بقلم: مفيد فوزي
بكل أدب جم ولسان عف يعرف حدوده ولا يبحر في غير المياه الإقليمية, يروق لي أن أتطرق لنقطة حيوية في حياتنا العملية وعلي الأخص ونحن نناقش مشكلاتنا وأوجاعنا الاجتماعية, إذ إن نقطة البداية ـ فيما أتصور ـ هي معرفة الداء بوضوح شمس استوائية, مهما تكن المرارة وطعم العلقم, الدول الناضجة- وأقصد العالم الأول- تذهب الي ما تعاني منه مباشرة ولا تتلكأ في السير مثلنا!
الطبيب الأمريكي يقول لمريضته المصابة بالسرطان سيدتي, أنت في المرحلة الثالثة وما عاد العلاج الكيميائي مفيدا!.الطبيب المصري يقول لنفس المريضة أنت زي الفل وكل ما في المسألة شوية بواسير أمرها سهل زي شكة الدبوس! أقول هذا الكلام عن تجربة عشتها وليس اجتهادات أو حوار سينمائي لفيلم في كوميديا سوداء, الطبيب الأمريكي صادق برغم المواجهة القاسية والطبيب المصري مجامل, قد يعرف الحقيقة ولكنه يكتمها مهما تكن فداحة إخفائها, الطبيب الأمريكي.. صادم بالحقيقة.. والطبيب المصري يستف الأوراق ليجمل الصورة.
المستشار الملط صادم يواجهنا بحقائق الأداء المالي في حياتنا الحكومية, وهناك من يستف الأوراق ليجمل الصورة أمام الرأي العام, وتنفلت الأعصاب, لأن الأمر صراع بين صدق الأرقام التي لا تكذب وتستيف الأوراق التي تجيد فن لوي الحقيقة وتجميل الصورة ووضعها في برواز مذهب! نحن أمام خيارين, أيهما أهم:( الصورة) أم( البرواز)؟ ولحسن حظ هذه البلد فإن قيادتها السياسية لا تهتم بالبرواز مهما يكن مذهبا وتهمها الصورة ولو كانت مجرد ظلال قاتمة.كوارث القطارات نبهتنا إلي بشاعة( الصورة) لأن البرواز كان مطليا بالفضة وكانت هناك دائما عملية تستيف أوراق.كوارث العمارات الآيلة للسقوط برغم قرارات الإزالة الصادرة( نبهتنا) الي صورة الأحياء المحلية وقدرتها علي تستيف أوراقها, فكانت النتيجة سقوطها فوق سكانها, تسأل مسئولا عن عدد مرضي الإيدز فيقول لك وهو يبتسم بيقولوا ان العدد الرسمي كذا ولكن أنا اعتقد أن الرقم الحقيقي غير كده بالمرة, فإذا قلت: أقول الكلام ده في التليفزيون؟ انفعل وقال ماتقولش علي لساني, أرجوك, لماذا؟ لأنه يستف أوراق حقيقة يعرفها ولا يود الافصاح عنها بلسانه: فاذا قلت( العالم يعرف الرقم الحقيقي ونحن نكذب) قال( ماسودش الصورة).تحكمنا الثقافة الورقية ونجيد تستيف الأوراق مستعينين بالشئون القانونية المزروعة في الأجهزة والمؤسسات والدواوين, تعرف الثغرات وتسدها بديباجات يرتديها الباطل فيزهو في خيلاء الحق! أحيانا نرصع الأوراق بأرقام مزورة( تبعث علي التفاؤل الكاذب), وأحيانا أخري نستف الأوراق وهي تتجمل برغم القبح, وكم من المآسي عاناها منها الوطن لأن الأوراق الحكومية مستفة.إن أجهزة الدولة الرسمية المهتمة بالاحصاءات ومركز دعم القرار بمعلومات, هي بعبع تستيف الأوراق ولكن( النشال دائما أذكي من فريسته), تنقصنا ثقافة الاعتراف بالواقع, كل ملفات الدولة تشير عبر عملية تستيف الأوراق أنه ليس في الإمكان أبدع مما هو الآن!
لكن قضايا عديدة لا ينفع معها أي تستيف للأوراق, القطن المصري, الرغيف, المرور, التعليم, مستوي خريجي الجامعات, جرائم المتعلمين, وغيرها. إن المسئول الذي يصارح الناس بحقيقة أمر ما, أو عجز ما, أو انعدام كفاءة ما, أو تعثر ما, هو ذلك المسئول الذي يستحق الجلوس علي الكرسي, أما المسئول الذي يحتفظ في مكتبه بمئات( الشماعات) فهو لا يخدم الناس, إنما يخدم نفسه وشريحة معينة من الناس, اننا نحتاج أيضا في حياتنا السياسية الي شجاعة الاعتراف بالتقصير, إن التقصير في أداء المسئول وارد, والاستقالة لا الإقالة, تعطي انطباعا عند الناس باحترام المسئول الذي يستقيل ويتحمل مسئولية التقصير, أما( التمادي) في التقصير دون بارقة أمل في الاصلاح, فهذا هو السقوط الشعبي بعينه.
إن بعض قضايا هذا المجتمع التي اندلعت مثل حيتان الأسمنت واحتكار الحديد ونشوء شركات توظيف الأموال من جديد والمياه المعدنية المغشوشة, لم تندلع فجأة, إنما كان لها ملفات مغلقة وأوراق متستفة, والصحف أحيانا كثيرة تلمح لهذا الشأن الداخلي, ولكن المسئول يقول( أوراقي زي الفل, ومتستفة)!
ماذا أردت من هذه السطور؟ أردت:1 ـ المتابعة المستمرة للأداء بطريقة القوات المسلحة2 ـ تغيير قيادة أي موقع عندما تفوح رائحة كريهة,3 ـ انتزاع ألغام الاحباط من أمام الناس, عندما يسود شعار( شيلني واشيلك),4 ـ تقليل تحويل بلاغات الي النيابة بشأن اهدار المال العام( السايب) أحيانا و.. الالتفات الجاد لأمور محورية ومصيرية في حياتنا بدلا من إهدار طاقات في الجري واللهث والملاحقة للفساد, والا هذه( اللخمة) مطلوبة وموظفة و.. متستفة؟!!
Friday, February 1, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment