Sunday, February 3, 2008

صِدق مجدي مهنا

بقلم خيري رمضان

«بكل كل الصدق، علي أتم استعداد فوري للتبرع العاجل بأي جزء من جسمي أو من كبدي لإنقاذ مجدي مهنا، فهو أنفع لمصر، الوطن والضمير، مني، عاوني لسرعة إتمام ذلك».
هذه الرسالة وصلتني علي هاتفي من أستاذ جامعي كبير، محترم ويقوم بخدمات جليلة لهذا الوطن، وأثق كل الثقة في صدق عرضه، واستعداده للتضحية بنفسه من أجل مجدي مهنا، علي الرغم من أنه - أي الأستاذ - يمثل طوق النجاة لآلاف الأسر في بر مصر.
ولكن ما يستحق التأمل هو هذا الألم العام، الذي يشعر به الجميع تجاه مجدي مهنا، القابع وحده مع الألم وفيه، في حجرة بمستشفي.
لماذا يحب الجميع مجدي إلي هذا الحد؟.. لماذا يخشي عليه خصومه قبل أصدقائه؟.. لماذا يذهب إليه كبار المسؤولين في الحزب الوطني سرًا، وهو الذي أوجعهم بكلماته، يبكون علي ألمه، ويدعون الله ليشفيه ويرفع عنه؟.. ولماذا يعرض رئيس الوزراء، المرة تلو الأخري، رغبة الدولة في تحمل نفقات علاج مجدي، علي الرغم من رفضه المتكرر ذلك العرض الكريم، فهو لم يكن يومًا من التابعين أو المناورين، أو المغازلين لتلك الدولة؟!
لماذا يعبر كل الكتاب الآن عن حزنهم علي غياب مجدي مهنا عن الكتابة، بمن فيهم من كانوا يحرصون علي إيلامه بكلماتهم، لا لشيء إلا لأنه يتبني وجهة نظر مخالفة، في أغلبها تنحاز إلي أغلبية الشعب المصري؟
هل كل هذا الحب، وهذا الاحترام لمجدي مهنا، الإنسان شديد التهذيب، الذي يفيض عليك بهدوئه وأدبه إذا جلست معه؟
هل لأن مجدي إنسان نبيل، لم يخضع يومًا لتهديد أو ابتزاز أو عطايا، صوته من قلبه، وقلبه أبيض، وقلمه حصان جامح أصيل؟
هل كان مجدي يقول في مقاله اليومي بجريدة «المصري اليوم»، ما لا يقوله كتاب آخرون في صحف مختلفة؟
هل لأن مجدي مهنا أبي أن يستغل ألمه الخاص، فأغلق عليه جسده الذي يئن، وأخفي عنا جميعًا لشهور طويلة حقيقة مرضه، رافضًا نظرة عطف أو محبة حقيقية أو زائفة، كما رفض أن يتحمل أحد مسؤولية علاجه، وآثر أن يستثمر كل لحظة يعود إليه فيها الوعي، ليتواصل مع جمهوره الذي يحبه وينتظره؟
أعتقد أن كل هذه الأسباب، مجتمعة أو منفردة، كافية لأن يحب كل الناس مجدي مهنا، ومن لم يكن يحبه، أو يختلف معه، كان يحترمه، ولكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة، أن المحور الرئيسي في حبنا جميعًا لمجدي هو صدقه النازف، الصارخ، الذي لم يغب يومًا عن كتاباته، كان مؤمنًا ومصدقًا لكل حرف يكتبه، والناس آلمها طويلاً الكذب والزيف، وكان مجدي مهنا أحد وجوه الحقيقة الصادقة.
صدق مجدي مهنا هو حصان المحبة الجامح، الذي تجاوز أسوار الخديعة، وصمد أمام الكاذبين، فأحببناه، وافتقدناه، وندعو الله أن يعينه علي مواجهة آلامه المتوحشة، ليعود إلينا مرة أخري، يطل علينا بكلماته كل صباح.. فالصباح بدون مجدي مهنا، مثل الليل المظلم شديد البرودة، فتحامل يا مجدي وواجه ألمك، كما عودتنا، لأن مصر في حاجة إليك، وأنت لم تتخلف يومًا عن تلبية نداء الوطن وشوق المحبين.

No comments: