Wednesday, September 24, 2008

معاً من أجل فساد أفضل

بقلم د.مأمون فندي

بداية، أنا لست ضد الفساد في مصر، لأن محاربة الفساد الآن قد تصل إلي حالة احتراب تؤدي إلي انهيار الدولة المصرية برمتها، وذلك ببساطة، لأن الفساد في مصر اليوم هو أقوي مؤسسة في الدولة، وأكثرها قبولا وشرعية من قبل الحكام والمحكومين، لذا فأنا لا أنادي بحرب شاملة علي الفساد، لكنني أدعو إلي حرب معقولة من أجل تقليص حجم الفساد إلي درجة معقولة، بحيث يمكن إدارته بشكل مقبول.

أما الطامحون في إزالة الفساد فهم من القلة الحالمة، التي إن أوتيت رغباتهم وتحققت أمنياتهم في القضاء علي الفساد، فهم بذلك يقضون علي الدولة برمتها، ولا أعتقد أنهم جاهزون للتعامل مع حالة الفوضي الناتجة عن انفراط عقد الدولة. هذا موضوع طرحته منذ أعوام في مقالي في الشرق الأوسط، أراه ملائما للحالة المصرية اليوم، خصوصا أن جمهور «المصري اليوم» لم يقرأه في حينه.

الفساد في مصر الآن، هو «أسمنت» الدولة والمجتمع، ليس هو الزيت الذي يلين عجلات الدولة أو الحكومة، هو اللاصق والصمغ الذي يربط الدولة والمجتمع معا. إذن، الذين يتحدثون اليوم عن إلغاء حالة الفساد في الصحافة، وفي مؤسسات الدولة المختلفة من القضاء إلي البوليس، هم أناس غير واقعيين، لأن الفساد هو السلطة، والسلطة هي الفساد، وإلغاء الفساد يعني انهيار السلطة.

لذا يجب أن نكون واقعيين فيما نطلب، ونطالب بفساد أفضل. هذا الفساد الأفضل هو أعلي ما يمكن أن نطمح إليه في حربنا ضد الفساد. وأعرف أن هناك كثيرا من الحالمين الذين سيرمونني بتبرير الفساد ويقولون: لماذا لا أطالب بالقضاء علي الفساد كله؟ الواقع يقول إن الفساد يظهر في وجود مؤسسات قانونية ضعيفة.

الفساد أيضا يوجد في المجتمعات التي تحكمها قوانين ولوائح غائمة وغامضة، متراكمة بعضها فوق بعض، وفي كثير من الأحيان متناقضة، هذا المظهر أيضا واضح وجلي في معظم بلداننا العربية قديمها وحديثها. فاللوائح والقوانين عندنا ليست فقط متراكمة، فهي في معظم الأحيان متناقضة أيضا.

الفساد أيضا يظهر حال تركز السلطات والصلاحيات التي لا تخضع للرقابة، في يد كبار المسؤولين، سواء كانوا حكوميين أو من المجتمع العادي أو القطاع الخاص. وأظن أن هذه النقطة ومظاهرها واضحة للعيان وغنية عن البيان.

أتمني ألا يظن القارئ أن الفساد هو مشكلة حكومية فقط. فالفساد له قوانينه الحاكمة مثل قوانين الاقتصاد العام. معادلة الفساد هي مثل معادلة الاقتصاد، أو معادلة السوق، عرض وطلب.. إذا ما زاد العرض قل الطلب والعكس، بمعني أنه حتي لو كانت الحكومات طالبة للفساد، فلابد من وجود عرض حتي يتسني لمحركات الفساد أن تعمل.

المجتمع، وكذلك القطاع الخاص في مصر، يعرضان الفساد علي قدر طلب الحكومات، والعاملون في الشركات يعرضون الفساد علي قدر طلب الرؤساء، فحتي تكون للفساد قيمة اجتماعية، فلابد للفاسد أن يكون مطلوبًا ومرغوبًا فيه، وقد يفسد فساده ويكون غير ذي قيمة إذا زاد عرض بضاعته علي احتياجات رؤسائه.. إذن بداية الحل هي في تقليل المعروض من الفساد، حتي يرتفع سعره وتقبل عليه الحكومات بدرجة تنظمها آليات السوق.

المجتمع شريك للدولة في التحكم في الفساد، أو في زيادة نسبته، والناظر إلي مصر اليوم، يري شبه حالة اتفاق ضمني، بين الحكومة والمجتمع، يقول إن القوانين واللوائح المكتوبة علي الورق، هي فقط للمنظرة.

أما العمل الحقيقي فهو يسير حسب قوانين عرفية غير مكتوبة، حيث يكون الفساد بأشكاله المختلفة من واسطة وقرابة وصداقة وخلافه من بهلوانيات «رفع السماعة»، هو الحاكم لمجريات الأمور.

إن الشراكة القائمة بين المجتمع والدولة في عملية تنظيم الفساد، هي شراكة وثيقة العري ومترابطة، ويمكن لهذه الشراكة التي هي الآن مصدر قلق ومصدر تهديد، أن تصبح فرصة إصلاح إذا ما قرر الشركاء إدارتها بشكل أفضل، كذلك تقليص نسبتها، ومن هنا جاء العنوان «معاً من أجل فساد أفضل».

فأنا لا أطالب بالمستحيل، ولا أطالب بإنهاء الفساد تماما، وإنما أطالب بشيء من الإصلاح للفساد، حتي تسهل عملية إدارته، أطالب بفساد أكثر شفافية، حتي لو وصل الحال إلي تقنينه، كما يحدث مثلاً في فواتير الخدمات في المطاعم، فساد واضح، فساد معروف، وفساد أفضل من وجهة نظري.

فنحن نعرف أن الفساد هو الزيت الذي يدير عجلات السلطة، وكذلك محركات الدولة، لذا فنحن نطالب فقط، بأن تتكاتف أيدينا ونعمل معا بلا كلل أو ملل تحت شعار واحد.. شعار واقعي لا يكلفنا انهيار مؤسساتنا بالكامل، نعمل معا تحت شعار «معاً من أجل فساد أفضل».

No comments: