Saturday, August 2, 2008

العبّارة والفساد المنظم

بقلم محمود مسلم

نعي الشعب المصري ضحايا العبّارة السلام ٩٨ بعد وقوع الحادث، وعليه الآن أن ينعي قيماً كثيرة في المجتمع، مثل المساواة وحق الدم والكرامة والعدالة، والشفافية.. للأسف غرقت جميعها مع العبّارة دون أن نلتفت إليها ودون أن ننعيها.. فقد مات ١٠٣٤ مصرياً، وتألم وراءهم جميع المصريين، بل الإنسانية كلها، وفي القلب منهم أقاربهم، بينما يستمتع ممدوح إسماعيل بحياته في لندن، يرسل التهديدات من آن إلي آخر للصحف والفضائيات التي تهاجمه، خاصة بعد أن حصل علي البراءة القانونية، لكن لا أعرف أين سيذهب من المحكمة الشعبية أو من حساب الله عز وجل!

الآن فقط تجمعت الخيوط كلها، لتؤكد أن الأحداث مترابطة، بداية من تأخر رفع الحصانة عن ممدوح إسماعيل في مجلس الشوري مما مهد إلي هروبه للندن، ثم تصنيف الجريمة إلي جنحة وليست جناية، وخلو قرار الإحالة من أي تهمة لممدوح إسماعيل سوي التراخي في إنقاذ الضحايا، واستبعاد أحوال وأوضاع العبّارة، وصفات وصلات ممدوح إسماعيل وغيرها من الألاعيب والوقائع والدلائل التي تسببت في إفلات صاحب العبّارة من العقاب، هو وكل من ساندوه وشاركوا معه في هذه الجريمة، فلا يوجد مسؤول واحد في مصر، تم عقابه علي هذا الحادث، بداية من قيادات وزارة النقل الذين سمحوا له بكل هذه التجاوزات، وصولاً إلي الحكومة التي اتهمها النائب الشجاع حمدي الطحان في تقريره حول الحادث، بعدم الكفاءة في إدارة الأزمة..

ويبدو أن الجميع اكتفي في هذا الحادث ـ كما كتبت في مقال سابق ـ بأن يعلموا علي بعض. لقد وصف السيناريست وحيد حامد الحادث بأنه الأفجع منذ حادث دنشواي، بينما أشار الأديب جمال الغيطاني إلي أن يوم صدور الحكم في قضية العبّارة هو «الأتعس» منذ يونيو ١٩٦٧،

أما صديقي الصحفي الجريء سامي عبدالراضي، فقد أعد كتاباً أهداه إلي روح الضحايا، يحمل عنوان «عبّارة الموت.. وثيقة عار»، رصد فيه جميع الوقائع منذ حادث الغرق حتي ما يسمي «حكم البراءة»، ولم يكن صديقي وحبيبي الغائب الحاضر مجدي مهنا بعيداً عن الأحداث، بعد أن نشرت «المصري اليوم» مقالاً كتبه في ٢٦ مايو ٢٠٠٦، توقع فيه البراءة بعد قرار إحالة القضية لمحكمة الجنح، فماذا كان سيكتب مهنا الآن.. هل كان سيؤكد أن الفساد في مصر انتقل من مرحلة العشوائية إلي مرحلة الظاهرة ووصل الآن إلي مرحلة الفساد المنظم؟!

رحم الله ضحايا العبّارة ومجدي مهنا وأسكنهم فسيح جناته.. وألهم المصريين الصبر والقوة والأمل لمواجهة الهاربين وأصحاب المال والنفوذ، حتي يمكننا إنقاذ القيم التي غرقت مع العبّارة.. آمين يا رب العالمين.

No comments: