بقلم خيرى رمضان
أكاد أفقد عقلي وأتشكك في مقدرتي علي الاستيعاب.. ليس فقط لما كشفت عنه امتحانات الثانوية العامة وشركة «أجريوم» من فساد علي مستوي عال، ولكنها حالة الصمت المريب تجاه هذا الفساد الرسمي.
لو قرأت ما قرأته في صحيفة حزبية أو خاصة، لتشككت قليلاً، وانتظرت أياماً حتي تنجلي الحقيقة، وتتجلي في أسوأ صورها، ولكن الفضائح منشورة علي صدر وبطن وقاع الصفحة الأولي في صحيفة «الأهرام»، الصحيفة الرسمية العريقة.
تقول الصحيفة يوم الأحد الماضي، «إن وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة المنيا اكتشف وجود ثماني لجان خاصة تم تشكيلها لأداء الامتحان بمستشفي مغاغة، وتبين أن كل الطلاب الذين يؤدون الامتحان بها من أبناء المسؤولين بوزارات الداخلية والعدل والصحة في المحافظة، وتم إلغاء هذه اللجان، وتشكيل لجنة خاصة لمراجعة أوراق الإجابة الخاصة بهؤلاء الطلاب».
أرجوكم تأملوا جيداً أبناء من، لتكتشفوا حجم الكارثة، أبناء مسؤولين في وزارة الداخلية، المسؤولة عن حفظ الأمن وضبط الخارجين علي القانون، مع أبناء مسؤولين في وزارة العدل، السلطة التي تواجه أي اعوجاج أو اختلال في ميزان العدالة أو قصور في وزارة الداخلية وغيرها. وفي مثل هذه الحالة لابد أن يستفيد أبناء المسؤولين في وزارة الصحة، لأن هؤلاء المسؤولين هم الذين يعدون التقارير الطبية للتأكيد علي أن هؤلاء الطلاب بحالة صحية - وليست دراسية - متعثرة، ولا يمكنهم الامتحان إلا في لجان خاصة.
فإذا وضعنا هذا الفساد بجوار تسرب الامتحانات في هذه المحافظة لفهمنا حجم الفساد. الكارثة أن هؤلاء الطلاب أبناء مسؤولين غير مسؤولين، حماة الحق والعدل والصحة فاسدون، ومن يفعل هذه الجريمة ذو ضمير ميت يفعل أي شيء، فماذا فعلوا قبل ذلك.. أما الكارثة الأكبر فهي أننا لم نسمع أي رد فعل علي مستويات رسمية أعلي، لم نعرف أن وزير الداخلية استدعي مسؤوليه من المنيا للتحقيق معهم واتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم، كذلك لم نعرف أن وزارتي العدل أو الصحة فعلتا ذلك، فماذا يعني هذا؟.. لماذا لم نسمع أن الحزب الوطني الحاكم لم يستدع نائبه في سوهاج، والذي اعترف طالب بالحصول علي امتحانات الثانوية العامة، علي مدي العامين الماضيين، من بنات هذا العضو المحترم؟
من يرعي الفساد في مصر حتي أصبحت جذوره عصية علي الاقتلاع؟
من يحاسب رئيس وزراء مصر، الذي أدانه تقرير لجنة مجلس الدولة في قضية مصنع «أجريوم»، بعد أن منح الشركة ترخيصاً بالمخالفة لنص القانون، ومنحها امتيازات علي حساب الدولة والشعب الذي يرأس حكومته؟.. لماذا يحب الدكتور نظيف الشعب الكندي ويراعي مصالحه العليا والسفلي علي حسابنا؟
من يحاسب رئيس الوزراء، ومن يعيد إلينا حقوقنا، إذا كانت لنا حقوق؟
أدعو الله أن يتدخل الرئيس مبارك، ليس لتغيير هذه الحكومة فقط، ولكن لمحاكمة كل فاسد فيها، قبل أن نصبح شعباً بلا عقل!!
**تعليق: وصلني من الأستاذ الدكتور محمود سمير الشرقاوي، الفقيه القانوني، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة السابق، تعليقاً علي ما كتبته عن قانون الشيك، بصفته أحد الفقهاء الذين شاركوا في القانون الجديد للشيك، الذي بدأ تطبيقه منذ ثلاث سنوات، وأن هذا القانون عدل كثيراً من الثغرات القانونية، وأعاد للشيك اعتباره.. وأن العيوب القائمة ليست من عيوب قانون الشيك، ولكن من عيوب القانون الذي يحكم إجراءات التقاضي، لأنه لا شيء يجبر المجني عليه علي قبول التصالح بأقل من قيمة الشيك..
وأقول للدكتور الشرقاوي: إن طول أمد التقاضي هو الذي يحمي المغفل الذي قبل الشيك، والذي لا يجد أمامه إلا قبول أي مبلغ بدلاً من التوهان في ردهات المحاكم سنوات، يفقد خلالها وقته وكثيرا من قيمة ماله. وكنت أتمني أن يتضمن قانون الشيك عدم سقوط العقوبة في حالة التصالح، والاكتفاء بإيقاف التنفيذ، أو الحكم بأي عقوبة في حال عدم السداد الكامل للمبلغ أمام المحكمة، أو أي عقوبة قانونية أخري.. الدكتور سمير وغيره من العلماء أقدر مني بكثير علي بحثها وتحديدها لحماية حقوق المواطنين.
Tuesday, June 17, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment