شاء قدر الله أن أتواجد يوم الثلاثاء الماضي في بيتي بالقاهرة، وأن أشاهد برنامجاً للأستاذ محمود فوزي، وهو رجل ترك انطباعاً رائعاً عندي منذ أن حاورني وغيري من أوائل الثانوية العامة في سنة 1989 لمجلة »أكتوبر« علي ما أتذكر. المهم وجدته يتحدث مع الدكتور حسن راتب الذي لم أكن أعرف عنه الكثير قبل هذا البرنامج. وكان موضوع الحوار عن الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمة الله عليه - وهي حلقة لمست وتراً حساساً عندي بل سأظل أتذكرها،
وأذكر بعض تفصيلاتها لأنها قدمت لي دليلاً متجدداً عن الله الخالق الذي يخلق في كل لحظة ويرقب الكون في كل وقت، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. وسأبدأ بملخص القصة التي جعلتني أنادي مسرعاً علي زوجتي كلي تستمع إليها والتي أخرجت الدموع من عيني اعترافاً بعظمة الخالق ورجاء بأن يغفر لي سوء تقديري له سبحانه، علي نحو ما سأفصل.
ملخص القصة كما رواها الدكتور حسن راتب، تقول إنه تعرف إلي الشيخ الشعراوي في جلسة جمعته مع أصدقاء وسأله سؤالاً عن الربا وربطه بقضية التضخم حيث تفقد النقود قدرتها الشرائية إذا ما أقرضت دون فائدة. وكان رد الشيخ الشعراوي عنيفاً علي غير توقع الدكتور راتب فترك أثراً سلبياً في نفسه حتي أنه قرر ألا يشاهد برامج الشيخ بل حتي يتجنب الاستجابة لطلب الشيخ للقائه. وتمر الأيام ويرزق الله الدكتور راتب ابناً ما لبث أن أصابه مرض فيدعو الله له بالشفاء ويتصدق حتي يشفي الله المريض بالصدقة. وتمر الأيام ويجلس الدكتور راتب مع زوجته ومعهما الطفل المريض، وفي لحظة من يقظة يري الدكتور راتب الشيخ الشعراوي داخلاً عليه الغرفة ويحمل بين يديه ابنه المريض. ويحاول أن ينبه الرجل زوجته لمقدم الشيخ فيختفي الشيخ من أمام عينيه، وتفسر الزوجة ما رآه زوجها من أنه قد غفي وفي غفوته رأي ما تمني.
يقول الدكتور راتب، وما كان إلا أن تحرك الطفل وبدأ يطلب الطعام، وأما وقد طعم، فبدأ يشفي، وأما وقد شفي فقد قرر الدكتور راتب أن يعتمر شكراً لله علي نعمة انعمها عليه، وما أكثرها من نعم لكننا مشغولون بالنعم عن المنعم.
وأثناء وجوده في العمرة يلتقي مع نفس الصديق الذي عرفه بالشيخ الشعراوي والذي كان موجودا في العمرة ايضا، ويلح الصديق علي الدكتور راتب في ان يذهب معه الي الشيخ الشعراوي، وقد كان، وما من الشيخ الا ان يحدث الدكتور راتب، فيذكر الصديق للشيخ الشعراوي بأن الدكتور راتب فيه شيء من الضيق لما قاله الشيخ له وفي حقه عند لقائهما الاول، فماكان من الشيخ الا ان قال للصديق »اطلع منها انت، انا زرته وصالحته« هنا يروي الدكتور راتب انه هرول للشيخ وقبل يده، وقال له وحملت ابني ايضا، فقال الشيخ الشعراوي ما معناه »نعم وكيف حاله الآن؟«.
هنا تنتهي القصة كما سمعتها من الدكتور راتب وهنا يبدأ دوري انا لأقول انني صدقت ما قاله الرجل سواء في هذه القصة او في غيرها من روايات اخري عن الشيخ الجليل وتذكرت ما رواه الشيخ نفسه عن بعض ما بينه وبين الله من علاقة فيها الكثير من الخصوصية، والسؤال لماذا اروي انا هذه القصة؟ لأنني بعد شيء من التأمل اكتشفت انني ما قدرت الله حق قدره، فقد وضعت الله، بقصر في نظري، في منزلة من ترك الكون لقوانين صارمة وهو يراقب ما نفعله في هذا الكون كرد فعل علي هذه القوانين التي نعرفها استنباطا من كتبه المقدسة او استقراء من العلوم المختلفة، لكنني كنت مخطئا.
ودعوني اوضح ابتداء ان الناس في علاقتهم بالله علي خمسة احوال، فهناك الملحد الكافر بوجود الله اصلاً بمنطق ان هذه هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر، وهناك ثانيا المؤمن بالله ولكنه يشرك به شرك الالوهية بأن يعبد معه آلهة من الاشياء او الاشخاص تقربه الي الله زلفي، وهناك ثالثا من يؤمنون بالله إلها واحداً لا شريك له في الالوهية ولكنهم يشركون به اندادا من فتن الدنيا يحبونها كحب الله، كأن يحب الانسا المال او الجاه او السلطان، وهناك رابعا من يؤمن بالله ايمانا بصانع الكون الذي تركه لاسباب وقوانين تركها تعمل كما يصنع صانع الساعة ساعته ويتركها تسير وفقا لمنظومة قد حددها، وهذا ما كنت عليه قبل ان اشاهد هذا البرنامج، لكن هناك المنزلة الخامسة وهي المنزلة الاعلي والتي اظن ان الشيخ كان عليها، وهي منزلة المعية مع الله، اي منزلة اليقين ان الله في كل لحظة يخلق، في كل لحظة يدبر، في كل لحظة يسمع وينصت ويقبض ويبسط ويعز ويذل ويعطي ويمنع، ان الله في كل مكان ليس بعلمه فقط كي يحاسبنا علي ما نفعل، ولكن هو في كل مكان بقدرته ومشيئته ورحمته وتقديره وتدبيره سبحانه لا نحصي ثناء عليه وهو كما اثني علي نفسه.
قيل ان الشيخ حين كان وزيرا للاوقاف سئل لماذا لاتهتم الصحف والتليفزيون باخباره كما تهتم باخبار الوزراء الاخرين فقال: »اللي عملناها له علم بها« اي ان الشيخ يعمل ما يعمل لله، فان كان هذا العمل لله حقا فقد علمه سبحانه وان لم يكن لله فماذا يفيد ان يعلم به الناس.
No comments:
Post a Comment