عندما سمعت الأخبار الأولي حول كارثة جبل المقطم، ورد علي ذهني علي الفور ذلك الفيلم الرائع للمبدع خالد يوسف «حين ميسرة».
لقد كتب مخرج الفيلم في نهايته عبارة تبدو لي الآن أنه كان كمن كان يقرأ الغيب واعتبرها البعض ممن لا يعرفون شيئاً عن هذا الوطن أن فيها مبالغة.. فقد ذكر في نهاية الفيلم أنه يعتذر للمشاهدين عن عدم استطاعته نقل الصورة الحقيقية للحياة في هذه العشوائيات، فهي أسوأ بكثير!!
لقد انتهي الفيلم بحريق كبير في منطقة عشوائية بدا كأنه الحل الوحيد لهذه المناطق، ولكني لا أعتقد أنه لم يخطر ببال المخرج الكبير ولا بال أحد ما حدث حقيقة وعلي أرض الواقع بعد شهور قليلة من عرض الفيلم وهو أن تنخسف الأرض بما عليها مما يقرب من السبعين منزلاً تحت وطأة انهيار جبلي رهيب اختفت بعدها منطقة واسعة كاملة بعزبة «بخيت» بشراً وحجراً!!
لم يكن فيلم خالد يوسف هو جرس الإنذار الوحيد للنظام والحكومة حول قضية العشوائيات ومخاطرها، فقد اتضح الآن وبعد فوات الأوان أنه كان هناك العديد من التحذيرات بشأن احتمال وقوع مثل هذه الكارثة منذ حوالي خمسة عشر عاماً عندما حدث شيء مماثل ولكنه كان أقل ضرراً!!
إنني أسأل السيد رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول الأول عن أرواح شعبه والذي يفخر دائماً بأن نظامه لا يزج بأبنائه في حروب أو مغامرات عسكرية حفاظاً علي أرواحهم، لماذا لا تأمر بفتح نقاش علني أمام وسائل الإعلام المختلفة، للإجابة عن سؤال محدد: ماذا فعلت الحكومات السابقة والحالية تجاه هذه التحذيرات؟
إن هناك جريمة كاملة الأركان وتوصيفها «إهمال متعمد أدي إلي قتل جماعي» يتحمل المسؤولية الأولي عنه وزير الإسكان السابق الذي هو في نفس الوقت ممثل أهالي هذه الدائرة المنكوبة في مجلس الشعب.. أي أن مسؤوليته سياسية وتنفيذية في نفس الوقت، لقد أنكرت محافظة القاهرة أن عليها أي مسؤولية تجاه نقل ساكني العشوائيات إلي مساكن جديدة،
وصرح كبار مسؤوليها بأن المسؤولية تقع علي عاتق ما يسمي «جهاز التعمير» التابع لوزارة الإسكان وفتح باب النقاش العلني في الموضوع - وليس إحالته إلي اللجان التي تجيد الطبخ - سيوضح بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام جريمة قتل جماعي، وراءها مسؤولون كبار لا يحبون هذا الشعب ويكرهونه كراهية التحريم، ولا تهتز لهم شعرة عندما يسمعون عن ضحايا منه يتساقطون بالآلاف كل عام في حوادث مختلفة!!
ما معني أن تكون هناك ستة آلاف وحدة سكنية جاهزة للسكن وقاطنو المنطقة المنكوبة ينظرون إليها علي مدي سنين ويمصمصون شفاههم ويتحسرون علي حظهم المائل، وجهاز التعمير أو التخريب لا فرق، يتلكأ في تسليم هذه الشقق للمحافظة!! والمحافظة ترتب الأوراق لتجعل منها وليمة عظيمة لكل أنواع الفساد والرشاوي.. والكل ينتظر!!
الشيء الغريب أن هذه المساكن لم تبنها الحكومة من مال دافعي الضرائب من أبناء الشعب ولكنها بنيت بأموال أحد الصناديق العربية كمنحة لقاطني هذه المنطقة من فقراء مصر.. ولكن استمر التسويف والتلكؤ والنطاعة إلي أن حدثت الكارثة..
ولم يخجل أحد كبار المسؤولين الادعاء بأنه كان علي وشك تسليم هذه الشقق لهم في الأسابيع الثلاثة المقبلة؟!! ألا يستحق هذا التهريج وهذه الجريمة واضحة المعالم، من السيد الرئيس أن يأمر بفتح نقاش علني أمام وسائل الإعلام المختلفة حولها ينتهي بتحديد واضح للمسؤولية الجنائية عن قتل هذا العدد غير المحدد حتي الآن لفقراء مصر؟!
No comments:
Post a Comment