Sunday, February 17, 2008

ونحن لا نفهم

بقلم خيري رمضان
الكبد في الموروث الشعبي العربي، رمز للصحة والعافية، لذا كانت المرأة المصرية تعبر عن فزعها علي ابنها أو قريب لها، إذا أصابه مكروه بقولها: «يا كبدي يا ابني»، تدليلاً علي حجم الألم والمصيبة التي ألمت بها، وفي الخليج يصفون الشخص الذي يؤلمهم أو يعذبهم بالقول «بط كبدي».
الكبد المصري الآن بعافية، بل مريض يوشك أن يفقد الأمة ثروتها الحقيقية وهي البشر. مجدي مهنا مات بكبده، أصابه الفيروس اللعين، وظل يقاوم حتي تلف الكبد فأصيب بالسرطان، ولم تفلح زراعة كبد جديد في مواجهة شراسة الورم السرطاني، فامتد إلي الجسد، الذي أعيته المقاومة والرغبة في الحياة، إن لم يكن حباً فيها، فمن أجل الملايين الذين أحبوه، ولكن للمقاومة حدود، وللقدر مواعيد لا تتقدم لحظة ولا تتأخر.
رافق مجدي مهنا في رحلة عذابه مع فيروس الكبد القاتل، وحتي يوم الرحيل، الناقد المبدع، مكتشف المواهب الأدبية رجاء النقاش، فوجئ هو الآخر بأن جسده يئن من الألم، وبالبحث والكشف تبين أنه مثل ما يقرب من سبعة ملايين مصري، وفي بعض الإحصاءات تسعة ملايين، مصابين بفيرس «سي»، نسبة كبيرة منهم أصيبت بالتليف، وتدعو الله أن يجنبها هجوم الأورام السرطانية، التي تستأسد علي الخلايا المتليفة في غفلة من صاحبها ومن حوله.
كل مصري أصبح يتحسس جسده الآن، فإذا وجد بعض البثور الحمراء أو شعر بخمول وإرهاق، أول ما يتبادر إلي ذهنه ويدعو الله أن ينجيه منه، هو فيروس «سي»، وإذا غامر وذهب إلي الطبيب، طلب منه علي الفور عمل التحاليل الطبية لمعرفة أنزيمات الكبد. ومن ينج منا من عنكبوت الـ«سي» يتحسس صدره، أو رئتيه، أو حتي أحباله الصوتية تحسباً من هجوم السرطان المرعب.
لماذا يصاب المصريون فقط دون شعوب العالم بالفيروسات الكبدية وبالسرطان؟.. وزارة الصحة تتحدث عن بروتوكولات لمواجهة فيروس «سي»، وتبذل جهوداً من أجل توفير حقن غالية الثمن لمواجهته، ونسب نجاحها عالمياً محدودة جداً، تسارع من أجل زيادة عمليات زراعة الكبد باهظة التكاليف، ولكنها عاجزة أمام الملايين التي تحتاج إلي هذه الزراعة، وتباطؤ مجلس الشعب في الموافقة علي قانون نقل الأعضاء.
ما الذي حدث للمصريين؟ من لم يمت في حادث طريق بلا ذنب، يموت بفيروس «سي» أو بالسرطان بلا ذنب أيضاً؟
هل انهارت مقاومة المصريين، بسبب معاناتهم اليومية في طوابير الخبز، وسوء المواصلات، والفقر، والإحساس بالخيبة وعدم الثقة في مستقبل أفضل؟
هل يموت المصريون بسبب سوء حكوماتهم التي لا تهتم بصحتهم، وتجعل نصف مليون سنوياً - أنا وأنت منهم - يصابون بالتسمم من تلوث المياه، حسب ما نشرته جريدة «الأهرام» أمس، عن دراسة للمركز القومي للسموم بطب القاهرة.
من حقي، ومن حقك قبل أن نموت، أو يموت نابغونا ومبدعونا وثروتنا الحقيقية، أن نفهم، نفهم فقط، لماذا نموت بهذه الطريقة، فليس من المعقول ولا المقبول، أن نعيش ونحن لا نفهم، ونموت أيضاً ونحن لا نفهم!

1 comment:

AHMED SAMIR said...

هنمووت كدة علشان احنا لا نستحق اننا نعيش
مفيش حد بيعشق جلاديه ويستحق الحياة
لما تبقى عارف مين اللي امرضك وسرطنك ومع ذلك بتعشقه وبتدعي له بالصحة وطول العمر
يبقى احنا ناس لا نستحق الحياة
تحياتي