Sunday, September 28, 2008

يا خالد روح قول لابوك ميت مليون بيودعوك

بقلم حمدى رزق

كان الهتاف باكياً، كانت أمي تنتحب، كان والدي حيا، وجدي حياً، رب ارحمهما كما ربياني صغيراً، لماذا يا أمي كل هذا البكاء، إحساس فادح باليتم تلفعت به تلك الشابة السمراء فوق طرحتها السوداء وهي تمرق من بين الصفوف، تقطع الشارع الجديد، الذي يخترق بلدتنا الوادعة علي نيل الدلتا، لتودع حبيبا ألفته، الوداع يا حبيب الملايين.

تقاس الجنازات بطولها، كانت أطول جنازة تشهدها بلدتنا، كنت صغيراً لا أعي أنني أسير مع السائرين، فوق كتف أمي أتطلع لكل هذه العيون الدامعة، دمعة علي فراق أب عطوف، أخ كبير، إنسان عزيز، عبدالناصر أب كل هؤلاء، شقيق كل هؤلاء، إنه حتي لا يعرف أمي، كنت محظوظا وأعرفه، كان اسمه يتردد بين الفتية حين يشتد المضمار، كانت جائزة سباق الجري (الرمح) أن يلقب الفائز بابن عبدالناصر، كان الانتساب لناصر جائزة، ويستصرخونك «لو أنت ابن عبدالناصر بصحيح تقفز الترعة من الشط للشط» كانت قفزة هائلة، قفزة عبد الناصر، في الجنازة عرفت اسم ابن عبدالناصر.. إنه خالد، كانوا ينادون عليه في صوت واحد، صوت الوطن في تجليه الأعظم «يا خالد روح قول لأبوك ميت مليون بيودعوك» ولانزال نودعه حتي الآن.

لو لم يوجد عبدالناصر لاخترعناه حبا، ولولا المرتزقون المتنطعون زوراً وبهتاناً باسمه لكان حبه خالداً في القلوب، لم يسئ إلي ناصر قدر نفر من الناصريين، ولم يشوه ناصر سوي نفر من الساداتيين أيضاً، ولم يبتدع الخلافات من حول ناصر سوي هؤلاء الذين ظلموه بالتقديس حياً وميتاً.

ناصر حالة زعامة مدهشة، لاتزال أسرارها مغلقة علي ما فيها كأسرار الفراعنة، عبدالناصر كان فرعوناً، ناصر لا تفيه شرحاً الكلمات الكبيرة من قبيل الوحدة وعدم الانحياز وتحدي القوي الأعظم وطرد الملك وجلاء المحتل، سبر أغوار العلاقة التي تجذرت بين ناصر والبسطاء هي ألق ناصر الخاص، الوقوف علي أهداب تلك العلاقة كالوقوف علي أهداب الرموش تطرف العين فلا تري كيف صار الحب نهراً جارفاً.

ناصر الثورة حالة، وناصر العروبة حالة، وناصر الهزيمة حالة، لكن ناصر والبسطاء أكثر من حالة،استثناء، ظاهرة، بالله عليك كيف خرج كل هؤلاء النسوة من خلف الرجال من قعور البيوت ليودعن حبيب الملايين، هناك سبب أخرجهن، بالطبع لم يخرجهن الاتحاد الاشتراكي، ولسن من نسوته، ولم ينظمهن التنظيم الطليعي، ولسن من حريمه، خروج من أجل الحبيب، ناصر كان حبيباً.

ليس شرطاً أن تكون ناصريا لتحب ناصر وتعلق صورته في غرفة النوم، شاهدت صوره في البيوت الشيعية في جنوب لبنان، بعضنا يضع صورته أبيض وأسود مطلاً علي الجماهير علي شاشة هاتفه المحمول، شباب الجروبات والمدونات يتداولون تلك الصورة الشهيرة بينهم، بعضهم سمع عن عبدالناصر، حتي بعضهم سمع عن السادات، ولكن الحب كالكره لا تمحوه الأيام، ينتقل كالجينات من جد إلي سابع جد، سيأتي جيل بعد قرن من الزمان يذكر يوم ٢٨ سبتمبر - يوم وفاة الزعيم بكل خير.

Saturday, September 27, 2008

شكراً محمود سعد.. «شوفتوا المساخر»

بقلم د. طارق الغزالي حرب

لست ممن يعتقدون بأن الملياردير أحمد عز، ملك الحديد وأمين تنظيم الحزب الحاكم المتحكم، يتمتع بدرجة عالية من الذكاء.. لقناعتي بأن إقحام نفسه في العمل السياسي والحزبي كان خطأ فادحاً منه،

ربما يدرك آثاره قريباً، فالعمل السياسي ليس هواية نمارسها . وتأكد ظني بعد مشاهدتي البرنامج الذي يرعاه ويصرف عليه ضمن فقرات برنامج «البيت بيتك»، وأقصد بها فقرة «دقوا المزاهر»، التي يتصدق في كل حلقة منها بشقة لعروسين، فكشف الغطاء وفضح المستور عن حقيقة الحال،

الذي أوصلنا إليه حزبه الذي هو أمين تنظيمه!! التصرف الذكي الوحيد الذي فعله هو اختياره لإعلامي متميز يحظي بقبول الناس ويعرف كيف يسلك طريقه في حقل ألغام الحكومة والمعارضة دون أن يصيبه أذي أي منهم.. الشيء الوحيد الذي أعيبه عليه هو أنه كان عليه أن يختار عنواناً أكثر ملاءمة لهذه الفقرة ليكون «شوفتوا المساخر» بدلاً من «دقوا المزاهر».. فالحلقات فعلاً مليئة بمساخر عدة أوجز منها الآتي:

المسخرة الأولي: أن يتحول حق كل شاب وفتاة - مهما كان موقعه في السلم الاجتماعي ودرجة تعليمه وكفاحه وشقائه - في الحصول علي شقة عادية طلباً للزواج فيها للاستقرار الاجتماعي والنفسي والصحي وبناء أسرة،

يتحول هذا الحق إلي حلم بعيد المنال لا يمكن تحقيقه مهما كانت الشهادة التي يحملها كل منهم أو مسمي وظيفته.. حيث رأينا الطبيب والمهندس والمدرس والمحامي والمحاسب والباحث والتاجر، كلهم أتوا وهم يحلمون بشقة يتصدق بها رجل الأعمال والسياسة عليهم، وهو نفسه من أركان هذا النظام الذي حول هذا الحق إلي حلم بعيد المنال!!

لقد أرانا محمود سعد شباباً متعلماً من مختلف أنحاء مصر، ممن كان يفترض أن يكونوا جزءاً من الطبقة المتوسطة لهذا المجتمع الذي اختلت موازينه، يقفون أمامه بعد أن ذاكروا وحفظوا المذكرات التي أرسلها إليهم قبل البرنامج، وهم في أقصي درجات التوتر والانفعال إلي الدرجة التي تكاد تسمع فيها دقات قلوبهم السريعة، وهم يمنون أنفسهم بتحقيق حلم يعرفون أنه بعيد المنال..

يتناسون كل شيء.. آدميتهم.. كرامتهم.. مراكزهم.. فنجدهم وأهلهم عقب الإعلان عن فوزهم بالصدقة في صورة شقة، يسجدون علي الأرض يمرغون جباههم في تراب الأحذية، وأهلهم يطلقون الزغاريد، ويذرفون دموع الفرح.. في مقابل فريق آخر يكاد قلبه يتوقف حزناً وكمداً وتسيل من عيونه دموع الحسرة والألم.. مشهد ينطق بكل معاني الذل والإهانة للشعب المصري علي مرأي ومسمع من العالم كله!!

المسخرة الثانية: ما كشفه محمود سعد من ضعف خطير في مستوي ثقافة الشباب المصري ومدي ضحالة معلوماتهم العامة مهما كان مسمي الدرجة العلمية التي يحملونها، وهم الشباب الذين يمكن أن نصفهم - بلا تجن - بأنهم «جيل مبارك»، فجميعهم ولدوا في عصره وتربوا علي أيادي رجاله وإعلامه.. وللوهلة الأولي تدرك أنه لا أحد منهم يقرأ الصحف، وهو أمر متوقع من شباب يكفيه راتبه بالكاد لتغطية تكاليف انتقاله وملبسه،

وشراء الصحف بالنسبة له رفاهية لا يري لها مكاناً في حياته!! المسخرة الثالثة: ما بدا عليه هذا الشباب الذي أسميه «جيل مبارك» من نزعة هوس «التدين البديل» وهو التعبير العبقري للمبدع علاء الأسواني، خاصة الفتيات.. فنسمع طوال الحلقة تمتمات الفريقين الفائز والخاسر بالبسملة والاستخارة والدعاء وطلب المعونة من الله وإقحام اسم الله كل ثوان..

وعندما يخسر بسبب عدم استعداده وضعف ثقافته يقولون جميعاً «قدر الله وما شاء فعل»!! المسخرة الرابعة: التي أعتبرها «أم المساخر» هي ما سمعناه من هذا الشباب من مختلف المهن، عما يتقاضونه من أجور، حين سأل عنها محمود سعد بعضاً منهم.. فالطبيب يتقاضي ٤٥٠ جنيهاً والمدرسة في مدرسة خاصة تتقاضي ١٥٠ جنيهاً شهرياً نظير العمل ٨ ساعات يومياً وغيرها وغيرها من المهازل التي شهدها العالم أجمع!!

إن ما يدفعه رجال الأعمال من أصحاب المشروعات والاستثمارات الضخمة لشباب هذا الوطن من رواتب هزيلة تحت دعوي «اللي مش عاجبه فيه غيره» واستغلال حالة البطالة التي تسبب فيها نظام منعزل وفاقد الإحساس بشعبه، لهو الجريمة الكبري التي ترتكبها الرأسمالية المصرية المستغلة والمحتكرة، والتي ستدفع ثمنها يوماً ما!! محمود سعد.. أيها الإعلامي المتميز. مرة أخري شكراً لك فقد فضحت ما فعله النظام الحاكم بالطبقة المتوسطة... و... «شوفتوا المساخر»!!

ببساطة

بقلم: ســيد عـلــي


لا يمكن أن يتم الاصلاح بأيدي وعقول من أفسدوا‏.‏

‏ الوطنية ليست في دفع الضرائب والتجنيد وتشجيع الفريق القومي والاشتراك في كورال مصر هي أمي ولكنها قبل هذا وذاك المشاركة في
صنع القرار واقتسام الحلوة والمرة بالتساوي‏.‏


مشكلة القطاع الخاص في مصر أنه قطاع عائلي لم يتطور للشكل المؤسسي الذي يفصل بين الإدارة والملكية‏

في مصر ناس تعيش فوق الصخرة وناس تحتها‏..‏ ناس في الوطن وناس في المنتجع وما بينهما ساخن‏!‏

‏ إذا أردت أن تحكم علي مستقبل أمة‏,‏ فانظر الي ميزانية البحث العلمي فيها‏.‏

الرضا أن يقتنع الإنسان بأنه لن يحصل علي كل شئ‏,‏ واذا حدث فلابد أن يؤمن بأن الثمن سيكون باهظا‏.‏

Wednesday, September 24, 2008

الحالة المصرية

علي الظفيري

هل تحتاج مصر لمديح وثناء أحد ؟, بالتأكيد لا, فتاريخ هذا البلد ورموزه والأدوار التي قام بها كفيلة بسد الحاجة عن أي ثناء, ألا يكفي مصر ذكرها في القرآن الكريم مرارا وتكرارا وفي مواضع عدة, خمس مرات بشكل صريح وما يقارب التسع عشرة مرة بشكل ضمني!, فهي الأرض والبلد الآمن كما قال الله سبحانه وتعالى (أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين) وقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) في دلالة بالغة الرمزية على حجم وقيمة مصر في ذلك الزمان.

ما مناسبة هذا الحديث الآن ولماذا؟, وهل يحتاج العارف منا إلى تذكير بما لمصر من باع طويل وفضل على الحضارة الإنسانية في كافة مجالات الحياة ؟, بكل أسف أقول إن كثيرا من المصريين العاملين في حقل الإعلام يحتاجون لتنشيط ذاكرتهم وإنعاشها بشيء من هذا التاريخ العريض, فالحساسية البالغة لدى كثير منهم في تعاطي الآخرين مع الشأن المصري تؤكد الحاجة لبعض الدروس التنشيطية في الأثر المصري على المحيط العربي بل والعالم أجمع, وتؤكد الحاجة أيضا لشيء من التواضع في تناول الأمور!.

قضية تراجع الدراما المصرية والسوء الذي ميز معظم النتاج التلفزيوني المصري في السنوات الأخيرة مثال حي, فالإجماع الكبير داخل وخارج مصر على هذا السوء تقابله حساسية مفرطة في المجتمع المصري تجاه أي كلمة تنشر أو تقال هنا وهناك في نقد ذلك المنتج, بل إن البعض داخل الوسط الإعلامي المصري حولها إلى قضية كرامة وطنية, فمن يمس عملا مصريا سيئا بشيء من النقد كأنما مسّ كرامة وسيادة واستقلال وشعب مصر!, وهذه مبالغة في رد الفعل نتج عنها هذا "التشاتم" العربي والجدل حول من يتفوق وصولا إلى سؤال الريادة, ولم يفكر هؤلاء المبالغون في جملة العوامل التي جعلت النصيب الأكبر من الانتقاد ينال الأعمال المصرية ولا ينال غيرها, ولم ينظروا للايجابيات التي تقف خلف هذا النقد الكبير, إن من يتناول شأنا مصريا سياسيا كان أو اقتصاديا أو فنيا ينطلق بوعي أو دون وعي منه بعمومية هذا الشأن وعبوره للحدود في السطوة والنفوذ والتأثير وكل ما يترتب عليه من ناحية السلب أو الإيجاب, والتراجع في القاهرة ليس كغيره أبدا فصداه يتردد سريعا في العواصم العربية جميعها دون استثناء, ومن يلمس بإصبعه موطنا من مواطن الخلل الكثيرة والكبيرة في مصر لا يقزمها, فمن يقزمها أولئك الذين امتهنوا المهاترة والجدل حول القضايا التافهة وجعلوا منها قضايا رأي عام في استغلال بشع للحالة الشعبية العاطفية الجياشة وتوجيهها نحو قضايا أقل ما توصف به الهامشية.

والحقيقة أن مصر تعيش اليوم أسوأ مراحلها التاريخية, كل شيء متراجع في ذلك البلد بدءا بالسياسة والحكم والاقتصاد وصولا إلى الفن والرياضة وغيرها, فهل يعقل أن مصر السياسية والأمنية والمخابراتية ترمي بكل ثقلها في محاولة إطلاق أسير إسرائيلي (غلعاد شاليط), وتختزل دورها التاريخي ونضالها الطويل وتأثيرها في القضية الفلسطينية وتجيره لصالح أمر كهذا ؟, ثم تفشل أيضا !, وهل يعقل أن مصر العسكرية تسمح لها اسرائيل وبشكل استثنائي بنشر 750 شرطي على شريط فيلادلفيا الممتد مع قطاع غزة قال عنهم الجنرال الصهيوني عاموس جلعاد وهو قائد عسكري يعمل في وزارة الدفاع الإسرائيلية حينذاك: إنه اتفاق مفصل جدا حدد حتى عدد المسدسات التي سيجهز بها حرس الحدود المصريين!!. وهذا الاستثناء جاء لمنع نقل السلاح إلى الفلسطينيين أي أنه جزء من المنظومة الأمنية الإسرائيلية, وإمعانا في الإذلال رفضت اسرائيل بعد ذلك طلبا مصريا بزيادة العدد مما جعل القاهرة تعتبره إحباطا للجهود التي تبذلها في حماية الحدود وتثبيطا لمعنويات الجنود المصريين!!.

ويستمر مسلسل اللامعقول في الحالة المصرية الراهنة, فمن كان اقتصادها يعد "خزائن الأرض" يقتتل الناس فيها في طوابير الخبز الطويلة, ليس فقرا ولا نقصا في الموارد, بل تعبيرا صارخا لواقع سيء وترجمة عملية لتقارير البنك الدولي التي أعلنت أن حجم خسائر الفساد في مصر يقدر بنحو ٥٠ مليار جنيه سنوياً، وأن عدد قضايا الفساد بلغ ٣٦٥ ألف قضية. ومؤشر مكافحة الفساد للعام الحالي الصادر عن البنك أيضاً تتذيل فيه مصر المراتب الأخيرة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما مصر الدينية والتي بني الأزهر فيها قبل ألف وأربعين سنة وكانت منارة للعلم والعلماء, يتراجع مدها العلمي والديني ويتحول جامعها الأزهري إلى أشبه بمدرسة للكتاتيب وغطاء تبريري للسلطة والسلاطين, ويخرج منه من يحذر بمدِّ شيعي يستهدف مصر وأهلها في رغم تاريخ المصريين الطويل المستعصي على التوظيف الطائفي والمذهبي, علما أن الأزهر ذاته أنشأ إبان الحكم الفاطمي الاسماعيلي الشيعي وبغرض إحداث تحويل في الوجهة الدينية لأهل مصر!, مما يعزز اختزال منطق الأمة في ذلك البلد العظيم في حدود جغرافية وسياسية وينزلها من مرتبة الشمولية إلى حدود الطائفة والمذهب.

اقدر كثيرا إحساس الفرد بوطنه وغيرته عليه, لكن على المصريين أن يمارسوا ذلك بشكل أفضل, وإذا كان ثمة ما يؤرق المصريين فهو حال البلد وما آلت إليه, وليس إحساس كثير من العرب بانتمائهم لمصر وما يجري فيها وانتقادهم لأوجه القصور هناك, فحدود مصر النفسية والعاطفية أكبر بكثير مما هي عليه الآن , حتى وإن أراد البعض اختصارها في مجموعة مسلسلات لا تقدم ولا تؤخر !.

معاً من أجل فساد أفضل

بقلم د.مأمون فندي

بداية، أنا لست ضد الفساد في مصر، لأن محاربة الفساد الآن قد تصل إلي حالة احتراب تؤدي إلي انهيار الدولة المصرية برمتها، وذلك ببساطة، لأن الفساد في مصر اليوم هو أقوي مؤسسة في الدولة، وأكثرها قبولا وشرعية من قبل الحكام والمحكومين، لذا فأنا لا أنادي بحرب شاملة علي الفساد، لكنني أدعو إلي حرب معقولة من أجل تقليص حجم الفساد إلي درجة معقولة، بحيث يمكن إدارته بشكل مقبول.

أما الطامحون في إزالة الفساد فهم من القلة الحالمة، التي إن أوتيت رغباتهم وتحققت أمنياتهم في القضاء علي الفساد، فهم بذلك يقضون علي الدولة برمتها، ولا أعتقد أنهم جاهزون للتعامل مع حالة الفوضي الناتجة عن انفراط عقد الدولة. هذا موضوع طرحته منذ أعوام في مقالي في الشرق الأوسط، أراه ملائما للحالة المصرية اليوم، خصوصا أن جمهور «المصري اليوم» لم يقرأه في حينه.

الفساد في مصر الآن، هو «أسمنت» الدولة والمجتمع، ليس هو الزيت الذي يلين عجلات الدولة أو الحكومة، هو اللاصق والصمغ الذي يربط الدولة والمجتمع معا. إذن، الذين يتحدثون اليوم عن إلغاء حالة الفساد في الصحافة، وفي مؤسسات الدولة المختلفة من القضاء إلي البوليس، هم أناس غير واقعيين، لأن الفساد هو السلطة، والسلطة هي الفساد، وإلغاء الفساد يعني انهيار السلطة.

لذا يجب أن نكون واقعيين فيما نطلب، ونطالب بفساد أفضل. هذا الفساد الأفضل هو أعلي ما يمكن أن نطمح إليه في حربنا ضد الفساد. وأعرف أن هناك كثيرا من الحالمين الذين سيرمونني بتبرير الفساد ويقولون: لماذا لا أطالب بالقضاء علي الفساد كله؟ الواقع يقول إن الفساد يظهر في وجود مؤسسات قانونية ضعيفة.

الفساد أيضا يوجد في المجتمعات التي تحكمها قوانين ولوائح غائمة وغامضة، متراكمة بعضها فوق بعض، وفي كثير من الأحيان متناقضة، هذا المظهر أيضا واضح وجلي في معظم بلداننا العربية قديمها وحديثها. فاللوائح والقوانين عندنا ليست فقط متراكمة، فهي في معظم الأحيان متناقضة أيضا.

الفساد أيضا يظهر حال تركز السلطات والصلاحيات التي لا تخضع للرقابة، في يد كبار المسؤولين، سواء كانوا حكوميين أو من المجتمع العادي أو القطاع الخاص. وأظن أن هذه النقطة ومظاهرها واضحة للعيان وغنية عن البيان.

أتمني ألا يظن القارئ أن الفساد هو مشكلة حكومية فقط. فالفساد له قوانينه الحاكمة مثل قوانين الاقتصاد العام. معادلة الفساد هي مثل معادلة الاقتصاد، أو معادلة السوق، عرض وطلب.. إذا ما زاد العرض قل الطلب والعكس، بمعني أنه حتي لو كانت الحكومات طالبة للفساد، فلابد من وجود عرض حتي يتسني لمحركات الفساد أن تعمل.

المجتمع، وكذلك القطاع الخاص في مصر، يعرضان الفساد علي قدر طلب الحكومات، والعاملون في الشركات يعرضون الفساد علي قدر طلب الرؤساء، فحتي تكون للفساد قيمة اجتماعية، فلابد للفاسد أن يكون مطلوبًا ومرغوبًا فيه، وقد يفسد فساده ويكون غير ذي قيمة إذا زاد عرض بضاعته علي احتياجات رؤسائه.. إذن بداية الحل هي في تقليل المعروض من الفساد، حتي يرتفع سعره وتقبل عليه الحكومات بدرجة تنظمها آليات السوق.

المجتمع شريك للدولة في التحكم في الفساد، أو في زيادة نسبته، والناظر إلي مصر اليوم، يري شبه حالة اتفاق ضمني، بين الحكومة والمجتمع، يقول إن القوانين واللوائح المكتوبة علي الورق، هي فقط للمنظرة.

أما العمل الحقيقي فهو يسير حسب قوانين عرفية غير مكتوبة، حيث يكون الفساد بأشكاله المختلفة من واسطة وقرابة وصداقة وخلافه من بهلوانيات «رفع السماعة»، هو الحاكم لمجريات الأمور.

إن الشراكة القائمة بين المجتمع والدولة في عملية تنظيم الفساد، هي شراكة وثيقة العري ومترابطة، ويمكن لهذه الشراكة التي هي الآن مصدر قلق ومصدر تهديد، أن تصبح فرصة إصلاح إذا ما قرر الشركاء إدارتها بشكل أفضل، كذلك تقليص نسبتها، ومن هنا جاء العنوان «معاً من أجل فساد أفضل».

فأنا لا أطالب بالمستحيل، ولا أطالب بإنهاء الفساد تماما، وإنما أطالب بشيء من الإصلاح للفساد، حتي تسهل عملية إدارته، أطالب بفساد أكثر شفافية، حتي لو وصل الحال إلي تقنينه، كما يحدث مثلاً في فواتير الخدمات في المطاعم، فساد واضح، فساد معروف، وفساد أفضل من وجهة نظري.

فنحن نعرف أن الفساد هو الزيت الذي يدير عجلات السلطة، وكذلك محركات الدولة، لذا فنحن نطالب فقط، بأن تتكاتف أيدينا ونعمل معا بلا كلل أو ملل تحت شعار واحد.. شعار واقعي لا يكلفنا انهيار مؤسساتنا بالكامل، نعمل معا تحت شعار «معاً من أجل فساد أفضل».

Monday, September 22, 2008

من يعزل الرئيس مبارك؟!

بقلم مجدي الجلاد

في يوم واحد.. وفي ساعات قليلة.. طيرت وكالات الأنباء العالمية خبرين عاديين بالنسبة للعالم كله، ومذهلين لأي مواطن مصري.. الأول يقول إن الرئيس الباكستاني الجديد، آصف علي زرداري، طلب من البرلمان تقليص صلاحياته الدستورية، خاصة تلك التي تسمح له بحل الجمعية الوطنية وإقالة الحكومة..

وقال الرئيس في كلمات تاريخية: «إن باكستان ينبغي أن تدخل عصراً ديمقراطياً جديداً، حيث لم يعمد أي رئيس في الماضي، في تاريخ هذه الدولة، إلي طلب التخلي عن صلاحياته».

الخبر الثاني أفريقي جداً.. إذ قرر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا عزل الرئيس «ثابو مبيكي» من منصبه قبل انتهاء فترة رئاسته.. والمفاجأة أن وكالات الأنباء ذكرت بمنتهي البساطة أن الرئيس «مبيكي»، الذي حكم جنوب أفريقيا خلفاً لـ«نيلسون مانديلا» عام ١٩٩٩، رحب بالقرار لدي إبلاغه به، وتعهد بقبول الأمر، والتنحي طواعية.

أخبار عادية تصدر كل يوم من أي دولة إلا مصر.. مصر التي قالوا عنها «أم الدنيا» وفي «أم الدنيا» لم يحدث يوم، ولن يحدث، أن طلب حاكم من الشعب تقليص صلاحياته لصالح سلطات أخري تحكم البلاد معه، ولم يحدث ولن يحدث أن عزل الحزب الحاكم بأغلبيته في البرلمان المصري رئيساً، ولا حتي وزيراً، ولا حتي رئيساً للحي..

والسبب أن مؤسسة الحكم في مصر قامت منذ عصر الفراعنة حتي الآن علي نظرية الحكم بـ«العصا»، وحين نعتاد «لسعات العصي»، نساق قطعاناً بالكرباج، وإذا خرج أحدنا عن القطيع وضعوه علي «خازوق»، أو قذفوا به في غيابة الجُب أو بطن «زنزانة» حجرية باردة، أو محوا اسمه وذكره من الدنيا!

هكذا.. اعتادوا أن يحكمونا.. وألفنا نحن ذلك.. فكيف لمثلي أن يقرأ هذين الخبرين، فيصاب بغصة ومرارة علي وضع مصر بين الأمم.. كيف لي أن أشعر بالغيرة والحقد تجاه الشعب الباكستاني، رغم أنها دولة نامية مثلنا، وربما كانت ظروفها أصعب وأشد قسوة..

في باكستان الفقر والجوع أكثر من مصر، ولكنهم يكملون عشاءهم ديمقراطية.. وفي جنوب أفريقيا جوع وعصابات وسرقة، ولكن الرئيس مواطن يؤدي دوره خلال فترة محددة، ثم يرحل، وربما «يرحلوه» و يعزلونه قبل أن ينهي مدته الرسمية.

ولأنني واقعي وأخاف علي نفسي، وأريد أن أربي أبنائي، لم أتخيل ولم أحلم ولم أتجاسر ولم «أتمني» أن يتجرأ الحزب الوطني، أو ينتحر مجلس الشعب ويعزل الرئيس مبارك من منصبه،

لذا فقد قرأت خبر جنوب أفريقيا، ثم قلبت الصفحة، وكأنني لم أقرأه، غير أنني تمنيت ودعوت الله أن يحدث ذلك في مصر، وأن يقرأه في الصحف حفيدي «وائل هيثم رامي شادي رامز فادي إسلام أحمد مجدي الجلاد»..

أي عام ٢٧١٢ ميلادية، وفي ظني أن الرئيس المصري وقتها سوف يصطنع الاستجابة لقرار عزله، ويعلن في صحيفة «الثورة» الإلكترونية الحكومية تنحيه عن السلطة، ثم ينقض بحركة التفافية علي البرلمان والحزب الذي عزله، ويعتقل «سبع تمن تلاف» سياسي ونائب، ويعلن بدء محاكمات «ثورة المراجعة»، وانطلاق مرحلة جديدة من البناء والديمقراطية الشعبية.

خلونا في باكستان.. المسألة علي قدنا شوية.. فهل بمقدور الرئيس مبارك الإعلان غداً أو بعد سنة أو تلاتة عن تقليص صلاحياته الدستورية؟!.. نظرياً ممكن، ولكن عملياً مستحيل..

فلو فعلها مبارك لن يجد في مصر مؤسسات قادرة علي الاضطلاع بهذه الصلاحيات، فلا النظام الحاكم سمح بوجود حكومة حقيقية، ووزراء مسؤولين، ولا هو صنع برلماناً قوياً وقادراً علي المحاسبة والتشريع والرقابة، وإدارة شؤون البلاد.. ولا هو منح السلطة القضائية استقلالها، والصحافة حريتها.

إذن.. فلو تنازل الرئيس عن صلاحياته، فلن يجد من يحملها.. رجاله لم يتمرسوا علي المسؤولية، واعتادوا العمل سكرتارية.. الوزير بجلالة قدره بيضرب لخمة في مواجهة أتفه مشكلة، ويجلس بجوار الهاتف في انتظار تعليمات السيد الرئيس، وسواء قال الرئيس رأياً صائباً أو خاطئاً، لا يجرؤ أحد علي مراجعته.

الرئيس.. أو كل الرؤساء اختاروا لمصر أن تظل بين أصابعهم، ومصر استراحت لذلك، واستسلمت.. أمة كاملة و٨٠ مليون مواطن يعيشون في «جيب» شخص واحد.. فمن هذا الذي سماها «أم الدنيا»..!!

Wednesday, September 17, 2008

هل الشعب المصري فعلا اسوأ من حكومته ؟‏!‏

بقلم‏:‏ سلامة أحمد سلامة

الحديث مع أحمد ابو الغيط وزير الخارجية‏,‏ حتي ولو كان عبر الهاتف‏,‏ يجعلك تقف وجها لوجه مع النصف الآخر من الحقيقة كما يراها الآخرون‏..‏ أي من الرؤية العالمية الأوسع‏,‏ من مراكز الحساسية الدولية والتقلبات الاقتصادية‏,‏ التي تدفع بلاعبين جدد الي المقدمة‏,‏ وترتد بآخرين ينوءون بمشاكلهم وعيوبهم الي المؤخرة وقد نكون نحن منهم‏,‏ ثم يصبح عليه ان يوازن بين الممكن والواقع‏,‏ بين الرغبة والقدرة في معادلات وموازنات لا تنتهي لكي يعيد تقييم الامور في حجمها الحقيقي وسياقها الدولي وايقاعها الاقليمي‏.‏

والدردشة مع وزير الخارجية تعطيك شيئا من الاستنتاجات وزوايا النظر عن العلاقة بين الداخل والخارج او عن الداخل كما ينعكس في الخارج‏.‏

فحريق مجلس الشوري وانهيار الجبل فوق رؤوس سكان العشوائيات في الدويقة‏,‏ او تدهور نظام المرور او انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات او غيره من مظاهر الفساد التي نشكو منها جميعا‏..‏ ليست ناجمة عن سوء الادارة وفساد الحكم وسوء المعاملة بقدر ما ترجع ايضا الي شيوع عادات وسلوكيات مرضية في المجتمع نحن مسئولون عنها كشعب‏.‏

فالتذرع بأشكال التدين التي تغطي الوانا من الانحراف والفساد الاجتماعي‏,‏ وانفاق المليارات علي اداء العمرة والحج مرات ومرات لأسباب لا تتعلق بالتدين والتجديد الروحي‏,‏ وتبادل الكذب والنفاق في التعاملات اليومية‏,‏ وعدم الالتزام بالقواعد والضوابط المرعية‏..‏ التي تجعل موظفا يهمل اداء وظيفته بحجة انشغاله بالصلاة‏.‏ كلها اشكال من السلوكيات المرضية التي تسود المجتمع المصري‏.‏ فتتسبب في الإهمال والتسيب الذي يفضي الي الحرائق والكوارث‏..‏

أما اكثر ما يثير اعصاب وزارة الخارجية‏,‏ فهو كثرة المشاكل التي يتورط فيها بعض افراد قلائل من المصريين الذين يعملون في الدول العربية وفي ظنهم ان بوسعهم ان يتصرفوا دون اعتبار لتقاليد وقوانين البلد الذي يعملون فيه‏..‏ ولا يهم الكثيرين منهم ان خطأ واحدا او اثنين يمكن ان تنعكس نتائجه علي مصدر رزق مئات الآلاف ممن يعملون معهم في السعودية او الكويت او ليبيا‏..‏

وحين تبحث عن اسباب الشكوي المريرة لآلاف المصريين الذين يعانون الاحتقار وسوء المعاملة في الحصول علي تأشيرات من السفارات الأوروبية أو العربية فسوف تكتشف ان نسبة كبيرة من سوء المعاملة يرجع الي الموظفين المصريين انفسهم الذين يعملون علي شبابيك هذه السفارات‏,‏ سواء بالمماطلة او بالتعسف في تطبيق اللوائح‏.‏ دون اغفال حقيقة مهمة هي أن الدول الأوروبية وضعت شروطا مشددة أغلقت ابواب السفر والعمالة تقريبا‏..‏

الخلاصة التي لم يقلها وزير الخارجية صراحة‏,‏ ولكنك تستطيع ان تقرأها علي شفتيه وبين كلماته‏,‏ هي انه إذا كانت الحكومة سيئة واداؤها متدنيا‏,‏ فإننا كشعب في الحقيقة اسوأ‏.‏ وهذا ما لا يريد ان يعترف به الذين لا يكفون عن الشكوي والتذمر‏..‏

والوزير علي ما أظن يرد بذلك علي ما اشرت اليه قبل أيام من ان شماتة الشعب المصري ليست غير رد فعل لإحساس طاغ بالذل القومي‏!‏ ولكن هل الشعب المصري فعلا اسوأ من حكومته ؟‏!‏

Monday, September 15, 2008

الخطر الحقيقي علي مصر!

بقلم مجدي الجلاد

لا يمكنك فهم الأمور جيداً إلا بوضعها في سياقها الطبيعي، وليس منطقياً رؤية الأشياء بنظرة أحادية.. السياق هو الظروف المحيطة، أما الأحادية فهي النظرة الضيقة، التي تفقدك تقدير الموقف، وبالتالي تحرمك من إيجاد حلول واقعية للمشكلات والأزمات.

ثلاثة مشاهد سكنت ذهني خلال الأيام الأخيرة، ذات ارتباط وثيق بعضها ببعض.. يصعب فهم أحدها دون ربطه بالآخر، هي مصر التي في الحقيقة، أو هي حياتنا دون رتوش أو تجميل.. الواقع الذي يسعي النظام الحاكم بأبواقه الإعلامية لإخفائه، والقبح الذي بات يملأ كل العيون.

(١)

المشهد الأول: صخور المقطم تجثم فوق البيوت المتهالكة والأجساد المنهكة.. تجسيد واضح لعشوائية دولة، وعجز نخبة حاكمة.. انعكاس أوضح لغياب العدالة الاجتماعية، وتجاهل المهمشين.. التفاصيل ترسم صورة مفزعة لمستقبل بلد يعيش تحت جلده ٨ ملايين مواطن في العشوائيات والمقابر.. عجزت الدولة عن إيجاد حل لهذه المعضلة، أو هي لم تفكر أصلاً في الأمر.. وفي هامش المشهد، يقف عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، معلناً بذل الجهد لتوفير الشقق للمشردين، الذين فقدوا «مقابرهم» تحت صخور المقطم.. والشقة غرفتان وصالة «بمنافعهم» في الصحراء.. عموماً ليست مشكلة، فالحياة «الميتة» في العشوائيات لم تكن أفضل من الحياة «الباردة» في شقق المحافظة.

(٢)

المشهد الثاني: الحياة الأخري حين تتحول إلي ملهاة وفانتازيا.. تحقيقات النيابة العامة في قضية مقتل المطربة المغمورة سوزان تميم، تكشف عن حجم إنفاق رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي عليها.. أرقام فلكية، قدرتها مصادر التحقيق بـ ١٢.٥ مليون دولار.. ليس هذا فقط، وإنما هناك أيضاً مليونا دولار تم رصدهما لتنفيذ الجريمة.. إجمالي المبلغ ١٤.٥ مليون دولار..

أي ٨٠ مليون جنيه مصري أنفقها رجل واحد من رجال الحكومة والحزب الوطني علي امرأة واحدة، لم نعرف اسمها إلا بعد مقتلها.. وبحسابات الحكومة في عطائها السخي وإغداقها الرحيم علي سكان العشوائيات المنكوبين، فإن هذا المبلغ يكفي لبناء ألفي شقة «غرفتين وصالة بمنافعهم».. وهذا غيض من فيض إنفاق بعض رجال النظام والحزب الحاكم علي المغامرات.

غابت ثقافة الثروة، فسقطت المليارات في «حِجْر» من لا يعرف قيمتها لوطن شديد الفقر.. والثروة اختبار للنفس والثقافة والتكوين.. جاءت سهلة بلا عناء، فضاعت بين أصابع النساء!

(٣)

المشهد الثالث: الشعب المصري الحقيقي.. شبان وشابات يحلمون بـ«الغرفتين والصالة بمنافعهم».. يطمحون إلي «السترة» تحت سقف، ولو من الخشب.. يتصارعون علي الشاشة أمام الملايين في البرنامج الرمضاني اليومي «دقوا المزاهر»، الذي يقدمه الإعلامي المتميز محمود سعد.. كان المشهد أكثر قسوة من الصخور، التي قتلت وشردت سكان العشوائيات.. شاب وفتاة «مخطوبان» يسجدان علي أرض الاستديو شكراً وحمداً لله علي فوزهما بالشقة.. امتهان «منطقي» وفي سياقه الطبيعي للمواطن المصري، الذي أغلقت في وجهه كل أبواب «السترة»، فـ«لحس» بلاط برامج التبرعات والخير للحصول علي شقة متواضعة.. كيف لنا أن ندين الشاب والفتاة، وفي كل بيت مصري جُرح يتحرك وينمو ويدمي.. شاب عاطل أو يعمل ببضعة جنيهات.. أو فتاة يغتصبها وحش العنوسة كل ليلة؟!

ثلاثة مشاهد تلخص مصر الآن: المهمشون الذين يعيشون علي أكوام «الزبالة»، ويحترفون الجريمة بكل أشكالها.. الثروة التي فتحت الحكومة خزائنها لرجال لا يحبون البلد، ولا يحملون أمانة الثراء.. والملايين ممن ضاعوا في «الفراغ الوطني»، فلا هم عاشوا في المقابر والعشوائيات، فامتلكوا مبرر الانحراف والإجرام، ولا هم «شمّوا» رائحة الثروة، ولا هم أصبحوا طبقة متوسطة، مثل الماضي القريب... والثلاثة هم الخطر الحقيقي علي مصر!

نظام فقد الحياء

بقلم د. صلاح الغزالي حرب

لم يكن ما حدث عند سفح المقطم انهيارًا جبليا يمكن أن يحدث في أي منطقة جبلية في العالم، وإنما كان حلقة في سلسلة انهيارات النظام الحاكم في مصر.. فكلنا يعلم أن هناك ملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفي ظل أسوأ الظروف المعيشية التي يتصورها إنسان، وليست الدويقة إلا مثالاً واحدًا من عشرات الأمثلة التي تغطي مصر من شمالها إلي جنوبها، تنتظر نفس المصير.. ودعوني أسرد عليكم بعض ردود الأفعال من رموز النظام الحاكم إزاء هذه الكارثة:

* صرحت السيدة رئيس التليفزيون المصري كما جاء في «المصري اليوم» بما يلي: «مش لازم نقطع الإرسال وننكد علي الناس لمجرد تقديم خدمة إخبارية، ولو كان فيه حاجة جديدة مستاهلة كان قطاع الأخبار قطع الإرسال لوحده»!

* قال عضو بارز بهذا الكيان الهلامي المسمي الحزب الوطني، في الجلسة التي عقدها مجلس الشعب لمناقشة الكارثة، إنه من غير اللائق أن ننظر إلي نصف الكوب الفارغ!!

* صرح السيد وزير الإسكان في نفس الجلسة بأن ما حدث لا يعدو كونه قضاءً وقدرًا، ومن غير اللائق أن نعترض علي قضاء الله وقدره!

تكفيني هذه الأمثلة الثلاثة لبعض رموز النظام الحاكم إزاء هذه الكارثة فماذا يعني ذلك؟

أولاً.. إن الإعلام المصري قد سقط بلا رجعة إلي الهاوية، ولم تعد له أي مصداقية أمام الرأي العام.. ولم يعد أمامنا من حل لهذا الفشل الذريع إلا إلغاء وزارة الإعلام، واقتلاع مجموعة الموظفين والمنافقين، والمنتفعين، وأولئك الذين انتهت مدة صلاحيتهم الإعلامية منذ زمن طويل.

ثانيا.. إن الكثير من رموز هذا الكيان الهلامي الحاكم قد فقدوا القدرة علي التمييز، بحيث لم يعودوا قادرين حتي علي اختيار الألفاظ المناسبة لهذا الموقف المؤلم.. فأي كوب هذا الذي يتحدث عنه العضو الهمام؟ لقد جفت كل الأكواب يا سيدي بحيث بات الحصول علي نقطة ماء نظيفة أملاً بعيد المنال للملايين من أبناء جلدتك.

ثالثًا.. إن السيد وزير الإسكان لا يعلم عن القضاء والقدر في الإسلام إلا أنه الشماعة التي يعلق عليها هو وغيره من المسؤولين كل أخطائهم وخطاياهم.. وليسمح لي بتذكيره بهذه القصة الموحية في التاريخ الإسلامي، وهي قصة الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء رحلته إلي الشام لتفقد أحوال الجند، حيث انتشر الطاعون في عمواس، فأمر جنده بالانصراف عنها فقال له أبوعبيدة بن الجراح: أتفر من قدر الله؟ فقال عمر: أفر من قدر الله إلي قدر الله.. فالتسليم بالقدر يا سيدي الوزير لا يعني أبدًا الإهمال والاستكانة والعجز عن تغييره، وإنما يعني الأخذ بأسباب تغيير هذا القدر.. فإذا نجحنا كان ذلك بقدر الله، وإذا لم ننجح كان ذلك أيضًا بقدر الله.

أما ما نحن بصدده اليوم فهي جريمة مكتملة الأركان، فيها الإهمال الجسيم، والتراخي، وعدم تقدير المسؤولية وخيانة الأمانة من مسؤولين كان يفترض أنهم جاءوا من أجل خدمة هذا الشعب المنكوب بحكامه.

لقد أصبحنا اليوم أمام نظام فقد حياءه.. بعد أن انتهت صلاحيته وسقطت كل أوراق التوت التي كانت تغطي سوءاته.. ولم يعد هناك من أمل إلا أن يتكلم الصامتون.. ويفيق الغافلون، ويتحرك القاعدون من أجل إنقاذ هذا البلد العظيم قبل فوات الأوان.

اللي يحب مصر يقول هيه

كتب على سلامة

كارثة..

استغاثة..

إنقاذ..

أزمة أمل..

وفشل بدرجة امتياز..

كلام..

جرايد..

برامج..

دروس مستفادة..

صوان عزا..

وقهوة سادة..

والدوام لله يا أستاذ..

تبرعات..

أهل الخير..

ولو بجنيه..

واللي يحب مصر..

يقول هيه..

ياتري الدموع دي..

رحمة..

واللا خوف..

واللا ابتزاز..

ولسه اللي بيته من إزاز..

عايش ومزاجه عنب..

وبيحدفنا كلنا بالطوب..

وتستمر المسيرة..

بكل فخر واعتزاز..

Sunday, September 14, 2008

كارثة الدويقة

بقلم خيري رمضان

* لأول مرة يتحدث رئيس الوزراء عن خطة واضحة وضعتها حكومته لمواجهة العشوائيات، ولا أعرف إذا كانت خطة حديثة متعجلة بعد كارثة «الدويقة»، أم أنها خطة قديمة كانت نائمة في الأدراج.

الدكتور نظيف حدد ١١٠٠ منطقة عشوائية وقال إنه تم الانتهاء من إعداد قاعدة معلومات عن تلك المناطق والخصائص الاجتماعية لسكانها، وسيتم علي أساسها تحديد أسلوب التعامل، سواء بالتطوير أو النقل أو الإزالة. ولم يقل لنا رئيس الوزراء، حتي يصبح كلامه موثقاً: كم عدد المواطنين المصريين الذين يسكنون هذه العشوائيات؟.. هل لم يعلن العدد لأن الرقم مفزع أم لأنه لا يعرفه حتي الآن؟

وبهذه المناسبة، هل يمكن لرئيس الوزراء عدم التصريح ببناء أي مشروع إسكان فاخر لمدة عام، لأن مصر تشبعت بالقصور والمنتجعات واستهلكت إنتاجنا من الحديد والأسمنت، حتي يمكن أن نتفرغ لبناء المساكن المناسبة للشباب وقاطني العشوائيات؟

فعلي الحكومة - إذا استمرت - أن تعلن لمرة واحدة - بالفعل وليس بالكلمات - أنها منحازة إلي فقراء هذا الوطن لأنهم الأغلبية، وتتوقف - ولو مؤقتا - عن انحيازها السافر للأثرياء.

مشكلاتنا واضحة ومحددة ومعروفة وطرق الحل ممكنة، حتي لو كانت صعبة.. المشكلة الحقيقية هي التوجه السياسي وتغيير الأولويات!

Saturday, September 13, 2008

أهملناهم عمداً.. وتركناهم لـ «حين ميسرة»

عندما سمعت الأخبار الأولي حول كارثة جبل المقطم، ورد علي ذهني علي الفور ذلك الفيلم الرائع للمبدع خالد يوسف «حين ميسرة».

لقد كتب مخرج الفيلم في نهايته عبارة تبدو لي الآن أنه كان كمن كان يقرأ الغيب واعتبرها البعض ممن لا يعرفون شيئاً عن هذا الوطن أن فيها مبالغة.. فقد ذكر في نهاية الفيلم أنه يعتذر للمشاهدين عن عدم استطاعته نقل الصورة الحقيقية للحياة في هذه العشوائيات، فهي أسوأ بكثير!!

لقد انتهي الفيلم بحريق كبير في منطقة عشوائية بدا كأنه الحل الوحيد لهذه المناطق، ولكني لا أعتقد أنه لم يخطر ببال المخرج الكبير ولا بال أحد ما حدث حقيقة وعلي أرض الواقع بعد شهور قليلة من عرض الفيلم وهو أن تنخسف الأرض بما عليها مما يقرب من السبعين منزلاً تحت وطأة انهيار جبلي رهيب اختفت بعدها منطقة واسعة كاملة بعزبة «بخيت» بشراً وحجراً!!

لم يكن فيلم خالد يوسف هو جرس الإنذار الوحيد للنظام والحكومة حول قضية العشوائيات ومخاطرها، فقد اتضح الآن وبعد فوات الأوان أنه كان هناك العديد من التحذيرات بشأن احتمال وقوع مثل هذه الكارثة منذ حوالي خمسة عشر عاماً عندما حدث شيء مماثل ولكنه كان أقل ضرراً!!

إنني أسأل السيد رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول الأول عن أرواح شعبه والذي يفخر دائماً بأن نظامه لا يزج بأبنائه في حروب أو مغامرات عسكرية حفاظاً علي أرواحهم، لماذا لا تأمر بفتح نقاش علني أمام وسائل الإعلام المختلفة، للإجابة عن سؤال محدد: ماذا فعلت الحكومات السابقة والحالية تجاه هذه التحذيرات؟

إن هناك جريمة كاملة الأركان وتوصيفها «إهمال متعمد أدي إلي قتل جماعي» يتحمل المسؤولية الأولي عنه وزير الإسكان السابق الذي هو في نفس الوقت ممثل أهالي هذه الدائرة المنكوبة في مجلس الشعب.. أي أن مسؤوليته سياسية وتنفيذية في نفس الوقت، لقد أنكرت محافظة القاهرة أن عليها أي مسؤولية تجاه نقل ساكني العشوائيات إلي مساكن جديدة،

وصرح كبار مسؤوليها بأن المسؤولية تقع علي عاتق ما يسمي «جهاز التعمير» التابع لوزارة الإسكان وفتح باب النقاش العلني في الموضوع - وليس إحالته إلي اللجان التي تجيد الطبخ - سيوضح بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام جريمة قتل جماعي، وراءها مسؤولون كبار لا يحبون هذا الشعب ويكرهونه كراهية التحريم، ولا تهتز لهم شعرة عندما يسمعون عن ضحايا منه يتساقطون بالآلاف كل عام في حوادث مختلفة!!

ما معني أن تكون هناك ستة آلاف وحدة سكنية جاهزة للسكن وقاطنو المنطقة المنكوبة ينظرون إليها علي مدي سنين ويمصمصون شفاههم ويتحسرون علي حظهم المائل، وجهاز التعمير أو التخريب لا فرق، يتلكأ في تسليم هذه الشقق للمحافظة!! والمحافظة ترتب الأوراق لتجعل منها وليمة عظيمة لكل أنواع الفساد والرشاوي.. والكل ينتظر!!

الشيء الغريب أن هذه المساكن لم تبنها الحكومة من مال دافعي الضرائب من أبناء الشعب ولكنها بنيت بأموال أحد الصناديق العربية كمنحة لقاطني هذه المنطقة من فقراء مصر.. ولكن استمر التسويف والتلكؤ والنطاعة إلي أن حدثت الكارثة..

ولم يخجل أحد كبار المسؤولين الادعاء بأنه كان علي وشك تسليم هذه الشقق لهم في الأسابيع الثلاثة المقبلة؟!! ألا يستحق هذا التهريج وهذه الجريمة واضحة المعالم، من السيد الرئيس أن يأمر بفتح نقاش علني أمام وسائل الإعلام المختلفة حولها ينتهي بتحديد واضح للمسؤولية الجنائية عن قتل هذا العدد غير المحدد حتي الآن لفقراء مصر؟!

بابا نويل في الدويقة

بقلم حمدى رزق

في الدويقة كانت هناك ناس غلابة عايشين يوم بيوم، بياكلوا طقة بطقة، حامدين، شاكرين، كافيين خيرهم شرهم، بيحلموا تحت السفح بالصعود إلي القمر، ركبوا الدش ليشاهدوا العرايس الملونة فوق قمة الجبل، زارهم بابا نويل في الأحلام، طلبوا صعود الجبل، هذا ما لا يستطيعه بابا نويل، عاد كاسفا وهو حزين.

حسنا فعلها، يقولون في الدويقة إن الأستاذ جمال زارهم ليلاً، هذا ما يفعله بابا نويل عادة، جمال مبارك صار بابا نويل، يرتحل كثيرا، يحمل خُرجه علي ظهره، من «ننا» إلي «العصايد» مرورا بالدويقة، ينادي علي الأحلام المتأخرة.. يحققها، بابا نويل يحقق الأحلام الصغيرة، أحقا خُرج بابا نويل لا يسع الأحلام الكبيرة؟

في الأمثال يقولون «وادي وش الضيف»، باعتباره ضيفًا وحتمًا سيرحل ولن نراه ثانية، معلوم بابا نويل لا يزور بيتا واحدا مرتين، لا تكن ضيفا، ولا وشك وش الضيف، الدويقة تحتاج إلي زيارات أخري تبتعد عن الحزبية بمسافة وعن الرسمية بمسافات، زيارات ذات حس إنساني، ليس هناك أنسب من الدويقة ليصير للالتحام، الذي تقصد معني، للزيارة هدف، تكتسب الزيارة هنا حميمية وعاطفية تغيب عن كل الزيارات المخططة.

لا تلوي شيئا، لا تسمع لهرطقات خبراء البروباجندا، ولا تلتفت إلي تفكيسات كتبة الحكومة، لا تتأخر كثيرًا، تقدم بلا مقدمات، خذ الكتاب بقوة، طبطب، طيب الخواطر، احتضن.. عوض افتقاد الأب والأخ والابن، كان هناك في الدويقة صبيان وبنات، وعروسة وعريس، وأحلام خضراء، بأي ذنب قتلت، الصخور طاحت في القرية الآمنة كالأفيال الهائجة، سحقت كثيرًا من العشب.

في الدويقة ستجد هناك مصريين بسطاء، طبيعيين، ليسوا مصنوعين، غلابة، شايلين طين، رضوا بالهم والهم ما رضي بيهم، طلبوا الستر في الدنيا، تعرت أجسادهم في الكارثة، أشلاء بشر، لملم الأحزان، بلسم الجراح، عد الجروح يا ألم، لا تقف مكتوف الأيدي هكذا،

غبر نعليك، ابدأ بالدويقة، ها هي البداية، التي راوغتك طويلا، خذ من أموالهم، من أموال رجال أعمال أمانة السياسات، ابن الدويقة الجديدة فوق ربوة خضراء وينبوع ماء، جنب مدينتي، حقق حلم من عاشوا طويلا تحت السفح.

طالما انعقد عزمكم علي مداهمة الفقر في عقر داره ، وتطاردونه من الصعيد إلي بحري، الدويقة هي دار الفقر ودواره، الفقر هنا عشش وباض، صار الفقر انموذجا، الدويقة تجربة معملية فذة لقياس تفاعل الفقر في المجتمعات الفقرية، الفقر قلقل الصخور من فوق الجبل،

الدويقة فرصة لإطلاق مشروع قومي حقيقي، لتمكين سكان العشوائيات، وكما حاربوا الحفاء قديما فلتحارب العشوائيات، كيف ينام البعض منا خلف كومبوندز مشيدة ولحم المصريين مكشوف لذئاب الجبل.

الدويقة أقرب إليكم من حبل الوريد، أقرب من «ننا» في الصعيد، فركة كعب، عشر دقائق بسيارة مسرعة، ننا فقيرة، والعصايد محتاجة، لكن الدويقة منكوبة، غدر بها الجبل، النزول إلي الغلابة لا يرتهن بالتحركات الحزبية المخططة،

ولا وفق منحني خط الفقر المصري بتاع الدكتور عثمان، الهبوط إلي السفح لا يحتاج إلي دراسات حقلية وسيناريوهات معدة مسبقا، الفرصة تلوح كالومضة، من يلتقط الإشارة، واللبيب بالإشارة يفهم.

Friday, September 12, 2008

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ الحكم الرشيد أن تصل المياه النقية لمواطني العشوائيات مثلما تصل لمواطني المنتجعات وملاعب الجولف‏.‏

*‏ الاستغاثات التي كانت تئن من تحت الأنقاض لم تكن صادرة من الدويقة ولكن من أعماق المصريين في كل العشوائيات‏.‏

*‏ أخشي علي المتحف المصري‏..‏ كنز كنوز العالم ألا يكون مؤمنا ضد الحريق والذي منه‏,‏ حتي لا نفقد آخر ما تبقي له من رصيد حضاري‏.‏

*‏ لاتجتمع الثروة والسلطة إلا كان الشيطان ثالثهما والسجن نهايتهما‏.‏


*‏ لو كان في العبارة الغارقة مطربة أو راقصة لما نجح صاحبها في السفر والإقامة في لندن‏.‏

Thursday, September 11, 2008

ما هو أخطر من الدويقة!

بقلم سليمان جودة

يذهب المسلم إلي أداء العمرة، ليقترب من الله تعالي، وإذا كررها فليس إلا ليزداد اقترابًا من ربه، وإذا فعلها مائة مرة، فهو معذور، ومشكور.. معذور لأنه، بطبيعته، لا يستطيع أن يقاوم إغراء الانجذاب إلي الأراضي المقدسة، حيث النور يشع في كل ركن.. ومشكور لأنه يؤدي شعيرة من شعائر الدين، وسوف يشكره الله، ثم يجازيه!

وليس هناك شك في أن عائد العمرة يعود علي المعتمر وحده، ولا يعود علي أحد غيره، فالمسلم له مصلحة مباشرة في الذهاب إلي هناك حتي ولو كانت مصلحة روحية خالصة، وليس لله تعالي مصلحة في أن يذهب كل واحد فينا،

كما أنه سبحانه وتعالي لا يضره ألا نذهب جميعًا، فهو في غني عن الناس، وحين أنزل الوحي علي الأرض، متمثلاً في الأديان السماوية الثلاثة، كان يريد أن يحقق مصلحة الإنسان في أي مكان، وكان يريد أن يقول إن مقاصد الأديان الثلاثة واحدة، ولا اختلاف بينها، من حيث الهدف، ومن حيث الغرض البعيد!

وإذا كانت الأرقام تقول إن ٣٥٠ ألفًا من بيننا ذهبوا للعمرة هذا العام، فالمرء، في حقيقة الأمر، لا يملك أن يعترض علي وصول العدد إلي هذا الرقم، بل إننا علي العكس نتمني أن يزيد، وأن يصل إلي الضعف، ولكننا فقط نريد أن نتساءل عن علاقة مثل هذا الرقم، وعلاقة تكلفته الإجمالية بتحقيق المقاصد العليا للأديان الثلاثة، التي هي موضع اتفاق وتوافق..

نريد أن نتوقف عند إجمالي ما أنفقه الـ ٣٥٠ ألف معتمر، خصوصًا الذين يذهبون للمرة الثانية، أو الثالثة، أو العاشرة، أو.. أو.. فليس سرًا، أن متوسط ما يتكلفه الواحد، يصل إلي عشرة آلاف جنيه تقريبًا، وليس الواحد منا في حاجة إلي جهد كبير، ليعرف أن هذا معناه، أنهم - مع الإقرار بأنهم معذورون ومشكورون - قد أنفقوا ٥،٣ مليار جنيه، مرة واحدة في عام واحد!..

وليس سرًا للمرة الثالثة، أن المليارات الثلاثة ونصف المليار، قد حققت مصلحة لـ ٣٥٠ ألفًا، في الوقت الذي كان فيه من الممكن - ولايزال ممكنًا - تحقيق مصلحة أكبر، لـ ٨٠ مليون مصري، بأن يتوجه إنفاق مثل هذا الرقم، إلي إنفاق عام، خصوصًا علي التعليم، من خلال صندوق خاص يتولي الأمر، ويراقبه، من أوله، إلي آخره!

سوف يكون لدينا، إذا فكرنا في المسألة، بشكل مختلف، عشرة مليارات ونصف المليار، خلال ثلاث سنوات، وبها نستطيع أن نغير في المجتمع، عمليا، وفعليا، وأن يمتد أثر هذا التغيير إلي المستقبل، وإلي كل جيل قادم، لو أننا تدبرنا الموضوع، بالعقل لا القلب ، وقررنا أن تتوجه عشرة مليارات ونصف المليار إلي إنشاء مدارس أهلية، لا تهدف إلي الربح، وتنشأ بمجهود أهلي صِرْف، لا دخل للحكومة فيه من قريب، ولا من بعيد، مع ما نعرفه من أن هذا النوع من التعليم علي وجه التحديد، هو التعليم الحقيقي في العالم كله.. لا تعليم مدارس الحكومة، ولا حتي تعليم المدارس الخاصة!

هل نتصور ما يمكن أن تكون عليه الحال، لو أنفقنا مبلغًا بهذا الحجم في تعليم أهلي، يتجسد في مدارس أهلية، تحصل علي مصروفات من طلابها، كل واحد حسب درجة تفوقه، ثم لا يكون الربح في النهاية، من بين أهدافها؟!

هل فكر حزب في البلد، بخلاف الحزب الوطني، في أن يتبني فكرة من هذه النوعية، وعلي هذا المستوي؟! وهل تخيل هذا الحزب، مردودها علي مدي تواجده في الشارع، وعلي شكل مستقبل هذا الوطن، علي المدي البعيد؟!.. وهل فكرت أي جمعية مدنية، في أن تكون هذه الفكرة، من بين ما يشغلها في الليل والنهار؟!

فكرة كهذه، تحقق مصلحة الإنسان علي الأرض، كما أمر الله تعالي، وتجسد المقاصد العليا للدين بين الناس، كما ينبغي أن تكون، وتنقذ التعليم في مدارسنا من واقع لا يختلف علي الإطلاق، عن واقع الدويقة! ومن مصير لا يختلف أيضًا، عن مصيرها!

رفع الأنقاض في الدويقة، لابد أن يواكبه رفع أنقاض مماثل، في مدارسنا، وليس هذا ممكنًا، إلا من خلال خيال، يتجاوز عجز الحكومة، وقلة حيلتها، ويتجاوز ما نعيش، ثم ننام ونقوم فيه!

تصريحات خايبة

بقلم خيري رمضان

تصريحات محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير غير مسؤولة، غير معقولة، وغير مقبولة. المحافظ يقول «إن عملية تطوير المنطقة التي بدأت عام ١٩٩٣ كانت تسير في طريقها المرسوم، وبالفعل تم إخلاء منطقة الدويقة «التي وقع بها الحادث عن طريق الشرطة، إلا أن السكان لم يلتزموا وعادوا إليها».

السيد المحافظ بهذا الكلام لا يتحدث عن دولة، وإنما عن عزبة ليس لها صاحب، وكل من يرد أن يفعل شيئاً يفعله، فيما تبقي الحكومة بكل آلياتها ووسائل قمعها وقوانينها عاجزة ومسكينة، ولم يقل لنا المحافظ أي عملية تطوير تلك التي كانت تسير في طريقها المرسوم.

أي طريق هذا ـ يا محافظ العاصمة ـ يستغرق ١٥ عاماً؟ ولماذا عاد الناس إلي هذه المنطقة الخطرة العشوائية المهمشة؟ هل وفرت الحكومة لهم مكاناً آخر يليق بآدميتهم، فرفضوا وقالوا: «لا إحنا وش بهدلة»؟

دعونا من التصريحات «الخايبة» والمسكنات، لنعترف مرة واحدة بالأزمة، حتي يمكننا الوصول إلي حل فعلي لملايين المصريين، الذين يعيشون علي الهامش، في العشوائيات، ولنعترف بأن الحكومة لن تستطيع حل هذه المشكلة، التي لا تهدد فقط حياة البشر، ولكنها أيضاً تهدد مستقبل العاصمة، بثورة الغاضبين والعاطلين، والذين بلا مأوي أو خارج نطاق السيطرة، فهؤلاء سيقتاتون علي أمن المواطنين الأبرياء.

التجارب الأليمة أثبتت أنه لا توجد لدي الحكومة الذكية إحصائيات بأرقام المواطنين الذين يعيشون في العشوائيات ونوعيات الأعمال التي يقومون بها، لذا ومن الآن فلابد من توفير هذه الأرقام، بعدها توفر الدولة مجاناً قطع أراض صالحة للبناء في المحافظات المختلفة، وتطلب من رجال أعمالها الذين دللتهم كثيراً ومنحتهم فرص الاحتكار والأراضي المجانية أو بأسعار زهيدة، أن يقوموا ببناء عمارات بمواصفات خاصة تستوعب أعداد هؤلاء المواطنين، الذين يعيشون في أطراف العاصمة أو في قلبها،

وأثق كل الثقة أن أحدا من رجال الأعمال سيجرؤ علي الرفض، فمن يدفع الملايين لمزاجه الخاص، سيدفع حتي يضمن الامتيازات التي يحصل عليها والقرب من أصحاب القرار ودائرة السياسة، ولن تخسر الدولة، بل ستربح الكثير بدءاً من راحة البال واستغلال المناطق العشوائية التي سيتم إخلاؤها.

يجب أن يقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب إنشاء مناطق صناعية وإنتاجية قريبة من هذه التجمعات للاستفادة من هذه القوي البشرية بعد تأهيلها لما نحن في حاجة إليه.

الحل ليس صعباً ولا مستحيلاً، ولكنه يحتاج إلي قرارات حاسمة وواضحة، ورغبة حقيقية في الإصلاح، بعيدا عن تصريحات الطوارئ التي نسمعها ولا نصدقها.

الشعب المصري يستحق حياة أفضل، وفقراؤه في حاجة إلي حكومة لها قلب، غير تلك الحكومات التي أنهكته وأهانته!

Sunday, September 7, 2008

أزمة «السياسات»

بقلم خيري رمضان

لم نعهد الحزب الوطني أبدًا معترفًا بأخطائه أو خطاياه.. لم يعلن يومًا أنه أساء اختيار قياداته أو لم يصب في قراراته، أو فشل في سياساته.

مع كل أزمة تواجه الحزب الوطني الحاكم - ودعونا من حكاية الديمقراطي - نجده إما أن يتجاهلها تمامًا وكأنها غير موجودة، أو يخرج علينا بتبريرات ساذجة وخطط مستقبلية مبهرة،

دون أن يغفل الحديث عن الإنجازات وما تحقق في مجال الكباري والأنفاق والصرف الصحي، مهددًا ومتوعدًا أولئك الأوغاد، الذين يشوهون سمعة مصر، ويقتاتون علي شرفها في المساء عبر برامج الفضائيات والصحف السوداء.

أما إذا اضطر أحدهم للحديث عن الأزمات المتلاحقة التي يعيشها الشعب من البطالة حتي رغيف الخبز، وانقطاع المياه، واختفاء البنزين، وفوضي العبارات، وانقطاع الكهرباء، وحوادث الطرق و.. و..

فستسمع كلاما باهتاً بلا لون، ولكن برائحة كريهة، يدعوك إلي بث روح التفاؤل واغتيال نغمة التشاوم، حتي نري معا «مصر بتتقدم بينا»، وإن كان هذا القطار قد اختفي ويبدو أنه «تعطل بينا».

الحزب الوطني غير وجوهه، ولكنه لم يغير سياساته ولا خطابه، فلا يكفي أن نري جمال مبارك، أمين السياسات، وسط الفقراء حتي نصدق أن هناك تغييرًا حقيقيا.

الآن الحزب الوطني وتحديدًا أمانة سياساته تمر بأزمة قد تقتلع جذورها - أقصد الأمانة - إذ لم تلتفت إلي ما وضعت نفسها فيه وأساءت إلي هذا الوطن ومستقبله.

فالحزب وأمانته الأشهر، لم يقفا لحظة لتقييم تجربة رجال الأعمال، الذين لمعوا في أحضانه، فأتوا علي الأخضر واليابس، حصدوا كل الثمار ووضعوها في جيوبهم، ودفعوا بنا من أزمة إلي أزمة.. لم يضيفوا إلي السياسة، وأضافوا إلي أرصدتهم، ثم شوهونا وأفقدونا بقايا من ثقة لدينا في هذا الوطن.

كلهم خرجوا من جلباب أمانة السياسات، ترعرعوا في ظلها.. لم نكن نسمع سوي عن أعمالهم، حتي دخلوا الأمانة، ومنها إما هربوا إلي الخارج أو دخلوا السجون.. قتلة بصيغ مختلفة، تجار دماء فاسدة بمستلزماتها محتكرون.. فماذا جنت منهم مصر وماذا حققت بهم أمانة السياسات والحزب الوطني الحاكم؟

لا شيء، سوي الفضائح والعار، أصبحنا نكتة تروي عبر رسائل «الموبايل» في العالم العربي: «الأميرة ديانا وذكري استقبلتا سوزان تميم في الآخرة وقالتا لها: (مش قلنا بلاش رجال أعمال مصريين!)».

أليس ما حدث يستحق من أمين السياسات ومن حوله إعادة تقييم تجربة إقحام أصحاب الثروة علي عالم السياسة وكراسي السلطة؟

هل ما حدث وما سيحدث لا يستحق أن يعترف الحزب وقياداته بسوء السياسات وإعلان خطط بديلة وواضحة لإصلاحها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد بلد، أصبح في يد ما لا يزيد علي عشرة أشخاص من قيادات الحزب والحكومة؟ أم أنه لا جدوي لأنهم يسعون إلي الخراب الذي يطرق الأبواب بعنف؟

لا تحاكموا هشام مصطفي.. وحده!!

بقلم مجدي الجلاد

سألت نفسي كثيراً: لماذا لم يتورط بيل جيتس أو وارين بافيت في قضايا تهرب ضريبي أو نهب أموال عامة أمريكية أو تحريض علي قتل..؟ وسألت نفسي أكثر: لماذا لم يهرب صالح كامل بأموال البنوك السعودية، والخرافي بمليارات البنوك الكويتية، ورفيق الحريري بكنوز لبنان..؟

لماذا يحب المواطن في أي دولة رجال الأعمال، ويشعر أنهم يضيفون رصيداً كل صباح لاقتصاد البلد، ويخلقون للآلاف فرص عمل، ويخصصون جزءاً مهماً من ثرواتهم لتحسين أوضاع العاملين في شركاتهم، ولأنشطة الخير ودعم المجتمع؟

سألت نفسي: لماذا يكره المصريون رجال الأعمال..؟ ولماذا رفض الرئيس مبارك أن يتبرعوا لإعادة بناء مجلس الشوري، وأصر علي أن تتولي خزينة الدولة هذه المهمة..؟ هل لدينا في مصر رجال أعمال حقيقيون..؟ أو بمعني آخر: هل في مصر الآن رأسمالية وطنية مثلما كان قبل ثورة يوليو؟!

أظن أنكم جميعاً تعرفون الإجابات عن كل هذه الأسئلة.. ولكن السؤال الذي يلح علي خاطري الآن: لماذا نحاكم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي أمام محكمة الجنايات بتهمة التحريض علي قتل سوزان تميم.. لماذا نحاكمه بالقانون الجنائي، ونتجاهل روح القانون التي تنظر إلي الأبعاد الكاملة والجناة الحقيقيين؟ لذا.. دعونا نعد تكييف هذه القضية، بحيث نضعها في سياقها الطبيعي دون تجن علي أي طرف.

هشام طلعت مصطفي.. شاب نشأ في مناخ عام يمنح الفرص لمن يجيد اقتناصها.. تربي في حضن السلطة.. أدرك مبكراً أن للثروة مفاتيح في أيدي الحاشية، فاقترب منهم إلي حد الالتصاق، وحين فتح الحزب الوطني أبوابه وصدره وأحضانه لرجال «السياسات» فطن هشام مثل غيره إلي أن ثمة زواجاً وشيكاً بين السلطة والمال.. الحزب والثروة..

فأصبح أول المتقدمين لـ «يد» العروس الفاتنة.. وهكذا بدأت القصة التي تكررت بنفس الفصول وذات التفاصيل مع حفنة من رجال الأعمال الآخرين.

هشام طلعت مصطفي.. ابن شرعي لمرحلة رسمت ملامحها السلطة، ونموذج لعلاقة مصلحة متبادلة نسج خيوطها النظام الحاكم ذاته.. فلا تصدقوا أن يد العدالة طالت هذا الرجل فجأة لأنه أخطأ، وتواطأ في جريمة قتل مطربة مغمورة، تحيطها علامات الاستفهام من كل جانب..

لا تصدقوا أن «هشام» خرج علي أصول اللعبة، فوجب عقابه، الحكاية كلها أن هناك طرفاً آخر غير «مصر» في القضية، فالجريمة وقعت علي أرض «دبي»، والإماراتيون أصروا علي تحقيق القضية بكل أطرافها، إذن فالأمر خرج من يد «القاهرة».. احسبوها جيداً...!

المهم.. أن القضية لم تعد مقتل سوزان تميم.. والسؤال ليس من قتلها ومن حرض علي الجريمة.. القضية هي وضع ثروة مصر في أيدي حفنة من رجال لا يدركون خطورة المهمة.. والسؤال: من أعطي ومنح ووهب هشام مصطفي وغيره العطايا المجانية والمليارات السهلة..؟ من أهدي هذا الرجل ٤٠ مليون متر مجاناً في مشروع «مدينتي»..؟

من فتح له خزائن البنوك، وتسهيلات القروض وبناء المنتجعات، وأي مقابل دفعه «هشام» ولمن..؟! ماذا قدم له الحزب الوطني بسطوته ونفوذه، وما الأبواب التي فتحتها «أمانة السياسات» أمامه.. وكم دفع «هشام»، ومن يشاركه من الباطن، ومن أفاده واستفاد منه..؟ إنها حزمة واحدة، وعلاقات متشابكة، ومصالح متبادلة.. ومن يعتقد غير ذلك فهو ساذج إلي حد «العبط».

قضية هشام ما كان يجب أن تحال إلي محكمة الجنايات.. مكانها الطبيعي «نيابة الأموال العامة»، أو محكمة سياسية تعقد خصيصاً لمحاكمة مرحلة كاملة.. إذا أردنا العدل والنزاهة والشفافية فلابد من محاسبة «هشام» ومن وراءه، ومن صنعه هو وعشرات غيره..

فلا يليق بشعب مصر أن يظل «مضحوكاً عليه»، أو هو يضحك علي نفسه.. لا فرق.. والمحصلة أن ألف «هشام» سيولد كل يوم، لأن «الرحم» الفاسدة لاتزال تلد.. وتلد.. وتلد..!

Saturday, September 6, 2008

الأمانة تقتضي تفكيك الأمانة

بقلم حمدى رزق

وسقط الغضنفر وبقي كثيرون، سقط أحدهم، بعضهم آيل للسقوط، إن لم يكن اليوم فغدًا أو بعد غد، وإن غدًا لناظره قريب.

من يقع يسد بركته.. هذا ما وجدنا عليه آباءنا، هشام وقع في البركة، في أيدي العدالة، شنق نفسه، أغلق علي نفسه الدائرة، لم يكن ذكيا كأقرانه.

ابتلينا علي آخر الزمان بحفنة من القتلة في ثياب أنيقة، يخفون رائحة الدماء في أياديهم بالعطور الباريسية، ويغسلون العار بالمساحيق الأمريكية، ويهربون من المساءلة بالفيراري الإيطالية.

جميعاً علي تلك الشاكلة الإجرامية الاحترافية، هشام متهم بقتل سوزان تميم خارج الحدود، هم قتلونا داخل وخارج الحدود، في البر وفي البحر، من يقبض عليهم، من يوجه إليهم الاتهام؟! لا أعتقد أن المستشار عبدالمجيد محمود لديه ترخيص بالقبض الجماعي.

مجرم في القفص، هناك مجرمون طلقاء، من يكبح جماحهم، من يتصدي لغرورهم، من يلزمهم جادة الصواب، تمامهم عند من، في أيدي من، من يقودهم، من يسوسهم، من يحميهم ويسدد الفواتير من ورائهم؟!

منك لله ياهشام، قلّبت علينا المواجع، مواجع أمانة السياسات ورجال أمانة السياسات، وسياسات أمانة السياسات.. صار مطلباً وطنياً تفكيك تلك الأمانة وما يتفرع عنها من لجان ومجالس (المجلس الأعلي للسياسات) وتسريح منتسبيها - منهم هشام، بعضهم علي شاكلة هشام.

من قبيل الأمانة الوطنية التخلص من تلك الأمانة، صارت منطقة جذب للقتلة المحترفين، أكبر تجمع للعائلات البيزنسية عرفته مصر الحديثة، المصلحجية يجتمعون، رجال مال وأعمال، ومقاولات وأصحاب مكاتب استشارية وتوكيلات أجنبية، ومافيا أراضي الدولة، ومليارديرات الحرام.

الأمانة أبعد ما تكون عن الأمانة في تصويب المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد، إنما هي تعبير عن كارتلات مصالح، ترسم سياسات واقتصاديات البلد للتخديم عليها، وتترجم تلك السياسات إلي مليارات، والمليارات تدخل إلي المصارف، والمصارف تغسلها بمياه أمانة السياسات، بإضافاتها البحثية، تغسل أكثر بياضًا.

الأمانة صارت الباب الملكي للتوزر والترقي والترؤس، منها يتخرج الوزراء ورؤساء البنوك والشركات وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات.. عضوية أمانة السياسات اختصار للطريق واغتصاب للمناصب، وإحصاء بسيط لرؤساء البنوك والشركات المعينين من رجال الأمانة، تشير لا تومئ بالمطلوب إثباته.

أمانة السياسات، إن شئنا الدقة، استلبت الحزب، صارت حزبا داخل الحزب، استلبت الوطن، صارت جيتو رأسمالياً، لايؤمن بغير قوي المال، وأصبحت مثل قطعة السكر يجتمع عليها نمل الحزب، والحراك داخل الأمانات الفرعية واللجان المتخصصة، ليس لتوليد الأفكار المدهشة، ولكن لابتكار سبل يقترب بها العضو خطوة نحو أمين الأمانة.

أي نجاح هذا الذي ينسب لأمانة السياسات؟! نفر من خريجيها في عداد القتلة المحترفين، قتل فردي وإغراق جماعي، وبعض من منتسبيها من المحتكرين المستلبين ثروة شعب من الفقراء، يجلسون جنب حيطة الوطن تأكلهم الحسرة.

صارت موئلا لجماعات من المنافقين، الذين يتولون الترويج والتبشير بالتوريث، وتجمعات من المدلسين يحملون أرقي الدرجات العلمية يسخرونها في التهيئة، يهيئون العريس، النجاح الوحيد للأمانة أنها جمعت كل المكروهين في أمانة، والأمانة صارت عبئا علي الحزب، وعلي النظام.. نفر من رجال أمانة السياسات أساءوا بشدة للنظام.

Friday, September 5, 2008

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي

*‏ نفوذ‏+‏ فلوس‏+‏ نساء‏-‏ قناعة‏=‏ أسلحة الدمار الشامل للذات‏.‏

*‏ لا أطمئن لقاض عين ابنه الحاصل علي تقدير مقبول في سلك النيابة متجاوزا كل أقرانه المتفوقين‏.‏

*‏ اللهم اعط كل انسان علي قدر ما تمني لي‏.‏


*‏ ليس مهما وجود دستور محترم في أي دولة‏,‏ المهم وجود نظام يحترم هذا الدستور‏.‏

*‏ شهر رمضان أنزل فيه القرآن وليس المسلسلات‏,‏ وفيه الإمساك عن الأكل وليس الولائم‏.‏

Monday, September 1, 2008

العجائب الالكترونية.. للحكومة الذكية

أنور عصمت السادات

" هذا المكان بيكره العارفين " بيت في قصيدة شاعرنا العظيم عبد الرحمن الأبنودي خطر علي بالي بمجرد أن قمت بتصفح بعض المواقع الالكترونية لحكومتنا المصرية عندما أردت أن أعرف ما هو تواجد الحكومة المصرية علي شبكة الانترنت في ظل عصر العولمة و ال الفيس بوك .

تحت الإنشاء هي رسالة موقع رئاسة الجمهورية www.presidency.gov.eg فحينما تبحث عنه بمحرك البحث جوجل تجد موقعا في غاية القدم من حيث العمر و غير ملائم للواقع ولم يتم تحديثه منذ يناير ٢٠٠۸ .

أما الموقع الالكتروني لمجلس الوزراء www.egyptiancabinet.gov.eg فحدث و لا حرج ... فإذا قمت بتصفح محتويات الموقع تحت بند أهم المواقع لوجدت الحزب الوطني الديمقراطي تحت بند الأحزاب السياسية... هل لا يوجد أحزاب أخري في مصر ؟!! و ماذا عن الثلاثة و عشرين حزب الموجودين بمصر و الذين يمارسون نشاطهم السياسي و لم يتم تجميدهم بعد ... لقد وصل التهميش السياسي إلي الفضاء السيبيري...

و إذا أردت أن تتطلع علي أهم الأخبار علي الموقع قد يصادفك أيضا عنوان مثل " التنسيق بين الحكومة و الحزب للسياسات المستقبلية " و تتساءل أي حزب الذي من المفترض أنه واحد و معروف حيث دخول " أل التعريف " علي الكلمة و عند قراءتك لفحوى الخبر ستجد أنه الحزب الوطني ... و ماذا عن دور الأحزاب في السياسات المستقبلية ؟!

كان علي الحكومة - التي أعطت لنفسها لقب " الحكومة الالكترونية " مما جعلنا نعتقد أننا أمام مواقع حكومية الكترونية تمتاز بقوة الأداء و الشفافية و صورة عن الواقع السياسي الذي نعيشه – أن تلتزم بالديمقراطية و الشفافية و أن تقوم بتهيئة هذا المناخ الديمقراطي علي صفحتها الالكترونية و أن تتيح فرص عادلة لكل الأحزاب لأن تعبر عن نفسها طالما أنها شرعية حتي تجمعهم مع الحزب الحاكم محاولات الإصلاح ... فالانفصال و التهميش السياسي يشتت الفكر و الجهد و يقطع الأوصال فيؤثر بالسلب علي حياتنا السياسية ... كنا نأمل أن نجد الشفافية علي الانترنت و التي فقدناها في الواقع ...

أما فخر حكومتنا المصرية " موقع وزارة الدفاع " www.mmc.gov.eg موديل ٢٠٠٢ بدون اضافات من تاريخه... و المثير للدهشة أن الموقع باللغة الانجليزية فقط كأنه يخاطب الشعوب الأجنبية !! ناهيك عن انه موقع بسيط جدا لا يعبر عن مؤسستنا العسكرية التي تزخر بالخبراء في جميع أقسامها ... إلا إذا كان هناك حكمة خاصة بأمن مصر القومي ... فضلا عن أنك ستجد مواقع بعض الوزارات كأنها مواقع شخصية تعبر عن الوزير فقط و لا تعطي نفس الأهمية لمشروعات و برامج الوزارة نفسها التي ينتظرها المواطنين ... فتجد أن أداء الوزارات في الواقع ينعكس علي الإنترنت ... عجبا الحاسب الآلي ينطق ..

و من المواقع التي استطاعت تقديم صورة واقعية عن أدائها هو موقع وزارة الداخلية www.moiegypt.gov.eg الذي تكون من مجموعة مواقع علي أحدث طراز مشكلا بوابة متكاملة نفخر أن يوجد مثيله داخل حكومتنا المصرية و يعد الموقع مؤشر و كاشف حقيقي لأداء الوزارة مع المواطنين و في الشارع المصري ... و هناك أيضا الكثير من المواقع الحكومية الالكترونية الذين استطاعوا أن يثبتوا وجودهم بين المواقع الالكترونية و تقديم أفضل الخدمات للمواطنين مثل موقع خدمات بوابة الحكومة المصرية www.egypt.gov.eg الذي يزخر بالخدمات و ما ينقصه إلا تعزيز تلك الخدمات و تحقيقها علي أرض الواقع ... فنحن في حاجة الي خدمات حكومية الكترونية جيدة لأنها ستحد من الفساد و الرشاوي لأن الآلة ستؤدي واجبها علي أكمل وجه دون مقابل مادي أو حتي معنوي ... سنعمل علي توفير الوقت و الجهد و بدلا من تزاحم الناس علي المصالح الحكومية لاستخراج شهادة ميلاد مثلا أو لاستخراج رخص مركبات أو حتي دفع فواتير التليفونات ... الخ فيكفي أن يجلس المواطن أمام حاسوبه دقائق للقيام بإجراءات تستغرق أيام من شدة الزحام و تكاسل موظفي الحكومة .

و عند زيارتنا لموقع أليكسا ( alexa ) لقياس ترتيب مواقعنا الحكومية عالميا من حيث الأكثر زيارة وجدنا أن موقع بوابة الحكومة المصرية أحتل حوالي المركز ۸۳١۳ علي العالم كما أن موقع رئاسة الجمهورية أحتل حوالي المركز ۱۸٥‚٥۰۸ علي العالم أما موقع مجلس الوزراء المصري أحتل حوالي المركز ٤٥۸‚۹٥٢ و بالنسبة لموقع وزارة الدفاع فقد أحتل حوالي المركز ٤٠۱‚٦۱۰ أما موقع وزارة الداخلية فقد أحتل حوالى المركز ۷٤۱‚٤٤ علي العالم.. و يتم تحديث هذا الترتيب يوميا حسب عدد زوار المواقع .. هذا التصنيف يعبر عن الأداء الحقيقي لكل موقع حكومى ... فكلما كلما زاد عدد زائري الموقع كان مؤشرا علي جودة الموقع فيعطي قيمة للمواطن المصري و حكومته ... فالمواقع المصرية الحكومية تعبر عنا و عن تواجدنا ... ووجود بعض المواقع ذات القوة في التعبير الالكتروني و الأداء الفعلي يؤكد أن مصر لديها الكثير من الخبرات و لكن ينقصها الإرادة و التنظيم .

الدور الحقيقي لحكومتنا الذكية هو خدمة الشعب و عرض الواقع السياسي علي صفحاته الالكترونية و علي بوابة الحكومة المصرية ليطلع المواطن علي الانجازات الحقيقة للحكومة كما يتعرف مستخدمي الموقع من الجنسيات الأخرى علي حكومتنا الرشيدة لتكوين رؤية واضحة عن مصر في مختلف الاتجاهات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ... مازال التعتيم هو مبدأ الحكومة في التعامل مع المواطنين و وسائل الإعلام و أيضا نضيف إليها الوسائل الالكترونية.

لقد أرادت حكومتنا أن تتحدث بلغة العصر و لكن لغتها مازالت بها طلاسم لا تتفق مع لغة الحاسب الآلي و لا حتى لغة المواطن... استطاعت بكل الوسائل أن تضلل المواطنين و حتى الحاسوب لم تتركه سالما... و ليكن عزاء الحاسب الآلي علي موت الضمير الإنساني.

سيدي الرئيس

بقلم د. يحيى الجمل

كل عام وسيادتكم بخير بمناسبة شهر رمضان

ومن أجل مصر أستأذن في أن أتوجه لسيادتكم بهذا الخطاب

أنا واثق يا سيادة الرئيس أن بقاءك علي سدة الحكم في منصب رئاسة الجمهورية يجنب مصر مخاطر كثيرة ومحناً لا يعلم مداها إلا الله، منذ عهد محمد علي لم يكن المصريون يضربون أخماساً في أسداس، ولم تكن الحيرة تتملكهم في أمر حاكمهم القادم كما تتملكهم الآن، والذين يدركون حقائق الأمور يدعون الله لك بطول البقاء لأن كل البدائل بعدك تبدو بائسة،

ألا تري يا سيدي أننا وصلنا معك إلي أمور غريبة ومصير مفجع فيما لو أراد الله للقدر أن ينزل فجأة، وأنت يا سيدي في مرحلة من العمر - أطال الله عمرك - يتذكر فيها الإنسان قول الله لرسوله «إنك ميت وإنهم ميتون»، أبعد الله عنك يا سيدي كل شر.

ألا تري يا سيدي - رغم كل ما يقوله كتبة السلطان - أن أحوال مصر تردت إلي هوة سحيقة، أظن يا سيدي الرئيس أن ما جري في بكين وما جري في مجلس الشوري علامات واضحة علي مدي ما وصلنا إليه من إهمال وتسيب وتدن في كل شيء.

ولن أتحدث عن التعليم والصحة ورغيف الخبز، فيقيناً يصلك من أمر ذلك كله من التقارير ما يقلقك علي مستقبل مصر التي حملت رأسك علي يدك من أجلها يوماً من الأيام الماضية.

ولعلك يا سيدي الرئيس تتابع ما يجري في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن انتهت مدة رئيسها بوش - الثماني سنوات - والاستعدادات والمؤتمرات التي تجري لاختيار الرئيس القادم.

ولعلك يا سيدي الرئيس تدرك أن كل البلاد التي شرفت بزيارتك لها لم تلتق فيها برئيس واحد مرتين، الناس هناك يعرفون تداول السلطة ويعرفون أن في ذلك خيراً كبيراً، ويعرفون أن وجود رئيس سابق يمشي في الأسواق بين الناس هو علامة من علامات الديمقراطية الحقيقية.

وسيقول البعض إن التعديلات الدستورية الأخيرة، خاصة ما تعلق بخطيئة المادة ٧٦ قد أوجدت آلية دستورية لتداول السلطة وأنا واثق يا سيدي أنك تعلم قبل غيرك أن هذه المادة التي لا مثيل لها في أي دستور في العالم - وأنا أعرف ما أقول وأتحمل مسؤوليته - إنما هي نوع من المسرحيات الهزلية.

وسأكون يا سيدي - من أجل مصر - صريحاً معك إلي أبعد حدود الصراحة، نجلك الذي يعد منذ وقت لتولي الحكم قد يكون شاباً مثقفاً متفتحاً رأي العالم من حوله،

وقد يري البعض أنه فرصة لانتقال الحكم من العسكريين إلي المدنيين وهذا في حد ذاته صحيح، ولكن أصدقك يا سيدي القول - وقليلون ممن حولك من يصدقونك القول - إن ابنك جمال لا يتمتع بأي قدر ولو وضئيلاً من القبول الشعبي بل إن الشعب المصري عن بكرة أبيه - فيما عدا مجموعة المنتفعين وأظنهم فيما بينهم مختلفين - يراه شاباً مغروراً يصعر خده للناس، هكذا خلقه الله ولم يمنحه ذرة واحدة من قبول، هذه حقيقة لن يجرؤ كثيرون - ولا حتي قليلون - أن يقولوها لسيادتك ولكن من أجل مصر أقولها،

وأنا واثق أنه لن يسعدك ولن يريحك أن يحكم مصر رجل لا تحبه مصر ولا يريده شعبها، ممتطياً صهوة الخطيئة الدستورية التي يقال لها المادة ٧٦، والتي أربأ أن أقول، من الدستور.

أنت يا سيدي أب ولا شك أنك لا تحب أن تسمع هذا الذي أقوله ولكن صدقني يا سيدي أن هذه هي الحقيقة حتي إن أغضبتك وأغضبت أهل بيتك.

وإذا كان ذلك كذلك فما البديل، تجربة قانون الاحتكار وما تم فيه تلفت النظر إلي بديل آخر.

سطوة المال والثروة قادرة في هذا الزمن الرديء أن تشتري أشباه الرجال، وهكذا سيكون البديل غير جمال بديلاً رهيباً، بديلاً يشتري حكم مصر بحفنة من ملايين الدولارات التي جمعها من دم شعب مصر، وأظن أن شعب مصر برغم المادة ٧٦ وبرغم قوة الأمن لن يرضخ لهذا المصير الأسود مهما كان سوء البديل.

ويظل السؤال قائماً: فما البديل إذن؟

البديل فوضي عارمة لا يعلم مداها إلا الله، ولا يعلم من يركب موجتها إلا القدر وحده.

هل معني هذا أنه لا أمل وأن علينا أن ننتظر الكارثة؟

أبداً يا سيدي وبيدك أنت وحدك أن توجه الأمور وجهة أخري، هي في تقديري وتقدير من يفكرون في مصر ويحبون مصر ولا ينظرون تحت أقدامهم، هي وجهة السلامة والأمان.

سيدي تواضع لبضع دقائق وفكر في هذا الذي سأقوله بروية وهدوء ثم اتخذ قرارك فأنت وحدك يا سيدي صاحب القرار.

سيدي أقترح عليك، إذا راق لك هذا الكلام، أن تصدر - اليوم قبل الغد - قراراً جمهورياً بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد يقوم علي مبدأ أساسي هو «الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوي فيها كل المواطنين دون أي استثناء من أي نوع يكون».

وتحت هذا المبدأ تبدأ الجمعية التأسيسية وبعد أن تنتخب انتخاباً حراً - وليكن علي درجتين - عملها وأمامها حصيلة دستورية ثرية، أمامها دستور ١٩٧١ قبل أن تشوهه كل التعديلات التي أدخلت عليه، وأمامها دستور ١٩٢٣ وأمامها مشروع دستور ١٩٥٤ وأمامها تجارب العالم المختلفة، خاصة تجارب بلاد أوروبا الشرقية التي خرجت من النظام الشمولي وحققت خطوات واسعة نحو الديمقراطية.

التجارب الدستورية في العالم كله موجودة، والحصول عليها ميسور، ومع الجمعية التأسيسية قد يوجد مجموعة من الخبراء الفنيين يعملون تحت أمرها ويجمعون لها المعلومات ويوفرون لها تقنيات أو قد لا يوجدون إذا استغنت الجمعية التأسيسية عن معاونتهم، ذلك أن الجمعية التأسيسية هي الأصل وهي المناط بها وضع العقد الاجتماعي الجديد في هذا الدستور الجديد.

وأستأذنك يا سيدي في أن أعلن مع دعوة الجمعية التأسيسية أنك لن تبقي في الحكم غير عامين اثنين فقط تتم فيهما انتخابات الجمعية التأسيسية، ويوضع الدستور ويستفتي عليه ويبدأ نفاذه، ثم يفتح الباب لانتخابات رئاسية جديدة وفقاً للدستور الجديد - وليس وفقاً للخطيئة أو المهزلة العبثية التي تسمي المادة ٧٦ لا رحمها الله ولا رحم من صاغوها.

كن واثقاً يا سيدي أنك إذا أقدمت علي هذا العمل العظيم من أجل مصر فإن مصر اليوم وغداً وإلي آخر الزمان ستضعك في حبة عيونها وفي قلب أبنائها وفي أنصع موقع من تاريخها.

إن التاريخ يا سيدي حقيقة وأمام التاريخ «تبيض وجوه وتسود وجوه»، ألا تري يا سيدي أن التاريخ يتكلم عن محمد علي وعن إسماعيل وعن توفيق وعن فؤاد وابنه فاروق ويتكلم عن كل منهم علي نحو مختلف.

وألا تري يا سيدي أن التاريخ يتكلم عن عبدالناصر وعن السادات، وأبناء عبدالناصر وأحفاده وأبناء السادات وأحفاده يسمعون ويقرأون، وسيتكلم عنك يا سيدي التاريخ - أردت أولم ترد - وسيسمع أبناؤك وأحفادك حكم التاريخ كما سمع كل الأبناء وكل الأحفاد من ذرية حكام مصر، ويومها يا سيدي ستبيض وجوه وتسود وجوه.

سيدي الرئيس:

أرجو أن تغفر لي يا سيدي إن كنت قد تجاوزت قدري في هذا الحديث، فما فعلته إلا من أجل مصر التي هانت علي كثير من أبنائها، أهانهم الله.

ولست أبغي من هذا الحديث إلا وجه الله ووجه مصر، لا أبغي جاهاً ولا مغنما ولا منصباً، فأنا أعلم جيداً أن الطريق إلي الجاه والمغنم والمنصب في هذا الزمن هو غير طريق الصدق والصراحة والوضوح.

أنا يا سيدي الرئيس بلغت من العمر ما أدرك معه جيداً أنني لا أصلح لأي منصب ولا يصلح لي أي منصب، اللهم إلا تلك المحاضرة التي ألقيها بين الحين والحين علي طلابي في معاهد العلم، وإلا كلمة حق أقولها لوجه الله ووجه مصر.

سيدي الرئيس:

أنت عملت من أجل مصر الكثير، ولم يبق في العمر الكثير، ومصر تستحق الكثير يا سيدي الرئيس.

توكل علي الله والله معك، وستكون مصر كلها بحق معك.

نعم للتقييم.. لا للعشوائية

بقلم د.صلاح الغزالي حرب

أتفق تماماً مع كل ما جاء في كلمة الأستاذ مجدي الجلاد بخصوص موضوع تقييم المدرسين، وأود أن أوضح أن مبدأ التقييم المستمر لكل الوظائف الإدارية والفنية في الدولة،

هو مبدأ متعارف عليه عالمياً، وهو الأساس الذي يتم بموجبه تحديد بوصلة تقدم الدولة في جميع المجالات، ولكن المشكلة الحقيقية في مصر أن هذا الأمر لم يأت ضمن خطة متكاملة للنهوض بالجهازين الإداري والفني في الدولة، ولكنه جاء بصورة عشوائية لا يمكن لها أن تضمن النجاح أو الاستمرار،

وأري أن هذا الأمر لا يختلف كثيراً عما جاء عليه قانون تنظيم المرور الأخير، والذي لم يختلف جوهرياً عن القانون السابق إلا في تغليظ بعض العقوبات في الوقت الذي لا تسمح فيه البنية الأساسية للطرق في مصر بتطبيق أي قانون مرور علي الإطلاق، فلا يوجد الرصيف المتعارف عليه دولياً، ولا يوجد الطريق المرصوف بالطريقة العلمية الآمنة، ولا يوجد تخطيط علمي للشوارع والميادين،

ولا توجد إشارات كهربية حديثة، ولا توجد علامات إرشادية، ولا وسائل أمان متعارف عليها.. ناهيك عن انعدام كل صور الاحترام للقانون في مصر علي جميع المستويات.. فبالله عليكم.. كيف يمكن في ظل هذه الخرابة أن يصدر قانون لتنظيم المرور؟ وتكفي نظرة سريعة علي الوضع الحالي بعد مرور أسابيع قليلة من تطبيق هذا القانون فهي خير شاهد علي ما أقول.

فإذا طبقنا هذا المثال علي قرار التقييم الذي أصدرته وزارة التعليم مؤخراً، وأثار الكثير من اللغط فسوف نجد تشابهاً كبيراً، فمع التسليم التام بأهمية التقييم المستمر للمعلمين، إلا أنني أرفض بشدة الأسلوب والتوقيت لهذا الأمر.. فكلنا يعلم حقيقة الأوضاع في معظم مدارسنا في القري والنجوع والكفور والمدن، والتي تفتقد المقومات الأساسية لأي مدرسة عصرية،

وكلنا يعلم المستوي المادي المتردي لهذه الفئة، والهروب الجماعي المستمر لمعظم التلاميذ في مدارسنا، واختفاء التعليم الحكومي الممتاز الذي تربينا عليه جميعاً في سنوات سابقة، وكلنا يري هذه العشوائية غير المسبوقة في نظم التعليم قبل الجامعي.. من حكومي، وخاص، واستثماري، وأجنبي..

وكانت المحصلة ما نراه حالياً من انهيار كامل للغة العربية، وما نتج عنه من عدم الشعور بأهمية الانتماء إلي هذه الأرض الطيبة.. وانتشار كثير من المفاهيم الخطيرة والغريبة عن مجتمعنا بين شباب الأمة في ظل تواري مادة الدين الإسلامي والمسيحي في كل المدارس، بالإضافة إلي اختفاء مفهوم التربية من هذه المدارس..

فكانت النتيجة هي ما نراه حالياً في هذا الكرنفال الممسوخ من خريجين وخريجات يفتخرون علانية بانتمائهم إلي هذه الثقافة الأجنبية أو تلك، في الوقت الذي يقف فيه طابور طويل من أنصاف المتعلمين المتخرجين من المدارس الحكومية في انتظار العمل الذي نادراً ما يأتي.

هل يتصور عاقل أنه، وفي هذا الجو الملوث، والبيئة غير الصحية، يمكن أن نتحدث عن تقييم المدرس لإعطائه حفنة من الجنيهات؟! وإذا انتقلنا إلي التعليم الجامعي فسوف نجد أنه وبصراحة شديدة يفتقد كل مقومات البنية الأساسية لتعليم جامعي متطور وفعال ويليق بمصر.. المعامل متهالكة، قاعات الدرس والمدرجات تفتقد كل ما هو مطلوب لمساعدة الطالب والأستاذ علي حد سواء.. أعداد الطلاب تفوق قدرة الكليات علي الاستيعاب..

اختيار القيادات الجامعية يتم بصورة عشوائية بعيدة عن أي معايير علمية.. لا توجد استقلالية للجامعات المصرية.. فضلا عن المستوي المادي المتردي لأعضاء هيئة التدريس.. في ظل هذا الوضع المخزي والمهين كيف يمكن أن نتحدث عن التطوير والتحديث والتقييم المستمر ومعايير الجودة؟!

أليس من الأفضل أن نعيد بناء البنية الأساسية للتعليم الجامعي كما يجب أن تكون، مهما تطلب ذلك من نفقات؟.. أليس من الهزل أن نتحدث عن إنشاء جامعة تكنولوجية في ظل الحكومة الإلكترونية الذكية، في الوقت الذي تعاني فيه أعرق الجامعات المصرية من قلة الموارد وضعف الإمكانات؟! أم أن الأمر صار (سبوبة) لبعض محترفي البحث والتنقيب عن المنح والهبات والمعونات الأجنبية في هذا المجال.. وليذهب التعليم الحقيقي إلي الجحيم؟!

إنني أسأل أولئك الذين يفكرون ويخططون للتعليم في مصر.. من أنتم؟ ومن أين جئتم؟ وما فلسفتكم؟ وماذا فعلتم حتي الآن لإصلاح البنية الأساسية المتهالكة للتعليم في مصر؟ ولمصلحة من هذا التعامل بنظام الترقيع لثوب مهلهل لابد من تغييره بالكامل؟

إنني أتصور أن بقاء الحال علي ما هو عليه الآن، علي الرغم من مساوئه، أفضل وأكرم من هذا الإنفاق السفيه علي مشاريع وأفكار لن تزيد الواقع إلا سوءاً.. ومفتاح النجاة الأول لما نحن فيه هو أن تعود مصر أولاً إلي أصحابها الحقيقيين.. مصر واحدة وليست اثنتين متنافرتين كما هي الآن..

ووقتها فقط.. يمكن أن نفكر في إعادة البناء من الأساس بعيداً عن أوهام الإصلاح والترقيع والترميم.