Sunday, August 31, 2008

إدارة البلاد بالتسيب والفساد

بقلم د.حسن نافعة

هناك أشكال متباينة الحدة من التسيب والفساد لا يستطيع أحد أن ينكر وجودها في معظم دول العالم. ولا جدال في أن النظم السياسية الجادة تتعامل مع ظواهر التسيب والفساد باعتبارها عوارض لأمراض سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة، تبذل كل ما في وسعها لوقاية وتحصين مجتمعاتها حتي لا تصاب بها أصلا، وتبحث عن أنجع الوسائل الكفيلة بمقاومة انتشارها قبل أن يتسع نطاقها وتتحول إلي وباء قد يشل المجتمع كله ويعرضه للانهيار والتدمير الذاتي.

غير أن النظام السياسي المصري لا يدخل ضمن هذا النمط من النظم السياسية الجادة، بعد أن فقد حساسيته تجاه ظواهر تسيب وفساد راحت تتفشي في الآونة الأخيرة بشكل وبائي، ولم يعد يظهر أي قدر من الجدية في التعامل معها، سواء علي مستوي الوقاية أو العلاج، بل إن مؤسسات الدولة راحت تغمض عينيها عامدة متعمدة، إلي درجة أن كثيرين باتوا يعتقدون أن التسامح مع التسيب والفساد أصبح إحدي سمات ممارسة العمل العام في مصر، ووسيلة من وسائل إدارته.

ورغم أن هذا القول يبدو صادما وقاسيا علي أسماع البعض، إلا أنني أصارحكم القول إنني أصبحت أكثر ميلاً للاقتناع به، من خلال متابعتي ملابسات الحريق، الذي التهم مجلس الشوري منذ أيام، وردود الفعل الرسمية والشعبية التي أعقبته.

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة بقليل من مساء ذلك اليوم المشهود عندما جلست - كعادتي عندما أكون بالمنزل في مثل هذا الوقت - لأتابع ما يجري من أحداث عبر الشاشة الصغيرة. وعندما لم أعثر - كالعادة - علي ما يشد انتباهي في قنواتنا الأرضية بدأت أنقل الموجة إلي القنوات الفضائية، إلي أن استوقفني فجأة مشهد حريق كانت تبثه قناة الجزيرة.

وسرعان ما تبين لي أن القاهرة هي مركز الحدث المنقول علي الهواء مباشرة، وأنه يتعلق بحريق كبير وخطير أمسك بمبني البرلمان المصري منذ ما يقرب من ساعتين، وأن عشرات من سيارات الإطفاء هرعت إلي المكان دون أن تتمكن من السيطرة عليه، مما دفع الجيش للتدخل بطائرات إطفاء هليوكوبتر.

وهكذا تسمرت في مكاني ورحت أتابع الحدث بقلق عبر قناة الجزيرة لبعض الوقت، قبل أن أفكر في العودة من جديد إلي القنوات المصرية لمتابعة طريقة تغطيتها للخبر.

لم أستطع في الواقع أن أخفي دهشتي، حين وجدت أن القنوات الأرضية لاتزال مشغولة ببث برامج ومواد تافهة، لا علاقة لها بالحدث الكبير، وكأن أمر الحريق لا يعنيها في كثير أو قليل، أو كأنه حدث يجري في كوكب آخر، وتأكدت من أن معظم القنوات العربية راحت بدورها تبث الحدث من القاهرة علي الهواء مباشرة، وأن قناة النيل الإخبارية بدأت تدخل علي الخط، وأصبحت هي الوحيدة من بين القنوات الفضائية المصرية التي تغطي الحدث علي الهواء.

ولا أدري كم من الوقت مر قبل أن تبدأ القنوات المصرية الأرضية بثا مباشرا من موقع الحدث. لفت نظري علي الفور إصرار التصريحات والتعليقات الرسمية علي تأكيد أمرين رئيسيين، الأول: عدم وجود شبهة تخريب وراء الحادث.

والثاني: التقليل من حجم الأضرار المتوقعة، والتأكيد علي أن «رجال الأعمال» جاهزون لتحمل تكلفة ما خرَّبه الحريق. ولأن هذا النوع من التصريحات - التي اعتدنا عليها كثيرا - كثيرا ما يؤدي إلي شيء واحد، هو رفع ضغط الدم، فقد دفعني الإحساس بالاختناق في هذا اليوم قائظ الحرارة إلي مغادرة بيتي، حزينا وبائسا.

قادتني خطاي إلي نادي اليخت التابع لجامعة القاهرة، ويقع بالقرب من كوبري الجلاء، حيث كان بوسعي التنفس بشكل أفضل في مكان مفتوح علي شاطئ النيل، غير أنني لم أستطع، مع ذلك، أن أهرب بعيدا.

فبالإضافة إلي معايشتي الحدث الخطير بكل جوارحي، كان باستطاعتي في الوقت نفسه متابعة تطوراته رأي العين، عبر الدخان المتصاعد بكثافة من وراء الضفة المقابلة للنهر الخالد، وبالتالي لم أبدأ في السيطرة علي مشاعري واستعادة هدوئي إلا حين راح عمود الدخان يخبت رويدا رويدا في إشارة إلي أن الوضع بات تحت السيطرة.

أدهشتني حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث التي لاحظتها، ليس فقط في طريقي ذهابا وعودة، ولكن أيضا في المكان الذي جلست فيه لساعتين علي الأقل. غير أنني لم أكن أتصور مطلقا أن الأمور وصلت إلي درجة التشفّي، التي وصفها لنا بصدق واقتدار وشجاعة شاهد عيان مميز جدا، هو الأستاذ حمدي رزق، تابع الحريق وسط المارة المحتشدين فوق رصيف قريب من مبني البرلمان، نقل لنا صورة ما رأي، وذلك علي النحو التالي :

«مستقبل هذا الوطن الأسود شاهدته علي الرصيف: لا فزع، ولا جزع، ولا خوف ولا يحزنون. قهقهات فارغة من المحتوي، تعليقات خالية من المضمون، سخرية مُرّة من كل شيء: من العسكري الغارق في الوحل يفسح الطريق لسيارة مطافئ تحاول اللحاق بما تبقي قائما في المبني، نكتة حراقة في قفا ضابط يبلغ ملتاعا علي اللاسلكي آخر المواقف، تعليقات فاجرة تفجّر قهقهات شيطانية تذبح ما تبقي من خشية علي تاريخ يحترق أمام أعيننا».

ولأن شاهدنا لم يكتف بهذا الجانب من الصورة، حيث قرر الانتقال إلي مقهي في شارع قصر النيل لمتابعة الحدث، فقد نقل لنا الجانب الآخر من الصورة، بعد أن أكد أنه قضي في هذا المقهي «أسود ليلة في حياته»، وذلك علي النحو التالي:

«أنظار شاخصة للبث المباشر الذي تولته قناة النيل الإخبارية، ومع أنفاس الشيشة يخرج كلام ملغوم بالكراهية، كلام يوجع، كلام بيشوي مثل مية النار: ياريت تولع، خربوها وقعدوا علي تلها، بكرة صاحبنا ياخد المقاولة.

وعندما أعلن المذيع امتداد النيران إلي متحف مجلس الشعب تجشأ أحدهم ما في جوفه: كلها ساعتين ومجلس الشعب يولع ويبقي سرور زي صفوت.. أما في رسائل الموبايل فكان الناس ينتظرون انهيار المبني للاحتفال بحريق القاهرة علي الرصيف». (المصري اليوم: ٢١/٨)

ناقل هذه الصورة المؤلمة، بوجهيها المرسومين من خلال ما دار علي رصيف مجلس الشعب ومقهي شارع قصر النيل، ليس صحفيا معارضا أو صاحب موقف أيديولوجي معروف بعدائه المسبق للنظام، والمشاعر المعبر عنها في عموده ليست منسوبة إلي أوساط اجتماعية، أو إلي دوائر سياسية بعينها. لذا يصعب التشكيك في مصداقية شهادة أفصح عنها قلب حمدي رزق قبل أن ينطق بها لسانه، أو الادعاء بأن ما نقله علي لسان «الناس» يعكس ما يدور بخلد «قلة منحرفة» لا تمثل سوي نفسها.

لذا فإن شهادته - التي تعكس حقائق لم يعد من المفيد إنكارها - تستدعي الانتباه، وتدق ناقوس الخطر، وتتطلب الوقوف أمامها بتأمل مسلح بأكبر قدر ممكن من الصدق مع النفس. وهذا هو ما حاوله الأستاذ مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين، الذي لا يستطيع أحد أن يشكك في صدق ولائه للنظام، حين اعترف بوضوح كامل في عموده المنشور في صحيفة الأهرام بخطورة شهادة حمدي رزق، التي تعكس تفشي حالة خطيرة وغير مسبوقة من عدم الانتماء تستدعي تقصي أسبابها وعلاج جذورها.

ليس لدي أي وهم حول إمكانية استجابة مؤسسات النظام وقواه النافذة والفاعلة لدعوة صادقة، حتي ولو كانت صادرة من أحد أبنائه المخلصين، ممن بدأوا يستشعرون خطورة الموقف. فالمؤشرات كلها تشير، في تقديري، إلي أن جميع مؤسسات النظام وقواه النافذة أصيبت بحالة تكلس تجعلها غير قادرة علي القيام بأي تشخيص دقيق لطبيعة الأسباب، التي أوصلت شبابنا إلي درجة من اليأس تدفعه للتشفي في رمز من رموز السيادة في بلاده ويجعله يتمني لو امتدت يد الحريق لتأتي علي كل الرموز دون أن تُبقي منها أو تذر.

فهذا الشباب يدرك بوضوح تام أن مصر انقسمت إلي قسمين: قلة ضئيلة جدا لم تعد تكترث لغلاء أو بطالة أو انهيار في مستوي الخدمات التعليمية أو الصحية، لا لشيء إلا لأنها باتت تملك من المال ما يكفي لتمكينها من مواجهة أي غلاء وإرسال أبنائها للتعليم والاستشفاء خارج البلاد، والحصول علي أرقي الوظائف وأهمها وأعلاها راتبا.

أما الأغلبية الساحقة فلم يعد أمامها سوي مواجهة الشقاء وحدها. وأمام وضع مختل كهذا ليس أمام الحكومة سوي الاختيار بين واحد من بديلين: تغيير السياسات التي أوصلت البلاد إلي هذه الحال، وهي دعوة للانتحار، أو التسامح مع التسيب والفساد حتي لو ترتب علي ذلك تحويل المجتمع كله إلي غابة يسيطر عليها الأغنياء والأقوياء.

ويبدو أن النظام، الذي يعمل بمنطق «أنا ومن بعدي الطوفان»، ليس أمامه سوي البديل الثاني. فترحيل الأزمة، حتي ولو علي جثة الوطن، أفضل له من حلها. وهنا تكمن حقيقة مأساة يبدو أنه بات علي المجتمع أن يواجهها الآن قبل الغد، وذلك لسبب بسيط، هو أنه هو الذي سيدفع وحده ثمن أي تأجيل!

العيب فينا، تغيرنا، تغربنا، فغربنا ديننا

بقلم خيري رمضان

انظر حولك، في الصحف، علي جدران الشوارع، في كل القنوات التليفزيونية.. إعلانات، إعلانات، كله عن المسلسلات، صور الفنانين والفنانات، برامج فنية وحكايات، تسالي ولعب ومسابقات، كارتون وحزر فزر واكسب معانا، كله كله بمناسبة شهر رمضان، الذي أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة واحدة خير من ألف شهر!. ما علاقة كل هذا من إعلانات ومسلسلات بهذا الشهر الكريم؟!

أعرف أنه سؤال ساذج ومعاد وممل، ونطرحه كل عام، ونزيد: أين المسلسلات والبرامج الدينية؟ لماذا لم يرتبط بوجداننا صوت مثل الشيخ محمد رفعت أو النقشبندي؟

لماذا تحاصرنا الشاشات بعد أذان المغرب بدقائق، بكل شيء ليس له علاقة بالدين؟

هل نحن محبوسون طوال العام وننتظر هذا الشهر الكريم حتي نغرق في التفاهة ونخرج من مسلسل إلي برنامج وبينهما «ست كوم»؟!

هل هذا الواقع مفروض علينا، وليس أمامنا إلا قبوله، أم أننا لم نعد شعبا متديناً، بدليل أننا ننتقل بعد الإفطار إلي الدراما بكل أنواعها، وعندما ننتهي نستعد بسرعة للانتقال إلي الخيام الرمضانية لتناول السحور علي أنغام راقصة؟! أتفق مع البعض الذي يري أنها شريحة لا تمثل الشعب المصري، تتكاثر في القاهرة والإسكندرية، ولكن أضيف يختلف الأسلوب فقط في القري والمدن الصغيرة ويصبح السهر علي المقاهي مع الشيشة والتليفزيون.

العيب فينا، تغيرنا، تغربنا، فغربنا ديننا.. ليتنا نقاوم هذا العام ونتقرب إلي الله أكثر في شهره المفضل، لعله سبحانه وتعالي يستجيب لدعائنا، فما أحوجنا إلي هذه الاستجابة!

***

* لا أتمني أن أفقد الثقة في قانون المرور الجديد، ولكن ما أراه يومياً، يهز أي ثقة في هذا القانون.. سيارات تسير عكس الاتجاه جهارا نهارا.. الرقابة غائبة تماما في المسار علي الطرق السريعة، وكأن الرادار والمخالفات للصباح فقط.. كل مساء عشرات السيارات «مركونة» صفاً أول وثانياً،

علي مطلع كوبري ١٥ مايو من ناحية فندق ماريوت في حراسة رجال الشرطة.. الأمر نفسه عند منزل ٢٦ يوليو، وأمام شارع الصحافة، الميكروباصات لا تقف إلا في منتصف الطريق، بعد حوار دافئ مع أمناء الشرطة، الذين يقدرون العشرة لوجودهم في هذه المنطقة منذ سنوات.. الأمر نفسه يتكرر وباستفزاز في شارع فيصل، خاصة عند مطلع الكوبري.

القانون لم يكن من أجل التحدث في الموبايل وربط الحزام لتحصيل الغرامات، القانون جاء لضبط الشارع وحماية أرواح البشر، ولكن يبدو أن القانون يحتاج إلي مزيد من الانضباط والحسم من القائمين عليه.. وكل عام وأنتم بخير.

اليأس والأمل في المستقبل

بقلم د. عبدالمنعم سعيد

هذا المقال أهديه لجميع القيادات في الحزب الوطني الديمقراطي، فربما كان ما سيأتي فيه مفيدا لمؤتمر الحزب القادم، بل خطواته السياسية القادمة.

ومصدر الإلهام في هذا المقال كان مؤتمر الحزب الديمقراطي الأمريكي، حيث كانت الرسالة الأساسية للمؤتمر، غير انتخاب باراك أوباما مرشحاً للحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة،

وتحقيق وحدة الحزب بين أنصار هيلاري كلينتون وأوباما، هي إعادة روح الأمل للولايات المتحدة الأمريكية كلها، بعد أن اهتزت ثقتها بنفسها خلال فترة إدارة جورج بوش التعيسة بالحروب غير الناجحة في أفغانستان والعراق، والعاجزة عن إدارة العالم،

وترقية حياة المواطنين الأمريكيين، وهي الدولة العظمي الوحيدة الباقية في الدنيا. وكانت مصادر الأمل قادمة من شعار التغيير في السياسات العامة الداخلية والخارجية، والأمل في انتصار أمريكا علي نفسها، بحيث تدفن إلي الأبد كل ملامح العنصرية لديها عندما تنتخب رئيسا أسود لأول مرة في التاريخ؛

وكل ذلك يحدث من خلال جيل جديد من الساسة لهم القدرة علي تجديد «الحلم الأمريكي» أياً كان معني ذلك. وبشكل ما فإن الروح التي انطلقت من المؤتمر كانت رفض الركون إلي اليأس، أو اجترار الماضي، وإنما البحث في الذات الأمريكية عن مصادر القوة والإلهام والتجديد.

مثل ذلك نحتاجه بشدة في الحزب الوطني الديمقراطي، فخلال الأيام الماضية، وحتي الشهور السابقة منذ بداية العام، فإن إشاعة روح اليأس صارت رياضة وطنية.

وكان الأمر في أوله راجعا إلي ملاحظات ومؤاخذات عامة علي النظامين السياسي والاقتصادي في البلاد، ثم بعد ذلك أضيفت لها نتائج ارتفاع التضخم، وأزمتا الطاقة والغذاء وآثارهما علي مصر؛ وخلال الفترة الأخيرة أضيف لهما حريق مجلس الشوري ونتائج البعثة الرياضية المصرية في أوليمبياد بكين، التي كانت مخجلة وفق كل المقاييس.

وربما كان أقسي تعبيرات حالة اليأس هذه ما جاء علي لسان واحد من الكتاب في صحيفة مرموقة، عندما عبر عن أسفه، ليس علي الحريق الذي شبَّ في مؤسسة وطنية مثل مجلس الشوري،

وإنما لأن المجلس كان فارغا من أعضائه!. والغريب أن ذلك قيل بعد دورة مثمرة لمجلس الشوري، لم يقم فقط فيها ببحث القوانين وإقرارها، وإنما قام بتعديلها، وفي حالة واحدة - الضرائب العقارية - علي الأقل أعادها كاملة إلي الحكومة.

ورغم أن ما قاله الزميل الصحفي يمسني شخصيا حينما تمني لي الاحتراق داخل المجلس دون سابق عداء بيننا، إلا أن ما يهمني في الموضوع هو ذلك المزاج العام السوداوي السائد في الساحة الإعلامية والصحفية، الذي انتقل بكامله إلي الرأي العام. وللأسف فإن الحكومة لم تسمح لنا حتي الآن بإجراء استطلاعات رأي عام علمية تعكس المزاج العام للمواطنين،

ولذلك فإن اعتمادنا علي الانطباع العام، والملاحظات الشائعة، وكلها تفضي إلي حالة من التشاؤم واليأس وغياب الأمل، في ظل صورة بالغة السلبية عن أحوال البلاد ومستقبلها وطريقة إدارة العدالة فيها.

مثل ذلك لا ينبغي له أن يمر مرور الكرام، ولو كنت في مكان قيادات الحزب الوطني الديمقراطي لشكلت لجنة تبحث في الكيفية التي تعيد الأمل للمواطنين مرة أخري. هذه اللجنة لا ينبغي لها أن تري في الموضوع علي أنه مجرد مشكلة إعلامية، وهو في بعضه كذلك، ولكن لأن كثيرا من عناصر الأمل غائبة، وهناك شك في المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد. هذه اللجنة عليها أن تبحث في عدة أمور،

أولها كيفية استمرار الإصلاح الاقتصادي في البلاد وعدم التراجع عنه، وشرح ذلك للرأي العام من خلال المستفيدين منه حتي الآن وعددهم ليس بقليل؛ والبحث فورا في الخطوة القادمة للإصلاح السياسي في البلاد، بالإضافة إلي استكمال ما توقفنا عن إجرائه والمتعلق بالمحليات والانتخابات والطوارئ؛ وأخيرا البحث فيما يعزز الوحدة الوطنية في البلاد.

وإذا كان انتخاب باراك أوباما، الأمريكي ذي الأصول الأفريقية، هو أحد بواعث الأمل الجديد في الولايات المتحدة، فإن وجود شخصية مسيحية رئيسية تكون متحدثا رئيسيا في مؤتمر الحزب الديمقراطي قد يشفي كثيرا من الجروح،

التي تعرضت لها الوحدة الوطنية خلال الفترة الماضية، ويضع حدا فاصلا ما بين حزب يقوم علي المواطنة وحركات وجماعات تقوم فلسفتها السياسية علي إدارة «الرعية». وهناك الكثير مما يضاف وينفع!

قضية أمن قومي

بقلم مجدي الجلاد

لم أعرف، وأنا أفتح ملف «البطالة والفساد والانتماء»، أن الجرح أكثر اتساعاً من خريطة الوطن.. لم أعرف أن مصر تغيرت كثيراً، وأن أمنها القومي في خطر حقيقي.. كنت أظن أن بمقدورنا إصلاح ما أفسدته السنوات الأخيرة في نفوس الشباب.. ولكن ردود الأفعال والرسائل والتعليقات بدت وكأنها ثقب مرير يصعب رتقه أو تضميده.

من بين مئات الرسائل.. إليكم ما كتبه شاب مصري من الخارج لعل الذين «يخففون» من حدة الأزمة يفهمون ما يحدث في كل بيت مصري.. يقول الشاب في رسالته تحت عنوان «الوطن الذي كان»: لقد تابعت مقالاتك «قضية أمن قومي»، وأثار هذا الموضوع في نفسي شجوناً وأوجاعاً كثيرة، وطرحت علي نفسي السؤال، وأنا الذي خدمت في القوات المسلحة «هل إذا قامت حرب مع إسرائيل سأشارك فيها؟»..

ووجدت نفسي في حيرة شديدة، واسمح لي أن أقص عليك حكايتي: فقد نشأت في عائلة لها شهداء في الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل، ولأنها أسرة بسيطة فقد تعلمنا بالكفاح، وغرس أبي وأمي بداخلنا مبادئ الأمانة والشرف.. تعلمنا أن العلم وحده هو الذي يصنع المرء.

أنهيت المرحلة الثانوية بتفوق، والتحقت بأحد الأقسام النادرة بإحدي الكليات العلمية، وأكملت رحلة التفوق إلي أن أنهيت دراستي الجامعية، فقد كان الأمل بداخلي أقوي من حالة الإحباط وغياب العدالة الاجتماعية في البلد، لذا فقد تقدمت للجامعة لاستكمال الدراسات العليا، ولكن التحاقي بالقوات المسلحة حال دون حضوري المحاضرات العلمية في الجامعة، فتم حرماني من دخول الامتحان، وضاع حلمي في الحصول علي الدكتوراه.

في أثناء خدمتي العسكرية، التحقت بأحد المراكز البحثية لتخصصي العلمي النادر، واعتقدت في البداية أنها ستكون فرصة لتطوير خبراتي، ولكنني فوجئت بأن مهمتي أنا وزملائي، ممن يحملون تخصصات علمية نادرة، هي خدمة الضباط وإعداد الشاي والقهوة، ولن أصف لك حجم السخرية من الشهادات التي نحملها.

كنت أقضي الليالي وأنا أبكي تعبي وطموحي في إفادة البلد بعلمي، ولك أن تتخيل شاباً وضعوا اسمه في لوحة الشرف والتفوق في الجامعة يحدث له كل ذلك.. ورغم إحساسي بالمهانة، فقد خرجت إلي الحياة بعد ذلك،

وكلي أمل في الحصول علي فرصة عمل في طول البلاد وعرضها، حتي إنني تقدمت لأماكن كثيرة، وبعد تفوقي في الاختبارات والمقابلات يتم استبعادي أنا وغيري، لصالح أصحاب «الواسطة»،

حتي إنني نسيت تخصصي العلمي النادر، وتقدمت للعمل بأحد الأجهزة العلمية بالدولة، لإجادتي التامة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، واجتزت بنجاح كل الاختبارات والمقابلات، لكن جاء أصحاب النفوذ و«كروت التوصية» وانتزعوا مني فرصتي الأخيرة.ظللت في بحر الأمواج المتلاطمة عدة سنوات..

ضائعاً وتائهاً بين هيئات الحكومة وشركات القطاع الخاص، حتي أرسل لي صديق تأشيرة زيارة للبلد الذي هاجر إليه، وأقسم لك يا سيدي أنني ترددت كثيراً في قبول الدعوة، ولكنني رضخت في النهاية بعد أن أغلقت في وجهي كل الأبواب،

وهناك أقنعني صديقي بالبحث عن فرصة عمل، وفي أقل من شهر وجدت وظيفة في مجال تخصصي العلمي، ومنها انتقلت إلي وظيفة أخري، ثم كانت النقلة النوعية بالتحاقي بأحد المراكز البحثية الحكومية في هذا البلد، وأقسم لك أن كل هذه «النقلات» تمت في أقل من ثلاث سنوات.

استقرت أحوالي.. فعدت إلي حلمي القديم، الذي حرمتني منه مصر.. الدراسات العليا.. وأنا الآن أستعد للحصول علي درجة الماجستير هناك، وأعمل حالياً مساعداً لمدير القسم، وأتقاضي راتباً يعادل ما يحصل عليه نحو ١٥٠ شخصاً من الموظفين في مصر، رغم أنني لم أكمل عامي الثلاثين.

واختتم الشاب رسالته الموجعة بكلمات أكثر إيلاماً: إن أكثر ما يؤلمني الآن أنني في طريقي للتخلي عن جنسيتي و«الوطن الذي كان»، وأقسم لك يا سيدي أنني لم أسع إلي هذه الخطوة، ولكنها جاءت بترشيح وضغوط من رؤسائي، لإيمانهم بتفوقي وتميزي واستفادة بلدهم مني..

لذا فأنا أختتم رسالتي لك بسؤال: إذا كنت مكاني.. هل كنت ستهب للدفاع عن الوطن الذي كان؟!.. أرجو منك أن تضع نفسك في مثل الظروف التي عشتها، ثم أجب عن سؤالي بالحيادية التي أعهدها دائماً في كتاباتك.

الإمضاء: شاب كان نفسه يفضل مصري

انتهت رسالة الشاب.. أما إجابتي عن سؤاله: لا أعرف!.

Friday, August 29, 2008

وسوف نتعلم من الأخطاء‏!‏

بقلم : حسن المستكاوي

كان اتصالها التليفوني مفاجأة‏..‏ إنها جوليانا من سفارة الصين بالقاهرة‏,‏ وكان الغرض من اتصالها أن تتقدم بالشكر لتغطية الأهرام لدورة بكين‏,‏ ولبعض المقالات التي أشدنا فيها بأداء هذه الأمة العملاقة في الألعاب الأوليمبية‏,‏ وكيف كانت دورة بكين عامرة بالانبهار‏..‏ وأعتقد أن جوليانا اتصلت بزملاء وكتاب آخرين‏,‏ فمن لم تبهره بكين؟‏!‏

وأظن أيضا أن سفارات الصين في كل دول العالم اهتمت بما كتبته الصحف‏,‏ وبتغطية جميع وسائل الإعلام‏..‏ وأجريت اتصالات هاتفية مماثلة للتعبير عن الامتنان‏.‏ وعلي الرغم من كلمات الإعجاب التي أخذت أرددها لجوليانا بشأن الصين‏,‏ وليس بشأنها‏,‏ حتي لا يفهمني أحد غلط‏, فقد أدهشني أنها قالت‏:‏ كانت هناك أوجه قصور‏..‏ وسوف نتعلم من الأخطاء‏!‏

حين انتهت جوليانا من جملتها شعرت بأني أرغب في ضرب رأسي بالحائط أو الإطاحة بوجهي بيدي‏..‏ فالصين التي أبدعت وبهرت العالم وقدمت استعراضا لحاضرها وحضارتها‏,‏ ومزجت بين تقاليدها الموروثة وانفتاحها علي الغرب والعالم‏..‏ ونظمت أفضل دورة في تاريخ الألعاب الأوليمبية‏..‏ الصين الرائعة تقول بكل تواضع سنتعلم من الأخطاء‏..‏ أية أخطاء يا جوليانا‏..‏ لم نشاهد ولم نعلم بخطأ واحد؟‏!‏

الاهتمام بالإعلام وتوجيه الشكر علي تغطية الدورة الأوليمبية‏,‏ مع أنه لا شكر علي واجب‏,‏ يؤكد أن الدول الكبري تهتم بكل التفاصيل حتي لو صغرت‏,‏ وبكل رأي حتي لو كان باللغة الأوردية أو الكردية‏..‏ لكن يبقي من اتصال جوليانا‏,‏ التي تتحدث بلغة عربية درستها في بلادها‏,‏ أنها تري أن الصين سوف تتعلم من الأخطاء‏..‏ أية أخطاء‏..‏

إني أعرف ناسا يقعون في أخطاء كما يتناولون الدواء‏..‏ خطأ قبل الأكل‏,‏ وخطأ بعد الأكل‏,‏ وهم لايعترفون بخطأ واحد‏,‏ ولا يرون خطأ واحدا‏..‏ وهم دائما يقولون إن كل شيء تمام‏,‏ لدرجة أنه لو وقع زلزال في الصين‏,‏ فإنهم يسارعون بالقول‏:‏ المصريون في الصين بخير وربما لا يكون هناك مصري واحد في الصين لكنهم اعتادوا علي أنه لا توجد أخطاء‏..‏

كأن الحكومة تستحق الحساب علي زلزال وقع في الشرق الأقصي‏..‏ ومع أننا أمة بلا أخطاء فإني أنظر حولي‏,‏ وأري الأخطاء ملقاة فوق الأرض مثل أشلاء جثث ضحايا حادث علي الطريق الصحراوي‏..‏ الصبر يارب‏!‏

Tuesday, August 26, 2008

من يحقق مع من يا سيادة الرئيس؟

عبد الباري عطوان

جميل ان يأمر الرئيس حسني مبارك بتشكيل لجنة للتحقيق في اسباب فشل البعثة الرياضية المصرية في اولمبياد بكين، وتدني مستوى اداء معظم اللاعبين والفرق في مختلف المسابقات، وتحديد اوجه القصور، ومحاسبة المقصرين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عما اذا كان كل شيء يسير على الوجه الاكمل في البلاد، والاستثناء الوحيد الشاذ في منظومة النجاح المصرية هو في الاولمبياد فقط؟ فهل الصناعة المصرية فرغت لتوها من انتاج صواريخ يبلغ مداها ثلاثة آلاف كيلومتر، والبرنامج النووي المصري على وشك تحقيق التوازن الاستراتيجي مع القوى الاقليمية العظمى التي تهدد الامن القومي المصري مثل اسرائيل؟ وهل اصبحت خيرات النمو الاقتصادي المصري تصل الى كل المصريين، بحيث باتت المستشفيات هي الافضل كفاءة، والجامعات المصرية تحتل مكانة متقدمة في الترتيب العالمي، أما المياه فباتت في متناول كل بيت وقرية وتجمع، والوظائف تصرخ استغاثة خلف طالبيها البطرانين؟ قبل ان يسأل البعض سؤالاً سمعناه وقرأناه اكثر من مرة، وهو ما شأننا وشأن مصر، نقول ان مصر هي البوصلة والرافعة والمنارة للأمة العربية بأسرها، والقاطرة الاهم التي يمكن ان تقودها الى القمة او القاع، فإذا نهضت، نهضنا معها وبها، واذا كبت كبونا، فهذا هو قدرنا الذي لا نستطيع الفكاك منه كرهنا ذلك أو أحببناه.
فالشلل الذي عاشته مصر طوال الثلاثين عاماً الماضية هو الذي اوصلنا إلى الوضع المزري الذي نعيشه حالياً، حيث تحولنا إلى 'امة خدمات' ترهن ثرواتها وثقلها في خدمة مشاريع الآخرين، دون أي مقابل غير ضمان استمرار الفساد والفاسدين في قمة السلطة.
يجب أن يعترف صانع القرار في مصر، والمجموعة التي تحيط به، وتصيغ سياساته وبرامجه ومواقفه، ان البلاد تعيش حالة من الشلل والجمود ليس في ميدان الرياضة فقط، وانما في الفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، والاعلام والثقافة والصحة والمواصلات والخدمات الاساسية الأخرى.
وهي مجالات كانت رائدة فيها، ومكنتها من ان تحتل مكانة متقدمة تتفوق على قوى اقليمية حالية مثل الهند وايران وكوريا وماليزيا والبرازيل، والقائمة تطول.
أين الثقافة المصرية التي صاغت الذهن العربي والاسلامي على مدى قرن أو أكثر، واين الاعلام المصري الذي كان يشكل الوعي السياسي للأمة، واين الدراما المصرية التي دخلت كل بيت وجعلت من اللهجة المصرية المحببة تتقدم على الفصحى، وتصبح احد معالم التحضر في المجتمعات العربية؟ لا يحتاج الرئيس مبارك لتشكيل لجنة لمعرفة بواطن الخلل في اداء اللاعبين المصريين لعدة اسباب، فجميع اللجان التي تشكلت في الماضي لم تنجز مهامها، وان انجزتها فنتائجها جاءت مخجلة تتستر على المقصرين وتبرئهم، واصغر طفل مصري، في أبعد قرية في صعيد مصر، يعرف جيداً، ان جميع مصائب مصر الحالية عنوانها 'الفساد والاستبداد'.
مصر تتعرض لعملية 'خطف' في وضح النهار من قبل حفنة صغيرة فاسدة لا تتشرف بالانتماء اليها، وتتأفف من استخدام عملتها، وترفض ركوب طائراتها التي تحمل اسمها، وتعيش في اندية مغلقة حتى لا تحتك مع ابنائها الكادحين، أو ترى وجوههم المسحوقة من آثار الفقر والجوع وطوابير الخبز.
الفساد اصبح المنظومة الوحيدة التي تتقدم وتتسع دائرتها، وتضم اعضاء جدداً، لمسيرتها في نهب مصر وثرواتها وعرق ابنائها، منظومة اصبح لها طقوسها ودستورها ومنظروها، الشيء الوحيد الذي يميزها عن المحافل الماسونية هو فجورها العلني، واستهتارها بكل قيم هذا البلد العريق واحترام مشاعر ابنائه.
مصر حكمت المنطقة العربية، وتسيدت القارة الافريقية، وتبوأت زعامة العالم الثالث بابداعاتها الثقافية والفنية، وكرامتها الوطنية، ومواقفها السياسية الشجاعة في نصرة الحق، والانتصار لقضايا المستضعفين بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو لونهم.
التحقيق يجب أن يتم مع القيادات السياسية التي أوصلت مصر إلى هذا الوضع المهلهل بحيث أصبح دورها مثل 'خيال مآتة'. هؤلاء ارتكبوا جريمة في حق مصر والامة العربية، بأسرها، لانهم خانوا الامانة، وفرطوا بالثوابت الوطنية، واوصلونا إلى هذا الوضع المزري الذي جعلنا اضحوكة في نظر العالم بأسره.
من العيب أن يقدم البعض حفنة من الرياضيين ككبش فداء لفشل عام وفي ميادين أكثر حيوية وأهمية، فهؤلاء هم الحلقة الأضعف في سلسلة طويلة من القصور والفشل يتحمل مسؤوليتها كبار الكبار وحواريوهم.
ثم من سيحقق مع من؟ هل ستحقق الحكومة مع رئيس اللجنة الأولمبية الذي هو شقيق زوجة الرئيس وخال 'ولي العهد'، أو الحاكم الفعلي للبلاد؟ وهل سيحقق المجلس الأعلى للرياضة مع الاتحادات الرياضية التي كانت تقدمت ضده بشكاوى للاتحادات الدولية واللجنة الأولمبية الدولية بسبب تدخلات الحكومة في عملها؟ وفي ماذا سيكون التحقيق؟ في سفر أكثر من مئة رياضي على أساس المحسوبية والفساد، وليس على أساس الكفاءة والمقدرة والرغبة في رفع اسم مصر عالياً في المحافل الدولية؟ وهل يعقل ان مصر صاحبة التاريخ الاولمبي العريق تأتي في مرتبة دنيا وخلف دول أصغر منها مكانة وتعداداً وتاريخاً وحضارة، وبالكاد يعرف الناس مكانها على الخريطة كـ'توغو' وبوركينا فاسو؟ وهل سيشمل التحقيق أيضاً هزيمة مصر التاريخية بأربعة أهداف نظيفة أمام السودان في نتيجة غير مسبوقة، وهي التي يلعب أكثر من عشرة من أبنائها على الأقل في أضخم الأندية الأوروبية؟ اليس غريباً أن تحقق البعثة الأولمبية المصرية في الثلث الأول من القرن العشرين، وعندما كانت تحت الاحتلال نتائج أفضل تضعها في مرتبة متفوقة جنباً إلى جنب مع دول أوروبية متقدمة (ثلاث ميداليات ذهبية في دورة عام 1928) بينما لا تفوز وبعد نصف قرن من الاستقلال الا بميدالية برونزية يتيمة؟ الكتابة كانت واضحة على الحائط، منذ أن حصلت مصر على 'صفر' من الأصوات في مسابقة تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 التي فازت فيها جنوب أفريقيا، فهل فتحت الحكومة لجنة تحقيق وعاقبت المسؤولين عن هذه الاهانة؟ لا، ما حدث هو العكس تماما، فقد كافأت الدولة الوزير المسؤول (علي الدين هلال) بتعيينه قيادياً وأميناً عاماً للإعلام في الحزب الحاكم؟ ماذا فعلت الدولة ولجان تحقيقها في كارثة العبارة، وسرقات مؤسسة 'الأهرام'، وقضية الدم الفاسد، وحريق قطار الصعيد، وماذا ستفعل في حريق مجلس الشورى، وكل الحرائق المستقبلية الآتية دون ريب اذا استمر الحال على ما هو عليه؟ عندما تكون المهمة الوطنية الأبرز للنظام الحاكم هي حماية الفاسدين، والتستر عليهم، وأعمال نهبهم لعرق الفقراء المعدمين المسحوقين، واحراق الملفات التي تدينهم، بينما تتفنن في سجن الشرفاء المعارضين، وتكميم أفواه الصحافيين والمفكرين وتلفيق التهم لهم وتشويه سمعتهم، فإن مسيرة السقوط ستستمر في هاوية بلا قاع.
مصر مريضة، ومرضها ينخر جسدها والأمة العربية جميعاً، فهي مرآة حالنا، نرى فيها وجهنا البشع، وتخلفنا المزري، بحيث أصبحنا أمة بلا وزن، ولا قيمة، ولا فعل، 'أمة خدمات' ترهن ثرواتها وأبناءها في خدمة مشاريع الآخرين

Monday, August 18, 2008

دينا ولوسي وسوزان

جلال عامر

لاحظ البوليس المصري بعيونه الساهرة أن "بواب" فيللا "حسام أبو الفتوح" يبيع زجاجة خمر فاخرة في المعادي بسعر رخيص، فمشي البوليس المصري بعيونه الساهرة وراء هذا الخيط، فقاده هذا الخيط إلي قبو في الفيللا وبالمصادفة وجدوا فيه شريط فياجرا فتركوا زجاجة الخمر ومشوا وراء شريط الفياجرا، فعثروا علي شرائط جنسية تسربت بالمصادفة -ومنها شريط "دينا"-
إلي جماهير الشعب الكادحة.. فتركوا شريط الفياجرا وتتبعوا شريط دينا، فعثروا بالمصادفة علي أوراق تثبت أن "حسام أبو الفتوح" ينافس محدودي الدخل في توكيلات السيارات المدعمة، كما لاحظ "بواب" آخر في إحدي عمارات وسط البلد أن أحد القضاة يصعد إلي مكتب أخيه الذي لا يزال تحت التجهيز في غيابه بصحبة سيدة مجتمع جميلة هي "لوسي أرتين"، ولما تكررت هذه الاجتماعات أبلغ "البواب" عيون البوليس الساهرة عن هذه الاجتماعات، ولأن "البواب" له مكانة خاصة في مدخل العمارة وفي مدخل القانون، فقد انتفض البوليس استجابة لتعليمات البواب وقرر مراقبة مكالمات لوسي والقاضي، والتي وردت فيها أسماء مسئولين كبار، منهم مساعد لرئيس الجمهورية، وبالمصادفة تسربت تسجيلات هذه المكالمات إلي الصحف، وعرف الناس أن هناك رشوة جنسية وتوصيات من مسئولين في قضية معروضة من لوسي أمام القاضي.. ما لا يريد الناس أن يعرفوه أن النشر أو عدم النشر في القضايا ليس انتقائياً وليس بهدف التضحية بأناس والحفاظ علي آخرين إطلاقاً، بل يخضع لمعايير قانونية.. ففي موضوع "دينا" كان هناك بواب يبيع زجاجة الخمر بسعر زجاجة زيت التموين، وفي موضوع "لوسي" كان هناك بواب رأي الاجتماعات وأبلغ السلطات أما في موضوع "سوزان" فليس في الموضوع أي بواب حتي إن الضحية كانت تصعد بأنبوبة البوتاجاز بنفسها إلي الدور التاسع والقانون -كما هو معروف- يشترط وجود بواب ليسمح بالنشر.. في معظم الدول المتخلفة -وليس من بينها مصر بالطبع- ينص الدستور علي أن القضاء "مستقل" دون أن يحدد "مستقل" أتوبيس أم "مستقل" عربية

نتائج بعثتنا‏..!‏

جمعت الولايات المتحدة حتي الساعة الثانية من مساء أمس‏2235‏ ميدالية في تاريخ مشاركتها في الالعاب الاوليمبية‏,‏ وجمعت مصر‏24‏ ميدالية‏,‏ منها اثنتان تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة‏..‏ لكن مصر تحتل المركز الخمسين بين‏121‏ دولة دخلت قائمة الميداليات منذ انطلاق الالعاب الحديثة في أثينا عام‏1896..‏ أما نتائج بعثتنا الاوليمبية في بكين فهي خيبة ومخيبة دون شك‏,‏ قياسا بما تحقق في أثينا‏2004,‏ لكني أتوقف هنا أمام ظاهرة الولولة المتكررة كلما شاركنا في أوليمبياد‏,‏ فنحن نكتشف المسافة الشاسعة بين رياضتنا ورياضة العالم الآخر‏,‏ كل أربع سنوات‏!‏

تلك الولولة غير موضوعية لاسباب كثيرة‏,‏ منها عدم فهم الذين يولولون معني المشاركة في الالعاب الاوليمبية‏,‏ فلو كانت الحكاية بالميدليات وعددها لما شاركت أكثر من‏75‏ دولة في الاوليمبياد‏,‏ لان بكين التي يشارك بها‏204‏ دول لن تحرز جميعها ميداليات‏,‏ وهؤلاء المولولون لايعرفون كيف يحقق أبطال ترينداد وتوباجو وجامايكا ميدالياتهم‏,‏ فهم يتدربون في الولايات المتحدة في دول أوروبية لسنوات‏,‏ وهؤلاء لايعرفون أيضا أن الامريكيين استعانوا بمايوه جديد وهو زي‏.‏ أر‏.‏ سبيدو كي يزيدوا من سرعة سباحيهم وقدرتهم علي اختراق المياه بقوة جر أقل من‏38%‏ من المايوه التقليدي‏..‏ بينما نحن نشكل لجنة علي أعلي مستوي لنعرف ماذا نضع في حقيبة الإسعاف؟

نحن متخلفون رياضيا دون الحاجة لاكتشاف ذلك بالمشاركة في الالعاب الاوليمبية‏,‏ فنحن شعب لايمارس الرياضة الحقيقية‏,‏ ففي أمريكا‏20‏ مليون لاعب تنس‏,‏ وفي مصر ألفا لاعب‏..‏ وفي ألمانيا‏15‏ مليون سباح‏,‏ وفي مصر‏50‏ مليونا يغرقون في شبر ميه والباقون يخافون من الماء ويرونها نارا والعياذ بالله‏..‏ وماهو أهم من هذا كله أن الامر بالنسبة للمواطن المصري ترف ورفاهية‏,‏ فكيف يلعب ويتدرب‏,‏ وهو أصلا لايجد الوقت كي يتعلم‏,‏ وهو ربما قد ينتحر بسبب الثانوية العامة التي نتحدث عن تطويرها منذ‏20‏ عاما ولم تتطور‏.‏ وأكتفي بذلك فالمسألة أعمق من أن نتناولها بالولولة والخطب‏,‏ أو باختصار النهضة الرياضية وتعليقها ورهنها‏..‏ بعودة حصة الالعاب للمدرسة‏..‏ فهذا كله وغيره ضحك علي النفس وعلي الناس؟‏!

Friday, August 15, 2008

الكتابة بحبر الصدق‏

بقلم : مفيد فوزي

‏ الأنظمة الشبه ديمقراطية شقيقة‏..‏ للديكتاتورية‏.

*‏ الدولة الدينية تعود بالدولة المدنية عشرات السنين الي الوراء‏.‏

*‏ القضايا ـ في العالم الثالث ـ تفور الي حد الغليان‏,‏ ثم تهبط الي ما تحت الصفر‏.‏

*‏ سر في الشارع وانظر فجأة الي أعلي ستجد الشارع كله ينظر في نفس الاتجاه‏:‏ نظرية القطيع‏.

*‏ الألسنة المرتجفة لا تصنع رأيا عاما قويا‏.‏

*‏ امتلك صحيفة تدافع عن مصالحك واختف في الدرة‏.

*‏ ماتقولش مصر هي أمي‏,‏ أمك قاعدة جوة‏(‏ أدبيات سينما‏2008).‏

*‏ زويل يعطي علمه لدولة قطر‏,‏ معناه خلل حكومي عندنا‏.‏

*‏ من هو الشجاع الذي يقول‏:‏ شهر الصيام يجب أن تتعامل الدولة مع الناس في جهازهم الهضمي فقط وتعلن عن استعداداتها الغذائية للشهر الكريم‏.‏

*‏ نكست العصافير أجنحتها‏,‏ وكفت البلابل عن التغريد‏,‏ مات محمود درويش وهو يحلم بالعودة‏.‏

*‏ فتحت باب قفص البغبغان لأفرج عنه بعد اعتقال دام سنوات‏,‏ ولكن جناحيه خذلته عن التحليق‏,‏ فعاد‏..‏ للقفص‏,(‏ قصة قصيرة رمزية‏).‏

*‏ رؤية ضبابية‏:‏ رمضان شهر استماع ومشاهدة كثيفة‏,‏ ومع ذلك لا يستفيد منه سوي الدراما والفوازير وكلاهما مسليان‏.‏

*‏ الغوغائية هي الاندفاعات العاطفية بدون عقل مرتب أو حس عام‏.

*‏ الزواج العرفي‏,‏ موقف احتجاج من الشباب لتجاهل الحكومة لغرائزهم‏.‏

*‏ هناك عالم في المنصورة اسمه د‏.‏ محمد غنيم في مركز الكلي‏,‏ هو شديد الشبه من نبات الظل‏.‏

*‏ بلد كورة‏(‏ شهادات سابقا‏).‏

*‏ مقتل الادارة في مصر‏,‏ قيمة اسمها العشم تسير في الاتجاه السلبي‏.‏

*‏ رحيل سعاد حسني أخذ من الشاشات ألف ساعة كل عام‏,‏ ورحيل جمال حمدان مؤلف عبقرية مصر أخذ من الشاشات مائة ثانية‏,‏ يابلد؟

*‏ نعم‏,‏ تعلمت أن‏(‏ اتقي‏)‏ شر من‏(‏ أحسنت‏)‏ إليهم‏.‏

*(‏ عندما ينشب صراع في السلطة‏,‏ فما الذي علي العالم أو المفكر أن يفعله‏,‏ هل يقف مع الحق أم مع المنتصر؟‏)‏ سؤال طرحه ابن خلدون يوما ما‏..‏ ومازال السؤال قائما‏.

*‏ لأن أفراحنا شحيحة‏,‏ تأتي عصبية وصاخبة‏.‏

*(‏ مصر تدعو الفصائل الفلسطينية للحوار الوطني‏)..‏ ويأبي القلم التعليق‏.‏

*(‏ وقفة مصرية‏):‏ علشان ناكل كلنا‏,‏ وزعوا الثروة بالعدل بيننا‏,(‏ رأي‏).‏

*‏ في مصر‏,‏ الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية‏,(‏ ولا أخطاء املائية‏).

*‏ لي بعض الأصدقاء بين الفنانين‏,‏ تستمر صداقتهم الحميمة‏..‏ طول عرض الفيلم أو المسرحية‏..‏ أو الغنوة الجديدة‏.‏

*‏ ليس كل كاتب‏(‏ مقروء‏)‏ وليس كل وزير‏(‏ محبوب‏)‏ وليس كل غني‏(‏ محسود‏),‏ المهم النية والقصد والكاريزما‏.‏

*‏ لماذا تكتب؟ إيمانا مني بأنه ربما‏(‏ كلمة‏)‏ تغير من سلوك أو مفاهيم انسان قارئ‏.‏

Monday, August 11, 2008

جنب حيطة الوطن

بقلم حمدى رزق

واحد منهم دفع الملايين ليتزوج إحداهن في القاهرة، وواحد منهم دفع الملايين ليتخلص من إحداهن في الخليج ، وثالث دفع الملايين ليفلت من جريمته في سفاجا، ثلاثتهم وغيرهم مستعدون لدفع الملايين في كل وقت ولأتفه الأسباب: نزوة، عاطفة، شهوة، تغور البلد في ستين داهية.

إلي متي يظل هؤلاء قابعون في حجر الدولة، جاثمين علي قلبها، لماذا؟ تدفع الدولة لهؤلاء ثمن نزواتهم وشهواتهم ومغامراتهم، الدفع يجوز مرة، من كرم الدولة، الدولة كريمة قوي مع البعض، لكن الدفع علي فترات، مرات ومرات، هذا كثير، ابتزاز.

مين دول، ولاد مين في البلد، حتي تدفع لهم الدولة ثمن الولاء، بيشتغلوا إيه، داينين الدولة بإيه، كاسرين عين الدولة بإيه، بيخوفوا الدولة بإيه، بيصرفوا علي الحزب مثلا؟ لو نار ما أحرق أحدهم مكانه، سوءات هؤلاء وعوراتهم التي يبينون ولا يختشون فوق احتمال النظام .

أي نظام لا يحتمل تلك النماذج الشائهة المشوهة التي لا ترعوي لقانون، النظام أدمن التجارة في الخسارة، يتاجر مع هؤلاء في الخسارة وهم الرابحون. تستغرب، من أين أتوا، وتحت أي جدار كانوا يختبئون، خرجوا علينا جماعة بليل، اقتسموا الفريسة من أربع، هذا أمسك في الحديد، وهذا تخصص في العقارات، وثالث في الاتصالات، ورابع زايد علي لحم الغلابة المستورد من السودان الشقيق، صاروا يسلِّعون كل شيء، ويتاجرون في كل شيء، من الإبرة إلي الصاروخ، شروا الوطن جملة، بضاعة، بثمن بخس دراهم معدودة.

لا تعرف لهم أصلا ولا فصلا، وفجأة وفي غفلة أطلوا علينا من شرفة القصر، وألحوا، وتحولوا من أصفار إلي أرقام، والأرقام تحولت الي مليارات، وبورصة وعقارات ومدن في الصحراء، والمتر برخص التراب، والتراب تحول إلي ذهب، عيال كانت بتلعب جنب حيطة الوطن تحولوا إلي كائنات ديناصورية، لو تأخروا في الصحيان مبكرا في مارينا أو لو راحت عليهم نومة في الريتس بباريس اهتزت أعصاب الوطن .

تسمع عجبا، شائعة هروب أحد هؤلاء تهبط بالبورصة إلي أسفل، ويرتعد الاقتصاد المصري ويرتبك، ويتصل نصف وزراء الحكومة الذكية بالعبقري الهارب يطلبون العودة علي جناح السرعة، ويتشرط، ويطلب ضمانات بعدم التسليم في جريمة في قطر عربي شقيق، وقد كان.

ماذا يجني النظام من وراء هؤلاء علي وجه التحديد؟ ماذا يستفيد النظام من التصوير مع هؤلاء؟ هل يقتسم الغلة معهم بعض المتنفذين؟ وإلا ما معني الإغداق النظامي علي من لا يحسنون التعامل مع النعمة، بطرا يقذفون بها في الوجوه، عاجزون عن إدراك معني ثقة النظام فيمن هم ليسوا أهلا للثقة.

رجل الأعمال مثل عذراء القبيلة، كلمة واحدة تخدش شرف العذراء فيسيل علي جوانبه الدم، وشائعة واحدة تحفر قبر رجل الأعمال فتدفنه علي قيد الحياة، لكن هؤلاء صاروا محصنين، بيخرجهم النظام من المصائب كالشعرة من العجين، لا يهمهم الشرف في كثير أو قليل، يفجرون بها ويلهون ويلعبون ويشربون أنخابا في صحة النظام، يعود من مكمنه فيجد في انتظاره تليفزيون الدولة مفروشا، وصباح الخير يا وطن.

Sunday, August 10, 2008

العراق بين الجوع والمليارات

عبد الباري عطوان

المشهد العراقي مليء بالمفارقات الكئيبة في معظمها، ولكن المفارقة التي لفتت نظري في الاسبوع الماضي، هي قيام المطرب العراقي كاظم الساهر بزيارة تجمعات اللاجئين العراقيين في سورية، والفرحة الواضحة على وجوه الاطفال بوجود هذا الرمز الفني العراقي بينهم، يتعاطف مع محنتهم، ويحاول تخفيف آلام غربتهم وتشردهم بعيدا عن بلادهم. لم اسمع، او اشاهد، او اقرأ، ان مسؤولا عراقيا من حكام 'العراق الجديد' زار هؤلاء في سورية، او تفقد اوضاع اشقائهم في الاردن، حيث يصل عدد اللاجئين العراقيين في البلدين الى ما يقارب الاربعة ملايين. بل ان منظمات دولية واقليمية اتهمت حكومة المالكي برفض تقديم اي مساعدات لمواطنيها اللاجئين بالخارج.
كان الكثيرون، يعتقدون ان محنة العراق ستنتهي بمجرد الاطاحة بالنظام السابق، وسيتحول البلد الى واحة من الرخاء تغري ملايين العراقيين الذين يعيشون في الخارج بالعودة مع أسرهم للتمتع بثروات البلاد واستقرارها واحترام حقوق الانسان، ولكن ما حدث هو العكس تماما، وشاهدنا العراقيين يهربون بالملايين الى دول الجوار، ويصطفون في طوابير طويلة امام مكاتب الامم المتحدة او قنصليات الدول الاوروبية والامريكية بحثا عن تصريح باللجوء، هربا من الاضطهاد او العنف الطائفي.
اما الحكومة العراقية 'المنتخبة' فتجلس حاليا على جبل هائل من الاموال، حيث قدر تقرير حكومي امريكي عوائد النفط العراقي بحوالي 156 مليار دولار في العام، وقال ان الفائض في الميزانية يبلغ 79 مليار دولار، اما رصيد الحكومة في بنوك امريكا واوروبا فيبلغ حاليا 92 مليار دولار.
ارقام مرعبة، ومــــع ذلك لا تخلو الصحـــف العراقيــة من تحقــيقات وتقارير اخبارية تتحدث عن اطفال يتسولون لقمة الخبز في شوارع بغداد ولا يزيد عمر بعضهم عن ثلاثة اعوام، يركضون خلف المارة والسيارات في ظروف مناخية ملتهبة. بل ان احدى الصحف قالت ان عائلات تراكمت بأسمال نسائها البالية امام مكاتب الرعاية الاجتماعية للحصول على اعانة، وقد بدا عليهم البؤس والفقر والعوز والمرض، وهي اعانة لم تصرف لهم منذ اربعة اشهر.
لا نعتقد ان قطط الحكومة السمان التي تنعم برفاهية المنطقة الخضراء ومستشفياتها ومطاعمها وقصورها المكيفة، تشعر او تتعاطف مع هؤلاء الفقراء المحرومين، ومعظمهم جاء من المنافي، واغرق في الوعود بالانحياز الى الفقراء وتحويل العراق الى 'جمهورية افلاطون الفاضلة'.
جميع الشعوب النفطية في الخليج او المغرب العربي تتنعم بثرواتها النفطية، والعوائد الضخمة التي تتدفق على خزائن حكوماتهم سنويا، باستثناء الشعب العراقي او غالبيته المسحوقة، التي لا تجد لقمة الخبز او علبة الدواء، ناهيك عن الامن والامان المفقودين، سواء بسبب العصابات الاجرامية المسلحة او القتل على ايدي الميليشيات الطائفية او القوات الامريكية.
العراق يتعرض الى اكبر عملية نهب في التاريخ الحديث، ومن قبل بعض اللصوص الذين عادوا اليه مع قوات الاحتلال. وتكفي الاشارة الى ما ذكره برنامج 'بانوراما' الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي.بي.سي) وكشف بالارقام والوثائق الامريكية الرسمية عن سرقة 23 مليار دولار من عوائد البلاد النفطية من قبل هؤلاء، واثبت ان العراق هو اكثر بلدان العالم فسادا في الوقت الراهن.
اما آثار هذا الفساد فنراها واضحة في ابراج وودائع فلكية في مدينة دبي، وشقق ومنازل باذخة في لندن وباريس وبراغ وعواصم اوروبية اخرى، كلها مملوكة لاشخاص من رجالات 'العراق الجديد' كانوا يعيشون على 'الضمان الاجتماعي' او مساعدات الفقراء في بريطانيا، وكأن هؤلاء ارادوا ان يثأروا من الشعب العراقي بإفقاره وسرقة ثرواته.
اعرف شخصيا اسرة عراقية تعيش في لندن على اعانات الحكومة البريطانية للاجئين، كانت تتباكى على العراق وثرواته المهدورة، وبذخ إبني الرئيس العراقي الراحل والملتفين حولهما، لأفاجأ بان هذه الأسرة اصبحت تلعب بالملايين من الدولارات، وتقيم حفل عرس من طراز الف ليلة وليلة في افخر فنادق دمشق، وترسل الدعوة للاصدقاء مقرونة بتذاكر السفر ذهابا وايابا، وحجز طابق كامل في الفندق المذكور للمدعوين.
لا احد يحاسب هؤلاء، فالقانون غائب، والشفافية معدومة، وهل يعقل ان يحاسب اللصوص اللصوص، وما هو ادهى وأمر ان اي شخص ينتقد هذا الوضع الفاسد الذي يجوع شعبا كريما عريقا ابيا، يتهم فورا بانه من 'مؤيدي المقابر الجماعية'، من قبل اناس حولوا العراق كله الى مقبرة جماعية.
الشعب العراقي تعرض الى اكبر خديعة في تاريخه عندما صدق هؤلاء الذين اتوا اليه بالخراب، والدمار، والفساد، والقتل، تحت شعارات 'الديمقراطية والرخاء والامان'، ليجد نفسه بعد خمس سنوات، اكثر شعوب المنطقة بؤسا وحرمانا.
الادارة الامريكية مارست ضغوطا ضخمة على دول الخليج لالغاء ديون العراق. وكانت دولة الامارات العربية المتحدة اول دولة تستجيب لهذه الضغوط، بينما ما زالت دول اخرى مثل الكويت والمملكة العربية السعودية 'تدرس' هذه الخطوة. والسؤال المطروح هو عن مبررات الغاء هذه الديون لدولة تجلس على فوائض مالية هائلة، وتنفق اقل من اربعة مليارات دولار في الفترة من 2005 الى 2007 على مشاريع اعادة الاعمار التي من المفترض ان يستفيد منها الشعب العراقي، وظائف ومستشفيات ومدارس وامدادات ماء وكهرباء.
فحكومة لا تهتم بمواطنيها في الداخل او في الخارج، وينحصر اهتمامها في توظيف اقارب المسؤولين فيها، والاغداق عليهم بالمنح وبدلات السفر، وتدفع رواتب عالية لعشرات الآلاف من المحسوبين عليها الذين فضلوا العودة الى منافيهم السابقة ولكن ليس كلاجئين، وانما كموظفين كبار، بدرجات ورتب عالية، وامتيازات مالية ضخمة لا يحلم بنصفها امثالهم من رعايا الدول الخليجية.
الشعب العراقي يجب ان يحاكم هؤلاء اللصوص، وكل من اهدر ثرواته، واساء استخدام السلطة، مثلما عليه ان يحاكم ايضا الذين ارتكبوا المجازر الجماعية الجديدة، وبزوا كل من سبقوهم في التعذيب والقتل على الهوية، تحت حجج وذرائع مختلفة.
فعندما يلجأ اطفال العراق الى التسول، تحت شمس الصيف الحارقة، بحثا عن لقمة خبز، فهذه ظاهرة لم يعرفها هذا البلد الكريم الشهم حتى في زمن الحصار الامريكي الظالم الذي امتد لاكثر من ثلاثة عشر عاما، ومن شاهد برنامج قناة 'الحرة' الامريكية عن هؤلاء الاطفال وأسرهم فانه يدرك احد جوانب مأساة العراق مع حكامه ومحتليه معا.

وهم العالمية

د. فيصل القاسم


قلما تقرأ، أو تشاهد مقابلة مع مطربة، أو مطرب عربي هذه الأيام، إلا وتجده يطمح إلى العالمية. أي أنه يريد أن يقول لنا إن أسوار الوطن العربي ضاقت به و«بصوته البديع»، ولابد من أن يكسر الحيطان لينطلق إلى أفق أرحب يليق «بمكانته الفنية». لقد وصل الغرور ببعض الفنانين والفنانات إلى «بجاحة» لا مثيل لها. فقد اعتقد بعضهم أنهم سلاطين زمانهم. ولا عجب، فوسائل الإعلام العربية، للأسف الشديد، أعطتهم أكبر من حجمهم بمئات المرات، وجعلتهم يعتقدون أنهم عظماء القرن من كثرة ما فرضتهم على المشاهدين والمستمعين والقراء. ولهذا فهم باتوا يظنون أنهم أهم وأكبر من أن يكونوا مجرد مطربات ومطربين عرب.

طبعاً لا ضير في الطموح إذا كانت الأرضية والمقومات والإمكانيات موجودة والشروط متوفرة. لكن عندما يصبح الطموح نوعاً من الوهم والهذيان، فهنا لا بد من وضع النقاط على الحروف. أولا أود أن أقول للطامحين إلى العالمية إن هذا الامتياز يكاد يكون مقتصراً على جنسيات معينة وقليلة جداً. والعالمية تعني بالتحديد أن تكون مشهوراً، ومعترفاً بك في لندن ونيويورك، حيث تسيطر شركات الغناء العملاقة، وتتحكم بالسوق وبالأذواق وبسياسة الغناء عموماً. فالغناء سياسة. أو بالأحرى أحد جوانب السياسة الثقافية التي لا تقل خطورة وأهمية عن السياسة السياسية. وبما أن الثقافة السائدة، أو المفروضة عالمياً هي الثقافة الأنغلوساكسونية، أي الأمريكية ـ البريطانية في الغناء والأدب والفن وحتى السياسة، فإن الوصول إلى العالمية بالنسبة لمطرب أو مطربة عربية مثل حلم إبليس بالجنة.

أليس المطربون الأوروبيون من فرنسيين وألمان وسويسريين وبلجيكيين وهولنديين وسويديين ونرويجيين ونمساويين وإيطاليين وأسبان، أليسوا أولى بالعالمية من المطربين العرب؟ بالطبع، وذلك بفعل التقارب والتفاعل الثقافي بين أبناء القارة الأوروبية المتحدة وأمريكا. لكن أين هم من العالمية؟ كم من المطربين الفرنسيين حققوا العالمية وأصبحوا مشهورين «مفرقعين» في لندن وواشنطن، أو حتى داخل القارة ذاتها؟ صعب جداً طبعاً. قد يكون بعض المطربات والمطربين الفرنسيين حققوا بعض الشهرة في الوطن العربي مثل شارل أزنافور، وماري ماتيو، وجان هاليدي. لكن ليست هذه هي العالمية بمعناها الشامل والكامل. وقد يقول قائل إن المطرب الأسباني الشهير خوليو إغليسياس حقق العالمية. وهذا غير صحيح، فذلك المطرب انتشر عربياً بفضل أغانيه الرومانسية، واشتهر في البلدان الناطقة بالأسبانية فقط، لأسباب ثقافية ولغوية معروفة، لكنه لم يحقق نفس الشهرة في العواصم الغربية، وخاصة لندن وواشنطن وحتى باريس. وإذا كان ابنه حقق شهرة كبيرة في العالم فذلك لأنه غنى بالانجليزية.

أما إذا كان البعض يعتقد أن المطربة الكوبية الأصل غلوريا أستيفان حققت العالمية، فهذا تحقق لكونها كوبية انطلقت من أمريكا، وبدعم كبير من اللوبي الكوبي الذي يعتبر من أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة. ولا ننسى أن أستيفان غنت، وانتشرت من خلال غنائها باللغة الإنكليزية. وهي بالتالي مطربة أمريكية وليست كوبية. أما بالنسبة لفرقة Abba السويدية فهي انتشرت في وقت من الأوقات لبراعتها في الغناء باللغة والألحان ذات الطابع الأمريكي البريطاني. وفيما يخص الشاب خالد وغيره من مطربي «الراي» الجزائريين، فإن هؤلاء لم يحققوا العالمية، كما يزعم، ويروج البعض. هم انتشروا في فرنسا فقط لأسباب معروفة. فقد غنوا بعضاً من أغنياتهم بالفرنسية، ناهيك عن أن الشركات الفرنسية هي التي دعمتهم، وروجت لهم في فرنسا. باختصار فانه من المستحيل على أي مطرب، أيا كان، أن يحقق العالمية دون أن يحصل على اعتراف أمريكي ـ بريطاني أولاً وأخيراً. فإذا توفر هذا الشرط ، فليبشر الطامحون إلى العالمية، حتى وإن كانوا نكرات. والدليل على ذلك أن شركات الغناء البريطانية استطاعت قبل حوالي عشر سنوات أن تــُشهر في أوروبا مطربة إسرائيلية اسمها اوفرا هازا. لكن لا يخفى على أحد أن وراء هازا من الدعم ما لا يحلم به أي مطرب عربي لأسباب لا تخفى على عين. وجدير بالذكر أن المطربة الإسرائيلية تلك لم تعمر طويلاً في سوق الغناء الغربية والعالمية. لقد كانت مجرد فرقعة مؤقتة.

وحتى اليابان بثقلها الاقتصادي الهائل على الساحة الدولية لا تستطيع أن تفرض شروطها ثقافياً بالرغم من أنها اشترت بعض أكبر استوديوهات هوليود الأمريكية وشركاتها الفنية. لكن مع ذلك فهي لم تستطع أن تطلق فناناً يابانياً يحتل مكانة عالمية. فقد تكون اليابان عملاقاً اقتصادياً، إلا أنها قزم ثقافي. فما بالك بالعالم العربي الذي مازال في مرحلة ما قبل «القزمية» اقتصادياً وثقافياً. مع ذلك تتبجح بعض الفنانات والفنانين العرب، ويطمحون إلى العالمية.

لابد أن يعلم الجميع أن الثقافة السائدة عالمياً هي ثقافة الأقوى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. والمقصود طبعاً أمريكا وبريطانيا. وقد تكون بريطانيا أضعف من غيرها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، لكنها محسوبة على أمريكا ثقافياً. ناهيك عن أنها تعتبر معقل الثقافة الأنغلو ساكسونية بفضل اللغة الإنكليزية التي حلقت بها أمريكا إلى آفاق أرحب. وفي الوقت الذي تحاول فيه لندن وواشنطن فرض النموذج الأمريكي-البريطاني في الثقافة بمختلف أنواعها، فإنهما تمارسان تعتيماً مهولاً على بقية الثقافات داخل الولايات المتحدة وبريطانيا. فإذا نظرنا إلى الداخل البريطاني، فإن البريطانيين لا يعرفون إلا القليل عن بقية ثقافات العالم وفنانيهم.

لقد عشت في بريطانيا أكثر من اثني عشر عاماً، ولم أشاهد على شاشات التلفزيونات البريطانية سوى بضعة أفلام أجنبية تعد على الأصابع. ولم أشاهد مطرباً أجنبياً واحداً استطاع اختراق الساحة البريطانية أو الأمريكية. صحيح أن فرنسا مثلاً متهمة بأنها تمارس دوراً حمائياً محموماً على ثقافتها ضد الثقافة الأنغلوساكسونية، إلا أنها أكثر انفتاحاً على تلك الثقافة، إذا ما قورنت بالانفتاح الأمريكي ـ البريطاني على الثقافة الفرنسية أو الثقافات الأخرى. والدليل على ذلك مثلاً أن البريطانيين والأمريكيين من أقل شعوب العالم تعلماً للغات الأجنبية، بدعوى أن كل العالم يعرف اللغة الإنكليزية. وهم يطبقون المبدأ نفسه على الثقافة، لهذا فهم يرفضون تقبل الثقافات الأخرى، بحجة أن ثقافتهم هي الأنسب والأفضل، وعلى العالم أن يقتبسها، وليس العكس. وهذا طبعاً يذكرنا بالنظرية المعروفة بـ«اليوروسنتريك». أي أن أوروبا هي مركز وثقل العالم.

هل مازال المطربون والمطربات العرب يطمحون إلى العالمية بعد كل هذا الشرح؟ ثم حتى لو وصلوا إلى لندن وواشنطن ونيويورك بأغانيهم، فهل يستطيعون المنافسة، خاصة وأن معظمهم عبارة عن مطربين ممسوخين، أي أنهم يحاولون تقليد المطربات والمطربين الغربيين بطريقة مضحكة وبائسة. فهل سيستمع الجمهور إلى النسخة المكررة، أم إلى الأصل؟ والأكثر من ذلك أن لندن وواشنطن ونيويورك تعج بالمطربات والمطربين الهابطين، وليست بحاجة إلى فنانين «هايفين» مستوردين.

وأخيراً، هل أتقنت المطربات والمطربون العرب الطامحون إلى العالمية الغناء باللغة العربية كي يحاولوا بالإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية؟ أليس حرياً بهم أن يتعلموا الغناء بلغاتهم الأصلية قبل التنطع للغناء بالأجنبي؟.

شاليط الإسرائيلي وشلـّوط العربي!

د. فيصل القاسم

من منا لم يسمع باسم الجندي الإسرائيلي الشهير "شاليط" الذي أسرته حركة حماس؟ فقد أصبح أشهر من نار على علم بعد أن جعلته وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية وحتى العربية على كل لسان لكثرة ما تحدثت عن "محنته" وضرورة إطلاق سراحه البارحة قبل اليوم. وقد أعلن بعض قادة حركة حماس أنهم لا يذهبون إلى بلد عربي، إلا ويفتح المسؤولون العرب معهم ملف الأسير الإسرائيلي، ويطالبونهم بإطلاق سراحه. وكم تعجب مسؤولو حماس من ذلك الحماس العربي المنقطع النظير للإفراج عن "شاليط" الإسرائيلي، بينما لا يحرك أولئك المسؤولون ساكناً من أجل إطلاق عشرات الألوف من "الشلــّوطات" العرب في السجون الإسرائيلية الغراء.

أما إذا لم تعرفوا من المقصود بـ"شلــّوط" العربي في العنوان أعلاه، فهو الأسير أو السجين العربي الذي يقبع في السجون الإسرائيلية والأمريكية والأجنبية منذ عشرات السنين، ولم يلتفت إلى محنته أحد. إنه مجرد "شلــّوط" في عرف الحكومات العربية. ولمن لا يعرف معنى مفردة "شلــّوط"، فهو نوع من الأحذية الرخيصة يتندر البعض برداءته وقلة قيمته.

لا أذيع سراً إذا قلت إن قيمة الإنسان العربي في بورصة الأنظمة العربية لا تساوي قشرة بصلة، فالحكومات التي تسوم شعوبها سوء العذاب داخل البلاد، وتحاربها بلقمة عيشها، وتدوس كرامتها، وتنكل بها ليل نهار لا يهمها أسر مواطن لها من قبل العدو أو جهة أجنبية، أو اختفاء بعض رعاياها في ظروف غامضة في هذه المنطقة أو تلك من العالم، ولا يضيرها أن يبقى المئات من مواطنيها في سجون الأعداء لعشرات السنين. فالذي يضطهد مواطنيه في الداخل لن يتحرك لنجدة أسير له، أو معتقل في الخارج. وكم من المساجين العرب يدخلون سجوناً ومعتقلات أجنبية ويقضون داخلها عشرات السنين، ثم يموتون دون أن يسمع بهم أحد، أو تلتفت إلى قضيتهم حكومة عربية.

متى نظمت الحكومات العربية حملات كبرى للضغط من أجل إطلاق أسير لها، أو الإفراج عن بعض رعاياها الذين يقبعون في غياهب سجون العالم؟ هل سمعتم عن بلد عربي تأهب لإطلاق سجين من معتقل غوانتانامو الأمريكي الرهيب؟ بالطبع لا. فقد صمتت الدول العربية التي لها مساجين في المعتقلات الأمريكية صمت القبور، ولم تحرك ساكناً، ولو على عينك يا تاجر، من أجل لفت الأنظار إلى محنة أسراها ومعتقليها. ولولا ضغوط وتدخلات الحكومات الغربية لما خرج بعض المساجين العرب الذين يحملون جنسيات أوروبية من غوانتانامو. ولا داعي للتذكير بأن نفس الأنظمة العربية التي كانت تشحن "المجاهدين" العرب كالقطعان إلى أفغانستان هي نفسها الآن التي تسلمهم للأمريكيين كي يقضوا بقية حياتهم في المعتقلات والسجون الأمريكية.

متى سمعتم عن حملة عربية للإفراج عن الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية؟ هل كان لبعض الأسرى اللبنانيين كسمير القنطار ورفاقه أن يخرجوا من غياهب السجون الإسرائيلية لولا حزب الله الذي استثمر مشكوراً رفات بعض الجنود الإسرائيليين في إطلاق بعض الأسرى اللبنانيين والعرب؟ هل سأل أحدكم نفسه لماذا لا تتردد إسرائيل في استبدال عشرات الأسرى الأحياء العرب برفات جندي إسرائيلي؟ السبب بسيط، فشتان بين "الشاليط" و"الشلــّوط".

وكي لا نهضم حق الكويت، فلا بد من الإشارة إلى أن الأخيرة أطلقت في الماضي حملة لم يسبق لها مثيل عربياً للضغط على النظام العراقي السابق كي يفرج عن عشرات الأسرى الكويتيين الذين أسرهم أثناء الغزو العراقي للكويت. ولا شك أنها كانت حملة جديرة بكل الاحترام والتقدير في عالم عربي يضطهد ويدوس الأحرار فما بالك بالمساجين. لكن الحملة الكويتية توقفت فجأة، ولم نعد نسمع عن أي محاولات كويتية لإطلاق الأسرى الكويتيين في العراق. فقد اختفت أخبارهم عن الساحة تماماً، ولا ندري ماذا حل بهم بعد أن داست أحذية اليانكي الثقيلة تراب الرافدين. ربما انقطعت أخبارهم لأن السجان أصبح أمريكياً، وفي هذه الحالة يرخص الغالي "كرمال"عيون العم سام.

كيف للأنظمة العربية التي تتآمر أجهزة أمنها مع الأمريكيين لملاحقة هذا المواطن العربي أو ذاك وإيداعه السجون وتعذيبه شر عذاب في المعتقلات الأمريكية الطائرة، أو في تلك التي تستضيفها بعض الدول العربية عن طيب خاطر، كيف لها أن تدافع عن سجين أو تعمل من أجل تخليصه من براثن الجلادين الأمريكيين؟ أليس حرياً بالمطلوبين العرب أن يسجدوا لله عز وجل كي يقيهم شر الأجهزة العربية التي لا تتردد في بيع خدماتها الأمنية لكل من يريد أن يلاحق أو يقبض على مواطن عربي، أو يغتال مقاوماً؟ هل سمعتم في حياتكم عن جهاز أمن إسرائيلي أو أمريكي يتآمر مع جهاز أمن أجنبي لملاحقة أو القبض على مطلوب أمريكي أو إسرائيلي؟ هل يعقل أن أجهزة الأمن في بعض الدول العربية تشارك الأمريكيين في تعذيب بعض المساجين العرب بكل وقاحة؟ ألم تتلقف الأجهزة الأمنية في بعض الدول العربية بعض المشتبه بهم أمريكياً لتكمل مهمة الأمريكيين في التحقيق والتعذيب في السجون العربية، خاصة إذا كانوا من الإسلاميين؟ هل يعقل أن بعض الدول العربية باركت وقوع بعض مواطنيها في أيدي السجانين الأجانب لا لشيء إلا لأن المساجين مطلوبون سياسياً لهذا البلد العربي أو ذاك؟ ما هذه الدول التي تنتقم من معارضيها بهذه الطريقة البائسة والحقيرة؟أهي دول فعلاً، أم عصابات؟

متى نشاهد زعيماً عربياً يزور عائلة أسير أو سجين عربي يقبع في المعتقلات الإسرائيلية أو الأجنبية، ويطمئن ذويه بأنه سيعمل قصارى جهده كي يعيده إلى أهله سالماً غانماً، أو على الأقل يواسيهم عاطفياً، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قبل فترة، حيث زار ذوي "شاليط"، وطمأنهم بأن دولته متأهبة لإعادته إلى بيته مهما كلف إطلاقه من أثمان؟

متى يتحول "الشلــّوط" العربي إلى "شاليط"؟

الناس في علاقتهم بالله علي خمسة احوال

بقلم: د. معتز بالله عبدالفتاح

شاء قدر الله أن أتواجد يوم الثلاثاء الماضي في بيتي بالقاهرة، وأن أشاهد برنامجاً للأستاذ محمود فوزي، وهو رجل ترك انطباعاً رائعاً عندي منذ أن حاورني وغيري من أوائل الثانوية العامة في سنة 1989 لمجلة »أكتوبر« علي ما أتذكر. المهم وجدته يتحدث مع الدكتور حسن راتب الذي لم أكن أعرف عنه الكثير قبل هذا البرنامج. وكان موضوع الحوار عن الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمة الله عليه - وهي حلقة لمست وتراً حساساً عندي بل سأظل أتذكرها،

وأذكر بعض تفصيلاتها لأنها قدمت لي دليلاً متجدداً عن الله الخالق الذي يخلق في كل لحظة ويرقب الكون في كل وقت، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. وسأبدأ بملخص القصة التي جعلتني أنادي مسرعاً علي زوجتي كلي تستمع إليها والتي أخرجت الدموع من عيني اعترافاً بعظمة الخالق ورجاء بأن يغفر لي سوء تقديري له سبحانه، علي نحو ما سأفصل.

ملخص القصة كما رواها الدكتور حسن راتب، تقول إنه تعرف إلي الشيخ الشعراوي في جلسة جمعته مع أصدقاء وسأله سؤالاً عن الربا وربطه بقضية التضخم حيث تفقد النقود قدرتها الشرائية إذا ما أقرضت دون فائدة. وكان رد الشيخ الشعراوي عنيفاً علي غير توقع الدكتور راتب فترك أثراً سلبياً في نفسه حتي أنه قرر ألا يشاهد برامج الشيخ بل حتي يتجنب الاستجابة لطلب الشيخ للقائه. وتمر الأيام ويرزق الله الدكتور راتب ابناً ما لبث أن أصابه مرض فيدعو الله له بالشفاء ويتصدق حتي يشفي الله المريض بالصدقة. وتمر الأيام ويجلس الدكتور راتب مع زوجته ومعهما الطفل المريض، وفي لحظة من يقظة يري الدكتور راتب الشيخ الشعراوي داخلاً عليه الغرفة ويحمل بين يديه ابنه المريض. ويحاول أن ينبه الرجل زوجته لمقدم الشيخ فيختفي الشيخ من أمام عينيه، وتفسر الزوجة ما رآه زوجها من أنه قد غفي وفي غفوته رأي ما تمني.

يقول الدكتور راتب، وما كان إلا أن تحرك الطفل وبدأ يطلب الطعام، وأما وقد طعم، فبدأ يشفي، وأما وقد شفي فقد قرر الدكتور راتب أن يعتمر شكراً لله علي نعمة انعمها عليه، وما أكثرها من نعم لكننا مشغولون بالنعم عن المنعم.

وأثناء وجوده في العمرة يلتقي مع نفس الصديق الذي عرفه بالشيخ الشعراوي والذي كان موجودا في العمرة ايضا، ويلح الصديق علي الدكتور راتب في ان يذهب معه الي الشيخ الشعراوي، وقد كان، وما من الشيخ الا ان يحدث الدكتور راتب، فيذكر الصديق للشيخ الشعراوي بأن الدكتور راتب فيه شيء من الضيق لما قاله الشيخ له وفي حقه عند لقائهما الاول، فماكان من الشيخ الا ان قال للصديق »اطلع منها انت، انا زرته وصالحته« هنا يروي الدكتور راتب انه هرول للشيخ وقبل يده، وقال له وحملت ابني ايضا، فقال الشيخ الشعراوي ما معناه »نعم وكيف حاله الآن؟«.

هنا تنتهي القصة كما سمعتها من الدكتور راتب وهنا يبدأ دوري انا لأقول انني صدقت ما قاله الرجل سواء في هذه القصة او في غيرها من روايات اخري عن الشيخ الجليل وتذكرت ما رواه الشيخ نفسه عن بعض ما بينه وبين الله من علاقة فيها الكثير من الخصوصية، والسؤال لماذا اروي انا هذه القصة؟ لأنني بعد شيء من التأمل اكتشفت انني ما قدرت الله حق قدره، فقد وضعت الله، بقصر في نظري، في منزلة من ترك الكون لقوانين صارمة وهو يراقب ما نفعله في هذا الكون كرد فعل علي هذه القوانين التي نعرفها استنباطا من كتبه المقدسة او استقراء من العلوم المختلفة، لكنني كنت مخطئا.

ودعوني اوضح ابتداء ان الناس في علاقتهم بالله علي خمسة احوال، فهناك الملحد الكافر بوجود الله اصلاً بمنطق ان هذه هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر، وهناك ثانيا المؤمن بالله ولكنه يشرك به شرك الالوهية بأن يعبد معه آلهة من الاشياء او الاشخاص تقربه الي الله زلفي، وهناك ثالثا من يؤمنون بالله إلها واحداً لا شريك له في الالوهية ولكنهم يشركون به اندادا من فتن الدنيا يحبونها كحب الله، كأن يحب الانسا المال او الجاه او السلطان، وهناك رابعا من يؤمن بالله ايمانا بصانع الكون الذي تركه لاسباب وقوانين تركها تعمل كما يصنع صانع الساعة ساعته ويتركها تسير وفقا لمنظومة قد حددها، وهذا ما كنت عليه قبل ان اشاهد هذا البرنامج، لكن هناك المنزلة الخامسة وهي المنزلة الاعلي والتي اظن ان الشيخ كان عليها، وهي منزلة المعية مع الله، اي منزلة اليقين ان الله في كل لحظة يخلق، في كل لحظة يدبر، في كل لحظة يسمع وينصت ويقبض ويبسط ويعز ويذل ويعطي ويمنع، ان الله في كل مكان ليس بعلمه فقط كي يحاسبنا علي ما نفعل، ولكن هو في كل مكان بقدرته ومشيئته ورحمته وتقديره وتدبيره سبحانه لا نحصي ثناء عليه وهو كما اثني علي نفسه.

قيل ان الشيخ حين كان وزيرا للاوقاف سئل لماذا لاتهتم الصحف والتليفزيون باخباره كما تهتم باخبار الوزراء الاخرين فقال: »اللي عملناها له علم بها« اي ان الشيخ يعمل ما يعمل لله، فان كان هذا العمل لله حقا فقد علمه سبحانه وان لم يكن لله فماذا يفيد ان يعلم به الناس.

هل هذا ما يقال عنه »علم ينتفع به« يكون صدقة جارية لصاحبه؟ رحم الله الشيخ وكل الشكر لمن حملوا تراث الرجل وحافظوا عليه، ولو امكن ان تذاع هذه الحلقة مرات ومرات عسي ان تصادف عقولا لاهثة وعيونا تبحث عن ضوء.

Friday, August 8, 2008

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ الوضع الفلسطيني الآن لا أبومازن يفاوض ولا حماس تقاوم‏,‏ وعلي أصحاب القضية سحب التوكيل من هذا وذاك‏.‏

*‏ الفرق بين المدير الناجح والفاشل‏,‏ ان الأول يعمل لتثبيت مكانة المؤسسة والثاني يعمل لتثبيت أقدامه في المؤسسة‏.‏

*‏ الكذب في مصر ثلاثة أنواع كذب أبيض‏,‏ وآخر أسود‏,‏ واستطلاعات مركز معلومات مجلس الوزراء‏.‏

*‏ مطلوب حجز ممدوح إسماعيل في شقة دون نوافذ أو بلكونات في لندن لحين الانتهاء من محاكمته‏

*‏ كل يوم ندفن زميلا محترما‏,‏ وفي الوقت نفسه ندفن أجزاء منا حينما نسكت عن فيروس سي الذي احتكر إبادة المصريين‏.‏

*‏ ليس من حق أي متهم الآن أن يفخر بأنه بريء في حكم أول درجة‏.‏

*‏ الفقير في رمضان لن يصبح ثريا بعده سواء بدأ العام الدراسي أو تأجل بعد العيد‏.‏

Wednesday, August 6, 2008

لماذا فشلنا في صناعة اللوبي

بقلم: ‏جمال الشاعر




جورج البهجوري عندما قابلته في باريس كان في غاية الانزعاج والقلق من تهديدات بالاعتداء عليه‏,‏ لأن إسرائيل عرضت لوحاته الكاريكاتورية في تل أبيب‏..‏ وتطرق حديثنا إلي ألاعيب إسرائيل وأهمية اختراق اللوبي اليهودي في فرنسا وغيرها‏..‏ وأن المهاجرين العرب عليهم دور كبير في ذلك‏..‏ للأسف المهاجرون المصريون في اوروبا يصرون علي تشديد الهاء وحذف الألف يقولون نحن المهجرون‏..‏ أي انهم اضطروا للهجرة‏..‏ أمام جامع باريس الكبير في ميدان مونج تقابل تشكيلة من المهاجرين العرب من المغرب والمشرق‏.‏ يعيشون بأجسادهم في المهاجر وأرواحهم في البلد الأم‏..‏ قرابة خمسة ملايين عربي ومسلم في فرنسا لا يحملون بطاقات انتخابية ويتجنبون كل كلام يؤدي إلي السياسة‏..‏ إنهم يبحثون عن لقمة العيش وفقط‏..‏ أما حكاية اللوبي العربي والاندماج مع المجتمع الفرنسي فهي تبدو أمامهم مسائل مستحيلة‏..‏ أذكر عندما كنا في معرض فرانكفورت‏,‏ وكان الكتاب العربي هو ضيف الشرف‏,‏ أثيرت مسألة عزوف الجاليات العربية عن المشاركة‏,‏ وفسرها المعلقون السياسيون بأنها ميراث المخاوف الذي يصطحبه المهاجرون معهم في حقيبة السفر من بلادهم‏..‏ ثم اذكر مرة أخري في ديترويت الامريكية كانت جامعة الدول العربية تراهن علي الشراكة الاقتصادية والثقافية في المنتدي الاقتصادي الأمريكي العربي منذ سنوات‏,‏ وأيامها أيضا انفجرت المناقشات حول موضوع اللوبي العربي‏..‏ عمرو موسي كان يجاهر برغبة العرب وحقهم في إنشاء لوبي قوي يواجه جماعات الضغط اليهودية في امريكا‏..‏ عشرات السنوات تمر ولا نتقدم خطوة واحدة نحو صناعة لوبي عربي في امريكا أو أوروبا‏..‏ ما هي الأسباب؟‏!..‏ أولا لا توجد إرادة عربية موحدة أصلا في الجامعة العربية‏..‏ فكيف نطلب من المهاجرين أن يتحدوا؟‏..‏ ثانيا المهاجرون في همنا مدعوون وفي فرحنا منسيون‏..‏ ثالثا القنصليات والسفارات العربية ليست لديها أجندة واضحة نحو صناعة لوبي عربي‏..‏ رابعا الجنسيات العربية في المهجر هم نتاج ثقافة القبلية والعصبيات مع انهم يرددون حديث النبي صلي الله عليه وسلم من دعا الي قبلية فقد دعا الي جاهلية‏..‏ في فرنسا لدينا فرصة رائعة لصناعة لوبي مصري وعربي‏..‏ الصحفية نجاة عبدالنعيم كانت دليلي الي الجالية المصرية في باريس وجماعة حورس والبيت المصري كلهم وبروح وثابة من د‏.‏كامليا صبحي والقنصل المصري أحمد عزت يتحركون بشكل مؤسسي ورسمي‏..‏ ما هي المشكلة إذن؟‏!..‏ المشكلة هي الرئاسة من سيكون رئيس اللوبي؟‏..‏ ومن سيكون صاحب الحظوة في الظهور الإعلامي ومصافحة كبار المسئولين؟‏..‏ فكرة الاندماج في اتحاد كبير تهدد الموقع الرئاسي لرؤساء الجمعيات الصغيرة المختلفة‏..‏ ما هو الحل؟‏!..‏ يبقي كل رئيس في مكانه ويتم انتخاب رئيس للإتحاد دون الدخول في متاهات جانبية‏..‏ هذه إرهاصات مبشرة ومبادرة رائعة من عبدالرازق عكاشة وصالح فرهود وعاطف طرفة وآخرين رائعين لديهم الخبرة والرؤية والحماسة والوعي بأهمية صناعة اللوبي‏..‏ بقيت الدعامات والمساندات التي يجب أن تقدمها وزارة الخارجية المصرية لهم‏..‏ تأخرنا كثيرا في هذه الخطوة وحرمنا أبناء المهجر من التواصل مع مصر‏..‏ وحرمنا مصر من عبقريات وكنوز وأموال وطاقات المهاجرين الذين يمثلون في رأيي رصيدا استراتيجيا لمشروع نهضوي وحداثي مصري‏..‏ نحن في حاجة إلي المهاجرين بقدر ما هم في حاجة إلينا‏..‏ وأخشي أن تفلت الفرصة فنصبح كمن يقول لهم يا معشر المهاجرين أنتم بلا أنصار‏.‏

Saturday, August 2, 2008

العبّارة والفساد المنظم

بقلم محمود مسلم

نعي الشعب المصري ضحايا العبّارة السلام ٩٨ بعد وقوع الحادث، وعليه الآن أن ينعي قيماً كثيرة في المجتمع، مثل المساواة وحق الدم والكرامة والعدالة، والشفافية.. للأسف غرقت جميعها مع العبّارة دون أن نلتفت إليها ودون أن ننعيها.. فقد مات ١٠٣٤ مصرياً، وتألم وراءهم جميع المصريين، بل الإنسانية كلها، وفي القلب منهم أقاربهم، بينما يستمتع ممدوح إسماعيل بحياته في لندن، يرسل التهديدات من آن إلي آخر للصحف والفضائيات التي تهاجمه، خاصة بعد أن حصل علي البراءة القانونية، لكن لا أعرف أين سيذهب من المحكمة الشعبية أو من حساب الله عز وجل!

الآن فقط تجمعت الخيوط كلها، لتؤكد أن الأحداث مترابطة، بداية من تأخر رفع الحصانة عن ممدوح إسماعيل في مجلس الشوري مما مهد إلي هروبه للندن، ثم تصنيف الجريمة إلي جنحة وليست جناية، وخلو قرار الإحالة من أي تهمة لممدوح إسماعيل سوي التراخي في إنقاذ الضحايا، واستبعاد أحوال وأوضاع العبّارة، وصفات وصلات ممدوح إسماعيل وغيرها من الألاعيب والوقائع والدلائل التي تسببت في إفلات صاحب العبّارة من العقاب، هو وكل من ساندوه وشاركوا معه في هذه الجريمة، فلا يوجد مسؤول واحد في مصر، تم عقابه علي هذا الحادث، بداية من قيادات وزارة النقل الذين سمحوا له بكل هذه التجاوزات، وصولاً إلي الحكومة التي اتهمها النائب الشجاع حمدي الطحان في تقريره حول الحادث، بعدم الكفاءة في إدارة الأزمة..

ويبدو أن الجميع اكتفي في هذا الحادث ـ كما كتبت في مقال سابق ـ بأن يعلموا علي بعض. لقد وصف السيناريست وحيد حامد الحادث بأنه الأفجع منذ حادث دنشواي، بينما أشار الأديب جمال الغيطاني إلي أن يوم صدور الحكم في قضية العبّارة هو «الأتعس» منذ يونيو ١٩٦٧،

أما صديقي الصحفي الجريء سامي عبدالراضي، فقد أعد كتاباً أهداه إلي روح الضحايا، يحمل عنوان «عبّارة الموت.. وثيقة عار»، رصد فيه جميع الوقائع منذ حادث الغرق حتي ما يسمي «حكم البراءة»، ولم يكن صديقي وحبيبي الغائب الحاضر مجدي مهنا بعيداً عن الأحداث، بعد أن نشرت «المصري اليوم» مقالاً كتبه في ٢٦ مايو ٢٠٠٦، توقع فيه البراءة بعد قرار إحالة القضية لمحكمة الجنح، فماذا كان سيكتب مهنا الآن.. هل كان سيؤكد أن الفساد في مصر انتقل من مرحلة العشوائية إلي مرحلة الظاهرة ووصل الآن إلي مرحلة الفساد المنظم؟!

رحم الله ضحايا العبّارة ومجدي مهنا وأسكنهم فسيح جناته.. وألهم المصريين الصبر والقوة والأمل لمواجهة الهاربين وأصحاب المال والنفوذ، حتي يمكننا إنقاذ القيم التي غرقت مع العبّارة.. آمين يا رب العالمين.

دولة الجهل

بقلم أسامة هيكل

لواجب أن تبادر إسرائيل بإرسال خطاب شكر للحكومة المصرية. فبعد أن كانت تل أبيب تتكبد عناء ملاحقة العلماء وأصحاب العقول المصريين واغتيالهم، لضمان تفوقها المطلق علي جميع دول المنطقة.. أصبحت الحكومة المصرية تقوم بهذا الجهد نيابة عنها وتغتال العلماء والباحثين المصريين من المنبع، وتنشر الجهل في المجتمع، وتقوم بتغييب العقل المصري.. والمفروض أن يرسل الكنيست الإسرائيلي خطابا مماثلا لمجلس الشعب المصري علي موافقته «العمياني» علي هذه السياسة الحكومية.

كانت ميزانية البحث العلمي في مصر ٠.٠٩% فقط.. وكنا نصرخ ونطالب الحكومة برفع هذا الرقم الهزيل ليتوازي ويتوازن مع مثيله في مختلف دول العالم، وحتي يتمكن علماء مصر وباحثوها من تنفيذ واجبهم في عملية التنمية، والتطوير والتحديث، وكان المطالبون بهذا المطلب الطبيعي - وأنا أحدهم - يرون أن البقاء والاحترام والقوة في هذا العالم لمن يملك العلم..

ففي خمسينيات القرن الماضي، كان هناك تقارب واضح بين مصر والهند ساعد فيه تشابه ظروف البلدين في عهدي جمال عبدالناصر ونهرو، ولكن الهند الآن تفوقت لأنها اختارت طريق العلم والديمقراطية، أما نحن فسلكنا طريقا آخر أدي بنا لما أصبحنا فيه.. ولم يعد هناك وجه مقارنة بيننا وبين الهند..

ومنذ ٦٠ عاما فقط، وأثناء التخطيط لقيام دولة إسرائيل، كانت هناك مساع لأن يكون رئيسها عالم الطبيعة ألبرت أينشتين، وحينما حالت الظروف دون ذلك تولي العالم ديفيد بن جوريون منصب أول رئيس لإسرائيل، وبالتالي فإن النتيجة التي وصلت لها إسرائيل ليست مصادفة، فأصبحت الدولة الأهم علميا في المنطقة، رغم أنها ليست مستقرة، ورغم أن عمرها كدولة قصير للغاية.. إسرائيل اختارت طريق العلم فحققت أهدافها، ونحن اخترنا الجهل طريقا، فلم نحقق أي أهداف.

ولكن الحكومة المصرية لها رأي مختلف تماما.. فمن وجهة نظرها أنها تفهم وكلنا لا نفهم، وأن رجالها وطنيون ونحن خونة.. فقررت أن تسير عكس اتجاه مطالبنا، وقررت تخفيض ميزانية البحث العلمي الهزيلة أصلا لتكون أقل احتراما وقيمة.. هبطت ميزانية البحث في مركز البحوث الزراعية من ٦٥ مليون جنيه إلي ٣٤ مليوناً فقط، وكذلك انحدرت ميزانية البحث بمركز بحوث الصحراء من ٥٠ مليوناً لتصبح ١٣ مليوناً فقط، مع تثبيت الأجور للعاملين والباحثين في هذه المراكز..

وطبعا هي أجور هزيلة أصلا لا تضمن للباحثين الكادحين الذين اختاروا العلم طريقا حياة نصف كريمة في زمن ترتفع فيه الأسعار كل ساعة..أي أن الدولة تري في ثبات الأجور قيمة، وفي البحث العلمي قلة قيمة.

تخيلوا.. دولة تزيد صحراواتها علي ٩٥% من مساحاتها، وتستورد نصف غذائها، وتشارك في مؤتمرات عالمية تقدم فيها النصائح للعالم للخروج من أزمة الغذاء العالمية، تلغي ميزانية البحث العلمي في مراكزها البحثية العاملة في مجالي الصحراء والزراعة!!

وحسب حملة إعلانات الضرائب في كل المحطات الفضائية، والمدفوعة الأجر من حصيلة الضرائب، فإن حصيلة الضرائب ارتفعت خلال العام المالي الماضي ٢٠٠٧ /٢٠٠٨ بمقدار ١٣٠٠ %، ومن المتوقع زيادتها لأكثر من ذلك بكثير بعد تطبيق الضريبة العقارية وأخواتها من قوانين الجباية التي تم فرضها خلال الدورة البرلمانية الماضية، والتي ستدخل كإيرادات في الميزانية الحالية التي بدأت أول يوليو الماضي، وهي الميزانية نفسها التي شهدت خفضا في ميزانية البحث العلمي، وهي الميزانية نفسها التي أقرها مجلس الشعب المصري بكل أسف.

لا أعتقد أن حكومة الدكتور نظيف من الجهل لدرجة عدم إدراك خطورة الأمر.. ولا أتصور أن كل نواب مجلس الشعب لم يقرأوا الموازنة قبل إقرارها.. ولهذا لا أتصور أن هذا التخريب الذي يحدث في مصر ليس متعمدا وليس مقصودا.. فأعضاء الحكومة ـ وقليل جدا من النواب - يدركون جيدا أن البحث العلمي ليس ترفا، وأن المطلوب لدولة تزعم أن بها تنمية أن تهتم بالبحث العلمي، وتضعه علي قمة أولوياتها، ولا يمكن أن تكون هناك تنمية في أي دولة في العالم إلا بجهود العلماء والسير علي هداهم.

كنت أتصور أن تشكيل مجلس أعلي للعلوم في مصر بادرة طيبة، وأن الاستعانة بأهم وأكبر العلماء المصريين المقيمين في الخارج كأعضاء بارقة أمل في إصلاح أحوال العلم والعلماء، واعتبرت وقتها أننا علي بداية الطريق السليم، ولكن الواضح من تصرفات الحكومة أن نيتها كانت المنظرة والعبث وإخراس الألسنة التي كانت تستنكر عدم الاستعانة بعلماء كبار أمثال أحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب.

فقد كانت الحكومة تنوي غدرا أن تهين العلم والعلماء والباحثين في مجال العلم، وحولتهم - من واقع الميزانية - إلي مجرد موظفين يجلسون علي مكاتب بلا عمل مفيد.. ولا أعتقد أبدا أن خطة الحكومة في خفض ميزانية البحث العلمي تم عرضها علي العلماء الكبار أعضاء المجلس الأعلي للعلوم..

ولا أعتقد أنهم يقبلون بخفض ميزانية البحث العلمي في أهم مراكز البحوث التي كانت تشكو من نقص فاضح في الميزانية.

تري أي مصير ينتظر مصر، وقد اختارت حكومتها الجهل طريقاً؟.

Friday, August 1, 2008

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ حزب الأغلبية هو الذي يحافظ علي حقوق الأقلية أكثر من حقوق الأغلبية‏,‏ حتي يضمن المعاملة نفسها عندما يجلس علي مقاعدهم‏,‏ حتي ولو بعد عمر طويل‏.‏


*‏ أقترح إنشاء مكتب لجهاز الكسب غير المشروع في الساحل الشمالي‏.‏


*‏ من كان من حكام إفريقيا بلا خطيئة فليرجم البشير بحجر‏.‏


*‏ نجيب ساويرس هو رجل الأعمال الوحيد الذي نعي يوسف شاهين في صفحات كاملة ليس لأنه قبطي‏,‏ ولكن لأن الآخرين لم يجدوا من ينافقوه‏.‏

*‏ بالقانون في منع الممارسات الاحتكارية‏,‏ وبحكم المحكمة كما حدث مع قبطان العبارة‏,‏ وبالقرارات كما حدث مع طالبة الثانوية العامة أصبح الشاهد مدانا حتي يصبح المجتمع شاهد ما شفش حاجة‏.‏



*‏ لم أكن أعرف أن كبار المتهمين يدفعون للمحامين أتعابا نظير الدفاع عنهم في المحاكم والفضائيات إلا أخيرا‏.‏

*‏ مصيبة أن يتحول الحزب إلي مجرد كفيل سياسي لاعضائه وشفيع لهم في كل مؤسسات الدولة وأحيانا حصانة ضد القانون‏.‏


*‏ لو فكر جيل اكتوبر بالاجازة في رمضان لما تحقق العبور في العاشر منه‏.‏