاز إلي أغلبية الشعب المصري؟
هل كل هذا الحب، وهذا الاحترام لمجدي مهنا، الإنسان شديد التهذيب، الذي يفيض عليك بهدوئه وأدبه إذا جلست معه؟
هل لأن مجدي إنسان نبيل، لم يخضع يومًا لتهديد أو ابتزاز أو عطايا، صوته من قلبه، وقلبه أبيض، وقلمه حصان جامح أصيل؟
هل كان مجدي يقول في مقاله اليومي بجريدة «المصري اليوم»، ما لا يقوله كتاب آخرون في صحف مختلفة؟
هل لأن مجدي مهنا أبي أن يستغل ألمه الخاص، فأغلق عليه جسده الذي يئن، وأخفي عنا جميعًا لشهور طويلة حقيقة مرضه، رافضًا نظرة عطف أو محبة حقيقية أو زائفة، كما رفض أن يتحمل أحد مسؤولية علاجه، وآثر أن يستثمر كل لحظة يعود إليه فيها الوعي، ليتواصل مع جمهوره الذي يحبه وينتظره؟
أعتقد أن كل هذه الأسباب، مجتمعة أو منفردة، كافية لأن يحب كل الناس مجدي مهنا، ومن لم يكن يحبه، أو يختلف معه، كان يحترمه، ولكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة، أن المحور الرئيسي في حبنا جميعًا لمجدي هو صدقه النازف، الصارخ، الذي لم يغب يومًا عن كتاباته، كان مؤمنًا ومصدقًا لكل حرف يكتبه، والناس آلمها طويلاً الكذب والزيف، وكان مجدي مهنا أحد وجوه الحقيقة الصادقة.
صدق مجدي مهنا هو حصان المحبة الجامح، الذي تجاوز أسوار الخديعة، وصمد أمام الكاذبين، فأحببناه، وافتقدناه، وندعو الله أن يعينه علي مواجهة آلامه المتوحشة، ليعود إلينا مرة أخري، يطل علينا بكلماته كل صباح.. فالصباح بدون مجدي مهنا، مثل الليل المظلم شديد البرودة، فتحامل يا مجدي وواجه ألمك، كما عودتنا، لأن مصر في حاجة إليك، وأنت لم تتخلف يومًا عن تلبية نداء الوطن وشوق المحبين.

فض مجالس

محمد السيد سعيد
أدهشني قرار الرئيس مبارك تشكيل المجلس الأعلي للعلوم والتكنولوجيا. فقد درجت الدولة علي تشكيل مجالس ولجان عندما ترغب في الإجهاز علي أي شيء وتحويله إلي موضوع للثرثرة في المكاتب المغلقة. ومصدر دهشتي أن العلوم
والتكنولوجيا في مصر لا تحتاج لمن يجْهز عليها. إذ تعاونت الحكومات المتعاقبة ووزارة البحث العلمي و"أكاديمية" كذا وكيت علي "تبطيط" العلوم والتكنولوجيا وإخماد أي حس أو نفس في هذا النشاط.

ومن المعروف أن مساهمة مصر في البحث العلمي في العالم تقترب من الصفر، ولا تكاد المجلات العلمية العالمية تنشر اسم مصري أبدا إلا إذا كان يعيش في أمريكا أو أوروبا. أما داخل مصر نفسها فأنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي محدودة ومتلاشية. ونادرا ما تصلح براءات الاختراع المسجلة لأي شيء فضلا عن ضآلتها أصلا. أما الجامعات فتصعب علي الكافر.وتشكو اللجان والأكاديميات والمجالس، التي تشكلت من قبل ولا تزال قائمة بقوة العادة من أن الميزانيات المتاحة تنفق علي الأجور، فلا يبقي شيء لتمويل الإنفاق الجاري علي البحث العلمي المكلف.
ولو أن الرئيس مبارك لديه أدني نية لتشجيع البحث العلمي فعلا لكان قد عالج ولو هذه المسألة البسيطة، التي لا تحتاج لمجلس إضافي.وقد تفتق ذهن الهيئات والشخصيات العاملة في هذا الحقل عن الحيلة التقليدية، وهي وضع البحث العلمي تحت إشراف الرئيس مبارك. ولكن هذه الحيلة التقليدية تنفع مع كرة القدم أو مع أي شيء آخر وليس مع البحث العلمي. فلم يظهر الرئيس مبارك أدني اهتمام بالقضية، ولا بالطبع أي معرفة بها. وانتصر الرئيس مبارك للمرة المليون. طبق الرئيس حيلة مضادة يعرفها جيدا جدا، وهي حشد الأسماء المعروفة وجميع الوزراء في المجلس الجديد، ووضع الجميع تحت إشراف رئيس الوزراء، وهو ما يضمن القضاء المبرم عليه، بعد أن يقوم بعقد اجتماع أو اثنين، وبعد أن يكون قد ثرثر بما يكفي.
وهذا ما يطلق عليه شعبنا "فض مجالس".فالوزراء مشغولون طوال الوقت، والأسماء الشهيرة مثل زويل ويعقوب والباز يمكنها أن تقوم برحلات منتظمة، تعبيرا عن حبها لمصر، ولكن الرحلات شيء والتخطيط والإشراف علي البحث العلمي والتطوير التكنولوجي شيء آخر تماما.
وبدلا من تشكيل مجالس إضافية كان من الضروري معالجة اليأس الشامل الذي يعانيه المشتغلون بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر، وتشغيل المؤسسات الموجودة بالفعل، ولو بـ 10% من طاقتها.

غزارة في الإنتاج المعرفي وسوء في الاستهلاك!

د. فيصل القاسم

كان الإنسان يشتكي في الماضي من قلة مصادر المعرفة وصعوبة الحصول عليها مادياً ولوجستياً. وبالتالي كان يعزو حالة الجهل المطبق في المجتمعات إلى شح المعلومات. وطالما عزا المؤرخون الثورة المعرفية في العقود الستة الماضية إلى اختراع غوتنبيرغ للمطبعة، وما نتج عن ذلك من ثورة معلوماتية.
لكن السؤال الذي لا يسأله الكثيرون: هل كان طلب العلم والمعرفة يتوقف فعلاً على توافر مصادرهما ووسائلهما، أو صعوبة الوصول إليهما، أم يتوقف على رغبة الإنسان في الحصول على المعرفة والثقافة؟ فما فائدة أن يكون لديك معروض معرفي وثقافي وعلمي هائل، بينما الطلب الإنساني عليه هزيل للغاية؟ لقد كنا في الماضي نعزو جهلنا وبؤسنا الثقافي إلى الفقر الذي لا يسمح لنا بشراء جريدة أو كتاب.
فإذا كنت تسأل الناس لماذا لا تتثقفون: كانوا ينحون باللائمة فوراً على أوضاعهم المادية البائسة، على اعتبار أن هناك، برأيهم، تناسباً طردياً بين الفقر والتحصيل المعرفي. ربما قد ينطبق هذا الوضع على البعض، لكن الإنسان الذي يريد أن يتثقف ويحصل على العلم فعلاً يستطيع أن يناله حتى لو كان بعيد المنال، بدليل أن الكثير من الكتاب والأدباء العظام كانوا معدمين مادياً، ولم يكن بإمكانهم شراء رواية. لكنهم انتصروا على واقعهم المزري بالتثقف، وأصبحوا منارات أدبية وثقافية عظيمة. فقد كان بعضهم يأتي يومياً إلى أكشاك بيع الصحف والكتب، ويقرأ واقفاً تحت أشعة الشمس الحارقة ما يتيسر له، نظراً لعدم قدرته على شرائها. وكم سمعنا عن هذا الأديب أو ذاك الذي كان يجوب الشوارع والأرصفة كي يقرأ المعروض من الصحف والمجلات والكتب خلسة.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العلة ليست في انعدام وسائل المعروفة ومصادرها، بل في الرغبة الإنسانية في التنور. الكثيرون اعتبروا مثلاً أن الثورة المعلوماتية الحديثة بما انتجته من عولمة ثقافية هائلة ستقضي على الأمية الثقافية المرعبة التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية غرباً وشرقاً. لكن هل تحقق هذا الحلم؟ بالطبع لا. فبالرغم من أن شبكة الانترنت تعتبر أعظم فتح ثقافي وإعلامي في التاريخ، إلا أنها لم تساهم كثيراً في رفع مستوى البشرية ثقافياً ومعرفياً. لكن ليس لعلة فيها، بل لأن البشر غير متحمسين كثيراً للتحصيل المعرفي والثقافة، حتى لو أقحمتها على نواظرهم ومسامعهم ليل نهار، وحتى لو وفرتها لهم برخص التراب.
لنأخذ المجتمع الأمريكي مثلاً، فهو أكثر مجتمع في العالم يتمتع بأكبر قدر من وسائل المعرفة، ففي أمريكا مئات القنوات التلفزيونية والإذاعية، ناهيك عن ألوف الصحف والمجلات، ودور النشر والتوزيع. وحدث ولا حرج عن شبكة الانترنت، فحسب الإحصائيات العالمية تزيد نسبة الأمريكيين الذين يدخلون إلى الشبكة العنكبوتية يومياً على خمسة وسبعين بالمائة من السكان، وهي أكبر نسبة في العالم. لكن مع ذلك تجد أن الأمريكيين هم من أكثر شعوب المعمورة جهلاً بأبسط الأمور، إلى حد أن الكثير منهم لا يعرف جغرافية بلدهم. وفي آخر مرة سألت قناة تلفزيونية عدداً من الأمريكيين أين تقع صحراء (نيفادا)، فلم يعرف أي منهم الجواب الصحيح، ناهيك عن أن بعضهم ظن أنها خارج أمريكا، بينما هي صحراء أمريكية كفطيرة التفاح، وتجرى فيها التجارب النووية. وقد زاد الأمر كوميدية عندما قال أحد الأمريكيين إن مصدر الإرهاب في العالم هي إيطاليا.
كيف نفسر هذه الوفرة المعلوماتية الهائلة في أمريكا المقرونة بنسبة أمية ثقافية ومعلوماتية عز نظيرها في العالم؟ ببساطة، فإن السواد الأعظم من الأمريكيين يدخل إلى مواقع الكترونية إما للتسلية أو للمحادثة، بدليل أن أكثر المواقع شعبية هي مواقع موسيقية أو ترفيهية أو رياضية أو للثرثرة وتضييع الوقت. وكذلك الأمر بالنسبة للقنوات التلفزيونية، فأكثر القنوات متابعة هي أيضاً قنوات مسلسلات ومتعة.
وأتذكر كلاماً مهماً قاله إعلامي عربي يعيش في أمريكا رداً على أحد الذين كان يتوقع اختراق المجتمع الأمريكي من خلال إطلاق بعض الفضائيات العربية الإخبارية الناطقة بالانجليزية. فأجابه الإعلامي بأن الأمريكيين لا يتابعون قنواتهم الإخبارية المحلية، فكيف تريد منهم أن يتابعوا بشغف قنوات إخبارية أجنبية. وبرهن الإعلامي على ذلك بقوله إن متابعة الاخبار لا تشكل سوى خمسة بالمائة من مشاهدة الأمريكي العادي للتلفزيون. وهذا الكلام يذكرني بمحاولات بعض الإسلاميين اليائسة جعل الغربيين يدخلون في الدين الإسلامي متناسين أن الغربيين هجروا دينهم المسيحي، فكيف تتوقع منهم أن يدخلوا ديناً آخر؟ وما ينطبق على أمريكا ينسحب على المجتمعات العربية، فهل أصبحت بلداننا أكثر وعياً وثقافة وتنوراً مع بزوغ عصر العولمة والثورة المعلوماتية؟ بالطبع لا. قد يجادل البعض بإن وسائل المعرفة ومصادرها ليست متوافرة للعرب بنفس القدرة المتوافرة للأمريكيين، وبالتالي فالمقارنة ظالمة هنا.
وحتى لو سلمنا بهذه الملاحظة، فإن العرب الذين توفرت لهم وسائل العلم والتنوير الحديثة كالانترنت والفضائيات لم يشذوا عن القاعدة، فالغالبية العظمى من العرب تشاهد فضائيات الترفيه والتسلية. وحدث ولا حرج عن الإقبال العربي الرهيب على القنوات التي تبث أفلاماً ومسلسلات أمريكية. أما قنوات التنوير والثقافة فمصيرها الإهمال والموت البطيء وأحياناً السريع جداً. ولو نظرت إلى المواقع الالكترونية التي يرتادها العرب لوجدت أنها أيضاً من النوع الذي يتابعه الأمريكيون، فالمواقع العشرة الأولى تكاد تكون في معظمها مواقع إما دينية أو ترفيهية أو موسيقية أو فنية أو رياضية.
وكم ضحكت حينما سألت شاباً ذات مرة عن المواقع التي يزورها، فقال إنه يستخدم الانترنت للمحادثة والدردشة وإرسال الرسائل الالكترونية فقط لا غير، مع العلم أنه يحمل شهادة ثانوية. وهكذا دواليك!!. باختصار ليست المشكلة في توافر مصادر المعرفة، بل في استمراء الجهل من قبل الغالبية الساحقة من سكان المعمورة، لا بل الاستمتاع في الغوص في بحر الظلمات!.

Friday, February 1, 2008

إنها عملية تستيف أوراق‏!‏

بقلم: مفيد فوزي

بكل أدب جم ولسان عف يعرف حدوده ولا يبحر في غير المياه الإقليمية‏,‏ يروق لي أن أتطرق لنقطة حيوية في حياتنا العملية وعلي الأخص ونحن نناقش مشكلاتنا وأوجاعنا الاجتماعية‏,‏ إذ إن نقطة البداية ـ فيما أتصور ـ هي معرفة الداء بوضوح شمس استوائية‏,‏ مهما تكن المرارة وطعم العلقم‏,‏ الدول الناضجة‏-‏ وأقصد العالم الأول‏-‏ تذهب الي ما تعاني منه مباشرة ولا تتلكأ في السير مثلنا‏!‏
الطبيب الأمريكي يقول لمريضته المصابة بالسرطان سيدتي‏,‏ أنت في المرحلة الثالثة وما عاد العلاج الكيميائي مفيدا‏!.‏الطبيب المصري يقول لنفس المريضة أنت زي الفل وكل ما في المسألة شوية بواسير أمرها سهل زي شكة الدبوس‏!‏ أقول هذا الكلام عن تجربة عشتها وليس اجتهادات أو حوار سينمائي لفيلم في كوميديا سوداء‏,‏ الطبيب الأمريكي صادق برغم المواجهة القاسية والطبيب المصري مجامل‏,‏ قد يعرف الحقيقة ولكنه يكتمها مهما تكن فداحة إخفائها‏,‏ الطبيب الأمريكي‏..‏ صادم بالحقيقة‏..‏ والطبيب المصري يستف الأوراق ليجمل الصورة‏.
‏المستشار الملط صادم يواجهنا بحقائق الأداء المالي في حياتنا الحكومية‏,‏ وهناك من يستف الأوراق ليجمل الصورة أمام الرأي العام‏,‏ وتنفلت الأعصاب‏,‏ لأن الأمر صراع بين صدق الأرقام التي لا تكذب وتستيف الأوراق التي تجيد فن لوي الحقيقة وتجميل الصورة ووضعها في برواز مذهب‏!‏ نحن أمام خيارين‏,‏ أيهما أهم‏:(‏ الصورة‏)‏ أم‏(‏ البرواز‏)‏؟ ولحسن حظ هذه البلد فإن قيادتها السياسية لا تهتم بالبرواز مهما يكن مذهبا وتهمها الصورة ولو كانت مجرد ظلال قاتمة‏.‏كوارث القطارات نبهتنا إلي بشاعة‏(‏ الصورة‏)‏ لأن البرواز كان مطليا بالفضة وكانت هناك دائما عملية تستيف أوراق‏.‏كوارث العمارات الآيلة للسقوط برغم قرارات الإزالة الصادرة‏(‏ نبهتنا‏)‏ الي صورة الأحياء المحلية وقدرتها علي تستيف أوراقها‏,‏ فكانت النتيجة سقوطها فوق سكانها‏,‏ تسأل مسئولا عن عدد مرضي الإيدز فيقول لك وهو يبتسم بيقولوا ان العدد الرسمي كذا ولكن أنا اعتقد أن الرقم الحقيقي غير كده بالمرة‏,‏ فإذا قلت‏:‏ أقول الكلام ده في التليفزيون؟ انفعل وقال ماتقولش علي لساني‏,‏ أرجوك‏,‏ لماذا؟ لأنه يستف أوراق حقيقة يعرفها ولا يود الافصاح عنها بلسانه‏:‏ فاذا قلت‏(‏ العالم يعرف الرقم الحقيقي ونحن نكذب‏)‏ قال‏(‏ ماسودش الصورة‏).‏تحكمنا الثقافة الورقية ونجيد تستيف الأوراق مستعينين بالشئون القانونية المزروعة في الأجهزة والمؤسسات والدواوين‏,‏ تعرف الثغرات وتسدها بديباجات يرتديها الباطل فيزهو في خيلاء الحق‏!‏ أحيانا نرصع الأوراق بأرقام مزورة‏(‏ تبعث علي التفاؤل الكاذب‏),‏ وأحيانا أخري نستف الأوراق وهي تتجمل برغم القبح‏,‏ وكم من المآسي عاناها منها الوطن لأن الأوراق الحكومية مستفة‏.‏إن أجهزة الدولة الرسمية المهتمة بالاحصاءات ومركز دعم القرار بمعلومات‏,‏ هي بعبع تستيف الأوراق ولكن‏(‏ النشال دائما أذكي من فريسته‏),‏ تنقصنا ثقافة الاعتراف بالواقع‏,‏ كل ملفات الدولة تشير عبر عملية تستيف الأوراق أنه ليس في الإمكان أبدع مما هو الآن‏!
‏ لكن قضايا عديدة لا ينفع معها أي تستيف للأوراق‏,‏ القطن المصري‏,‏ الرغيف‏,‏ المرور‏,‏ التعليم‏,‏ مستوي خريجي الجامعات‏,‏ جرائم المتعلمين‏,‏ وغيرها‏.‏ إن المسئول الذي يصارح الناس بحقيقة أمر ما‏,‏ أو عجز ما‏,‏ أو انعدام كفاءة ما‏,‏ أو تعثر ما‏,‏ هو ذلك المسئول الذي يستحق الجلوس علي الكرسي‏,‏ أما المسئول الذي يحتفظ في مكتبه بمئات‏(‏ الشماعات‏)‏ فهو لا يخدم الناس‏,‏ إنما يخدم نفسه وشريحة معينة من الناس‏,‏ اننا نحتاج أيضا في حياتنا السياسية الي شجاعة الاعتراف بالتقصير‏,‏ إن التقصير في أداء المسئول وارد‏,‏ والاستقالة لا الإقالة‏,‏ تعطي انطباعا عند الناس باحترام المسئول الذي يستقيل ويتحمل مسئولية التقصير‏,‏ أما‏(‏ التمادي‏)‏ في التقصير دون بارقة أمل في الاصلاح‏,‏ فهذا هو السقوط الشعبي بعينه‏.
‏إن بعض قضايا هذا المجتمع التي اندلعت مثل حيتان الأسمنت واحتكار الحديد ونشوء شركات توظيف الأموال من جديد والمياه المعدنية المغشوشة‏,‏ لم تندلع فجأة‏,‏ إنما كان لها ملفات مغلقة وأوراق متستفة‏,‏ والصحف أحيانا كثيرة تلمح لهذا الشأن الداخلي‏,‏ ولكن المسئول يقول‏(‏ أوراقي زي الفل‏,‏ ومتستفة‏)!‏
ماذا أردت من هذه السطور؟ أردت‏:1‏ ـ المتابعة المستمرة للأداء بطريقة القوات المسلحة‏2‏ ـ تغيير قيادة أي موقع عندما تفوح رائحة كريهة‏,3‏ ـ انتزاع ألغام الاحباط من أمام الناس‏,‏ عندما يسود شعار‏(‏ شيلني واشيلك‏),4‏ ـ تقليل تحويل بلاغات الي النيابة بشأن اهدار المال العام‏(‏ السايب‏)‏ أحيانا و‏..‏ الالتفات الجاد لأمور محورية ومصيرية في حياتنا بدلا من إهدار طاقات في الجري واللهث والملاحقة للفساد‏,‏ والا هذه‏(‏ اللخمة‏)‏ مطلوبة وموظفة و‏..‏ متستفة؟‏!!‏

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ قررت الحكومة القضاء فورا علي الفقر والبطالة بعدم التعرض لها في الفضائيات‏.‏

*‏ هناك من يقومون بصلاة الاستسقاء لأنها خير‏,‏ وهناك من يصلون لمنع المطر لأنه خطر علي شوارعهم‏.‏‏

*‏ الزميل مجدي مهنا أشرف أبناء هذا الجيل‏,‏ في مسيس الحاجة لدعوات المحترمين لأنه صوتهم وضميرهم الذي لا يساوم ولا يناور‏.‏‏

*‏ نحن أمة نامت حتي أزعجت العالم من شخيرها فلما استيقظت سخرت منها كل الأمم‏.‏

*‏ عندما أتابع المناقشات في مجلس الشعب أتذكر المجالس المحلية الغائبة‏.‏