بقلم مجدي الجلاد
يستطيع الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، أن يجلس صباحاً في مكتبه الوثير بشارع «قصر العيني»، ويمد قدميه إلي «القرية الذكية» في الطريق الصحراوي،
وفي المساء يستطيع أن يتكئ علي «شيزلونج» فخيم في حديقة قصره المنيف بـ«٦ أكتوبر»، ويمد قدميه إلي شقته الفخيمة علي شاطئ الإسكندرية،
ولكنه لا يستطيع تقدير القيمة الفكرية والأدبية للكاتب الكبير فاروق جويدة، لأنه وإن كان «محترفاً» في «السوفت وير» فإنه لم يقرأ يوماً كتاباً واحداً من ٤٣ كتاباً لـ«جويدة» ولم يحلق في الأفق ذات مساء مع قصيدة معجونة بالإحساس المرهف للشاعر القدير.
فقط.. قرأ نظيف أو قرأوا له مقالات فاروق جويدة في الزميلة «الأهرام» حول خطايا الحكومة في الإغداق علي مافيا الأراضي بآلاف الأفدنة وملايين الأمتار «مجاناً».. قرأ نظيف أو قرأوا له، وقرر معاقبة الكاتب والشاعر الكبير بشطب اسمه مرتين، واستبعاده من عضوية المجلس الأعلي للثقافة، رغم ترشيح فاروق حسني، وزير الثقافة له في خطاب رسمي لرئيس الوزراء.
كلاهما ـ جويدة ونظيف ـ فعل ما يمليه عليه ضميره، جويدة أمسك بقلم الكاتب الوطني، وشن حملة علي المتاجرين بأرض و«عرض» البلد، ونظيف أمسك بالقلم، ووضع علامة «X» علي اسم جويدة، عقابا له علي «خطيئة» الكتابة والدفاع عن أرض مصر.. كلاهما فعل ما يجيد، الكاتب يكشف و«المسؤول» يعاقب وينكل و«يقصف» القلم و«يغتال» صاحبه.
كشف فاروق جويدة الزواج الباطل بين السلطة والمال، فاقتص منه رئيس الوزراء، وتجاوز في استخدام صلاحياته، وألغي قرارا أصيلا لوزير الثقافة صاحب الاختصاص،
ولكن السؤال الذي يحيرني: ما علاقة د. أحمد نظيف بالفكر والأدب والإبداع؟!.. وهل يعرف في الثقافة أكثر من وزيرها.. وكيف طاوعه «قلم القرارات والفرمانات» وهو يوقع علي «فرمان» معاقبة كاتب وشاعر كبير أثري المكتبة العربية بعشرات الكتب،
وله في «الذائقة» المصرية قصائد ودواوين لا تنسي، والمفارقة أن الاستبعاد من المجلس الأعلي للثقافة، وليس من «المجلس الأعلي للذرة»، أو «المجلس الأعلي للحكومة الذكية الإلكترونية السوفت ويرية».
تطلب الحكومة من الجميع دائما التحاور معها بإيجابية وشفافية بعيدا عن «شخصنة الأمور» واستهداف الأشخاص ومحاولة اغتيالهم معنوياً وأدبياً، وها هي الحكومة تضرب نموذجاً فجاً في «شخصنة» الاختلاف في وجهات النظر تجاه كاتب حاول التحاور معها حول واحدة من أخطر القضايا في مصر،
وها هي أيضا تحاول «اغتيال ونفي» رجل بحجم وقامة فاروق جويدة، لأنه قال رأيه بصراحة وشفافية.. والكارثة أن القرار ـ هذه المرة ـ من رئيس الوزراء، فماذا عسي وزراؤه أن يفعلوا و«كبيرهم» يقترف هذه الخطيئة؟!
خسرت الثقافة المصرية باستبعاد فاروق جويدة.. وكسب جويدة احترام الملايين.. ولم يخسر أحمد نظيف.. لأنه ـ ببساطة ـ لم يعد لديه رصيد يخسره!
Wednesday, June 25, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment