لم يكن ما حدث عند سفح المقطم انهيارًا جبليا يمكن أن يحدث في أي منطقة جبلية في العالم، وإنما كان حلقة في سلسلة انهيارات النظام الحاكم في مصر.. فكلنا يعلم أن هناك ملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفي ظل أسوأ الظروف المعيشية التي يتصورها إنسان، وليست الدويقة إلا مثالاً واحدًا من عشرات الأمثلة التي تغطي مصر من شمالها إلي جنوبها، تنتظر نفس المصير.. ودعوني أسرد عليكم بعض ردود الأفعال من رموز النظام الحاكم إزاء هذه الكارثة:
* صرحت السيدة رئيس التليفزيون المصري كما جاء في «المصري اليوم» بما يلي: «مش لازم نقطع الإرسال وننكد علي الناس لمجرد تقديم خدمة إخبارية، ولو كان فيه حاجة جديدة مستاهلة كان قطاع الأخبار قطع الإرسال لوحده»!
* قال عضو بارز بهذا الكيان الهلامي المسمي الحزب الوطني، في الجلسة التي عقدها مجلس الشعب لمناقشة الكارثة، إنه من غير اللائق أن ننظر إلي نصف الكوب الفارغ!!
* صرح السيد وزير الإسكان في نفس الجلسة بأن ما حدث لا يعدو كونه قضاءً وقدرًا، ومن غير اللائق أن نعترض علي قضاء الله وقدره!
تكفيني هذه الأمثلة الثلاثة لبعض رموز النظام الحاكم إزاء هذه الكارثة فماذا يعني ذلك؟
أولاً.. إن الإعلام المصري قد سقط بلا رجعة إلي الهاوية، ولم تعد له أي مصداقية أمام الرأي العام.. ولم يعد أمامنا من حل لهذا الفشل الذريع إلا إلغاء وزارة الإعلام، واقتلاع مجموعة الموظفين والمنافقين، والمنتفعين، وأولئك الذين انتهت مدة صلاحيتهم الإعلامية منذ زمن طويل.
ثانيا.. إن الكثير من رموز هذا الكيان الهلامي الحاكم قد فقدوا القدرة علي التمييز، بحيث لم يعودوا قادرين حتي علي اختيار الألفاظ المناسبة لهذا الموقف المؤلم.. فأي كوب هذا الذي يتحدث عنه العضو الهمام؟ لقد جفت كل الأكواب يا سيدي بحيث بات الحصول علي نقطة ماء نظيفة أملاً بعيد المنال للملايين من أبناء جلدتك.
ثالثًا.. إن السيد وزير الإسكان لا يعلم عن القضاء والقدر في الإسلام إلا أنه الشماعة التي يعلق عليها هو وغيره من المسؤولين كل أخطائهم وخطاياهم.. وليسمح لي بتذكيره بهذه القصة الموحية في التاريخ الإسلامي، وهي قصة الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء رحلته إلي الشام لتفقد أحوال الجند، حيث انتشر الطاعون في عمواس، فأمر جنده بالانصراف عنها فقال له أبوعبيدة بن الجراح: أتفر من قدر الله؟ فقال عمر: أفر من قدر الله إلي قدر الله.. فالتسليم بالقدر يا سيدي الوزير لا يعني أبدًا الإهمال والاستكانة والعجز عن تغييره، وإنما يعني الأخذ بأسباب تغيير هذا القدر.. فإذا نجحنا كان ذلك بقدر الله، وإذا لم ننجح كان ذلك أيضًا بقدر الله.
أما ما نحن بصدده اليوم فهي جريمة مكتملة الأركان، فيها الإهمال الجسيم، والتراخي، وعدم تقدير المسؤولية وخيانة الأمانة من مسؤولين كان يفترض أنهم جاءوا من أجل خدمة هذا الشعب المنكوب بحكامه.
لقد أصبحنا اليوم أمام نظام فقد حياءه.. بعد أن انتهت صلاحيته وسقطت كل أوراق التوت التي كانت تغطي سوءاته.. ولم يعد هناك من أمل إلا أن يتكلم الصامتون.. ويفيق الغافلون، ويتحرك القاعدون من أجل إنقاذ هذا البلد العظيم قبل فوات الأوان.
No comments:
Post a Comment