يذهب المسلم إلي أداء العمرة، ليقترب من الله تعالي، وإذا كررها فليس إلا ليزداد اقترابًا من ربه، وإذا فعلها مائة مرة، فهو معذور، ومشكور.. معذور لأنه، بطبيعته، لا يستطيع أن يقاوم إغراء الانجذاب إلي الأراضي المقدسة، حيث النور يشع في كل ركن.. ومشكور لأنه يؤدي شعيرة من شعائر الدين، وسوف يشكره الله، ثم يجازيه!
وليس هناك شك في أن عائد العمرة يعود علي المعتمر وحده، ولا يعود علي أحد غيره، فالمسلم له مصلحة مباشرة في الذهاب إلي هناك حتي ولو كانت مصلحة روحية خالصة، وليس لله تعالي مصلحة في أن يذهب كل واحد فينا،
كما أنه سبحانه وتعالي لا يضره ألا نذهب جميعًا، فهو في غني عن الناس، وحين أنزل الوحي علي الأرض، متمثلاً في الأديان السماوية الثلاثة، كان يريد أن يحقق مصلحة الإنسان في أي مكان، وكان يريد أن يقول إن مقاصد الأديان الثلاثة واحدة، ولا اختلاف بينها، من حيث الهدف، ومن حيث الغرض البعيد!
وإذا كانت الأرقام تقول إن ٣٥٠ ألفًا من بيننا ذهبوا للعمرة هذا العام، فالمرء، في حقيقة الأمر، لا يملك أن يعترض علي وصول العدد إلي هذا الرقم، بل إننا علي العكس نتمني أن يزيد، وأن يصل إلي الضعف، ولكننا فقط نريد أن نتساءل عن علاقة مثل هذا الرقم، وعلاقة تكلفته الإجمالية بتحقيق المقاصد العليا للأديان الثلاثة، التي هي موضع اتفاق وتوافق..
نريد أن نتوقف عند إجمالي ما أنفقه الـ ٣٥٠ ألف معتمر، خصوصًا الذين يذهبون للمرة الثانية، أو الثالثة، أو العاشرة، أو.. أو.. فليس سرًا، أن متوسط ما يتكلفه الواحد، يصل إلي عشرة آلاف جنيه تقريبًا، وليس الواحد منا في حاجة إلي جهد كبير، ليعرف أن هذا معناه، أنهم - مع الإقرار بأنهم معذورون ومشكورون - قد أنفقوا ٥،٣ مليار جنيه، مرة واحدة في عام واحد!..
وليس سرًا للمرة الثالثة، أن المليارات الثلاثة ونصف المليار، قد حققت مصلحة لـ ٣٥٠ ألفًا، في الوقت الذي كان فيه من الممكن - ولايزال ممكنًا - تحقيق مصلحة أكبر، لـ ٨٠ مليون مصري، بأن يتوجه إنفاق مثل هذا الرقم، إلي إنفاق عام، خصوصًا علي التعليم، من خلال صندوق خاص يتولي الأمر، ويراقبه، من أوله، إلي آخره!
سوف يكون لدينا، إذا فكرنا في المسألة، بشكل مختلف، عشرة مليارات ونصف المليار، خلال ثلاث سنوات، وبها نستطيع أن نغير في المجتمع، عمليا، وفعليا، وأن يمتد أثر هذا التغيير إلي المستقبل، وإلي كل جيل قادم، لو أننا تدبرنا الموضوع، بالعقل لا القلب ، وقررنا أن تتوجه عشرة مليارات ونصف المليار إلي إنشاء مدارس أهلية، لا تهدف إلي الربح، وتنشأ بمجهود أهلي صِرْف، لا دخل للحكومة فيه من قريب، ولا من بعيد، مع ما نعرفه من أن هذا النوع من التعليم علي وجه التحديد، هو التعليم الحقيقي في العالم كله.. لا تعليم مدارس الحكومة، ولا حتي تعليم المدارس الخاصة!
هل نتصور ما يمكن أن تكون عليه الحال، لو أنفقنا مبلغًا بهذا الحجم في تعليم أهلي، يتجسد في مدارس أهلية، تحصل علي مصروفات من طلابها، كل واحد حسب درجة تفوقه، ثم لا يكون الربح في النهاية، من بين أهدافها؟!
هل فكر حزب في البلد، بخلاف الحزب الوطني، في أن يتبني فكرة من هذه النوعية، وعلي هذا المستوي؟! وهل تخيل هذا الحزب، مردودها علي مدي تواجده في الشارع، وعلي شكل مستقبل هذا الوطن، علي المدي البعيد؟!.. وهل فكرت أي جمعية مدنية، في أن تكون هذه الفكرة، من بين ما يشغلها في الليل والنهار؟!
فكرة كهذه، تحقق مصلحة الإنسان علي الأرض، كما أمر الله تعالي، وتجسد المقاصد العليا للدين بين الناس، كما ينبغي أن تكون، وتنقذ التعليم في مدارسنا من واقع لا يختلف علي الإطلاق، عن واقع الدويقة! ومن مصير لا يختلف أيضًا، عن مصيرها!
رفع الأنقاض في الدويقة، لابد أن يواكبه رفع أنقاض مماثل، في مدارسنا، وليس هذا ممكنًا، إلا من خلال خيال، يتجاوز عجز الحكومة، وقلة حيلتها، ويتجاوز ما نعيش، ثم ننام ونقوم فيه!
No comments:
Post a Comment