بقلم د. طارق الغزالي حرب
لست أدري لماذا تذكرت هذه الأيام، بيتاً من الشعر لا أعرف من صاحبه كان والدي - رحمه الله - يضرب به المثل في التشاؤم وقلة الحيلة؟.. والبيت يقول: لا موت يباع فأشتريه.. فهذا العيش لا خير فيه.
وكان يمزح معنا عند تفسير هذا البيت الشعري ويقول إن المقصود بالعيش هنا هو المعيشة الكاملة وليس العيش بمعني «الخبز» كما هو في اللهجة المصرية، الدارجة، بالطبع لأنه في ذلك الوقت لم يكن يسمع الناس فيه عن أنواع عجيبة مستحدثة من «العيش» ظهرت فيما يلي من عقود من الرغيف «الطباقي» وحتي «رغيف مصيلحي»! والذي ذكرني «بالعيش» الذي لاخير فيه هو ما أراه وأسمعه وأطالعه في وسائل الإعلام المختلفة، ما يصل إلي أذني من حكايات أقرب إلي الخيال، عن المدي الذي وصلت إليه درجة الانحدار الخلقي والقيمي في المجتمع المصري.
إن ما شهدته مصر في الأيام الأخيرة من أحداث تسرب امتحانات الثانوية العامة وما صاحبها من اعترافات وما كشفت عنه التحقيقات وما صدر حول الموضوع من بيانات، ما هو إلا مثال حي ينطق بكل ما ذكرته من موبقات يعاني منها المجتمع المصري الآن ومدي الخراب الذي أصاب نفوس الناس.. وللأسف فإن المجتمع كله متقبل لمقولة شائعة أسمعها من معظم الناس ويقولونها بلا مبالاة ألا وهي: وما الجديد؟ ولماذا هذه الضجة.. ألا يحدث ذلك كل عام؟ ألا تعقد لجان خاصة بالمستشفيات لأبناء كبار المسؤولين وذوي السلطة والنفوذ خاصة في المحافظات البعيدة تحت سمع وبصر مسؤولي التعليم؟!
هل يذهب مصري واحد لقضاء حاجة هي حق له في أي جهة كانت دون أن يبحث عن واسطة أو معين له علي قضاء حاجته مهما كان حقه في هذه الحاجة أو المصلحة واضحاً وجلياً؟! حتي بعض السياسيين تتحدد آراؤهم وتتبلور مواقفهم تبعاً لمصالحهم. أصوات عالية صاخبة تكتب بالصحف المستقلة والمعارضة، تطلق عليهم ألقاب زائفة كالمفكر القومي البارز أو الكاتب الوطني الغيور أو.. أو.. تعرف من وراء الكواليس أنهم كانوا في صحبة من يهاجمونهم أمام الناس وأن مصالح عديدة لهم قد تم التعاقد عليها، وأن الصوت العالي سوف يخبو رويداً رويداً. ماذا أقول والأمثلة لا تنتهي.
. والشعور بالمرارة والأسي يغمر النفس.. فقد عشت إلي زمن رأيت فيه في وطني كل شيء يباع ويشتري.. إنه للأسف وطن لكل رجل فيه ثمن.. إلا من رحم ربي.
Saturday, June 28, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment