Saturday, June 28, 2008

دعاية كثيرة وحديد غائب

بقلم د.طارق عباس
لا أعرف بالضبط ما هو سر هذه الثورة العارمة، علي رجل الأعمال المحترم، وقيصر مصر، والرجل الثاني في الحرس الجديد، وصاحب الكلمة الأولي والأخيرة علي نواب الأغلبية وإمبراطور الحديد، الملياردير أحمد عز؟
ولا أعرف ما الذي فعله الرجل ليصبح أكثر الناس تقريبا عرضة لسهام الكراهية التي تنهال عليه من كل صوب وحدب؟ جمع بين حسنيين وربما حسنيات كثيرة: جمع بين المال والسلطة، السياسة والبزنس، جمع بين أشكال النفوذ كافة، السياسي والحزبي والبرلماني والصناعي سلطته فوق الجميع، لا يخاف من أحد، ولا يخيفه أحد، ولا يتردد في أن يعلن صراحة أن علاقته بجمال مبارك ابن رئيس الجمهورية ووريثه في الحكم هي مجرد زمالة لا أكثر، يفسر القوانين علي مزاجه ومقاسه، لا يضيع وقته في الاستماع لنصائح الآخرين، ولا يشغل نفسه كثيرا بأشياء غير مهمة كالرأي العام أو الإعلام أو المعارضة بقدر ما يشغل نفسه بتوطيد أواصر العلاقة بينه وبين عالم المال والأعمال.
وفي أقل من ثمن قرن، يصبح مصير السوق العقارية المصرية كلها متوقفا علي مصالح أحمد عز ومرهونا بمشيئته، وفي أقل من ٧ سنوات ترتفع أسعار الحديد من ١٢٠٠ جنيه للطن عام ٢٠٠١ إلي ٣٢٠٠ جنيه في نهاية عام ٢٠٠٧ ثم يتجاوز سعر الطن منذ تاريخه وحتي هذه اللحظة ٨ آلاف جنيه في السوق السوداء، ويصبح البحث عنه أو الحصول عليه أصعب من المخدرات.
لكن عتابي الوحيد له وهو عتاب المحب المريد طبعا، في إصرار سيادته علي أنه يبيع الحديد بسعر أقل ١٠٠٠جنيه عن شركات الحديد الأخري ، ويعلن ذلك في وسائل الإعلام كافة، وأري هذا الإعلان - مع الاعتذار الشديد - هو أكبر دليل للإدانة، لاعتبارين:
الأول، أن عز لا يقدم الحديد لعملائه مجانا أو لوجه الله ، ومبلغ الألف جنيه الفارق بينه وبين أسعار الآخرين، هو من جملة ما يحققه من أرباح، وإذا تنازل سيادته عن ١٠٠٠ جنيه من أرباحه في كل طن، إذن فكم ١٠٠٠ يكسبها في الفرق بين سعر التكلفة وسعر البيع للوكلاء؟ وأين ارتفاع الأسعار العالمي الذي يتحدث عنه سيادته عمال علي بطال؟
الثاني، أن الحديد المعلن عنه غير موجود في الأسواق أصلا، وتجربتي في البحث عنه خير أدلتي علي ذلك، وكانت بداية التجربة عندما اتخذت قرارا ببناء قطعة أرض هي كل ميراثي عن أبي - رحمه الله - وذلك خوفا عليها من عصابات الأراضي المنتشرة في هذه الأيام وأغراني الفرق المعلن بين أسعار حديد عز وغيره من الشركات، بالتوجه مباشرة للفرع الرئيسي للشركة بالمهندسين، وبعد حديث مطول مع موظف الاستعلامات أكد لي سيادته أن فرع الشركة هذا يعطي إما لوكلائه المعتمدين، أو للأفراد الذين يحملون تأشيرات من أعضاء مجلس الشعب، ورغم معرفتي بالكثير من هؤلاء، إلا أنني أعرف كذلك أن تأشيراتهم ملونة مثلهم وغير قابلة للتفعيل تقريبا.
خرجت وأنا آسف علي الوقت الذي أضعته، وعملت بنصيحة أحد الموظفين الذي حثني علي الذهاب إلي أحد أكبر مخازن حديد عز بقرية سنديون محافظة القليوبية وهناك فوجئت بزحام هائل، وطوابير أطول من الطوابير أمام أفران العيش، لم أفكر برهة في الاختراق وعدت كما أتيت، واتصلت بالخط الساخن للشركة وتلقيت النصيحة بالتوجه إلي منافذ البيع القريبة مني، وأفشل للمرة الثالثة ويقتلني الإحباط، خاصة بعد أن همست في أذني إحدي موظفات هذه المنافذ ساخرة: (اسمع يا استاذ، حديد عز مثل لبن العصفور، فإذا وجدت العصفور الذي سوف تحلبه ، فستظهر لك الحمامة التي ستوفر لك الحديد بكل المقاسات).
لهذين الاعتبارين وحرصا علي آخر معدلات الشفافية أحلف السيد عز بشرفه الذي أوصله لما هو فيه الآن، أن يوقف مهزلة الدعاية التي تهدر فيها الملايين المستفزة علي وهم غير موجود اسمه حديد عز فالدعاية لسلعة غير موجودة خطيئة اقتصادية عظمي، ربما ترفع رصيد صاحبها ماليا في المستقبل، لكنها ترفع كذلك رصيده من كراهية الناس وتصنع بينه وبينهم حواجز لن تهدمها سنوات الدهر وإن عشناها، يا سيد عز سوف ندعو لك بعد كل صلاة بالرفاء والبنين والعز والوز، إذا وعيت ما تصنعه بنفسك وبنا.

No comments: