في يوم واحد.. وفي ساعات قليلة.. طيرت وكالات الأنباء العالمية خبرين عاديين بالنسبة للعالم كله، ومذهلين لأي مواطن مصري.. الأول يقول إن الرئيس الباكستاني الجديد، آصف علي زرداري، طلب من البرلمان تقليص صلاحياته الدستورية، خاصة تلك التي تسمح له بحل الجمعية الوطنية وإقالة الحكومة..
وقال الرئيس في كلمات تاريخية: «إن باكستان ينبغي أن تدخل عصراً ديمقراطياً جديداً، حيث لم يعمد أي رئيس في الماضي، في تاريخ هذه الدولة، إلي طلب التخلي عن صلاحياته».
الخبر الثاني أفريقي جداً.. إذ قرر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا عزل الرئيس «ثابو مبيكي» من منصبه قبل انتهاء فترة رئاسته.. والمفاجأة أن وكالات الأنباء ذكرت بمنتهي البساطة أن الرئيس «مبيكي»، الذي حكم جنوب أفريقيا خلفاً لـ«نيلسون مانديلا» عام ١٩٩٩، رحب بالقرار لدي إبلاغه به، وتعهد بقبول الأمر، والتنحي طواعية.
أخبار عادية تصدر كل يوم من أي دولة إلا مصر.. مصر التي قالوا عنها «أم الدنيا» وفي «أم الدنيا» لم يحدث يوم، ولن يحدث، أن طلب حاكم من الشعب تقليص صلاحياته لصالح سلطات أخري تحكم البلاد معه، ولم يحدث ولن يحدث أن عزل الحزب الحاكم بأغلبيته في البرلمان المصري رئيساً، ولا حتي وزيراً، ولا حتي رئيساً للحي..
والسبب أن مؤسسة الحكم في مصر قامت منذ عصر الفراعنة حتي الآن علي نظرية الحكم بـ«العصا»، وحين نعتاد «لسعات العصي»، نساق قطعاناً بالكرباج، وإذا خرج أحدنا عن القطيع وضعوه علي «خازوق»، أو قذفوا به في غيابة الجُب أو بطن «زنزانة» حجرية باردة، أو محوا اسمه وذكره من الدنيا!
هكذا.. اعتادوا أن يحكمونا.. وألفنا نحن ذلك.. فكيف لمثلي أن يقرأ هذين الخبرين، فيصاب بغصة ومرارة علي وضع مصر بين الأمم.. كيف لي أن أشعر بالغيرة والحقد تجاه الشعب الباكستاني، رغم أنها دولة نامية مثلنا، وربما كانت ظروفها أصعب وأشد قسوة..
في باكستان الفقر والجوع أكثر من مصر، ولكنهم يكملون عشاءهم ديمقراطية.. وفي جنوب أفريقيا جوع وعصابات وسرقة، ولكن الرئيس مواطن يؤدي دوره خلال فترة محددة، ثم يرحل، وربما «يرحلوه» و يعزلونه قبل أن ينهي مدته الرسمية.
ولأنني واقعي وأخاف علي نفسي، وأريد أن أربي أبنائي، لم أتخيل ولم أحلم ولم أتجاسر ولم «أتمني» أن يتجرأ الحزب الوطني، أو ينتحر مجلس الشعب ويعزل الرئيس مبارك من منصبه،
لذا فقد قرأت خبر جنوب أفريقيا، ثم قلبت الصفحة، وكأنني لم أقرأه، غير أنني تمنيت ودعوت الله أن يحدث ذلك في مصر، وأن يقرأه في الصحف حفيدي «وائل هيثم رامي شادي رامز فادي إسلام أحمد مجدي الجلاد»..
أي عام ٢٧١٢ ميلادية، وفي ظني أن الرئيس المصري وقتها سوف يصطنع الاستجابة لقرار عزله، ويعلن في صحيفة «الثورة» الإلكترونية الحكومية تنحيه عن السلطة، ثم ينقض بحركة التفافية علي البرلمان والحزب الذي عزله، ويعتقل «سبع تمن تلاف» سياسي ونائب، ويعلن بدء محاكمات «ثورة المراجعة»، وانطلاق مرحلة جديدة من البناء والديمقراطية الشعبية.
خلونا في باكستان.. المسألة علي قدنا شوية.. فهل بمقدور الرئيس مبارك الإعلان غداً أو بعد سنة أو تلاتة عن تقليص صلاحياته الدستورية؟!.. نظرياً ممكن، ولكن عملياً مستحيل..
فلو فعلها مبارك لن يجد في مصر مؤسسات قادرة علي الاضطلاع بهذه الصلاحيات، فلا النظام الحاكم سمح بوجود حكومة حقيقية، ووزراء مسؤولين، ولا هو صنع برلماناً قوياً وقادراً علي المحاسبة والتشريع والرقابة، وإدارة شؤون البلاد.. ولا هو منح السلطة القضائية استقلالها، والصحافة حريتها.
إذن.. فلو تنازل الرئيس عن صلاحياته، فلن يجد من يحملها.. رجاله لم يتمرسوا علي المسؤولية، واعتادوا العمل سكرتارية.. الوزير بجلالة قدره بيضرب لخمة في مواجهة أتفه مشكلة، ويجلس بجوار الهاتف في انتظار تعليمات السيد الرئيس، وسواء قال الرئيس رأياً صائباً أو خاطئاً، لا يجرؤ أحد علي مراجعته.
الرئيس.. أو كل الرؤساء اختاروا لمصر أن تظل بين أصابعهم، ومصر استراحت لذلك، واستسلمت.. أمة كاملة و٨٠ مليون مواطن يعيشون في «جيب» شخص واحد.. فمن هذا الذي سماها «أم الدنيا»..!!
No comments:
Post a Comment