بقلم د. محمود عمارة
من حق المجتمع -أي مجتمع- بل من «واجبه» أن يسأل أي شخصية «تتعاطي» السياسة عن مصدر ثروتها، وعما تدفعه من ضرائب سنوياً، وحتي عن «بعض» سلوكياتها الخاصة - وهذه ليست بدعة، ولكنها أعراف مستقرة في كل الدول المتحضرة، وهي جزء أصيل من النظام الديمقراطي الحقيقي.
(في فرنسا رئيس الجمهورية يعلن سنوياً للشعب إقراره الضريبي، مفصلاً ممتلكاته.. ومازاد عليها من قيمة بسبب التضخم خلال العام المنصرم.. وما اشتراه من منقولات.. سيارة، موتوسيكل جديد.. وما سدده من ضرائب كل عام، وعند خروجه من «الوظيفة» يعاد نشر وإعلان الإقرار الضريبي من السنة الأولي لتوليه المسؤولية، وحتي اليوم الأخير قبل خروجه)..
وكل عام في شهر أبريل تنشر الجرائد «صور» الإقرارات الضريبية لأي مسؤول سياسي، أو أي شخصية شهيرة.. وآه لو كان للمسؤول عمل خاص قبل الوظيفة، ورغم تفرغه للعمل السياسي وتركه الكامل لأعماله، يظل تحت المجهر، وأي «غلطة» أو تجاوز أو تداخل، أو حتي «شبهة» لخلط العام بالخاص، نهاره أسود، ومستقبله السياسي * الباي باي، وتتولي المحاكم أمره..
وكم من وزير دخل السجن بسبب «تعارض المصالح»، أو استغلال النفوذ، أو لمجرد مخالفة القوانين، ومنهم رئيس للوزراء في عهد «ميتران»، وكان صديقاً شخصياً له، ولمجرد أنه حصل علي «قرض» بدون فائدة من رجل أعمال صديقه ليشتري منزلاً، ولم يخطر مصلحة الضرائب بصورة من العقد، ولم يسجله بإقراره الضريبي، وصباح الكشف عن الموضوع بجريدة Le Canardص Anchenai، كان رئيس الوزراء «منتحراً» قبل الظهر، هرباً من الفضيحة الأخلاقية، وخوفاً من مواجهة الرأي العام!
والمهندس أحمد عز في حواره بالعاشرة مساء، أسهب، واستطرد، وزاد، وعاد، وكرر محاولاً أن يثبت لنفسه وللجماهير «مشروعية» ثروته، وأن تضخمها المثير شيء طبيعي، باعتباره الجيل الثالث من عالم «الخردة» إلي صناعة الحديد، وأن «دورة» الحديد اليوم في إيده.. وأن «والده» كان دفعة الرئيس جمال عبدالناصر.. (ولم يفهم أحد ما هي العلاقة بما نتحدث فيه).. وكان يكفيه أن يقدم إقراره الضريبي بممتلكاته، ولو للعشر سنوات الأخيرة، كانت كام في ٩٨، وأصبحت كام في ٢٠٠٨، وكم سدد من الضرائب سنوياً خلال هذه السنوات!!
وبعدها ليس من حق أحد أن يسأل أو يتساءل أو حتي «يلمح» بكلمة.. بل بالعكس يصبح لزاماً علي كل مواطن محترم، وكل صاحب قلم أن «يرفع القبعة» لهذا الرجل الذي نجح فيما فشلت فيه الدولة، وهو إقامة صناعة ثقيلة تخدم الاقتصاد القومي، وترفع اسم مصر عالياً.. وهذا ما لم يفعله أحمد عز حتي الآن.. ومازال مطلوباً منه أن يتقدم إلي الرأي العام بهذه الوثائق، وليس بالكلام والإعلانات المدفوعة الأجر، وهذا المطلب الشعبي ليس لأحمد عز وحده، ولكن لكل المسؤولين، ولأصدقاء الدوائر العليا، وإن لم يفعلوا فيظل هذا الملف مفتوحاً، ومن واجب المجتمع ملاحقتهم، ومطاردتهم بلا يأس أو ملل.. ويظلوا هم المسؤولين عن الشائعات، والقيل والقال..
وعلي الحزب الحاكم أن يتحمل مسؤوليته فيما جري «لصورته» من تشويه في الفترة الأخيرة.. وإذا كان صحيحاً أننا أصبحنا نحترم الرأي العام، كما حدث في دمياط، و«أجريوم» التي حصلت علي جميع الموافقات، ولكن لعدم قبول الرأي العام لوجود هذا المصنع، تم نقله من دمياط.. وترسيخاً لهذا المبدأ فمن واجب رئيس الحزب، وأمينه العام، وجمال مبارك احترام إرادة شعب مصر بأكمله، والذي يري أن أحمد عز بما ارتكبه من مخالفات قانونية، ولتضارب المصالح الواضح والزاعق، ولأسلوبه المتسلط، وباستعلائه المستفز، يجب إبعاده تماماً من كل موقع تم تعيينه فيه، وعليه أن يختار بين السياسة والعمل الخاص.
فبأي «أمارة» يصبح الرجل الرابع في الحزب الحاكم بعد الرئيس، والأمين العام، وأمين السياسات؟.. ولماذا يترأس لجنة الخطة والموازنة؟
فهل يا تري كان أستاذاً في «هارفارد» ونحن لاندري؟.. أم كان خبيراً محاسبياً وضرائبياً لديه خبرة نادرة؟
ولماذا «التكويش» علي المناصب، وهو في الوقت نفسه رئيس لمجالس إدارات مجموعة شركاته الخاصة؟
«ياراجل دا» لو سيادتك «محامي» وأسست شركة بعشرين ألف جنيه، نقابة المحامين تجبرك علي الفور بوقف قيدك، ولا يجوز لك ممارسة المحاماة منعاً لتضارب المصالح!!.. فكيف يسمح لنفسه، وتسمحون له أن يكون في كل هذه المواقع متحكماً في التشريعات والقوانين، ومطلعاً علي أدق أسرار التوجهات والقرارات المستقبلية؟.. «ياراجل دا» زويل بجلالة قدره، وأمثاله من العلماء مجدي يعقوب.. فاروق الباز.. ممنوعون في مصر من الترشح لمجلس الشعب، أو حتي للمجالس المحلية بحجة أنهم يحملون جنسية ثانية، خوفاً من اطلاعهم علي الأسرار!!
الرأي العام غاضب.. ثائر.. بعد التحدي، والاستفزاز، و«خنوع» مجلس الشعب لإرادة «فرد» واحد يتصور الجميع أنه «مسنود» لأسباب خفية.. وما جري ليس «زوبعة في فنجان».. أو نرجو ألا يكون «زوبعة» يتغلب عليها «صوت الفلوس» Mony Talk بعد أن أصبح زاعقاً، وعالياً جداً، وألا تحدث «رشة» جريئة «تُخرس» كل الأصوات، ليبقي الحال علي ما هو عليه.
Monday, June 30, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment