Wednesday, February 13, 2008

الفرح الأسطوري

د. إبراهيم السايح

المدهش في قصة المنتخب هو ذلك الفرح الأسطوري الذي عم كل أرجاء البلاد في سابقة لم تشهد مثيلاً لها في بطولات أخري أحرزها المصريون خارج بلادهم في بوركينا فاسو، وفي مصر خلال الدورة السابقة. فما إن انتهت مباراة الكاميرون حتي ازدحمت الشوارع بالسيارات والمظاهرات والأعلام والهتافات التي شارك فيها الناس من كل الأعمار والأجناس والطبقات. احتفالات تلقائية صاخبة وفرحة عارمة لا يمكنك أن تميز بين المشاركين فيها من يفهم في كرة القدم ومن لم يشاهد مباراة كروية طوال حياته. واستمرت هذه الاحتفالات العفوية حتي ساعات متأخرة من الليل وظل التليفزيون المصري والعربي يتابعها حتي صباح اليوم التالي.لم يكن ثمة تفسير عقلاني لمثل هذا الهوس الجماهيري سوي الإحباط الرهيب الذي تعيشه كل طوائف الشعب المصري خلال الأعوام الأخيرة.
قد تكون هناك أسباب أخري مثل انتصار الفريق المصري علي أقوي فرق القارة، ومثل غياب عدد من أفضل لاعبينا عن الفريق الحالي، ومثل عدم ترشيح الخبراء للفريق المصري بين الفرق المتوقع وصولها للأدوار النهائية، ولكن هذه الأسباب تخص فقط متابعي الحالة الكروية عن كثب، ولا تخص الملايين الآخرين الذين اندفعوا في الشوارع يحتفلون بالنصر دون أن تكون لدي أحدهم أي معلومات شخصية عن أوضاع كرة القدم في مصر أو إفريقيا أو أي مكان آخر.
الناس في المظاهرات كانوا يمارسون سلوك المحروم الذي أنصفه القدر وعوضه عن حرمان طويل بمكافأة ضخمة غير متوقعة. كانوا كمن لم يعرف الفرحة طوال حياته إلا هذه الليلة. كانت المظاهرات التلقائية الصاخبة غير المسبوقة تمثل رد فعل حقيقياً واقعياً لحالة الإحباط الطويلة التي انتابت جموع المصريين علي جميع المستويات وسائر الأصعدة طوال العامين الأخيرين منذ حقق نفس الفريق بطولة كأس الأمم الأخيرة التي أقيمت في مصر، ولم نشهد وقتها نصف أو ربع ما شهدناه هذه المرة من الاحتفالات الجماهيرية.
لا يصح بالطبع في هذه الظروف القول بأن كل بطولات القارة والعالم في كرة القدم لن تصلح أحوال الشعب أو الوطن، ولا يصح أيضا القول إن الناس خرجت من المظاهرات لتتحدث في صباح اليوم التالي عن الملايين التي سوف يحصل عليها لاعبو الفريق ومدربهم، ولا يصح كذلك أن نسخر من المانشيت الخائب الذي قالت فيه جريدة «الجمهورية» صباح اليوم التالي للمباراة النهائية: «قالها الريس في أول تليفون.. الكاس لمصر مضمون»!!! يعني برضه حسن شحاتة ما عملش حاجة!!

No comments: