Saturday, September 27, 2008

شكراً محمود سعد.. «شوفتوا المساخر»

بقلم د. طارق الغزالي حرب

لست ممن يعتقدون بأن الملياردير أحمد عز، ملك الحديد وأمين تنظيم الحزب الحاكم المتحكم، يتمتع بدرجة عالية من الذكاء.. لقناعتي بأن إقحام نفسه في العمل السياسي والحزبي كان خطأ فادحاً منه،

ربما يدرك آثاره قريباً، فالعمل السياسي ليس هواية نمارسها . وتأكد ظني بعد مشاهدتي البرنامج الذي يرعاه ويصرف عليه ضمن فقرات برنامج «البيت بيتك»، وأقصد بها فقرة «دقوا المزاهر»، التي يتصدق في كل حلقة منها بشقة لعروسين، فكشف الغطاء وفضح المستور عن حقيقة الحال،

الذي أوصلنا إليه حزبه الذي هو أمين تنظيمه!! التصرف الذكي الوحيد الذي فعله هو اختياره لإعلامي متميز يحظي بقبول الناس ويعرف كيف يسلك طريقه في حقل ألغام الحكومة والمعارضة دون أن يصيبه أذي أي منهم.. الشيء الوحيد الذي أعيبه عليه هو أنه كان عليه أن يختار عنواناً أكثر ملاءمة لهذه الفقرة ليكون «شوفتوا المساخر» بدلاً من «دقوا المزاهر».. فالحلقات فعلاً مليئة بمساخر عدة أوجز منها الآتي:

المسخرة الأولي: أن يتحول حق كل شاب وفتاة - مهما كان موقعه في السلم الاجتماعي ودرجة تعليمه وكفاحه وشقائه - في الحصول علي شقة عادية طلباً للزواج فيها للاستقرار الاجتماعي والنفسي والصحي وبناء أسرة،

يتحول هذا الحق إلي حلم بعيد المنال لا يمكن تحقيقه مهما كانت الشهادة التي يحملها كل منهم أو مسمي وظيفته.. حيث رأينا الطبيب والمهندس والمدرس والمحامي والمحاسب والباحث والتاجر، كلهم أتوا وهم يحلمون بشقة يتصدق بها رجل الأعمال والسياسة عليهم، وهو نفسه من أركان هذا النظام الذي حول هذا الحق إلي حلم بعيد المنال!!

لقد أرانا محمود سعد شباباً متعلماً من مختلف أنحاء مصر، ممن كان يفترض أن يكونوا جزءاً من الطبقة المتوسطة لهذا المجتمع الذي اختلت موازينه، يقفون أمامه بعد أن ذاكروا وحفظوا المذكرات التي أرسلها إليهم قبل البرنامج، وهم في أقصي درجات التوتر والانفعال إلي الدرجة التي تكاد تسمع فيها دقات قلوبهم السريعة، وهم يمنون أنفسهم بتحقيق حلم يعرفون أنه بعيد المنال..

يتناسون كل شيء.. آدميتهم.. كرامتهم.. مراكزهم.. فنجدهم وأهلهم عقب الإعلان عن فوزهم بالصدقة في صورة شقة، يسجدون علي الأرض يمرغون جباههم في تراب الأحذية، وأهلهم يطلقون الزغاريد، ويذرفون دموع الفرح.. في مقابل فريق آخر يكاد قلبه يتوقف حزناً وكمداً وتسيل من عيونه دموع الحسرة والألم.. مشهد ينطق بكل معاني الذل والإهانة للشعب المصري علي مرأي ومسمع من العالم كله!!

المسخرة الثانية: ما كشفه محمود سعد من ضعف خطير في مستوي ثقافة الشباب المصري ومدي ضحالة معلوماتهم العامة مهما كان مسمي الدرجة العلمية التي يحملونها، وهم الشباب الذين يمكن أن نصفهم - بلا تجن - بأنهم «جيل مبارك»، فجميعهم ولدوا في عصره وتربوا علي أيادي رجاله وإعلامه.. وللوهلة الأولي تدرك أنه لا أحد منهم يقرأ الصحف، وهو أمر متوقع من شباب يكفيه راتبه بالكاد لتغطية تكاليف انتقاله وملبسه،

وشراء الصحف بالنسبة له رفاهية لا يري لها مكاناً في حياته!! المسخرة الثالثة: ما بدا عليه هذا الشباب الذي أسميه «جيل مبارك» من نزعة هوس «التدين البديل» وهو التعبير العبقري للمبدع علاء الأسواني، خاصة الفتيات.. فنسمع طوال الحلقة تمتمات الفريقين الفائز والخاسر بالبسملة والاستخارة والدعاء وطلب المعونة من الله وإقحام اسم الله كل ثوان..

وعندما يخسر بسبب عدم استعداده وضعف ثقافته يقولون جميعاً «قدر الله وما شاء فعل»!! المسخرة الرابعة: التي أعتبرها «أم المساخر» هي ما سمعناه من هذا الشباب من مختلف المهن، عما يتقاضونه من أجور، حين سأل عنها محمود سعد بعضاً منهم.. فالطبيب يتقاضي ٤٥٠ جنيهاً والمدرسة في مدرسة خاصة تتقاضي ١٥٠ جنيهاً شهرياً نظير العمل ٨ ساعات يومياً وغيرها وغيرها من المهازل التي شهدها العالم أجمع!!

إن ما يدفعه رجال الأعمال من أصحاب المشروعات والاستثمارات الضخمة لشباب هذا الوطن من رواتب هزيلة تحت دعوي «اللي مش عاجبه فيه غيره» واستغلال حالة البطالة التي تسبب فيها نظام منعزل وفاقد الإحساس بشعبه، لهو الجريمة الكبري التي ترتكبها الرأسمالية المصرية المستغلة والمحتكرة، والتي ستدفع ثمنها يوماً ما!! محمود سعد.. أيها الإعلامي المتميز. مرة أخري شكراً لك فقد فضحت ما فعله النظام الحاكم بالطبقة المتوسطة... و... «شوفتوا المساخر»!!

No comments: