بقلم أسامة هيكل
منذ شهور تبرع بيل جيتس، صاحب «ميكروسوفت» العملاقة، بثروته كلها للعمل الخيري.. ترك ٥٠٠ مليون دولار لأبنائه، وتبرع بالباقي كله للعمل الخيري.. وبيل جيتس يربح ٢٠ مليون دولار يوميا، أي ٨ مليارات دولار سنويا.
وبعده بأيام أعلن وارين بافيت، صاحب شركة «بيركشاير هاثاواي» العملاقة، وهو أحد أغني أغنياء العالم، عن تبرعه بنسبة ٨٠ % من ثروته للمؤسسة الخيرية التي أسسها صديقه بيل جيتس، وهذه النسبة تزيد علي ٣٧ مليار دولار.. وحينما سئل بافيت عن سبب عدم تركه هذه الثروة لأبنائه رد قائلا إنه ترك لهم تربية جيدة وتعليماً ممتازاً، وأنها امتيازات حقيقية تجعل إغراقهم بالأموال أمراً غير حكيم.
لم يحتج جيتس يوما أن يدفع الملايين من أمواله لتجميل صورته في وسائل الإعلام.. ولم يستخدم ثروته في كسب نفوذ سياسي.. فلم يكن أمينا لتنظيم الحزب الديمقراطي، ولم يكن بافيت عضوا في أمانة سياسات الحزب الجمهوري.. هما فقط نموذجان لرجال الأعمال الشرفاء الوطنيين .. لم تتلوث سمعتهما يوما .. فالكل يعلم كيف أسس بيل جيتس إمبراطورية ميكروسوفت.. كما أن الكل يعلم كيف بدأ بافيت بالعمل في البورصة بأول ١٠٠ دولار امتلكها.. ولأن العمل هو القيمة، والمال هو النتيجة، كان القرار شديد السهولة عليهما وعلي المجتمع الأمريكي، وقابلناه نحن هنا باستغراب وذهول.
وفي مصر والعالم العربي رجال أعمال شرفاء ولاشك.. ولكنهم يعملون بهدوء، وربما لا يعرف أحد أسماءهم.. ولكن المحزن أن نسمع عن ١١٠٠ مليار دولار من الأموال العربية مكدسة في البنوك الأوروبية والأمريكية دون توظيف.. والمؤسف أن نسمع قصصا لبعض المليارديرات العرب في نوادي لاس فيجاس الشهيرة، دون أن نسمع عن مساهماتهم في العمل الخيري بالعالم العربي. وفي مصر بعض رجال الأعمال الاستفزازيين.. بعضهم محتكرون.. وبعضهم يهوون الزواج من الفنانات والراقصات، وبعضهم شبعوا من المال فأرادوا السلطة والنفوذ، وبعضهم وجدوا السلطة تأمينا للثروة، وبعضهم خانوا الوطن وباعوا ثرواته لإسرائيل، وبعضهم دخلوا السجون، وبعضهم هربوا بأموالهم خارج البلاد بعدما ارتكبوا جرائم.
هذه النماذج لرجال الأعمال هي التي نحتاجها فعلا في مصر.. فرجل الأعمال يدير مؤسسته، ويعظم أرباحها بعمله وطريقة اختياره لمعاونيه وأسلوب إدارته للعمل.. ولكن هناك واجبات مفروضة عليه تجاه مجتمعه.. فالمجتمع الذي يعيش فيه له حقوق عليه، ويجب أن يسهم في العمل الخيري، ويساعد ويساند غير القادرين من أبناء وطنه، ويحاول أن يحل مشاكل هذا الوطن.. فإذا كان ذلك يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمي الوحيدة والأغني والأقوي، فمن باب أولي أن يحدث ذلك في مصر التي تعاني الفقر والغلاء وانهيار الخدمات.
رجل الأعمال الحقيقي يعرف الجميع كيف جمع ماله، ولكن لا أحد في مصر يفصح عن نشأة أمواله وتطورها.. ففجأة يظهر لنا ملياردير يصف نفسه بأنه رجل أعمال، ولا نعرف عنه إلا أنه ملياردير، ولايخبرنا أحد عن تاريخه، ولا كيفية إدارته لمؤسساته.. والحقيقة أن أمثال بيل جيتس ووارين بافيت هم ما يمكن أن يطلق عليهم رجال الأعمال.. ولكن النماذج المصرية التي نختصها ويعرفها الجميع هي رجال أموال.. فجمع المال هو الهدف الأول والأخير، وليس العمل، وليس تقديم العون للوطن.. الوطن بالنسبة للبعض من هؤلاء في مصر هو مجرد قطعة أرض يمكن أن تباع لأي شخص يدفع أكثر.. والمهم فقط أن نجمع أموالا أكثر وبأسرع وقت ممكن.. وللأسف، حينما تم اختيار بعض رجال الأعمال لتولي حقائب وزارية في مصر خلال السنوات الأربع الماضية كانت النتيجة محزنة..
فالمشاكل التي يعاني منها المواطن زادت، بل إن الشعور العام لدي العامة أن أعضاء هذه الحكومة الغنية يحتقرون الفقراء ويستهينون بهم ولا يقيمون لهم وزنا في سياساتها، وزاد علي ذلك مايتردد عن استفادة هؤلاء من مناصبهم في توسيع أعمالهم الخاصة، وهو أمر طبيعي.. فحينما بدأت تجربة الاستعانة بهم، لم يكن هناك نص قانوني صريح يمنعهم من ممارسة أعمالهم الخاصة، ولا توجد آلية دقيقة لمتابعة ثروة كل منهم قبل دخوله الوزارة وبعد خروجه منها.
تبرع رجلي الأعمال بيل جيتس ووارين بافيت بأموالهما كلها تقريبا للعمل الخيري هو خبر عادي خارج مصر، ولكن المناخ الذي نعيشه حاليا في مصر يوجب علينا المقارنة.. وهي مقارنة كئيبة.. فأعمال جيتس وبافيت ستبقي دالة عليهما، بينما أموال رجال الأموال في مصر زائلة.. تحية واجبة لكل رجل أعمال حر شريف، ولعنة الله علي كل جامع أموال من دماء الغلابة.
Saturday, June 28, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment