أتفق تماماً مع كل ما جاء في كلمة الأستاذ مجدي الجلاد بخصوص موضوع تقييم المدرسين، وأود أن أوضح أن مبدأ التقييم المستمر لكل الوظائف الإدارية والفنية في الدولة،
هو مبدأ متعارف عليه عالمياً، وهو الأساس الذي يتم بموجبه تحديد بوصلة تقدم الدولة في جميع المجالات، ولكن المشكلة الحقيقية في مصر أن هذا الأمر لم يأت ضمن خطة متكاملة للنهوض بالجهازين الإداري والفني في الدولة، ولكنه جاء بصورة عشوائية لا يمكن لها أن تضمن النجاح أو الاستمرار،
وأري أن هذا الأمر لا يختلف كثيراً عما جاء عليه قانون تنظيم المرور الأخير، والذي لم يختلف جوهرياً عن القانون السابق إلا في تغليظ بعض العقوبات في الوقت الذي لا تسمح فيه البنية الأساسية للطرق في مصر بتطبيق أي قانون مرور علي الإطلاق، فلا يوجد الرصيف المتعارف عليه دولياً، ولا يوجد الطريق المرصوف بالطريقة العلمية الآمنة، ولا يوجد تخطيط علمي للشوارع والميادين،
ولا توجد إشارات كهربية حديثة، ولا توجد علامات إرشادية، ولا وسائل أمان متعارف عليها.. ناهيك عن انعدام كل صور الاحترام للقانون في مصر علي جميع المستويات.. فبالله عليكم.. كيف يمكن في ظل هذه الخرابة أن يصدر قانون لتنظيم المرور؟ وتكفي نظرة سريعة علي الوضع الحالي بعد مرور أسابيع قليلة من تطبيق هذا القانون فهي خير شاهد علي ما أقول.
فإذا طبقنا هذا المثال علي قرار التقييم الذي أصدرته وزارة التعليم مؤخراً، وأثار الكثير من اللغط فسوف نجد تشابهاً كبيراً، فمع التسليم التام بأهمية التقييم المستمر للمعلمين، إلا أنني أرفض بشدة الأسلوب والتوقيت لهذا الأمر.. فكلنا يعلم حقيقة الأوضاع في معظم مدارسنا في القري والنجوع والكفور والمدن، والتي تفتقد المقومات الأساسية لأي مدرسة عصرية،
وكلنا يعلم المستوي المادي المتردي لهذه الفئة، والهروب الجماعي المستمر لمعظم التلاميذ في مدارسنا، واختفاء التعليم الحكومي الممتاز الذي تربينا عليه جميعاً في سنوات سابقة، وكلنا يري هذه العشوائية غير المسبوقة في نظم التعليم قبل الجامعي.. من حكومي، وخاص، واستثماري، وأجنبي..
وكانت المحصلة ما نراه حالياً من انهيار كامل للغة العربية، وما نتج عنه من عدم الشعور بأهمية الانتماء إلي هذه الأرض الطيبة.. وانتشار كثير من المفاهيم الخطيرة والغريبة عن مجتمعنا بين شباب الأمة في ظل تواري مادة الدين الإسلامي والمسيحي في كل المدارس، بالإضافة إلي اختفاء مفهوم التربية من هذه المدارس..
فكانت النتيجة هي ما نراه حالياً في هذا الكرنفال الممسوخ من خريجين وخريجات يفتخرون علانية بانتمائهم إلي هذه الثقافة الأجنبية أو تلك، في الوقت الذي يقف فيه طابور طويل من أنصاف المتعلمين المتخرجين من المدارس الحكومية في انتظار العمل الذي نادراً ما يأتي.
هل يتصور عاقل أنه، وفي هذا الجو الملوث، والبيئة غير الصحية، يمكن أن نتحدث عن تقييم المدرس لإعطائه حفنة من الجنيهات؟! وإذا انتقلنا إلي التعليم الجامعي فسوف نجد أنه وبصراحة شديدة يفتقد كل مقومات البنية الأساسية لتعليم جامعي متطور وفعال ويليق بمصر.. المعامل متهالكة، قاعات الدرس والمدرجات تفتقد كل ما هو مطلوب لمساعدة الطالب والأستاذ علي حد سواء.. أعداد الطلاب تفوق قدرة الكليات علي الاستيعاب..
اختيار القيادات الجامعية يتم بصورة عشوائية بعيدة عن أي معايير علمية.. لا توجد استقلالية للجامعات المصرية.. فضلا عن المستوي المادي المتردي لأعضاء هيئة التدريس.. في ظل هذا الوضع المخزي والمهين كيف يمكن أن نتحدث عن التطوير والتحديث والتقييم المستمر ومعايير الجودة؟!
أليس من الأفضل أن نعيد بناء البنية الأساسية للتعليم الجامعي كما يجب أن تكون، مهما تطلب ذلك من نفقات؟.. أليس من الهزل أن نتحدث عن إنشاء جامعة تكنولوجية في ظل الحكومة الإلكترونية الذكية، في الوقت الذي تعاني فيه أعرق الجامعات المصرية من قلة الموارد وضعف الإمكانات؟! أم أن الأمر صار (سبوبة) لبعض محترفي البحث والتنقيب عن المنح والهبات والمعونات الأجنبية في هذا المجال.. وليذهب التعليم الحقيقي إلي الجحيم؟!
إنني أسأل أولئك الذين يفكرون ويخططون للتعليم في مصر.. من أنتم؟ ومن أين جئتم؟ وما فلسفتكم؟ وماذا فعلتم حتي الآن لإصلاح البنية الأساسية المتهالكة للتعليم في مصر؟ ولمصلحة من هذا التعامل بنظام الترقيع لثوب مهلهل لابد من تغييره بالكامل؟
إنني أتصور أن بقاء الحال علي ما هو عليه الآن، علي الرغم من مساوئه، أفضل وأكرم من هذا الإنفاق السفيه علي مشاريع وأفكار لن تزيد الواقع إلا سوءاً.. ومفتاح النجاة الأول لما نحن فيه هو أن تعود مصر أولاً إلي أصحابها الحقيقيين.. مصر واحدة وليست اثنتين متنافرتين كما هي الآن..
ووقتها فقط.. يمكن أن نفكر في إعادة البناء من الأساس بعيداً عن أوهام الإصلاح والترقيع والترميم.
No comments:
Post a Comment