بقلم: سلامة أحمد سلامة
الحديث مع أحمد ابو الغيط وزير الخارجية, حتي ولو كان عبر الهاتف, يجعلك تقف وجها لوجه مع النصف الآخر من الحقيقة كما يراها الآخرون.. أي من الرؤية العالمية الأوسع, من مراكز الحساسية الدولية والتقلبات الاقتصادية, التي تدفع بلاعبين جدد الي المقدمة, وترتد بآخرين ينوءون بمشاكلهم وعيوبهم الي المؤخرة وقد نكون نحن منهم, ثم يصبح عليه ان يوازن بين الممكن والواقع, بين الرغبة والقدرة في معادلات وموازنات لا تنتهي لكي يعيد تقييم الامور في حجمها الحقيقي وسياقها الدولي وايقاعها الاقليمي.والدردشة مع وزير الخارجية تعطيك شيئا من الاستنتاجات وزوايا النظر عن العلاقة بين الداخل والخارج او عن الداخل كما ينعكس في الخارج.
فحريق مجلس الشوري وانهيار الجبل فوق رؤوس سكان العشوائيات في الدويقة, او تدهور نظام المرور او انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات او غيره من مظاهر الفساد التي نشكو منها جميعا.. ليست ناجمة عن سوء الادارة وفساد الحكم وسوء المعاملة بقدر ما ترجع ايضا الي شيوع عادات وسلوكيات مرضية في المجتمع نحن مسئولون عنها كشعب.
فالتذرع بأشكال التدين التي تغطي الوانا من الانحراف والفساد الاجتماعي, وانفاق المليارات علي اداء العمرة والحج مرات ومرات لأسباب لا تتعلق بالتدين والتجديد الروحي, وتبادل الكذب والنفاق في التعاملات اليومية, وعدم الالتزام بالقواعد والضوابط المرعية.. التي تجعل موظفا يهمل اداء وظيفته بحجة انشغاله بالصلاة. كلها اشكال من السلوكيات المرضية التي تسود المجتمع المصري. فتتسبب في الإهمال والتسيب الذي يفضي الي الحرائق والكوارث..
أما اكثر ما يثير اعصاب وزارة الخارجية, فهو كثرة المشاكل التي يتورط فيها بعض افراد قلائل من المصريين الذين يعملون في الدول العربية وفي ظنهم ان بوسعهم ان يتصرفوا دون اعتبار لتقاليد وقوانين البلد الذي يعملون فيه.. ولا يهم الكثيرين منهم ان خطأ واحدا او اثنين يمكن ان تنعكس نتائجه علي مصدر رزق مئات الآلاف ممن يعملون معهم في السعودية او الكويت او ليبيا..
وحين تبحث عن اسباب الشكوي المريرة لآلاف المصريين الذين يعانون الاحتقار وسوء المعاملة في الحصول علي تأشيرات من السفارات الأوروبية أو العربية فسوف تكتشف ان نسبة كبيرة من سوء المعاملة يرجع الي الموظفين المصريين انفسهم الذين يعملون علي شبابيك هذه السفارات, سواء بالمماطلة او بالتعسف في تطبيق اللوائح. دون اغفال حقيقة مهمة هي أن الدول الأوروبية وضعت شروطا مشددة أغلقت ابواب السفر والعمالة تقريبا..
الخلاصة التي لم يقلها وزير الخارجية صراحة, ولكنك تستطيع ان تقرأها علي شفتيه وبين كلماته, هي انه إذا كانت الحكومة سيئة واداؤها متدنيا, فإننا كشعب في الحقيقة اسوأ. وهذا ما لا يريد ان يعترف به الذين لا يكفون عن الشكوي والتذمر..
والوزير علي ما أظن يرد بذلك علي ما اشرت اليه قبل أيام من ان شماتة الشعب المصري ليست غير رد فعل لإحساس طاغ بالذل القومي! ولكن هل الشعب المصري فعلا اسوأ من حكومته ؟!
No comments:
Post a Comment