Saturday, April 26, 2008
بلد العجائب
يبدو أن العجائب السبع التي يتحدث العالم عنها لا تمثل مثقال ذرة إذا ما قورنت بالعجائب التي نحياها ونشاهدها ونسمع عنها، وتطل علينا برأسها كل يوم، في شتي مناحي الحياة، في الممارسات الديمقراطية والقرارات السياسية والاقتصادية: والفتاوي الدينية، وفي إدارة شؤون البلاد عموماً، لتنفرد مصر ـ صاحبة حضارة سبعة آلاف سنة ـ بعجائب الدنيا المليون، وعلي سبيل المثال:
- في العالم كله، تحاول الحكومات تسخير ما لديها من إمكانات، وموارد لخدمة الناس، وإذا فشلت رحلت، حفاظاً علي ماء الوجه، أما في مصرنا الغالية فالشعب هو الذي يجب أن يرحل، والحكومة جاهزة بالقلل، بعد أن كبست علي أنفاسه، وحولت موارده إلي مصادر دخل ثابتة تؤمن مستقبل الغلابة من المستثمرين ورجال الأعمال.
- في العالم كله ينتخب المحافظون، والبرلمانات ما هي إلا تجسيد حي، لإرادة الشعوب، والصوت المعبر عنهم، والمتحدث باسمهم، أما في بلادنا فالمحافظون يعينون بالأمر المباشر، والناس تتسول من أعضاء البرلمان، خاصة بعد نجاحهم وجلوسهم تحت القبة، وانشغال بعضهم بالتربح من تأشيرات الوزراء وكبار المسؤولين، مقابل غض الطرف عن مصائر عباد الله.
- في العالم كله تتخذ القرارات بعد طول دراسات ومناقشات وأبحاث وتحليلات، أما في مصر فالقرارات تولد فجأة وربما بالصدفة، دون ترتيب، دون تربيط، دون داع، المهم أنها تأتي. ففي عام ١٩٩٦ صدر القرار بإنشاء وزارة (الإدارة المحلية)، وبعد عام واحد تغير اسمها، وأصبح وزارة (التنمية الريفية)، ثم سميت وزارة (التنمية المحلية)، ثم أدمجت في وزارة (التخطيط)، ثم ألغيت وزارة (التخطيط) وعجبي.
- ومثل هذه العجائب كثير، ظهرت وزارات، واختفت وزارات، وأدمجت وزارات في وزارات، واستقلت وزارات عن وزارات، فعلت قرارات، وغيبت قرارات، وهمشت قرارات، وحفظت قرارات، فتح الاستيراد، أغلق الاستيراد، دفعت الرسوم الجمركية، رفعت الرسوم الجمركية، جمد الدستور ربع قرن، عدلت ٣٤ مادة منه دفعة واحدة، يعلن عن عاصمة جديدة لمصر، ثم ينسف الإعلان بعده بلحظات، أجلت انتخابات المحليات مدة عامين بحجة وضع قانون جديد لها، ثم أجريت الانتخابات بلا قانون جديد، ولا عزاء في الديمقراطية.
وأخيراً وليس بآخر كانت أم العجائب يوم الخميس قبل الماضي، والمتمثلة في الإعلان عن ولادة محافظتين جديدتين، هما: السادس من أكتوبر وحلوان، دون أن يخبرنا أحد أن مصر كانت حبلي بأي دراسات عن محافظات جديدة، لذا أثارت الولادة ـ غير الطبيعية ـ للمحافظتين شكوك الأغلبية، فمن الأب الشرعي للفكرة؟ ومتي ولدت في رأسه؟
ولماذا لم يعلن عنها قبل انتخابات المحليات حتي يتم اختيار المرشحين بناء علي التقسيم الجغرافي الجديد؟ هل يعقل أن ينام الناس وهم تابعون لمحافظة الجيزة، ثم يستيقظون وهم تابعون للفيوم، ثم ينامون ويستيقظون ليجدوا أنفسهم تابعين لمحافظة أكتوبر الجديدة؟ ما موقف النائب الذي اختير في دائرة، ثم أصبح في حيز جغرافي تابع لمحافظة أخري؟ هل سيمثل المحافظة الجديدة دون أن ينتخبه الناس؟ أم سيبقي ممثلا لدائرة غير تابع لها؟ كيف يمكن الحديث عن التخطيط وأمامنا أعجب أمثلة العشوائية؟
إعلان عن محافظتين جديدتين بلا مقار محافظين، بلا عاصمة بلا مديرية أمن، بلا شرعية، ومن أين ستأتي الحكومة المبجلة بالموارد التي ستوفرها للمحافظتين الجديدتين في وقت يعتصر فيه الموظفون من قلة الموارد؟ عجيبة جديدة تؤكد أن مصر صارت في ظل النظام الموجود بالفعل وبالقوة بلداً للعجائب.
Friday, April 25, 2008
«فتح حلوان»!!
تنفرد مؤسسة «روزاليوسف» بتقسيم بديع رفيع المستوي للعمل الصحفي والإداري بين الشقيقين كرم جبر وعبدالله كمال. فعلي الرغم من أن كليهما يمارس مهنة الكتابة الصحفية السياسية، فإنهما قد نجحا بامتياز في تفادي الخلط والتكرار فيما يكتب كل منهما بعد أن صار أحدهما رئيساً لمجلس الإدارة والثاني رئيساً للتحرير ومنذ رحيل الأستاذ محمد عبدالمنعم أصبحت «روزاليوسف» هي المطبوعة المصرية الوحيدة التي يحظي قراؤها كل يوم بمقال سياسي إداري يكتبه رئيس مجلس الإدارة الأستاذ كرم جبر، ومقال سياسي تحريري يكتبه رئيس التحرير الأستاذ عبدالله كمال.
هذه الصيغة العبقرية أثمرت في الأسبوع الماضي سبقاً صحفياً تحليلياً بالغ الأهمية حققه الأستاذ كرم جبر في مقاله الإداري بمجلة «روزاليوسف». فقد كان الأستاذ كرم هو الشخص الوحيد الذي اكتشف أن الزعيم المصري محمد حسني مبارك قد أضاف إلي «مساحة البلاد» محافظتين جديدتين دون حروب أو غزوات أو اتفاقيات أو معاهدات!كل الآخرين ـ بمن فيهم حسني مبارك نفسه ـ لم يلحظوا ذلك الإنجاز التاريخي الرائع الذي حققته جمهورية مصر العربية رغم كل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإخوانية.
كل الناس تصوروا أن الرئيس مبارك أصدر قراراً باستحداث محافظتين جديدتين علي حساب محافظات أخري قديمة وموجودة من أيام الفراعنة والمماليك والأتراك والإنجليز، كما أن بعض الحمقي في صفوف المعارضة تصدوا للهجوم علي هذا الإنجاز واتهموا الرئيس بالعشوائية والعبث بحدود المحافظات!
الأستاذ كرم جبر وحده انفرد بالقراءة الصحيحة للإنجاز العبقري، وسجل في مقاله الإداري التاريخي يوم السبت الماضي أن الرئيس محمد حسني مبارك «استلم مصر» 26 محافظة ثم أضاف إليها بعد سبعة وعشرين عاماً من الحكمة والرخاء والاستقرار محافظتين جديدتين، وهو إنجاز لم يتحقق منذ عهد الزعيم الراحل رمسيس الثاني الذي احتل عدة محافظات آسيوية ثم اضطر للجلاء عنها بعد معاهدة الصلح مع الحيثيين!الأستاذ كرم جبر اكتفي بالرصد الاستراتيجي الإداري للإنجاز المصري غير المسبوق،
أما تفاصيل وأسرار وكواليس «غزوة 17 أبريل» فسوف يرويها لكم الأستاذ عبدالله كمال في سلسلة مقالات ملحمية عن بطولات الزعيم محمد حسني مبارك في موقعة «فتح حلوان»!!
«طوروني»
كلما قرأت كلمة «تطوير»، أو سمعتها، تحسست قلمي. أصبحت هذه الكلمة - بالنسبة لي - سيئة السمعة، لكثرة ما أساءت السلطات، علي اختلاف درجاتها، استخدامها. إذا قال لك رئيس تحرير إنه يريد أن يطور هذه الصفحة، فإنه يقصد أنه سيلغيها. وإذا قال لك مديرك إنه يريد أن يطور المصلحة، فإنه يقصد أنه سيقلص صلاحياتها. وإذا سمعت مسئولا يقول إنه يريد أن يطور هذا المبني، فافهم من ذلك - مباشرة - أنه يريد أن يهدمه.
لذلك، وضعت يدي علي قلبي، وتحسست قلمي، عندما قرأت كلمة «تطوير» في الانفراد الذي حققه الزميلان محمد مندور وابتسام تعلب في «البديل»، خلال اليومين الماضيين، حول خطة شركة ماسبيرو للتنمية العمرانية لـ «تطوير» أراضي منطقة ماسبيرو. وكل كلمة كتبها الزميلان، وكل مستند أبرزاه، أثبت لي أن سمعة «التطوير» ازدادت سوءا. ويكفي أن تقرأ جملة واحدة في الخطاب الذي أرسلته الشركة إلي مؤسسة دار المعارف الصحفية، لكي ينقبض قلبك، وتعرف أن وراء الكلمة سيئة السمعة، نوايا أكثر سوءا.
وتقول الشركة في خطابها إلي دار المعارف: «الرجاء تمكيننا من شراء جميع الأملاك الخاصة بالجهة رئاستكم، الواقعة بمنطقة ماسبيرو». لكن الجملة التالية هي الأكثر خطورة: «سيتم الاستحواذ علي أراضي منطقة ماسبيرو بالشراء المباشر، أو بأي طريقة أخري، لإعادة تنمية المنطقة حسب التخطيط العمراني المزمع إقامته».ولست في حاجة إلي التوقف كثيرا أمام عبارة «بالشراء المباشر، أو بأي طريقة أخري»، لتدرك ما فيها من «بلطجة قانونية»، ولتتأكد أن هناك «قوة سلطوية عظمي»، لا تنتظر رأي أحد، لتفعل ما تريد. وأيا ما كانت تلك «القوة الغامضة»، فإن ما تبين لي هو أن الشركة تستند أيضا إلي قانون - يبدو لي سيئ السمعة هو الآخر - وهو قانون حوافز الاستثمار، رقم 8 لسنة 79، الذي يمنح الشركات العاملة في ظله حريات وسلطات فوق أي قانون آخر. ووفقا لهذه «البلطجة القانونية»، تريد الشركة أن تنزع ملكية أراضي ماسبيرو مقابل ثلاثة آلاف جنيه فقط للمتر المربع، رغم أن أقل تقدير لسعر المتر المربع في هذه المنطقة هو 21 ألف جنيه.
والشركة تجند مسئولين في جهات مختلفة وأعضاء في مجلس الشعب، وستجند كتابا للدفاع عن تنفيذ مشروعها. والمشروع، في ذاته، لي فيه رأي آخر ربما أعود له غدا. وإذا لم أكتب، غدا، حول المشروع، فهذا يعني أنهم «طوروني»، أي «دفعوا لي».
ببساطة
* يبدو أعضاء الحكومة الحالية مثل الخبراء الأجانب جاءوا في مهمة طارئة وسيغادرون البلد بعد انتهائها.
* السياسات ليست مهمة.. الأهم هو تطبيقها بحرفية, لأن أي تطبيق ناقص يؤدي إلي كوارث اجتماعية.
* كل علاج بوليسي لمشكلة اقتصادية يخلق مشكلة اجتماعية جديدة.
* كل عاشق لهذا الوطن يتصرف بالضرورة ضد مصلحته الشخصية.
* نصف الشعب الفلسطيني قيادات ونصفه الآخر يعمل كمتحدث رسمي باسم النصف الأول.
Wednesday, April 23, 2008
المستقبل الإعلامي
بلهجة أقرب للانفعال تحدث صديقنا الصحافي الزائر من مصر طويلاً عن وقائع إضراب 6 أبريل (نيسان) الذي شهد مواجهات وصدامات، خصوصا أنه خزن في جهاز ال Laptop الخاص به صوراً منع نشرها في الصحف القومية المصرية..
بدت حكايات زميلنا المصري مثيرة للاهتمام، خصوصاً لمعايشته حيثيات لم يتسن لنا أن نطلع عليها عبر الإعلام والصحافة. أما ما احتل الحيز الأبرز من النقاش كانت قضية من باتت تعرف في مصر اليوم بأنها فتاة الـ «فايس بوك» أو إسراء عبد الفتاح وهي الشابة المصرية التي تعمل منسقة للموارد البشرية في إحدى الشركات الخاصة، لكنها فجأة باتت واحدة من أبرز الموقوفين والمتهمين بالتحريض على الإضراب وإثارة الشغب قبل أن يطلق سراحها لاحقاً.
لم تكن اسراء الوحيدة التي جرى توقيفها، فقد طالت هذه الإجراءات مدونين وكتابا وشخصيات عدة.يصف صديقنا المصري اسراء بأنها فتاة عادية لم يسبق أن ارتبط اسمها بنشاطات سياسية أو صحافية أو حقوقية، بل إن زملاءها داخل حزب الغد الذي انضمت إليه قبل أقل من عام يطلقون عليها لقب «بسكوتة الغد» تدليلاً على لطفها، بل إنها ليست من المعارضين المعروفين للحكومة مثلا، كونها كانت ترفض الهجوم في «جروب الإضراب» على رموز الدولة..
مع ذلك لا يزال المصريون اليوم غير مصدقين كيف أن هذه الشابة ومن خلال دعوتها على موقع الفايس بوك للمشاركة في الإضراب تمكنت من استقطاب حوالي 70 ألفاً من جمهور الموقع التفاعلي الالكتروني الأكثر شهرة في العالم.لقد جذبت دعوة اسراء الالكترونية ما عجزت أحزاب سياسية مصرية عن تحقيقه ويصعب التصديق أنها هي نفسها كانت تدرك حجم التجاوب مع نشاطها عبر موقع الفايس بوك.
القبول الواسع لدى شرائح متصفحي الانترنت المصريين لهذه الدعوة يظهر مدى الحاجة لمساحات تعبير تكرر عجز وسائل الإعلام التقليدية عن استيعابها.
لجأ جمهور عريض إلى هذا النوع من التواصل بعد أن تضاعفت الحاجة إلى الوعي بالقضايا السياسية وبالحريات العامة والخاصة والتي تلقى من وسائل الإعلام بما فيها مواقع الإنترنت درجات متفاوتة من التعتيم.
لا شك أن المستقبل الإعلامي يتحول تاريخيا باتجاه الإنترنت باعتبارها الوسيلة التي تقدم منافذ إعلامية ذات قدرة على الاستمرار والصمود والتطور.
بات من المعروف أن سنة واحدة من عمر شبكة الإنترنت تساوي 4 سنوات من العمر الزمني الأرضي لغيرها من وسائل الإعلام. والمقصود بهذا أن الإنترنت تتطور بسرعة كبيرة، ولا يمر شهر أو بضعة أشهر إلا ويحدث تطور نوعي في طريقة عمل هذه الشبكة العنكبوتية جنبا إلى جنب مع التطورات الكمية البسيطة المتراكمة المرتبطة بها.مثلاً، تم الانتقال من المدونات إلى الفايس بوك برشاقة، وهذا نجم عن الحاجة أيضاً لوسائل تعبير حرة وغير مؤسسة على قواعد عمل إعلامي تقليدي. بالمقابل قوبل هذا الأمر بمزيد من الحيرة والاضطراب في أوساط بعض الحكومات العربية، لأنه يجري أمام عينها تهميش للوسائل الرقابية التقليدية التي لم تعد قادرة على الإحاطة بتطور وسائل الاتصال.
فعلاً.. البلد بيتقدم بينا
في حوارها مع الدكتور عبدالشكور شعلان، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، علي القناة الأولي مساء أمس الأول، سألته لميس الحديدي عن ثلاث أولويات، لابد أن تكون علي رأس أجندة الحكومة، فأجاب دون تردد: أولاً الاستثمار في التعليم، وثانياً الاستثمار في البنية التحتية كمياه الشرب وغيرها، وثالثاً تشجيع القطاع الخاص علي العمل وإغراؤه بالحوافز.. وقد سكت الدكتور شعلان لحظة، ثم عاد ليؤكد علي الأولوية الأولي، ويقول: «شعب غير متعلم، يستحيل - من واقع تجربتي - أن يحقق أي نمو في بلده، من أي نوع»!.
ثم عاد الرجل، مرة أخري، ليقول من مقره في واشنطن، إن «الدولة في مصر لا تستثمر في البشر كما ينبغي، وأن الإنفاق علي التعليم، بجميع، مراحله لايزال دون المستوي بكثير، ولا يجوز أبداً أن ينافسه شيء آخر»!.
وأمس الأول أيضاً، كتب غسان شربل، رئيس تحرير صحيفة «الحياة» اللندنية، أنه التقي الدكتور أحمد زويل بالمصادفة، داخل الطائرة، وأنه سأله سؤالاً واحداً ومباشراً عن السلاح الذي يمكن أن نخوض به معركة المستقبل؟!
رد الدكتور زويل في حزم وحسم: «التعليم والبحث العلمي، لا شيء غيرهما»!
وكان صاحب نوبل قادماً من ماليزيا، بعد أن شارك احتفاء البلد هناك بوداع الأمية نهائياً، وخفض معدل الفقر إلي نسبة غير مسبوقة!
وفي صحف الأمس، كان الدكتور يسري الجمل، وزير التربية والتعليم، يعلن أن ميزانية وزارته في العام المالي ٢٠٠٨/٢٠٠٩ انخفضت بمقدار مليار و٩٠٠ مليون جنيه!! وأنه طلب مليار جنيه لتغذية التلاميذ في المدارس، فلم توافق وزارة المالية إلا علي ٣٥٤ مليون جنيه، بما يعني - علي حد تعبير الوزير الجمل - أن ما لديه من ميزانية في هذا الشأن يكفي الطلاب لثلاثة أشهر، وما بعد ذلك، أجرهم علي الله!
وفي مجلس الشعب، كان الدكتور شريف عمر، رئيس لجنة التعليم، ينتقد، بعنف، خفض ميزانية التعليم بهذه النسبة المروعة، ويطالب بدعم التعليم بأي وسيلة، وأظن أن الحياء قد منع الدكتور عمر من التعبير عن رأيه بصراحة في معني هذا الخفض.
قبلها بأيام كانت الدولة نفسها قد وافقت علي رفع ميزانية وزارة الداخلية بمقدار مليار و١٨٠ مليون جنيه، ولا أحد طبعاً يكاد يجادل في دعم ميزانية الداخلية، فأعباؤها تزيد، ومن الطبيعي أن تتضاعف نفقاتها في دولة لا تحل أي شيء فيها سياسياً، وتفضل أن تُلقيه علي عاتق الأمن، بما يفوق طاقته، وبما يتجاوز طبائع الأمور!.
نسينا أن نقول إن الدولة قد قررت أيضاً خفض ميزانية محو الأمية في العام المالي المقبل من ٥٠ إلي عشرة ملايين جنيه!.
وحين تتجمع كل هذه الحقائق والأرقام بين أيدينا، ثم نسمع عن مؤتمر قومي للتعليم، سوف يفتتحه الرئيس مبارك في ١١ مايو المقبل، ونسمع أن المؤتمر سوف يناقش قضيتين علي وجه التحديد، هما: تطوير التعليم الثانوي، وتطوير سياسات القبول بالجامعات، فليس هناك تفسير لكل ما تقدم، مقارنة بالمؤتمر وموضوعه، إلا أننا نضحك علي أنفسنا علي مسمع من العالم!.
ليس هذا فقط، بل سوف يتأكد لك حين تتأمل هذا السياق علي بعضه، أن البلد - فعلاً - «بيتقدم بينا»!.
Tuesday, April 22, 2008
Saturday, April 19, 2008
عن مصالحهم يدافعون.. ومن أجلها ينافقون
كم كان الأستاذ الكبير سلامة أحمد سلامة رائعاً وهو يكتب في عموده المتميز بأهرام ١٣/٤ تلك الكلمات الوطنية الصادقة المعبرة عما يجيش في صدور الملايين من أفراد هذا الشعب المغلوب علي أمره والكاشفة الفاضحة لبضع عشرات من الإعلاميين ينتشرون كما تنتشر الحشرات الضارة والقوارض المؤذية والثعابين السامة بعد أن خرجوا من أكوام ما سماه الكاتب الكبير «القمامة السياسية والإعلامية»، ليظهروا في البرامج التليفزيونية والفضائيات المختلفة، وليكتبوا في الصحف التي خربوها وأضاعوها، هراء فارغاً لا يقرؤه أحد، لقد كتب الأستاذ سلامة في ختام هذا العمود «لو قرأت ما تخطه أقلام هؤلاء الكتبة وصدقت أنهم يعكسون رأي من بيدهم القرار، فقل علي مصر السلام!!»، إنني فقط أريد أن أطمئن الكاتب الكبير أن هؤلاء لا يعكسون رأياً لأحد بعينه فيما أعتقد..
فهؤلاء الذين يقصدهم - ويعرفهم الناس جميعاً حين تطل وجوههم الكالحة المستفزة علي شاشات التليفزيونات - لا يهمهم في قليل أو كثير ما يواجهه النظام القائم من مسؤوليات ومشاكل ولا يفكرون في مستقبل هذا البلد ومصير شعبه حتي وهم يرونه يمضي بخطاً واسعة علي طريق الانحدار والانهيار، إنهم لا يفكرون حين يتكلمون أو يكتبون إلا في بضعة أشياء تافهة تنشغل بها عقولهم الضيقة، تتمحور حول مصالحهم الخاصة..
فأنت حين تسمعهم أو تقرأ لهم وهم يبررون ويكذبون ويجملون سياسات وقرارات وتصريحات أركان النظام والحزب الحاكم، لا تجد صعوبة في إدراك أن كلماتهم تخرج من أطراف ألسنتهم وأنها لا تصدر عن اقتناع أو إيمان بأي شيء، وبالتالي فإنها لا تقنع أحداً..
فقلوبهم قد كساها الصدأ من كثرة ما يكذبون وينافقون، ولم تعد ترق لأحوال ملايين المصريين المطحونين الذين لا يرونهم ولا يتعاملون معهم، وكل علاقتهم بهم هي بضع كلمات خائبة عما يسمونه «البعد الاجتماعي» ترددها ألسنتهم وتعيد وتزيد في كلمات يظنون أنهم ينجحون بها في نفاق ملايين الفقراء والبؤساء كما ينافقون أسيادهم وأولي نعمتهم.. وعقولهم مشغولة بأشياء أخري هي الأهم بالنسبة لهم.. فهناك المصالح التي سيقضونها بالتليفونات مع كبار المسؤولين سواء لهم أو لأقربائهم ومحاسيبهم.. وهناك طلبات التعيين التي يجب أن يقضوها لأولادهم وزوجاتهم في وظائف وهمية يتقاضون عنها الآلاف المؤلفة من الجنيهات..
وهناك قطع من الأراض التي حصلوا عليها بأثمان زهيدة ومتي سيبيعونها وكم وصل ثمنها الآن.. وهناك القصر الذي يبنيه كل منهم في أحد المنتجعات الجديدة التي تنتشر هذه الأيام بأسوارها وحراسها، وما يبنيه لأولاده وزوجاته.. هناك فيلا الساحل الشمالي وكيفية استغلالها وتجميلها والحفاظ عليها، وكذلك الشاليه الفخم علي البحر الأحمر!! عقولهم مشغولة كذلك بما هو أهم.. وهو كيفية تأمين حياتهم ومستقبلهم في حال انتفض هذا الشعب الخانع يوماً وهو أمر ليس ببعيد أو عزيز علي قدرة الله سبحانه وتعالي الذي يغير ما بين طرفة عين وانتباهتها من حال إلي حال!!
بالله عليكم كيف لعقول مشغولة بكل هذا، وقلوب كساها الصدأ كما قلت من كثرة الكذب، وأجساد معزولة عن الناس في سيارات فاخرة يقودها السائقون وتحيط الستائر نوافذها، كيف لهؤلاء أن يتحدثوا وأن يحللوا ما حدث في المحلة من عمالها وشبابها، ممن سموهم بالرعاع والغوغاء؟!
حقاً إذا لم تستح فافعل ما شئت.. وقل واكتب ما شئت.. ولا حولا ولا قوة إلا بالله.
Friday, April 18, 2008
ببساطة
* الطوابير أصدق أنباء من تصريحات المسئولين.
* صفحات المجتمع في كل الصحف الخاصة استفزاز طبقي لبشر فقدوا الحياء.
* الدكتور عصام شرف وزير النقل والمواصلات السابق عالم وطني محترم ومهذب, ولهذا لم يستمر في الوزارة سوي عام واحد!
* الليبرالية نظرية متكاملة في السياسة والاقتصاد, فلماذا يصرون علي تطبيق الشق الاقتصادي فقط؟
* مبروك البراءة لهاني سرور ورفاقه, ولكننا لم نعرف بعد المسئول عن أكياس الدم الفاسدة.
* إذا كان الانتماء للإخوان كجماعة محظورة تهمة عقوبتها السجن, فإما أن يذهب جميع الأعضاء للزنازين, أو يقتسموا كلهم حصانة الـ88 نائبا.
* اختفي اسم نزيهة من دفاتر المواليد منذ أطلقوه علي الانتخابات.
* اتضح أن الاستثمار السياسي في الأحزاب أربح من العقارات والسيراميك والذي منه.
* مشكلة الإخوان أنهم يخافون علي الجماعة أكثر من خوفهم علي المصريين.
* جيوب المصريين أصبحت متخمة بالوعود.
* التعامل بالقطعة مع رواتب المصريين أمر غير دستوري وضد مبدأ المواطنة.
* مصيبتنا أننا نطرح الأهداف الكبري وننسي الحقائق الصغيرة, ولو جربت الحكومة حل أزمة الخبز دون طوابير ستنجح في قضية القمح.
* إذا كنا سنبدأ المحاكمات لكل من تجاوز أو أضر بالمصلحة العامة لجاء المشاغبون في آخر القائمة ولاحتجنا لمئات المحاكم المتفرغة.
Tuesday, April 15, 2008
من أكل الرغيف؟
واحد طماع جداً أوصاه شيخ صالح أن يشتري ثلاثة أرغفة للغداء.. جاء الطماع بالأرغفة وقام الشيخ ليتوضأ ويعود للطعام.. أكل الطماع أحد الأرغفة وبقي رغيفان.. عاد الشيخ وسأله: أين الرغيف الثالث؟.. من أكل الرغيف؟.. قال الطماع: لا أعلم.. أكل الشيخ رغيفاً وأعطي الطماع رغيفاً، فأكلا ثم واصلا السير.. وجد الشيخ سرباً من الغزلان.. كانا لايزالان جائعين..
أشار الشيخ بأصبعه لغزالة بعيدة فجاءت صاغرة وجلست أمام أقدامه.. اندهش الطماع من المعجزة.. قال له الشيخ: هيا نذبحها باسم الله ونأكلها.. ولكن قبل أن نأكلها.. أخبرني بالله عليك من أكل الرغيف؟.. قال الطماع: لا أعلم.. ابتسم الشيخ.. وبعد أن أكلا من لحم الغزال وسعدا.. انصرفا وواصلا المسير حتي النهر.. كان النهر عميقاً وعريضاً جداً، ولا يوجد مركب ولا معدية لينتقلا للشاطئ الآخر.. أشار الشيخ بيده لجذع شجرة قديم فتحرك وسقط في الماء متحولاً إلي ما يشبه القارب..
اندهش الطماع من تلك المعجزة الثانية ونظر إلي الشيخ وقال له: أنت شيخي ومعلمي إلي الأبد كم أنا سعيد.. قال الشيخ: إذن قل لي بالله عليك من أكل الرغيف؟.. قال الطماع: لا أعلم.. ابتسم الشيخ واستمرت رحلتهما حتي شاهدا ثلاثة أكوام من الحجارة، فأشار الشيخ بيده إليها فتحولت إلي ثلاثة جبال صغيرة من الذهب.. هنا فقد الطماع عقله وصاح: يا شيخي، لمن هذه الكنوز؟.. قال الشيخ: كل صاحب رغيف من الأرغفة الثلاثة له جبل من ذهب.. أنا سآخذ الجبل الأول، وأنت الثاني، وسوف نترك الجبل الثالث لصالح من أكل الرغيف الثالث.. هنا قال الطماع بلهفة: أنا من أكل الرغيف الثالث.. ابتسم الشيخ في إشفاق وقال إذهب هذه الجبال الثلاثة لك، وتركه ومضي.. ظل الطماع وحيداً بجوار الذهب ينتظر من يساعده في حمل جبال الذهب..
فجأة مر عليه ثلاثة رجال أشرار.. قتلوه وجلسوا بجوار الجثة وبجوار جبال الذهب يفكرون ما العمل؟ أعياهم التفكير وقرصهم الجوع فطلبوا من أحدهم أن يذهب ليأتي لهم بالطعام من المدينة القريبة.. ذهب الرجل واشتري لهم الطعام وداخلته الأطماع فقرر أن يضع لزميليه السم في الطعام ليتخلص منهما ويفوز بالذهب كله.. بينما هما بيتا النية لقتله وتقسيم الذهب علي اثنين.. عندما وصل إليهما.. قتلاه ثم جلسا يأكلان الطعام.. فماتا.. ماتوا جميعاً.. مر الشيخ عليهم في عودته فوجدهم جثثاً هامدة.. الطماع الأول ثم الطماعون الثلاثة.. قال الشيخ: الرغيف قتل الأربعة.. لا أدري لماذا أحكي هذه القصة، وما هي العبرة والدرس المستفاد.. هل تعرف أنت؟ أرجوك لا تفسرها أي تفسيرات أخري.
هل تنجلي الغمة برحيل نظيف؟
تهيل الصحف «القومية» في هذه الأيام التراب علي حكومة أحمد نظيف، وتذهب في تحميله ووزرائه مسؤولية الأزمة الراهنة إلي أقصي حد ممكن، وتستفيض في شرح جوانب فشل وزارته ومجالات إخفاقها، وتتحدث عن الهوة الواسعة التي تفصلها عن الناس، وعن افتقادها القدرة علي إدارة الأزمات، وافتقارها إلي مهارة التعامل مع المشكلات المزمنة، وتسببها في إصابة المصريين بيأس جارف، بعد أن عزّ عليهم رغيف الخبز.
وكل ما يقال هنا صحيح، لكنه حق أريد به باطل، فنظيف ليس سوي موظف كبير بدرجة رئيس وزراء، يتيح له نص الدستور أن يشارك رئيس الجمهورية وضع السياسات العامة والتخطيط لمستقبل البلاد، ولا يتيح له الواقع سوي تنفيذ ما يقال له من توجيهات عليا.
ومنذ البداية بُحّ صوت الكتاب المستقلين والمعارضين والساسة المختلفين مع الحزب الوطني وهم ينادون بعدم صلاحية نظيف للمنصب، فالرجل كان مجرد أستاذ جامعي، وخبير في مجال الاتصالات، كغيره من الأساتذة والخبراء، ولم تكن له علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد.
ولقد تعودنا طيلة السنوات السابقة أن يبدأ الهجوم علي الحكومة كلما كانت هناك نية لتغييرها، ويستعمل كتاب السلطة علي أوسع نطاق في تنفيذ هذا الأمر، ولا مانع من أن يحصلوا علي معلومات وبيانات كانت مخفية أو مسكوتاً عنها، حين كانت الحكومة تحظي بالرضاء، فينشروها تباعا للبرهنة علي فشل الحكومة، وتحميلها مسؤولية الأزمات، واتخاذها «كبش فداء» لتهدئة الناس ولو قليلا.
لكننا لن نلدغ من هذا الجحر مرة جديدة، بعد أن اتسع الخرق علي الراتق، وفقد الناس أي بصيص من الأمل، وانكشف لنا أن الخلل أكبر من أن ينتهي بمجرد تغيير شخص أو مجموعة، وأن «الاستقرار والاستمرار» ليس بوسعهما رسم سياسات بلد كبير بحجم مصر، وأن الاعتماد علي عصا الأمن الغليظة والباطشة فقط ليس بمقدوره أن يوفر الحد الأدني من الاطمئنان علي مجريات الأمور، وما ستنتهي إليه.
إن من يعصر ذاكرته قليلا سيجد أن القوي الوطنية طالما طالبت، علي حافة كل تشكيل وزاري، برئيس وزراء مارس السياسة منذ نعومة أظفاره، ويعرف أن موقعه أكبر من مجرد «سكرتير» للرئيس، أو موظف بيروقراطي كبير، أو «عامل سويتش»، كما قال أحدهم، لا يفعل سوي تحويل الأوامر من الرئيس إلي الوزراء، أو رقم في طابور التشريفات، التي تنتظر في الأماكن التي يحل بها رئيس الجمهورية.
لكن الجميع كانوا يفاجأون كل مرة باختيار عكسي، بزعم أننا في حاجة إلي «التكنوقراط» من حملة الدكتوراه، وليس الرجال الذين يمتلكون تصورا عاما، ورؤية استراتيجية شاملة، وموقفا واتجاها محددا، يعرف صاحبه جيدا الإمكانات التي يقف عليها، والغايات التي يصبو إليها.
لقد تعدل الدستور، وتم توسيع صلاحيات رئيس الوزراء، فإن كانت هناك نية لإصلاح الأحوال، فليتم اختيار شخصية سياسية لتولي هذا المنصب الرفيع، وتترك لها حرية تشكيل الفريق الوزاري، وليكن أعضاؤه جميعا ممن مارسوا السياسة، ويعرفون عن كثب حقيقة الأوضاع في هذا البلد، وليس من بين قاطني الأبراج العاجية، ولا من ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، أو من يتأففون من عزب الصفيح وملابس أولاد الشوارع، أو يسدون أنوفهم حين تصل إليها رائحة عرق الفلاحين والعمال.
ومصر العظيمة غنية بأمثال هؤلاء الرجال، إن صدق العزم علي البحث عن الرجل المناسب، الذي لا يكون إلا ما يريد، ولا يفعل إلا ما يحقق الصالح العام، ولا يرضي أن يكون مجرد ظل باهت أو تابع أمين، لا يهمه إلا أن يبقي في منصبه أطول فترة ممكنة، حتي لو تصدع كل ما حوله، وعم الخراب.
وما مصر إلا «فيس بوك» كبير
لم تخرج الحكومة بعد من صدمة الاعتصام؛ الدعوة التي هبطت من فضاء الإنترنت الخيالي لتؤثر هذا التأثير في صميم الواقع.
صدمة الحكومة تبدو في السلوك الاعتقالي ضد إسراء، الفتاة التي بدأت الدعوة، وضد غيرها من المدونين والناشطين السياسيين من غير الأحزاب الموصوفة بـ «الشرعية» أي الحاملة لترخيص مزاولة المهنة!
وفي الوقت نفسه تنكر الحكومة بلسانها أهمية ما جري، وتعلن أن الاعتصام لم ينجح.
ولأن السلوك أصدق إنباء من اللسان، فينبغي أن نكون علي يقين من أن الحكومة مصدومة، ولا أظن أن مصدر صدمتها ودهشتها ينبع مما اكتشفته من تأثير الفيس بوك في الواقع، بل من تأثير خطاب الغضب بالذات، فالحكومة نفسها هي التي اخترعت الفيس بوك، حيث حولت مصر إلي موقع عملاق للدردشة، ومع ذلك فإن دردشاتها لا تؤثر هذا التأثير، ولم تضمن لها التفافاً جماهيرياً يوازي قوة الـ«جروب» الخاص بها.
ودعونا نسمي الأشياء بمسمياتها فنتحدث عن «النظام» السياسي الذي قد يستخدم حكومة مانيوال أو حكومة إلكترونية لتنفيذ استراتيجية الدردشة كعقيدة سياسية؛ فقبل حكومة نظيف الإلكترونية كانت هناك حكومات مانيوال أو يدوية تصرفت، حتي قبل معرفة الفيس بوك بسنوات طويلة مع مصر باعتبارها موقعاً كبيراً لـchat لا ينتهي ولا يتقدم خطوة واحدة صوب التنفيذ.
فقط كلام، كلام.. دائماً هناك خطط وأفكار عبقرية مقذوفة باتجاه المستقبل، وهو زمن خيالي لا نعرف عنه شيئاً ولا نضمن أن نكون من بين سكانه أو شهوده لكي نستمتع بجني ثماره.
في الغالب، كل شيء تمام ولاتوجد مشكلة في مصر، وفي حال التواضع والاعتراف بمشكلة فهي مطروحة للنقاش في حزب الأغلبية الافتراضية وأحزاب المعارضة الافتراضية والحكومة والمجالس الافتراضية، أي بين أعضاء المجموعة البريدية نفسها، التي لا تستخدم الكمبيوتر من منازلها ـ لسوء حظنا ـ وإنما تدير دردشاتها في قاعات يسممون أبداننا كل لكي يصلوا إليها وينصرفوا منها بمواكب تربك المرور وتبقي المواطنين رهن الإقامة الجبرية في طرقهم إلي أعمالهم الأكثر جدوي وتحديداً من جلسات الـchat السياسي.
ومؤخراً لم يجد رئيس الوزراء ضرراً في طرح المشكلات لـ «نقاش مجتمعي» وهو ما يعني قراراً بتوسيع مجموعة الفيس بوك لتشمل المجتمع المصري كله، وليس في هذا أدني مشكلة: ستستمر الدردشة حتي يتعب المدردشون.
أوضاع المرور الكارثية في القاهرة طرحها لحوار مجتمعي، الدعم طرحه لحوار مجتمعي، وأزمة الرغيف هي الأخري مطروحة للحوار المجتمعي.
لكن السلطة ممثلة في الحزب الوطني وحكومته تطلق الدعوة علي "الفيس بوك القومي" ولا تعود تفتح بريدها لتعرف شيئاً عن نتيجة الحوار، لأنها تعمل للمستقبل، وليس لحاضر عابر، وعلمها في الراس، لا في الفيس بوك ولا في الكراس، ولا في البرامج الحوارية بالتليفزيون، التي طرح الخبراء فيها حلولاً تكفي لإصلاح الكوكب وليس مصر وحدها!
بجد، كان من الممكن أن نأخذ في يدنا البشرية كلها، في رحلتنا إلي المستقبل، بسبب كثرة الحلول التي اقترحها الخبراء. لكننا في وسط هذا الفيس بوك الكبير نفاجأ برسالة (فلفل شطة) من حكومي أو حزبي أو من أحد المؤلفة قلوبهم في عزب الصحافة القومية التي بلا ضابط أو رابط يطعن المشاركين في الحوار بتحد جد مهول: إنكم لم تطرحوا حلولاً!!
يا لفداحة وجمال وخيالية الاتهام!
لأن مقالاً لايمكن أن يسمي مقالاً من دون أن يتضمن حلولاً، فوصول أحدنا بوعيه إلي استهجان سلوك أو تصرف أو حل يعني بداهة امتلاكه البديل، فلماذا إذن سيذاكر وحده ويخفي اقتراحاته؟!
ولنأخذ عار اختفاء الرغيف، مثالاً، فقد كتبت هنا أتندر علي علاج نقص العيش ببناء أكشاك لتوزيع الرغيف غير الموجود، أو فصل الإنتاج عن التوزيع، لأن الأساس باختصار هو نقص الإنتاج وتسرب الدعم. والانفراجة التي تمت لم تتم إلا بفضل مخابز القوات المسلحة والشرطة، أي في ظل حالة طوارئ غذائية.
ولن يمكن أن تعود أوضاع الخبز طبيعية في ظل ثلاث حقائق، أولها انخفاض سعر كيلو الدقيق عن سعر كيلو العلف الحيواني، وثانيها الفجوة الكبيرة بين سعر الدقيق المدعم والدقيق الحر، وثالثها انخفاض رواتب كل المصريين وبينهم القائمون علي أجهزة الرقابة الحالية أو أي أجهزة يتم اختراعها.
أي أن أمن الرغيف باختصار سيبدأ من احترام محصولنا من القطن والاستفادة من الصناعات الجانبية حوله (الأعلاف والزيوت) فتوفير الأعلاف هو الذي سيقلص تلقائياً مساحات البرسيم لصالح القمح وسيغلق الباب علي استخدام الدقيق والخبز أعلافاً، ودعم كل الدقيق ليس بدعة، فالفينو خبز أيضاً، ولن يعتب علينا كم صينية بسبوسة عند الحلوانية، لأن أضعاف هذا الدعم يضيع بسبب الفارق الخيالي بين السعرين والذي يحرض علي التهريب، ورفع الرواتب سيضمن لنا من بين ما يضمن أجهزة رقابة نزيهة!
وعلي نفس المنوال تقريباً سنكتشف أن زحام المرور والدعم وتدني التعليم والصحة، وكل مشكلة تحتاج إلي منظومة حقيقية، وليست منظومة من نوع منظومات الدردشة في الجروب الحكومي.
أي أننا باختصار بحاجة إلي حكومة تعرف أن الكلام وسيلة للبحث عن حلول يجري تنفيذها بأسرع ما يمكن، وليس غاية في حد ذاته، وعملية تستمر إلي الأبد.
نحن بحاجة إلي حكومة تقلد شباب الفيس بوك فتنزل إلي الواقع وتترك الدردشة!
حزب الـفيس بوك
تحتاج قدراً من الشجاعة للإجابة عن سؤال إجباري: ما الفارق بين حزب الـ«فيس بوك» وأحزاب المعارضة جمعاء؟ الإجابة - أي إجابة - كافية لاستنزال اللعنات والهجائيات، وجميعها بلا استثناء، ستتهمك بالوطنية نسبة إلي الحزب الوطني، عجباً، تهجو الوطني يطربون، وإذا مسستهم يرجمون.
الفارق بين حزب الفيس الصغير وحزب الوفد الكبير.. كبير، حزب فيفي - اسم الشهرة لحزب الـ«فيس بوك» - لم تمن عليه السماء بزعيم، السماء عادة ما ترسل إلي حزب الوفد، كل عقد، زعيماً يجدد عليه شبابه، شباب الفيس أصلاً جدد - ع الزيرو- لا يحتاجون عمرات، إسراء عبدالفتاح مشروع زعيمة في وطن ذكوري يقدس الزعماء.
الفيسيون لا يعرفون عيد الجهاد، لم يجاهدوا في الوطن حق جهاده، ولا يعلقون الشعار «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة»، لا يفرقون بين الأُمة والأَمة، بضم الألف في الأولي وفتحها في الثانية، «عيال متظبطة ع النت ملعلطة»، الوفد يمتلك صحيفة يومية خضراء من غير سوء، أسسها فؤاد سراج الدين في العام ١٩٨٤، ولا تزال تصدر برئاسة تحرير عباس الطرابيلي، ويحررها من الجلدة للجلدة زعيم العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، محمود أباظه.. هو المحرر الأول، والمصدر الأول، والفتي الأول، صورته بتوزع الجورنال، خطبه مانشيتات، مداخلاته الفضائية مقالات، حضوره مجلس الشعب افتتاحيات.. إن صمت فهو الجلال بعينه، وإن تحدث آية من الكمال.
الفارق بين حزب الفيس وحزب التجمع، أن الفيس حزب مستقبلي بلا رئيس، والثاني حزب ماضوي جاثم علي صدره رئيس حتي يسكنه القبر، أخشي أن يتولي الدكتور رفعت السعيد - بعد دفن التجمع - رئاسة حزب الفيس، لن نحتاج إلي تدخلات أمنية بعدها، لا إضرابات ولا اعتصامات ولا إسراء ولا غيره، كله في ثلاجات كريم الدولة.
ثاني فارق طبيعي أن حزب الفيس تنقصه مراجع تأطيرية للصفقات النظامية، فتاوي سياسية تحلل زواج المتعة بين التجمع والوطني، حزب الفيس بريء براءة الأطفال في عينيه، لم يصل الي مرحلة البجاحة في عقد الصفقات والدفاع عنها باعتبارها حقا.
نكتة.. عدد من أعضاء حزب الفيس نجحوا بالتزكية في انتخابات المحليات، هذا هو الفارق، التجمع بيكسب الانتخابات بعرق جبينه، بيرفض التزكية، أحلي من الشرف مفيش، وقيل في رئيسه المزمن الدكتور رفعت السعيد قوي (الشهير بمستر هابي، كما ينادونه في القنوات الأجنبية) فإذا عارضت فأنت أم أو أب.
يصعب قياس الفارق بين الحزب الناصري وحزب الفيس، زعيم الناصري متوارٍ عن الأنظار في المنيل، زعيمة الفيس ترفع علامة النصر من عربة الترحيلات، الأستاذ ضياء سايب الحزب مظلم، إسراء منورة الإنترنت، يسيرون حملة «تضامنا مع إسراء» بعض الفيسيين ناصريون مخلصون هاربون من الضياء.
اعتزل الحاج أحمد الصباحي، رئيس حزب الأمة، السياسة، احتجاجا علي عفاريت الـ«فيس بوك»، السياسة عيلت، العولمة ليست اختراعا، بل هي أم الاختراع، اخترعنا الكرة الصاروخية في شبابنا، ارتدت في وجوهنا، العالم سرقها، الفيسيون من أحفاد الحاج احمد عليهم واجب وأمانة استرداد الكرة الصاروخية، براءة الاختراع تحت الطربوش.
الفيسيون والإخوان يشتركان في عدم اعترافهما بلجنة الأحزاب، يفضلان الأحزاب الافتراضية، مستمتعان بوضع اليد، ما يسمي الواقعية السياسية المفتعلة، الفارق أن الفيسيين ليس مقرراً عليهم قراءة رسائل المرشد عاكف المكني بـ«أبورسالة» أسبوعياً.
Sunday, April 13, 2008
ثروات الفرصة
ما هو الفرق بين ثروة بيل جيتس، ثالث أغنياء العالم - علي سبيل المثال - وبين الثروات المتشابهة في مصر؟!
بيل جيتس، بدأ من الصفر، ولم يكمل تعليمه، وإن كان قد عاد إلي مقاعد الدراسة، فيما بعد، ليتخرج في هارفارد، أعلي جامعات العالم، من حيث مستوي التعليم فيها.. وكان جيتس، منذ بداية حياته، يريد أن تكون عنده ثروة، ولكنه كان مدركًا أن هذه الثروة لا يمكن أن تأتي عن طريق الصدفة، ولا عن اختطاف أي فرصة، قد تلوح من بعيد.. الثروة،
في تقديره، وكما تشير مسيرة حياته، لها طريق واحد صحيح، هو العمل، ثم الاختراع، والابتكار، وإضافة الجديد إلي اقتصاد البلد.. ثروته، التي تتجاوز الـ ٦٠ مليار دولار، جاءته بعد أن اختار مجال البرمجيات والكمبيوتر، وقرر أن يتفوق فيه، وأن تكون شركة مايكروسوفت، التي أسسها، ثم أدارها،
وجعل منها أكبر شركة من نوعها علي الأرض، هي التي تتراكم فيها فلوسه، يومًا بعد يوم، وخطوة بعد خطوة.. وقد كانت هذه الثروة الطائلة، ثم السمعة التي اكتسبها الرجل، وحققتها الشركة دوليا، هما الجائزة التي لابد أن تكون بمثابة المكافأة له، علي أسلوبه في الحياة، وعلي طريقته في التفكير، وفي تكوين الثروة.. تمامًا كما يصمم الدكتور أحمد زويل، علي أن يضيف،
ويطوِّر، ويجدد، في ميدان تخصصه، فتكون نوبل هي الجائزة.. وتمامًا أيضًا، كما اخترع «فورد» سيارته الشهيرة، واخترع غيره أشياء أخري، فكانت هناك «إضافات» للبلد، ثم للبشرية، في صورة اختراعات، وخدمات، تقابلها «ثروات».
عندنا، الموضوع مختلف.. فهذا قد حقق مليارًا، لأنه كان سمسارًا في صفقة شهيرة.. وذاك قد حقق ثروة طائلة، لأنه اقتنص قطعة شاسعة من أراضي الدولة!!
وثالث قد حقق ما يفوق المليار، في فرصة، أو شركة حكومية، عرف كيف يختطفها من غيره، وأن يصارع عليها، حتي يفوز بها، ورابع.. وخامس.. وسادس.. إلي آخر القائمة التي نعرفها، ونحفظ أسماء فيها، ونري كيف ولاتزال تتضخم الثروة، ليس من وراء عمل، وإنتاج حقيقي، وابتكار في اقتصاد البلد،
وإضافة إليه، من خلال تطوير دائم، وتجديد مستمر، وخلق لا ينقطع، كما فعل بيل جيتس وغيره، من أصحاب مثل هذه الثروات، علي امتداد الكون.. وإنما حصيلة سمسرة، واستغلال فرص التحول في الدولة، من اقتصاد إلي اقتصاد آخر..
ليس عيبًا، بالطبع، أن تكون لدي أي شخص ثروة، بأي حجم، مادام مصدرها مشروعًا، ولا شبهة فيه.. ولكن المشكلة أن الناس يراقبون ما يجري، ويعرفون أن تكوين هذه الثروات من لوازم فترات التحول، من اقتصاد يسيطر عليه القطاع العام والحكومة، إلي اقتصاد تكون القيادة فيه للقطاع الخاص..
وهو تحول، في ظن ملايين المواطنين، لابد أن تكون له ثمار في آخر المطاف.. ثمار علي الجانبين: جانب يخص بعض الذين يتعايشون مع فترة التحول، ويعرفون جيدًا، كيف يخرجون منها، بأوفر نصيب.. ثم جانب يخص الناس، في عمومهم، وفي قواعدهم العريضة، الذين ينتظرون في الآخر، أن يكون لكل ذلك عائد عليهم، في النهاية، متمثلاً في أن ينجح التحول، وأن يتم، وألا يتعثر!
وقد أصبحت المشكلة مشكلتين: مرة لأن الثروات، من هذا النوع، تتكون بأرقام يسمع عنها المواطن العادي وهو لا يكاد يصدق ما يسمعه، ومرة أخري، لأن التحول لا يتم!!
.. لماذا؟! لأنه يتطلب قرارات شجاعة، لا نملكها، وإذا فكرنا يومًا في أن نتخذها، اصطدمنا بكابوس مظاهرات ٧٧، وبقينا علي حالنا، ثم بقي التحول في اتجاه واحد، يتجسد في مدينين، ومغامرين، يتحولون إلي أصحاب ثروات بلا حدود، ثم أصحاب أدوار في الحياة السياسية لا سند لها إلا الثروة التي تحققت بهذه الطريقة!!
Friday, April 11, 2008
حديث المدينة!
* ما هي السياسة عند الأكثرية الساحقة من شعب مصر؟
ـ انها الحياة اليومية والرزق والغلاء ومصاريف الولاد.
* من الذي لا يعاني من غول الغلاء الكاسر؟
ـ حكومة رجال الأعمال.
* لو كنت طبيبا فما هو توصيفك لحال التعليم في مصر؟
ـ انه يعاني من أنيميا حادة تفقده المناعة ويعاني من هشاشة عظام.
* يوما ما كانت في البلد هوجة ولا هوجة عرابي عن قطارات مصر, فهل هي بخير الآن؟
ـ وزير النقل يعتمد علي نسيان الناس المشغولة في المصارعة مع الأسعار, وهل تعاقد الحضري مع النادي السويسري أم لا.
* ماذا ينقص أجهزة المرور ليلا لتكون هناك( عين حمرة) للمخالفين؟
ـ دوريات راكبة مثل بلاد الله المتقدمة, تأتي وتذهب وتطوف وتراقب وتعاقب.
* قل لي: ما أسباب حيرتك؟
ـ إنني أعلم أن في مصر حكومة شغالة والقلة كسالي, وأعلم أن في مصر رئيسا وصف حياة المواطن بأنها صعبة واتخذ إجراءات حاسمة وهناك تكثيف وتغليظ عقوبة للمتاجرين بقوت الناس, ومع ذلك لا يصل هذا لقلب الناس ولا يصدقون إلا أنها( بلد طوابير).
ببساطة
* الفائز الوحيد في انتخابات المحليات الأخيرة هم مهندسو الأحياء.
* عندما تختفي السياسة يظهر الأمن, والاعتماد عليه لمواجهة كل مشكلة هو شهادة رسمية بعجز بقية المؤسسات السياسية والاقتصادية.
* كل المراهم والمضادات الحيوية تعالج الأعراض, ولكن أسباب المرض تنتظر تدخل الطبيب.
* في ذاكرة التاريخ ستظل أحداث الأسبوع الماضي نقطة جوهرية تكشف تخبط الجميع في صفقات وتربيطات ومناورات مشبوهة لها ما بعدها.
* كنت أنوي التعرض لسلوك الحزب الوطني ولكن الضرب في الميت حرام.
Thursday, April 10, 2008
سيدي الرئيس
لا تصدق من يقول لك إن كل الذين خرجوا يوم ٦ أبريل «شوية» حرامية، وأن الشباب والفتيات المقبوض عليهم، مأجورون ومغرضون.. لا تصدقهم حين يقولون لك إنهم قلة ومندسة، وليسوا منا، وأنهم ما جاعوا وما غضبوا، وما أنّوا وما رفضوا، إلا لأنهم عصاة، مارقون.
سيدي الرئيس.. دعني أذكّر سيادتكم بنا، بهذا الشعب الذي تحمل الكثير.. لقد فرحت كثيرا بتوليك رئاسة الجمهورية منذ ٢٧ عاما.. فأنت من عائلة، تشبة عائلاتنا.. كافح والدك الشريف حتي يجعلك طيارا، وهذا الطيار شارك في نصرنا الكبير في أكتوبر، وأصبح رئيسنا منا، عاني مثلنا، أكل علي «الطبلية» مثلما أكلنا، ودبر حياته سنوات براتبه البسيط.. أحببناك لأنك تشبهنا ولن ترضي بظلمنا.. فما الذي حدث؟
تحملنا معك سنوات وسنوات، ننتظر الرخاء، حكومة خلف حكومة، والرخاء لا يأتي، «اشتدي يا أزمة كي تنفرجي»، لكن الأزمة اشتدت ولم تنفرج.. لم نغضب، وإن غضبنا لا ننفجر، كان رهاننا عليك كبيرا، لأننا لا نتخيل أنك ستترك أبناء طبقتك يضيعون، وأبناء شعبك يجوعون، ولكن ما حدث غير ذلك؟
من هم مثل والدك ووالدي ـ سيدي الرئيس ـ انهزموا، انكسروا، انبطحوا، هزمهم رغيف الخبز والفساد، عجزوا عن مواجهة أبنائهم فانتحروا، وانحرف الأبناء، فغضبوا من أوطانهم وغضبوا منك.
سيدي الرئيس.. لقد ابتعدت عنا، حملتنا مسؤولية كل ما يحدث، نحن سبب كل الأزمات، نأكل بإفراط، ننجب بلا تفكير، ننتقد بلا فهم، ولم تقل لنا، لماذا كل هذا الفساد في بر مصر.. لماذا يعيش الذين يحلبون هذا الوطن وينهبونه، يعيشون في رخاء، ويهربون في المساء؟ لماذا يموت الفقراء فقط حرقا في القطارات، أو غرقي في البحر، أو في طابور الخبز؟
سيدي الرئيس.. تأمل قليلا الإعلانات في الصحف والتليفزيون، ها هي منتجعات الصفوة، وقصور الساحل الشمالي والجنوبي، ما أحلي الحياة في «كومبوند».. الذين يبنون ويعلنون ويسكنون.. هم أنفسهم الذين يحكمون.. يحصلون علي الأراضي بلا ثمن ليبيعوها بالمليارات.. أما شعبك، فليستمر في العشوائيات، يعيش منفردا منبوذا، وإذا قدمت له الحكومة سكنا بعد أن تلقيه في الشوارع بالأعوام، شقة ٦٠ مترا بقرض من البنك، بالفوائد، ومن لم يدفع فليذهب إلي السجن، كله بالقانون، القانون الذي لا يري إلا الفقراء، ويغفل عمدا أو أمرا من سرقونا.
سيدي الرئيس.. إن من يحدثونك عنا ـ وأغلبهم أصدقاء أو من اختيار نجلك جمال ـ لا يعرفوننا، لم يجلسوا يوما مثلنا ومثلك علي «الطبلية».. يصافحوننا بالقفازات، يأكلون غير ما نأكل بالشوكة والسكين، ينامون علي ريش النعام، ويقضمون الوطن كل صباح، ثم يلعنوننا في المساء.
سيدي الرئيس.. أذكرك، في ١٨ و١٩ يناير، وصف الرئيس الراحل أنور السادات ما حدث بأنه انتفاضة حرامية، وفي عهدك قال القضاء إنها ثورة الجياع.. فدع الحقيقة تظهر في عهدك، ولا تستمع لكل من حولك، اسأل حسني مبارك، الطيار، المقاتل، الذي قبل يوما يد والده المكافح، هل هذا الشعب، الغاضب، الجائع، مجموعة لصوص مأجورين؟
سيدي الرئيس.. كثيرون ممن حولك، لا يريدون أن تري الحقيقة، وتعرف أنهم سر مأساة هذا الشعب، ولو طالوا لقبضوا علينا جميعا، وأودعونا في سجون مظلمة.. فاسمعنا قليلا: نحن نرفض الحرق والنهب، لكننا نريد أن نحيا ولا نهان، أن ينام أبناؤنا في أمان، ألا نخشي من سجن أو سجان.. لا نريد إلا عيشة كريمة، نأكل ونعمل وننام.. هل هذا كثير علينا؟!
سيدي الرئيس.. ترددت كثيرا قبل أن أكتب إليك، فمن حولك باطشون، لا يريدون أن يسمعوا إلا أصواتهم، ولكنها كلمة الحق، إن لم تخرج الآن الآن، فقل علي ضمائرنا السلام.. عد إلي شعبك، اسمعه، اربت علي كتفه.. فنحن نشعر باليتم والخوف!!
٦ أبريل والتنطع السياسي!
مضي يوم الأحد ٦ أبريل، وهناك من يؤكد أن الدعوة إلي الإضراب نجحت تمامًا، وهناك من يؤكد أنها لم تحقق أي نجاح ولم تجد أي استجابة، لكن «الأحد» كان كاشفًا لجميع الأطراف والفرقاء، ولذا بات ملحًا المصارحة وأن نكاشف أنفسنا، قبل أي شيء.. لأننا نعيش أزمة خانقة وإن استمر الحال علي هذا النحو،
فإن الأزمة سوف تتحول إلي كارثة حقيقية.. والحادث أمامنا أن مصر تحكمها معادلة سياسية منذ مارس ١٩٥٤، وارتضاها معظم الأطراف في مصر، بمقتضاها اقتنصت الدولة لنفسها الجزء الأكبر من حريات المواطنين، وانتهكت الكثير من حقوقهم السياسية، مقابل أن توفر لهم الحدود الآمنة للمعيشة من مأكل ومسكن وعمل،
ولم يكن المواطن معنيا بالدين العام والتضخم وغيرهما، كانت الدولة تتحمل كل ذلك، والمواطن أقر لها بذلك وصمت عن حقوقه وحرياته العامة والخاصة، وجرت ما أطلقنا عليه من قبل عملية المقايضة، بين المواطن والدولة، ارتضي المواطن ذلك وسعدت الدولة برضاه.
وهكذا نجد أن الدولة المصرية في السبعينيات التي نادي رئيسها بالانفتاح الاقتصادي، هي التي أنشأت وقتها محال لبيع ساندوتشات الفول والطعمية، لتوفرها للمواطن بسعر رخيص، وفي السنوات الأخيرة اتجهت الدولة إلي الخصخصة، لكن الرئيس مبارك أعلن في معظم خطاباته أن الدولة ملزمة بحماية محدودي الدخل ولابد من مراعاة البعد الاجتماعي،
وكان رؤساء الوزراء منذ عاطف صدقي وحتي عاطف عبيد يعلنون في جلساتهم الخاصة وبعض أحاديثهم العامة، أنهم يقومون بإجراءات الخصخصة مضطرين تحت ضغط البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية.. ولكن مع الحكومة الحالية، قرر طرف أن يهدم ويتملص من التزامه في المعادلة القائمة منذ سنة ١٩٥٤، فوجدنا رئيس الوزراء د. أحمد نظيف والمجموعة المحيطة به، يتصرفون بمنطق أن الشعب المصري «يتنطع» علي الحكومة والدولة، وأن الدولة لم تعد تحتمل هذا «التنطع».
وقالها د. نظيف مرة موبخًا المواطنين «الحكومة بابا وماما..»، والواقع أنها طبقًا للمعادلة القائمة ليست «بابا وماما» فقط، لكنها كذلك «تيتة وطانط»!!
الشعب المصري لم يتنطع علي الحكومة، لكن الحكومة سلبته جميع المبادرات والحريات، وعليه فإن الحكومة تحاول التملص من التزامها، وإذا كان الأمر كذلك فيجب للمعادلة القائمة أن تهدم من أساسها وتبني معادلة جديدة، ولا يهدم - فقط - ركن واحد منها، وأخشي القول بأن الحكومة هي التي تحاول أن تتنطع علي الشعب، بأن تتملص من الدعم وتحتفظ بالتسلط المصاحب له، ولكن الحكومة يجب أن تكون منتخبة، فحين كان يتولي الحكومة سعد زغلول أو النحاس أو النقراشي وغيرهم فإن هؤلاء لم يكونوا بيروقراطيين تمت ترقيتهم من وظيفة إلي أخري، كانوا زعماء ومناضلين وكانوا ذوي حيثية في الشارع ولدي الرأي العام،
ولم يهبط أحدهم من مجاهل الدواوين الحكومية أو الأجهزة السرية أو غياهب الجامعات، فإما أن تهدم المعادلة بالكامل أو تبقي بالكامل، المشكلة الأخري أن الحكومة شرعت في التملص وهي لا تملك وحدها ذلك، لذا وجدنا خطاب الرئيس مبارك في العوينات يوم الخميس الماضي، يلتقي مع خطاب المعارضة والمستقلين في انتقاد أو مؤاخذة الحكومة، لأن القرار في صياغة المعادلة لرأس النظام وليس لرئيس الحكومة ولا للحكومة كلها.
الحكومة أصيبت بالقلق الشديد من الدعوة إلي الإضراب والأحزاب كذلك، معظمها علي الأقل، والجماعة التي تزعم لنفسها السيطرة علي الشارع، لكن المواطن العادي أصابه القلق، أعرف كثيرين جلسوا في البيت ليس إضرابًا ولكن تحسبًا من وقوع عنف ومواجهات بين الأمن والمتظاهرين، ومن حسن الحظ أن ذلك لم يحدث، فمشاهد حريق القاهرة في يناير ١٩٥٢ وأعمال الحرق والنهب في ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ لم تغب عن بال الكثيرين، لكن ما حدث يوم ٦ أبريل، وإن مضي بأقل قدر من الخسائر، يجب أن يدعونا إلي حوار جاد، وإعادة صياغة المعادلة القائمة منذ مارس ١٩٥٤، إما بالتأكيد مجددًا عليها وتجديدها وإما نقضها بالكامل وصياغة معادلة سياسية واجتماعية جديدة،
فالواضح أن المجتمع لم يعد قابلاً بالالتزام القديم والحكومة لم تعد تحتمل الوفاء بالتزامها، لقد ظل المجتمع مخلصًا في التزامه وتعهده غير المكتوب طوال هذه العقود، وليست مصادفة أن كل التحركات الجماهيرية خلال هذه العقود كانت متعلقة بمطالب حياتية وليست بمطلب سياسي أو ديمقراطي مباشر.. بل الغذاء والطعام والأسعار، ويمكن ان نستثني الفترة بعد ١٩٦٧، حيث كانت التحركات متعلقة بمطلب الكبرياء الوطني في الحرب، وليس مصادفة كذلك أننا لم نجد احتجاجًا شعبيا حقيقيا علي فرض قانون الطوارئ منذ ٢٧ عامًا، حتي الآن.. أي أن جيلاً بأكمله ولد ونضج في ظل الطوارئ!.
ما أخشاه ألا يحدث حوار ولا تتم مكاشفة، فتترك الأمور إلي عوامل الدفع الذاتي، وحتي هذه الحالة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالنتائج ولا أن يتفاءل بالمستقبل، فقد لا يكون المستقبل أفضل من الحاضر.
مصر بين الإضراب الافتراضي والحقيقي
جاءت المواجهات الدامية التي شهدتها مؤخرا مدينة المحلة لتكشف عن فارق كبير بين نمطين من الاحتجاجات انتشرا في ربوع مصر في الفترة الأخيرة، أحدهما افتراضي قادته مواقع علي الإنترنت وبعض النشطاء السياسيين في العاصمة وحدث علي المواقع الإلكترونية وعبر رسائل الهواتف المحمولة، والفضائيات، والثاني حقيقي يجري عمليا علي الأرض وشارك فيه آلاف العمال والمهمشين والمحرومين وسقط فيه قتيل وعشرات الجرحي، وهو امتداد أكثر عنفا لسلسلة الاحتجاجات الاجتماعية التي كتبنا عنها مرارا، واعتبرناها المتغير الأهم لكونها خارج الأطر السياسية والحزبية الموجودة، بصورة قد تغير من المشهد السياسي في أوساط الحكم أو المعارضة.
وأحدثت الدعوة «الافتراضية» لإضراب ٦ إبريل تأثيرًا نفسيا كبيرًا، دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان شديد الحدة وقليل الحكمة، فيه من لغة التهديد والوعيد ما أقلق عموم المواطنين ودفعهم للبقاء في منازلهم خوفا من حالة افتراضية لم تحدث في الواقع، وبدت شوارع القاهرة شبه خالية نتيجة الخوف من إضراب لم يحدث.
والحقيقة أن هذا التفاوت بين الافتراضي والحقيقي جاء بعد أن تعثرت حركات الاحتجاج السياسية، وفشلت في التواصل مع الجماهير، رغم أنها فتحت لها بابًا تاريخيا في القدرة علي الاحتجاج وكسرت نسبيا، ثقافة الخوف من التظاهر والنزول إلي الشارع لقول كلمة حق في وجه حكم جائر.
وبدت أمراض السياسة لا تختلف كثيرا في أوساط المعارضة عن الحكومة، وإن ظل الفارق الأساسي أن الأخيرة هي التي تحكم وفي يدها كل مؤسسات الدولة، وبالتالي هي مسؤولة، بالمناخ الذي سيدته، عن انهيار قوي المعارضة، وفشلت، ليس فقط في أن تكون ديمقراطية، إنما في أن تلبي الحد الأدني من حاجيات الناس.
والحقيقة أن الحكومة تعاملت مع إضراب العمال بسياسة العصا والجزرة، فقمعت، بقسوة، المتظاهرين، وبسطت يدها، وأعطتهم مكافأة شهرا في سخاء لم يعتادوا عليه، وإن كان لا يخلو من دلالة، فالحكم ناضل «بكفاءة» يحسد عليها من أجل وضع «بتوع» السياسة في ناحية، وأصحاب المطالب الفئوية في ناحية أخري، ولا يسمح للطرف الأول إلا بالقيام بالإضرابات الافتراضية، ويسمح للطرف الثاني بأن يطالب فقط بمطالب فئوية تتعلق بتحسين الرواتب وظروف العمل دون أي حديث في السياسة.
وقام الحكم تطبيقا لهذا الفهم، بصرف مكافأة مالية فورية للعمال، حتي تصل الرسالة واضحة، بأن الحكومة هي التي في يدها المال وهي القادرة علي أن تلبي مطالب العمال، لا المتظاهرين وأصحاب الشعارات السياسية.
والمؤكد أن الحكومة حققت قدرًا كبيرًا من النجاح في فصل السياسة عن المطالب الاجتماعية، وابتكرت أساليب متعددة حتي قضت علي الأحزاب، وهمشت من دور الحركات السياسية الجديدة، وقضت علي استقلال النقابات ،وحولت معظمها إلي كيانات مسخ للحكومة والإدارة، دون أي تأثير حقيقي، ساعدها في ذلك تلك اللغة الخشبية التي لايزال يستخدمها كثير من السياسيين، وغياب ثقافة ديمقراطية عن أحزاب المعارضة، إلا أن مسؤولية الحكم عن قتل السياسة تظل أساسية.
ومن هنا فإن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع نتائج الإضراب الحقيقي تؤكد المنحي السابق نفسه، وهو أن هناك مطالب اجتماعية مشروعة، يمكن حلها بالتلفيق تارة والترضية تارة أخري، وتكون عادة «حكمة الرئيس» هي المفتاح السحري لأي حل، وليس التظاهر أو المطالبة بالإصلاح السياسي.
والمؤكد أن هذه الطريقة التي طبقت حرفيا ــ وبسخاء ــ عقب إضرابات المحلة، هي امتداد للسياق نفسه الذي تعيشه مصر منذ ٢٥ سنة، وأوصلها إلي ما هي علية، ويعني، ببساطة، أن عدم حل أي مشكلة حلا جذريا أو حقيقيا إنما جعلها تمشي لبعض الوقت حتي تقع، ثم تقوم وتمشي علي عكاز وتقع مرة أخري، وتعود وتوضع علي نقالة في انتظار مصيرها المجهول.
وهذا في الحقيقة ما نشاهده الآن، فالاحتجاجات الاجتماعية المتزايدة والتي تقع خارج كل الأحزاب والكيانات السياسية، لا يمكن حلها علي طريقة «العلاوة ياريس»، فليس في طاقة الحكومة فعل ذلك طول الوقت، لأن المشكلة في طريقة الحكم، وليس في عدم وصول المعلومات الصحيحة إلي الرئيس، أو في عدم تطبيق الوزراء توجيهاته أو عدم تنفيذ برنامجه الانتخابي، إنما المشكلة في استمرار طريقة وفهم واحد للحكم تعامل مع المشكلات بطريقة المسكنات لمدة ٢٧ عاما.
ومن المؤكد أن مصر لم تعرف عهدا امتلك مهارة تسكين الأزمات وترحيل المشكلات، مثلما جري في العصر الحالي، فعلي مدار أكثر من ربع قرن امتلك الحكم مهارات نادرة في تمييع كل شيء وفي عدم حسم أي أمر، ورحل ببراعة نادرة مشكلات متراكمة، حتي تفاقمت وصارت مستعصية علي الحل.
وعلينا أن نقر ببراعته في تسكين أحوال البلاد والعباد، بصورة جعلته يستمر كل هذه الفترة رغم محدودية فكر وسوء إداراته، ونجح عبر هذه المسكنات أن يصمد أكثر من ربع قرن، ولكن علي ما يبدو أنه لن يستطيع الفكاك من خطر النهاية، حين بدأت الاحتجاجات الاجتماعية تأخذ منحي خطرا معلنا مرحلة «الانهيارات الأخيرة»، واتضح معها أنه لا توجد أي قدرة للحكم الحالي علي مواجهة أسباب المرض، إلا بالمسكنات حتي أصبحت تقيحات أصابت الجسد برمته.
إن سياسة إدارة الدولة المصرية بطريقة المسكنات جعلت هناك إحساسا عاما وغير مسبوق بأن النظام ليس له صاحب، وأن معظم من يؤيدون الحكم في العلن وينتقدونه في السر، لأنه بلا ملامح سياسية واضحة ولا يتحرك إلا في اللحظة الأخيرة حين تتحول المشكلة إلي مصيبة، أما ما دون ذلك فهو يستعمل قفاز التسكين الناعم في مظهره الخارجي، فتتعقد المشكلة وتتفاقم، حتي تصبح معضلة وأزمة مستعصية علي الحل.
واهم من يتصور أن إضراب المحلة لن يتكرر في مواقع أخري وبصورة أكثر عنفا وخطرا، وواهم أيضا من يتصور أن القوي الاحتجاجية الجديدة لها أي علاقة بأحداث المحلة، إنما الخطر الحقيقي الذي بات يهدد مصر أن هناك «قوي افتراضية» في الحكم والمعارضة يبدو وكأنها تحكم وأخري تبدو وكأنها تعارض وكلاهما يعيش في واقع افتراضي ليس له أدني علاقة بالواقع المعاش، ونمت عنهما أنماط من الفوضي والعشوائية والاحتجاجات الاجتماعية من المستحيل إيقافها بالحكم الحالي، وسيدفع الجميع ثمنًا باهظًا لتغيب السياسة، وإيقاف عملية الإصلاح والتطور الديمقراطي.
من المؤكد أن الواقع الحقيقي أصبح ينبئ بانفجارات كبري وعشوائية، لا يجب البحث عن أسبابها عند السياسيين ولا صحف المعارضة، لأنها ستكون احتجاجات خام لم تمر عبر مصفاة حزب أو نقابة، تهذب من سلوكها ومطالبها وتضعها في قالب تفاوضي مع السلطة كما يجري في الدول الديمقراطية، إنما ستكون شديدة العنف والقسوة ولن يستطيع أحد إيقافها.
علي الحكومة أن تجهز من الآن شهرًا من خزينة الدولة لتصرفه للمضربين كل مرة، وإلا ستكون العواقب وخيمة، والمؤكد أنه لا الإضرابات ستتوقف، ولا الحكومة ستكون قادرة كل مرة علي الدفع وسداد فاتورة البقاء الطويل في الحكم.
Wednesday, April 9, 2008
.. وماذا بعد؟
هل كان عادل أمام محرضا علي العصيان عندما أطلق نداءه «الكباب الكباب لنخلي عيشتكوا هباب؟».. علي العموم فإن الشعار لم يقدر علي الاستمرار، وأبطاله لم يعودوا مجرد مجموعة موظفين جمعتهم الظروف في مبني مجمع التحرير، ففي ظرف ١٥ عاما تغير الشعار وهبط سقفه إلي أدني حد ممكن، وحل محله شعارا موازيا «ادونا العيش.. ادونا رغيف» وردده قطاع أكبر من مرددي الشعار الأول.. قطاع تجاوز عدده تعداد المصريين أنفسهم.
شعور جد مؤلم أن تجد أناسا يتصارعون علي رغيف خبز سبق لك أن رميته أو تطاولت عليه وأهنته واعتبرته طعاما للبهائم، وقارنته بما تأكله من توست وكيزر وعيش فينو، والأكثر إيلاما أن تجد مسؤولا يندهش من الناس التي تتكالب علي العيش «أبوشلن»، ويتساءل: لو مش لقيينه ما يشتروا أبو ربع جنيه؟
الألم زاد عندما خلعت زميلة صحفية حذاءها أبوكعب عال، وجلست حافية في صالة التحرير من فرط الألم الذي عانته في طابور العيش، حيث تقضي ساعة يوميا في الطابور لتفي باحتياجات أبنائها الأربعة من الخبز والذي يمثل لها نصف غذائهم، ورغم أن صاحب المخبز يعرف أنها صحفية، فإنه لا يحاول تفضيلها علي الآخرين وعندما سألتها عن السبب ردت: «يا ماما كلنا أمام الطابور سواسية.. والكل جاي وفي عرض رغيف».
في هذه السنوات القليلة انحدرت مطالب المصريين وتضاءلت من الكباب الذي كان سعره وقتها ٤٠ جنيها ووصل الآن لأكثر من ١٥٠ جنيها، إلي مجرد العيش الحاف الذي كان وقتها طعاما للبهائم والدواجن المنزلية، ووصل سعر بعض أنواعه إلي ٧٥ قرشا، وأصبح بقدرة قادر مطلبا شعبيا، ويتطلب توفيره قرارا سياديا من رئيس الجمهورية لا يقل بحال عن قرار خوض الحرب لتحرير فلسطين.
الغريب في المطلبين علي اختلافهما والفارق بينهما أن كليهما لم يتحقق وبقي في إطار المستحيل، فلم تنعم فئات كثيرة من المصريين حتي الآن بتناول الكباب المزعوم، وعندما اقتربت فئات أخري من تناول الكفتة وأخواتها اكتشفت أنها كفتة «علي قد فلوسهم»، منزوعة من لحوم كلاب وقطط وحمير طالما صالت وجالت في مناطقهم الشعبية، وبعد أن كان الخبز في كل بيت لا يؤكل إلا صابح «من الفرن للمعدة»، أصبح يبيت في الثلاجة أكثر من عشرة أيام، إذا نجحت ربة المنزل في الحصول عليه أساسا.
وهكذا لم يعد بوسع أحد إرسال طفله الصغير إلي الفرن لشراء بنصف جنيه عيش، لأنه لا يضمن عودته سالما، فقد يقضي نحبه في الطابور، أو تدهسه أقدام المتصارعين في سبيل لقمة عيش ممزوجة بحصي ومسامير وبقايا صراصير وكائنات حية، واقتصرت مهمة الذهاب إلي المخبز علي القادرين ومن استطاع إليه سبيلا، والسبيل هنا ليس مجرد القروش التي سيخوض بها معركة البحث عن رغيف، بل هناك سبل أخري، مثل أن يتمتع الواقف في الطابور ببنية عضلية وجسمانية تساعده في التصدي لأي اعتداء «طابوري» أو محاولة للسطو علي مكانه المقدس فيه.
يالله.. كيف تدنت مطالبنا من البحث عن الكباب إلي البحث عن المياه والخبز.. غريب هذا الشعب يعيش حياته يطارد أحلامه ولا ينالها، وكلما يحاول خفض سقفها تزيد ابتعاداً.. فهل بعد رغيف «العيش» من تنازل؟!
Tuesday, April 8, 2008
بلال فضل - قلمين
(2) دراسة مستقبلية إسرائيلية كشفت أن إسرائيل ستنهار من الداخل خلال 20 عاما. حلو قوي.. هنكون بقى لنا عشر سنين قد انهرنا.
(3) مات جمال عبد الناصر وهو يدعو شعب مصر لأن يلبس مما يصنع، ويعيش حفيده جمال أشرف مروان من خير قناة ميلودي التي تدعو شعب مصر لأن يقلع ما يلبس! (ملاحظة: جمال أشرف مروان هو ابن الدكتورة منى جمال عبد الناصر، وصاحب قنوات ميلودي).
(4) حتى منتصف الثمانينات كان المثقف المصري يحلم بتغيير العالم.. الآن يحلم المثقف المصري بتغيير عربيته!
(5) رئيس تحرير صحيفة قومية كتب أن الرئيس بوش الأب بعد أن ترك الرئاسة قال إن صداقته بالرئيس مبارك هي الشيء الوحيد الذي سيأخذه معه إلى القبر. أنا شخصيا أصدق ما كتبه الكاتب إياه، وسر تصديقي يرجع إلى يقيني بأنه حتى في أمريكا هناك من يؤمن بعذاب القبر!
(6) س : يحرص أي وزير داخلية عربي على شرب الشاي بعد كل وجبة.. ليه؟ ج : عشان.. بيحب «يحبس»!
(7) في عهد شيخ الأزهر الدكتور العلامة محمد سيد طنطاوي أصبح «نفق» الأزهر أهم من الأزهر نفسه! (نفق الأزهر: معبر سيارات شهير تحت الأرض لتلافي الزحمة المرورية قرب الأزهر).
( يحسب للرئيس مبارك أنه حكم مصر وهي تتحدث عن نفسها.. وبعد ربع قرن من الحكم جعلها تتحدث مع نفسها!
(9) يقال أن جرادة شوهدت تضرب زميلتها بالشبشب، وعندما تدخل ولاد الجراد لفض الخناقة قالت لهم الجرادة الضاربة: «تصوروا الحشرة دي ما حرمتش، عايزانا نرجع مصر تاني»!
(10) أصبح سيل الفتاوي الذي ينهال على برامج الفضائيات أمراً يدعو للسخرية المريرة. لا أستبعد أن نسمع قريبا أحداً يسأل: ما حكم الانفراد بحارس المرمى؟ وهل يعتبر خلوة شرعية؟ وما هو حكم حمل حامل الراية؟
(11) كدت أنفجر من الضحك عندما قرأت أن محادثات الرئيس مبارك مع الرئيس الروسي بوتين شملت التعاون في مجال الفضاء. فكل علاقتنا بالفضاء إننا بلد دماغها فاضية!
(12) سألني: إنت ليه مش فارق معاك تعيين نايب للريس؟ قلت له: عشان كفاية النايبة اللي إحنا فيها!
(13) ليست المشكلة أبداً أن نطالب بالإفراج عن المعتقلين داخل السجون، المشكلة الحقيقية أننا لا نطالب بالإفراج عن المعتقلين خارج السجون!
(14) أتعجب من بعض أصدقائي الذين يكتبون مطالبين بعض المسئولين بتقديم إقرارات ذمة مالية. واحد ما عندوش ذمة يقدم لها إقرار إزاي؟
(15) في مصر جميع الحقوق محفوظة.. في ثلاجة القيادة السياسية!
(16) س : لماذا قامت الحكومة بإزالة اللافتة التي كتب عليها: «حتى الجنين في بطن أمه يقول نعم لمبارك؟» ج : عشان الجنين طلع طفل خطيئة!
(17) بعد أن صرح الرئيس مبارك لأكثر من مرة أن محدودي الدخل في عقله وقلبه، لا أدري لماذا يريد محدودو الدخل أن يأكلوا؟ عايزين ينهبوا؟! أنا عن نفسي لو بقيت في عقل وقلب مبارك استحالة أفكر في الأكل!
(1 قال لي قارئ بحرارة: بجد نفسي أقابل الرئيس مبارك. قلت له: أكيد نفسك تبايعه؟ قال لي: الحقيقة نفسي أديله الـ 500 جنية اللي باقبضهم وأقول له: سعادتك وريني إزاي حتكمل بيهم لحد آخر الشهر؟
(19) كلما لمست حرص الرئيس مبارك على البقاء في الحكم أفهم لماذا يحرموننا هذه الأيام من الاستماع إلى عبد الحليم حافظ وهو يغني: «إن كنت حبيبي ساعدني كي أرحل عنك.. إن كنت طبيبي ساعدني كي أشفى منك.. إني أغرق أغرق أغرق»!
(20) بدأ مشروع التنوير في مصر بدعوة قاسم أمين لتحرير المرأة، وانتهى بربط الزبالة بفاتورة الكهرباء.
(21) قال لي صديقي: أكيد الحكام العرب قلقانين قوي بعد الانقلاب اللي حصل في موريتانيا، تفتكر لو حد فيهم جاله واجب عزاء هيعمل إيه؟ قلت له: بسيطة، هياخد الجيش معاه.
(22) الأمريكان قالبين دماغنا لأن لديهم سيدة ميتة دماغياً قامت بإنجاب طفلة. مثل هذا الحدث العلمي لا يأكل معنا ببصلة، ففي مصر يمكن أن تكون ميت دماغيا وتفعل أشياء كثيرة من بينها أن تحكم شعبا!
(23) قال لي صديقي: هل يمكن أن نعتبر أن حضور القذافي مراسم اليمين القانونية هو إرهاصة إلى أن الرئيس مبارك سيمكث في الحكم 35 سنة كما فعل القذافي؟ قلت له: اعتبر ده وعد. قال لي: لكن القذافي من أجل أن يفعل ذلك كتب «الكتاب الأخضر»، والرئيس مبارك لم يكتب كتابا مماثلا؟ قلت له: لأن اللي اتعمل فينا ما يتكتبش!
(24) أقوى فضيحة للنظام الحاكم جاءت على يد الأزهر الذي أعلن تخفيض زكاة الفطر من خمسة جنيهات إلى ثلاثة جنيهات في اعتراف صريح أن الخمسة جنيهات أصبحت فوق قدرة المواطن المصري العادي. كل سنة وأنت مبارك يا شعبي!
(25) لا أدري لماذا يتحامل العديد من الكتاب والصحفيين قلالات الذوق على سيادة الرئيس فيسألون هل سيقدر على تنفيذ وعوده في عام 2006. ألا يكفي أن سيادته وعد؟! كمان عايزينه ينفذ؟! لا ده كتير، كان يمكن أن لا يعد أصلا، يا ريت لكي نطاع نأمر بما يستطاع!
(26) صحيفة الأخبار بشرت المصريين على صدر صفحتها الأولى بأن عشرين بريطانيا فضلوا العلاج في المستشفيات المصرية على مستشفيات بلادهم. هل قرأ أحدكم شيئاً عن هروب جماعي من مستشفى الأمراض العقلية في برمنجهام؟!
(27) أعلنت أجهزة الدولة عن تسليم وثائق انتخابات الرئاسة إلى دار الكتب. كان الأولى تسليمها إلى المركز القومي للمسرح!
(2 من مساخر مصر أن عدد الذين صوتوا للمتسابق المصري في برنامج ستار أكاديمي أكثر من الذين صوتوا لرئيس الجمهورية!
(29) بعد الحكم على بأحقية البهائيين في إثبات ديانتهم في خانة الدين في البطاقة الشخصية، تخشى الحكومة أن يطالب الذين كفرتهم سياستها بإثبات حالتهم في البطاقة!
(30) قرأت حوارا متميزا في جريدة الوفد مع الكاتب العربي الكبير أدونيس قال فيه: «إذا رأيت عالماً يلوذ بباب سلطان فاعلم أنه لص». أخالف أدونيس في صلاحية هذه العبارة للحكم على علماء السلطان في زماننا وبلادنا فهم لا يلوذون بباب السلطان بل يقعدون على حجره!
(31) عمنا أحمد فؤاد نجم قال في حواره مع الدستور إنه شاف ناس تحب عبد الناصر والسادات، لكن عمره ما شاف حد بيحب مبارك. رؤساء تحرير الصحف القومية أرسلوا برقيات إلى رئاسة الجمهورية يحلفون فيها إن عمرهم ما شافوا عم أحمد في حياتهم!
(32) قبل أسبوعين طرحت الدستور سؤالا سياسيا بالبنط العريض: «متى يقول الرئيس مبارك للشعب المصري أنا آسف؟». بعد تفكير دام أسبوعين في الإجابة، أعتقد أن الرئيس مبارك سيقول للشعب «أنا آسف» عندما يقول له الشعب: « ممكن تسيب الحكم يا ريس؟».
(33) عندما قرأت خبراً عن دراسة طبية تكشف أن الجمبري والإستاكوزا يسببان العقم فهمت لماذا ينجب ملايين المصريين كثيراً!
(34) هيفاء وهبي أحيت حفلا خيريا في القاهرة مخصصا لمرضى الصدر. اختيار موفق!
(35) نشرت الصحف حادثة مفزعة عن قيام سيدتين في الفيوم ببيع طفل رضيع بخمسة وثلاثين جنيها فقط لا غير، وأخذت تتعجب كيف ينخفض سعر الإنسان في مصر إلى هذه الحد! في اعتقادي أن سر انخفاض مثل هذا الرضيع هو أنه وهو في بطن أمه لم يقل نعم لمبارك، وإلا كان ده فرق في سعره كتير!
كلمات راقصة
* أين وكالة غوث المصريين؟
* ظاهرة النوم في البرلمان تتطلب أن يكون وكيلا المجلس أحدهما «عمال» والثاني «مسحراتي».
* احذروا... فالبعض يندس في طوابير الخبز لحجز تذاكر الطيران.
* ثلث الشعب المصري يستحق الصدقة، والثلث يستحق الزكاة والثلث الأخير يستحق السجن.
* وضع كاميرات «مراقبة» علي «قناة» السويس جاء تطبيقاً لميثاق الشرف الإعلامي.
* اليوم انتخابات المحليات... امنح صوتك لمرشح الحزب الوطني وأطلب منه أن يقتسمه مع مهندس الحي.
مصري فقير.. مصري غني؟!
يحيرني الواقع المصري لدرجة عدم الفهم. يتوقف العقل. أعجز عن ربط المسببات بالنتائج. وحال مصر تعدي قدرة كتاب الحكايات وصناع الدراما. أنظر لحال مصر فأصل إلي ما بعد الأسي.
أكتشف ان أربعة من رجال الأعمال يحتكرون مواد البناء في مصر. وأن أسعار الحديد والأسمنت ترتفع باستمرار. ثم نتكلم عن أزمة إسكان. ثم هل يمكن في مصر وأكثر من نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر.
أن نكتشف أن عشرة أفراد يمتلكون 300 مليار دولار. وان رجل أعمال واحد ربحه السنوي 7 مليارات جنيه، وديون البنوك عليه 7 مليارات جنيه، ثمة فارق بين قيمة الدين، والرغبة في السداد. وهي غير القدرة عليه.
شاب صغير في الثانية والثلاثين من عمره، إبن مسؤول سابق، تزوج مؤخراً، إبنة رجل أعمال شهير، فاتورة حفل الزفاف 12 مليون جنيه، تحملها الشاب كاملة. فكيف يجري هذا في بلد طوابير الخبز؟ وهل هناك استفزاز أكثر؟ هذا بعض ما يمكن معرفته من أخبار الناس اللي فوق . نختمها بابن الوزير. الذي كنا نقول عنه فقيراً كان الوزير من قيادات حزب التجمع. وكان مشهوراً فقره المالي ثم أصبح وزيراً.
ونحن نشيد بيده النظيفة. ولكن الوزير الذي منحناه لقب المديونير من باب التعظيم. إذ بابنه يتورط في قضية توظيف أموال، صحيح أنه ليس متهما، ولكن ابن الوزير كان السبب في إقدام الناس علي وضع أموالهم لدي النصاب، في مصر مثل جديد يقول: النصاب بخير ما دام الطماع موجود . لا تقل توظيف أموال ولكن قل طمع إنساني . أن بعض الناس لا يقنعون بعائد البنوك المتدني. فيلجأون لتوظيف الأموال التي ابتلينا بها في السبعينيات.
عندما قال الريان أنه قادر أن يعطي عائد 50% من أصل المبلغ سنوياً ويومها قلت أن من يكسب 50% لابد وأن يمارس نشاطاً ممنوعاً: تجارة السلاح، أو المخدرات. أو الدعارة. إن ضحايا الريان مازالوا ماثلين في الأذهان.
وكنت اتصور أن المجتمع المصري حدثت له مناعة ضد توظيف الأموال. ولكن الظاهرة عادت مؤخراً. كلاهما مدان. من يدفع الأموال بتأثير الطمع الإنساني. ومن يأخذها تحت وهم قدرته علي استثمارها أفضل من الآخرين.
لا نشعر بالشفقة علي أصحاب الأموال. فبعد هروب نصاب مدينة نصر صديق ابن الوزير الغلبان لأمريكا. قام مواطن مصري. كان قد أودع 5 ملايين جنيه لتوظيفها. لا تتعجب من كون إنسان لديه 5 ملايين جنيه يبحث عن وسيلة لاستثمارها. لأنه لو أنفق منها مباشرة لقضي عمره. وأعمار أبنائه. وأحفاده. والمبلغ يكفي.
ولكنه الطمع. صاحب هذا المبلغ سافر أمريكا. وراء النصاب الهارب لمقابلة وزيرة الخارجية حتي لا تعطي الشاب الهارب حق اللجوء الديني لأنه مضطهد في مصر. مع العلم أن الشاب اسمه: إسلام. وصاحب ال 5 ملايين جنيه ينزل في فندق بالقرب من المنزل الذي يسكن فيه الهارب من مصر.
في مواجهة حكايات الناس اللي فوق. تعالي ننظر في حكايات الناس اللي تحت لنعرف إلي أي مدي وصلت الأحوال في بر مصر.
في الأقصر خطف مواطن مصري كيلو لحم من الجزار وجري به. وجرت الناس وراءه وهي تردد العبارة المحفوظة: إمسك حرامي. لكنهم ذهلوا عندما جري لمركز البوليس. دخل وسلم كيلو اللحم للضابط النوبتجي. طلب كرجاء أخير له أن يوصل الكيلو لزوجته وأولاده. ثم يلقي القبض عليه بتهمة خطفه. المهم أن يصل اللحم إلي أسرته الجائعة. فهل رأت مصر مثل هذه الأمور في المجاعات التي سبق أن مرت بها من قبل؟.
العيش مشكلة المشاكل. رئيس الوزراء أعلن عن مدي زمني لحل المشكلة. ولكن وزير الحكم المحلي أعلن عن تاريخ مختلف. فاحتار الناس ايهما يصدقون؟ لكن رئيس الوزراء عندما كان في زيارة خاصة في الأقصر. وارتدي الملابس الكاجوال وقاد السيارة بنفسه. بجواره الدكتور سمير فرج رئيس المدينة. وبدا علي رئيس الوزراء أنه فوجئ بوجود مواطن يمشي وبيده أرغفة من العيش الطباقي الفاخر الأبيض. أوقف رئيس الوزراء سيارته.
الذي كان من المفروض أنه في جولة مفاجئة. ولكن اتضح وجود مصورين من التليفزيون الرسمي طبعاً ومن الصحف القومية طبعاً واضح أن الصورة مصنوعة. لأن مواكب المسؤولين - حتي لو كان المسؤول وزيراً - يمنع أي مواطن من الاقتراب منها. وإن اقترب يدفع ثمن الاقتراب من حياته ومستقبله وأمنه واستقراره.
لكن أزمة الخبز وصلت لزراعة القمح. فبعد اتضاح وجود غرباء يشترون سنابل القمح التي لم تنضج بعد من الريف. لصناعة الأدوية ومواد التجميل. لكن الهدف تجويع مصر في الموسم القادم. لكن تعال نري الحلول المطروحة.
وزير الزراعة قال أن الحل تأجير 2 مليون فدان في السودان. لزراعتها قمحاً. ومسؤول آخر اقترح تأجير نصف مليون فدان في كندا لزراعتها قمحاً. "علي فكرة" كندا لا تعرف وحدة الفدان في قياس الأراضي لزراعتها. وأصحاب حلول اليائسين لم يحسبوا سعر نقل القمح سواء من السودان. أو من كندا.
وهم لا يعرفون أن الأراضي المصرية صالحة للاكتفاء الذاتي من القمح. وأن الوزير الذي أعلن عن خطة طموح لاكتفاء مصر الذاتي من القمح. وهو المهندس أحمد الليثي. وأنا أعرفه منذ أن كان محافظاً للبحيرة. هذا الوزير دفع ثمن كلامه. وأبعد عن منصبه دون مبررات واضحة حتي الآن.
Monday, April 7, 2008
ماذا بعد أن أكل المصريون لحوم الحمير؟!
.رويدا رويدا اكتشف المعلم وصفي أصل الحكاية بعد أن اعترف له التاجر الآخر بأنه يقوم بجمع الحمير والكلاب النافقة، ويتولي سلخها وتقديمها علي الوجه الأكمل إليه.درس المعلم وصفي الأمر من كافة زواياه، سأل المستهلكين، إيه رأيكم في اللحمة، لم يسمع منهم سوي الدعاء له، انه نجح في توفير اللحوم المجمدة بأرخص الأسعار، وإنه نموذج لأصحاب الضمير الحي، الذين يتعاطفون مع الغلابة الذين لا يجدون قوت يومهم.كان المعلم وصفي يبيع كيلو اللحم بثمانية جنيهات، يا بلاش، لم يكن يبخل علي أحد، وكانت اللحوم دائما متوافرة لديه، رغم الطلب المستمر، ذلك أن الجزار الآخر لم يأل جهدا في تقديم كميات يومية هائلة من اللحوم إليه.اختفت الحمير من بولاق الدكرور ولاحظ المواطنون تراجع معدلات الكلاب الضالة التي كانوا يشاهدونها، غير أن الجزار اضطر للاستيراد من مناطق أخري مجاورة: امبابة، بين السرايات، أرض اللواء، بل وزحف إلي الجيزة ونصر الدين والعمرانية مرورا بصفط اللبن وكرداسة وغيرها.ظل الحال علي ما هو عليه، رغيف الكفتة تراجع ثمنه من جنيه إلي خمسين قرشا، ورغيف الحواوشي اصبح بتراب الفلوس، أما محلات الشاورمة فقد انتشرت في العديد من الشوارع الرئيسية والمحيطة.كان الرجل يتأمل حال الناس ولهفتهم علي اللحوم خاصة المفرومة منها، ورويدا رويدا وجد نفسه وكأنه المنقذ لهم من الموت والجوع والانهيار.
.ظل علي هذا الحال فترات طويلة يأكل فيها الناس كل ما لذ وطاب من لحوم الحمير والكلاب، غير أن ثقة الجزار.. في نفسه، دفعته إلي القيام بسلخ حمار علي ترعة عبدالعال في بولاق، شاهده أحد المواطنين، ارتاب في الأمر، أبلغ مباحث الجيزة التي قبضت علي الجزار قبل أن ينهي عملية السلخ والتقطيع.وعندما تم سؤاله قام علي الفور بالإرشاد عن محلات المعلم وصفي التي وجدت بها كميات هائلة من لحوم الحمير، معدة للبيع أو في طور التجهيز.وفي التحقيقات اعترف المعلم وصفي بالتفاصيل الكاملة، وقال: لا تقولوا لي إن الناس لم تكن تعرف، هل هناك عاقل يصدق أن كيلو اللحم الطبيعي ب ٨ جنيهات؟!لقد أراد أن يقول لنا إن الناس كانت تعرف أنها تأكل لحوما غير طبيعية، لكنها كانت تخدع نفسها، وتقول ربما كان المعلم وصفي قد نجح في أن يستورد لحوما رخيصة من الخارج المهم أن اللحوم طعمها لذيذ ورخيصة الثمن، هذا هو كل المراد!!وإذا كان ذلك هو حال أهلنا في بولاق، فما بالك بأصحاب المطاعم والفنادق في بعض المناطق الأخري، لقد قام الآخرون بالمهمة علي أكمل وجه، كانوا يعرفون أن هناك أمرا غير طبيعي، غير أنهم أخلوا أنفسهم من المسئولية وقرروا أن يقدموا الوجبات إلي الرواد والزبائن دون أن يسألوا أنفسهم كيف.. ولماذا؟
في زمن الفاطميين وعندما اشتدت المجاعة في البلاد لجأ الناس إلي أكل لحوم الحمير والقطط والكلاب، بل والأخطر أن بعضهم قد لجأ إلي أكل لحوم البشر ، فاحمدوا الله أن الأمر لايزال مقصورا علي لحوم الحيوانات!!إنها فضيحة بمعني الكلمة وهي ليست الفضيحة الأولي ولن تكون الأخيرة، فمنذ أيام كشف النقاب عن مغامرة صحفية قامت بها إحدي الزميلات في جريدة (٤٢ ساعة) كشفت فيها عن جريمة سلخ الكلاب والحمير داخل مجزر رئيسي بالبساتين، فماذا كانت النتيجة؟ لقد اشتد الجوع بالناس وقابله من جانب آخر استغلال وغياب ضمير من بعض التجار، فأصبح المصري غير آمن لا علي صحته ولا طعامه ولا حياته.لماذا وصلنا إلي هذا الحال؟ وإلي متي سيظل الجوع والموت يحاصرنا من كل اتجاه؟ إنها مأساة يعيشها المصريون ويدفعون ثمنها من حياتهم وصحتهم كل يوم.لقد أصبحنا جميعا غير آمنين بعد أن انتشرت هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي تعكس ما وصلنا إليه من انهيارات اجتماعية واقتصادية وصحية وأخلاقية، غير أن أحدا في المقابل ليس مستعدا أن يقدم روشتة للعلاج.لقد انتشر الفساد بشكل كبير في كل أنحاء البلاد وتحالف الفاسدون وشكلوا سويا شبكة عنكبوتية هدفها الاستغلال والاضرار بالمواطنين، كل يريد أن يكدس جيوبه بالأموال، غير عابئ بمصلحة الناس أو مصلحة الوطن، أصبحنا في حالة انفلات أدت بنا إلي ما وصلنا إليه وتركت الناس يعانون الجوع والغلاء والخداع، تأملوا معي ما يجري في أزمة الخبز، لقد قامت وزارة التضامن الاجتماعي بفصل الإنتاج عن التوزيع في بعض المناطق، غير أن عمليات التهريب لم تتوقف، نعم هناك من يهرب الخبز ليعيده إلي المخبز مجددا، ويكون المقابل هو تهريب الدقيق فأضحت التجربة مهددة بفعل عمليات السطو التي يتحالف فيها الجميع حتي من بعض رجال التموين أنفسهم والمعهود إليهم مراقبة التوزيع.
. إنها مأساة متعددة الوجوه، إنه سوس ينخر في جسم الوطن حتي أضحي الجسد مريضا ويوشك علي الانهيار.أتمني ألا نسمع من البعض أطروحات تحلل أكل الكلاب والحمير كوسيلة للإنقاذ وحل أزمة زيادة أسعار اللحوم، فيكون طبيعيا أن يخرج علينا كاتب أو مسئول ليقول الحل هو في 'حمار لكل مواطن'!!وقد يتحول الجدل في المنتديات والفضائيات إلي خلاف حاد حول 'هل الحمار مدعوم أم غير مدعوم؟'.إنها مأساة حقيقية، يعيشها المصريون في الوقت الراهن وقد تحولت المأساة إلي ملهاة، وأصبحنا مثار سخرية أمام الآخرين.
.تري ما رأي حكومة الحزب الوطني في ذلك، ألستم معي أن المسئول عن كل ما يجري هو جماعة الإخوان المسلمين؟
Saturday, April 5, 2008
مستعمرة للفساد
هواة الحرية المطلقة نجحوا في إقامة مستعمرات ونواد للعراة يعيشون فيها «علي راحتهم» دون أي نوع من الملابس ودون أن يجرؤ أحد علي خدش حيائهم أو الاستياء منهم أو البحلقة في أجسادهم العارية. هذه الفكرة الجريئة التقطها عباقرة النظام السياسي المصري وصنعوا من مصر
بأكملها «مستعمرة للفساد» حيث لا يصح إقامة مستعمرات العراة في مجتمع إسلامي محترم يحرص كل سكانه علي ستر عورة الرجل وشعر المرأة!! في مستعمرات العراة ينسي الرواد عوراتهم وعورات الآخرين بعد ساعات قليلة من انخراطهم سوياً في المكان الذي يجمعهم.
وفي مستعمرات الفساد ينسي الناس المخالفات عند ظهور التجاوزات، ثم ينسون التجاوزات عند ظهور الجنايات، ثم يتحملون الجنايات عندما تظهر الكوارث، ثم لا يلبث الجميع أن ينخرطوا في هذه الأجواء الفاسدة الملوثة ويتعايش كل منهم معها في هدوء وأمان وسلام مثلما يتعايش مرضي السكر مع المرض وحقن الأنسولين. في مستعمرة الفساد يستغيث المظلوم برئيس الجمهورية رغم علمه بأن هذا الرئيس يتولي منصبه بالتلفيق الدستوري بديلاً عن الشرعية الحقيقية. ويلجأ الناس إلي نواب مجلس الشعب رغم أن هؤلاء النواب دخلوا المجلس بالتزوير والرشاوي والبلطجة.
ويدفع المواطن الرشاوي للحصول علي حقه ثم يتقاضي هو نفسه الرشوة من أطراف أخري لتعويض الرشاوي التي يدفعها!! في مستعمرة الفساد يترحم الناس علي مصائب يوم السبت حين يشهدون كوارث يوم الأحد، ويتندرون علي كوارث الأحد وهم يغرقون في مستنقع يوم الاثنين، ولا يأتي الثلاثاء إلا وهم يغبطون موتاهم الذين استراحوا من مصيبة الحياة في هذا البلد! لم يعد المصريون يخجلون من الكذب أو التزوير أو التلفيق أو الرشوة أو السرقة أو النصب أو تجارة المخدرات أو الغش التجاري والتعليمي أو الجهل أو الغباء أو الحماقة أو النفاق أو التخاذل أو الأنانية أو أي لون آخر من ألوان الفساد المادي والمعنوي.
صارت «البجاحة» شعاراً للجميع علي غرار ما يحدث في مستعمرات العراة. صار القوادون والعاهرات من نجوم المجتمع المصري وصارت أخبارهم تتصدر صفحات الجرائد المستقلة والحزبية والقومية وقنوات التليفزيون الفضائية والأرضية. وصارت «أم الدنيا» تلقن أبناءها أصول وفنون الدعارة السياسية والفكرية رغم الحجاب الذي لم تزل تحتفظ به فوق رأسها!!
أهمية ألا تقرأ!!
وحين تصل الثقافة السمعية إلي درجة الادمان التي تستغني عن التفكير, لا يتساءل أحد عن صحة ما يسمعه أو يشاهده.الناس في بلادنا تعتاد علي المعلومات الجاهزة المعلبة, التي سبق مضغها وهضمها وانتاجها في أبسط صورة تختزل الحقيقة, تماما مثل الملخصات التي يستذكرها التلاميذ عن ظهر قلب ثم يستفرغونها في امتحانات شكلية, تمر عليهم الحقائق والتجارب مر السحاب في يوم صيف قائظ..وقبل أيام واجهت تجربة من هذا النوع, أكدت لي أنه ـ حتي المتعلمين ـ لا يستوعبون ما قرءوا غير ما استقر في وعيهم.
. فحين كتبت مؤيدا ما نبه إليه الإعلامي جمال الشاعر, عن الحاجة إلي ثقافة جديدة للتبرع الخيري, تراعي عدالة التوزيع بين مؤسسات مثل مستشفي سرطان الأطفال57 تحظي بدعم شبه رسمي أدي إلي تدفق الملايين عليها, بينما لا تذهب إلي مراكز أخري لعلاج الأورام والسرطان, تعاني من الشظف المادي, ولا تقوي علي تلبية الاحتياجات العلاجية لآلاف من أطفال مرضي السرطان.. وقلت إن المجتمع يعاني من عدم التوازن في كل شيء حتي في أعمال الخير, إسراف هنا وتقتير هناك.. هبت علي عاصفة من الايميلات والاتصالات تراوحت بين اللوم والتأنيب, بحجة أنني غمطت قدر الجهد الهائل والخدمات الطبية العالية لمستشفي57.وبالطبع فان هذا ما لم يتطرق إليه قلمي ولا فهمي, ولا أملك إلا أن أكذبه جملة وتفصيلا.
. كل ما طالبت به أن يوجه أهل الخير تبرعاتهم إلي مراكز أخري تستحق الرعاية والمساندة حتي وإن لم تكن مدعومة من شخصيات مرموقة في الدولة. وأن تقتصد الجهات العاملة في الحقل الخيري في إنفاق تبرعاتها علي الإعلانات الباهظة الثمن.. صحيح أننا ينقصنا فن جمع التبرعات لأعمال طوعيةFundRaising الذي برعت فيه مجتمعات أخري, ولكن هذا لا يمنع من مساعدة المراكز الأخري علي أن تحذو حذو مستشفي57, لتحقيق النجاح المنشود.. فلا يكون عندنا مستشفي سرطان واحد ناجح لعلاج الأطفال, بل نعمل علي تحقيق العدالة والكفاءة في الخدمات الصحية لدي الجميع.. إذ لا فائدة في النهاية من نجاح مؤسسة تتألق وحدها وسط بحر من المعاناة والمرض واللامبالاة!!
فـن البـقاء
القادة نوعان.. الأول يتسلم السلطة ويستخدمها لخدمة الناس، وهذا النوع من القادة نادر في العالم الثالث، ومحكوم بقواعد لايستطيع الخروج عنها في الدول المتقدمة.. والآخر يستخدمها للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وهذا النوع من القادة يقيس نجاحه بطول المدة التي سيطر فيها علي السلطة، بغض النظر عما يتحقق للناس فعلاً.
وروبرت موجابي «٨٤ عاما»، أحد رموز النوع الثاني، والمنتشرين في العالم الثالث.. كان رئيساً للوزراء منذ ١٩٨٠ حتي أصبح رئيساً للبلاد في ١٩٨٧.. وطوال هذه الفترة، اكتسب موجابي كراهية الشعب في زيمبابوي، رغم تاريخه النضالي ضد الاستعمار البريطاني وضد التفرقة العنصرية.. فقد أرهق المواطنين بسياساته، وقمع المعارضة،
واتهمها بالتعامل مع القوي الخارجية لزعزعة الأمن والاستقرار في زيمبابوي.. واستخدم أغلبيته البرلمانية في فرض تعديلات دستورية وسن قوانين تضمن تشديد قبضته علي السلطة، وتضمن له الاستمرار فيها دون منغصات.. ساءت الأوضاع في زيمبابوي طوال مدة حكمه التي امتدت ربع قرن، وتجاوزت نسبة البطالة ٧٠%، والتضخم وصل أعلي نسبة في العالم،
بينما يزعم النظام الحاكم بقيادة موجابي أنه يسعي للإصلاح السياسي والاقتصادي.. وبعد أن كانت زيمبابوي أحد أهم الكيانات الاقتصادية الأفريقية، ومخزنا للغذاء بالنسبة للجنوب الأفريقي، باتت تعاني أزمات اقتصادية طاحنة، وتعرض فيها المواطنون للموت جوعاً.. ولم يكن موجابي يخجل من هذا الوضع، ولكنه كان يتهم المعارضة بأنها هي السبب فيما آلت إليه الأوضاع في زيمبابوي، رغم أنه كان متخذ القرار الوحيد.
لم يكن موجابي يفكر في مستقبل الحكم في زيمبابوي.. وكان يرفض دائما تسمية من يخلفه، وكان يقول دائما: إن الشعب حر في اختيار من يخلف موجابي، وإنه لايريد أن يفرض اسما بعينه، حتي لا يسلبهم حقهم في الاختيار.. وهو ما دفع المراقبين لتوقع اندلاع ثورة شعبية أو انقلاب عسكري في زيمبابوي للإطاحة بالنظام الحاكم، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية الطاحنة.
كان موجابي يعلن دائما إيمانه بالتعددية الحزبية، وفي عهده تأسس ٢٥ حزباً سياسياً، وكلها كانت هامشية لا دخل لها بالشارع، وبالتالي لايعرف المواطن في زيمبابوي أسماءها ولا أسماء رؤساء هذه الأحزاب..
وكان الحزب الحاكم «زانو. بي. إف» - الاتحاد الوطني لزيمبابوي الأفريقية - هو الفائز باكتساح في كل الانتخابات بفضل عمليات التزوير الصارخة من جهة، و ضعف الأحزاب من جهة أخري.. ولم يكن يهتم بالتقارير الدولية التي تفضح هذا الفساد السياسي، لأنه كان يفكر فقط في الاستئثار بالسلطة، ويرد بأن زيمبابوي دولة ديمقراطية تقوم علي تعدد الأحزاب، ويطالب الأحزاب بالمزيد من العمل والاحتكاك بالجماهير.
ولكن الضغط الذي مارسه موجابي وحزبه علي المواطنين في زيمبابوي، فجر حزب الحركة من أجل التغييرالديمقراطي، الذي أعلن تأسيسه مورجان تسفانجيري، وهو شاب ينتمي للطبقة الكادحة.. وكان هذا الحزب الجديد جاداً و يهدف لإنهاء الحكم الديكتاتوري المتسلط في زيمبابوي، فأصبحت لديه جماهيرية حقيقية فرضت علي الرئيس موجابي متغيراً لم يكن يضعه في الحسبان..
و دفع الحزب الجديد المواطنين الذين اختنقوا من سياسات الحزب الحاكم إلي البحث عن البديل مهما كانت التكلفة خاصة في ظل وجود رقابة دولية علي الانتخابات.. فالهدف هو الخلاص من النظام الحاكم أولاً... وشعر الناس بأن هذه الانتخابات مهمة لتحقيق هدفهم في ظل قدر النزاهة المفروض عليها بسبب الضغوط الدولية، فشارك ٦٥% من الناخبين في الانتخابات البرلمانية، ولم تكن أقصي مشاركة قبل ذلك تتجاوز ٢٠%..
وفاز بها حزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي بالأغلبية رغم ضغوط الحزب الذي كان حاكماً.. وأعلن الحزب الجديد صاحب الأغلبية أنه يسعي للرئاسة.. وأصبح حلم الفترة الرئاسية السادسة بعيداً عن موجابي.. وقريباً سوف يحزم حقائبه للخروج من قصر الرئاسة.. وهو حزين لأنه يترك السلطة، وليس لأنه لم يقدم شيئاً لشعبه.
مسكين روبرت موجابي.. لم يكن ماهراً بالقدر الكافي كي يحافظ علي السلطة.. ولكن هذا هو قدر النوع الثاني من القيادات.. يضحي بتاريخه مقابل الاستمرار في السلطة.
أرجوك اقلق
١- من خلال الأخبار المنشورة عن جريمة ذبح القطط والكلاب والحمير والحيوانات النافقة، وبيعها للمستهلك المصري، عن طريق المحال الصغيرة والهاي لوكس، في المطاعم والفنادق، في الأحياء الشعبية والراقية، يتضح أنه كان لكل منا نصيب مؤكد في الفوز بريش كلب، أو بيت لوح حمار، أو كبدة حصان نافق، أو مفروم في صورة كفتة أو حواوشي والذي منه ومع كل ذلك المعدة المصرية حديد، وسوف تهضم كل شيء وأرجوك لا تقلق.
٢ - هناك بعض التقارير التي أكدت قيام بعض الشركات الأمريكية بعمليات تذويب للحوم الفئران والخنازير ومشيمات الإجهاض، في درجة حرارة مرتفعة جدا تصل إلي حوالي ٢٨٠ درجة لتحويلها إلي مواد بروتينية يتم استخدامها في صناعة الهمبرجر واللنشن والسجق والبلوبيف ثم تقوم بتصديرها إلي الدول العربية ومنها مصر، ولأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فأرجوك لا تقلق.
٣ - بلغ التهاون في تلوث المياه حداً مفزعاً لا يمكن تصوره، لأسباب كثيرة، منها: تلوث مخازن المياه، وانتشار الطحالب فيها، وتحول نهر النيل - شريان الحياة في مصر - إلي مستودع خطير لنفايات المصانع والمزارع والصرف الصحي والقمامة والمصادر الأخري، محملاً بأعلي درجات التلوث ومع ذلك أقول: أرجوك لا تقلق.
٤ - كنت أتصور أن غش اللبن يتم بخلطه بالماء، أو بحقن الحيوانات المدرة له طمعا في زيادة كميته لكنني اكتشفت أن هذه الطرق في الغش قد أصبحت موضة قديمة جدا، وتم استبدالها بإضافة سموم جديدة إلي الحليب مثل: سماد اليوريا، وبودرة السيراميك المكونة من زهرة الغسيل الزرقاء، وثاني أكسيد سليكون الرمل، والفورمالين، والكلور والبوتاسا وغيرها من المواد المدمرة للجسم البشري، وهو ما يعني ضمنا أننا قد ودعنا الحليب الذي نعرفه، وأهلا بالحليب الذي يخترعه السماسرة وتجار الغش ومع ذلك أقول لك، أرجوك لا تقلق.
٥ - لقد طال الغش كل شيء العسل - الدقيق - الزيوت - الوجبات التي يتم توزيعها علي الأطفال برعاية وزارة التربية والتعليم - الأدوية المصنعة تحت بئر السلم - الدجاج الذي تغذي علي أعلاف مختلطة بالدماء - الخضروات والفواكه المحقونة بالمبيدات المسرطنة - العصائر المخلقة من مستحضرات كيماوية ورغم كل ذلك أقول: أرجوك لا تقلق.
بالطبع لم أكن أقصد من دعوتي هذه - عدم القلق - أن أعلم الناس التنبلة أو الرضا بهذه الكوارث، وإنما كل هذه الموبقات يمكن وقفها فورا إذا وجد نظام يحترم إنسانية الإنسان، ويفعل القانون ويريد محاربة الفساد، لكن الذي يقلقني فعلا هضم هذه السياسة المسؤولة الوحيدة عن اغتيال أمن وأمان المواطن، والمتورطة ضمنيا مع قتلة الرقابة علي الأسواق، والمحتكرين المتسببين في إشعال نار الأسعار في جسد المواطن، والعابثين بصحة الناس وأرزاقهم.
في الصين يعمل للكلب ألف حساب وتخصص له المصحات والملاجئ والأغذية اللائقة بكلبيته، وفي أمريكا أعدوا له مراحيض عامة، وفي أستراليا حفظت كرامة الخروف، ورفضت توريده إلي مصر حتي لا يساء إليه في عملية الذبح، وفي ألمانيا وإنجلترا تقدر قيمة الحمار وتحترم حموريته،
أما في مصر بلد الثروات والقيم، فتهدر كرامة المواطن ولا تحترم آدميته، يحتمي أطفال الشوارع بالخرابات والكباري والأماكن المهجورة، ويلتحف الشباب بالبطالة والمخدرات، وتتعرض الفتيات للتحرش الجنسي وربما الاغتصاب في الشوارع العامة و في وضح النهار.
الحقيقة التي لا مجال للشك فيها هي أنه تم حرماننا من العيش الحاف، والفول وطبق السلطة، وأكلنا الكلاب والقطط والحمير والخنازير، والسؤال الذي يشغلني: بعد أن تنفد الحيوانات الضالة والنافقة، وتختفي نهائيا من الوجود، هل ستكون التجارة القادمة هي الاتجار في لحوم البشر؟
طبعا الإجابة لن تكون بالنفي، فقد أكلنا الكلاب والقطط وغيرهما دون أن ندري، فما الذي يمنع في ظل هذا التسيب من أن يأتي اليوم الذي نأكل فيه الجثث البشرية النافقة بعد فرمها وإضافة كل أنواع البهارات إليها لإخفاء معالمها، وحتي لا يأتي هذا اليوم الأسود.. أرجوك أرجوك اقلق.
Friday, April 4, 2008
من شهداء حرب أكتوبر إلي شهداء الرغيف
ربما كان من الصعب علي أكثر المصريين تشاؤماً أن يتصور أنه سيجيء اليوم الذي سيقتل فيه الناس بعضهم البعض علي طوابير الخبز، في مشهد لم نره عقب هزيمة يونيو ١٩٦٧، ولا في العصر الملكي، أو العصور الجمهورية.
والمؤكد أن مصر، علي مدار تاريخها المعاصر، عرفت أزمات كثيرة، بعضها كان بسبب الاستعمار الأجنبي، والبعض الآخر كان بسبب حكامها، كما شهدت محناً كثيرة، وعرفت حروباً أكثر، انتصرت في بعضها وهزمت في بعضها الآخر، وسقط في كلتا الحالتين شهداء ومصابون، من أجل تحرير الأرض أو مقاومة المحتل، لا من أجل قطعة خبز.
وكانت حرب أكتوبر آخر حرب يدخلها المصريون بجوارحهم وآمالهم، من أجل تحرير الأرض من المحتل الإسرائيلي، وحققوا فيها نصرا ولو جزئيا، سقط فيه آلاف الشهداء، وحررت بعدها كل سيناء وعادت إلي السيادة المصرية، رغم القيود التي فرضتها معاهدة كامب ديفيد علي حجم القوات المسلحة هناك، وفشل الحكم علي مدار أكثر من ربع قرن في أن يستثمر في الأرض أو البشر بسيناء، خاصة بعد التوقيع علي معاهدة السلام، وبدا المجال مفتوحا أمام نهضة اقتصادية وسياسية تُعوّض ما فات في عصر الحروب، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وبدا أمرا لافتاً أن عصر الشهداء، الذي ودعناه في حرب أكتوبر منذ أكثر من ٣٥ عاما، عاد مرة أخري، ليس من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، إنما للحصول علي «رغيف خبز»، في مشهد مؤلم، عكس حجم الفشل الذي أصاب نظامنا السياسي، وكيف أنه قزّم طموحات عموم المصريين عند حدود القتال من أجل الحصول علي رغيف العيش، أو مقعد في وسيلة نقل عام، أو قطرات ماء يرتوي بها في بلد النيل.
والحقيقة أن الدلالة الرمزية لهذا التحول الدرامي تكمن في أننا بلد سقطت فيه الدماء من أجل هدف نبيل، هو تحرير أرضنا المحتلة، وبعد ٣٥ عاما سقطت هذه الدماء مرة أخري أمام المخابز وبسبب طوابير الخبز. فكيف يمكن لبلد حارب وحرر أرضه، ثم وقّع اتفاقية سلام مع عدوه السابق، ولم يدخل في حرب واحدة منذ ذلك التاريخ، والتصق بالتوجهات الأمريكية، من أجل الرخاء والتنمية والاستقرار، أن يصل به الحال إلي هذا المشهد المحزن من انهيار في المرافق والخدمات، ومن فوضي وفساد سوء إدارة غير مسبوقين؟!.
لقد اعتادت الشعوب والمجتمعات الحية أن تدفع دماءها ثمنا لتحررها من استعمار أو احتلال، أو في ثورات من أجل التخلص من حكام مستبدين، أو دفاعا عن الشرف والكرامة، إنما من الصعب أن نري حولنا شعوبا تدفع دماءها ثمنا لرغيف الخبز، وهو ما لم نره في باكستان الفقيرة، ولا تركيا الميسورة، ولا في أمريكا الجنوبية التي تصارع التخلف وتتقدم، وبالتأكيد لم يكن الحال كذلك في أوروبا القرن العشرين، لأن الدماء التي سقطت بغزارة كانت من أجل مواجهة الاحتلال النازي، وليس أمام طوابير الخبز.
إن خطورة ما جري في مصر هو كيف أن هناك أجيالاً كاملة دفعت دماءها وعمرها ومستقبلها من أجل العبور وتحرير الأرض في أكتوبر ١٩٧٣، تماما مثلما ظهرت أجيال أخري ربحت من دماء وعمر ومستقبل هؤلاء الذين خاضوا حرب الاستنزاف في ١٩٦٩، والعبور في ١٩٧٣، ليأتي جيل آخر يجني، ليس فقط ثمار ما دفعته هذه الأجيال، إنما أيضا يثري ويفسد علي حسابهم، ويحول دماءهم التي دفعوها إلي مجرد أرقام في حسابات البنوك الأجنبية، وترك عموم المصريين في تلك الحالة المزرية من الفقر والعوز.
إن ما جري تبدو مفارقته هائلة، حين نربطه بالتضحيات التي دفعها الشعب المصري منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، وحتي حرب أكتوبر ١٩٧٣، حيث من المؤكد أن الرئيس مبارك تسلم البلد في عام ١٩٨١ «مقشرة» وعلي طبق من فضة، فلم يكن يعاني من مشكلات استراتيجية كبري، كوجود احتلال أجنبي أو حروب أهلية، أو دعوات انفصالية، صحيح أنه عاني من مشكلات من نوع مشكلة التليفونات، وربما المجاري، أو ما عرف بمشكلات البنية الأساسية، لا أكثر ولا أقل، ونعترف للرئيس مبارك بقدرته علي حل هذه المشكلات، إلا أن المطلوب كان الاستثمار في المورد الأساسي الذي يمتلكه بلد غير نفطي، مثل مصر، وهو البشر، فنستثمر في التعليم والعلماء، والإدارة والمعمار والتكنولوجيا، خاصة أننا كنا نمتلك قاعدة علمية لا بأس بها، وجامعات أخرجت أهم النخب العربية، وهي كلها أمور كانت تحتاج إلي نخبة سياسية علي قدر من الكفاءة والخيال والإرادة، قادرة علي إنجاز تلك الأهداف، وتحقيق طفرة في الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
والمؤسف أن هذا لم يحدث، وضاعت دماء المصريين هباء، وشاهدنا دماء أخري أمام طوابير الخبز في المطرية وحلوان البلد في القاهرة، والسنطة والمحلة في الغربية، وقرية أدمو وبني مزار في محافظة المنيا، وقرية بقيرة بمركز بنها، وسقطت دماء صاحب مخبز في الإسكندرية، أثناء فضه مشاجرة أمام مخبزه، أما في الإسماعيلية فقتل ناظر مدرسة علي أيدي عاطل لتنافسهما علي الحصول علي رغيف العيش، وفي أسيوط قام شقيقان بقتل شاب لخلاف أيضا علي رغيف العيش، ليصل إجمالي قتلي (شهداء) رغيف العيش إلي أكثر من ٣١ قتيلا، بخلاف المصابين الذين اقتربوا من المائة حتي الآن، وهو الرقم الذي كان سيتضاعف في قلب الجيزة، وبالتحديد بميدان الدقي، عندما أعد أحد الأشخاص كمية من زجاجات المولوتوف للانتقام من أشخاص تشاجر معهم للحصول علي رغيف الخبز.
إن هذه المناطق لم تكن مجرد ساحات حرب ومتاريس مقاومة شعبية في وجه محتل أو حاكم مستبد، إنما كانت من أجل الحصول علي قطع الخبز، في مشهد لم تعرفه مصر طوال تاريخها الحديث، وإذا كان حالنا قد تدهور إلي هذه الدرجة، وانخفض فيه سقف طموح أغلب المصريين إلي حد الحرب والشهادة من أجل الرغيف، فهل يمكن أن يرتفع هذا السقف قليلا، ويعرفوا أنهم لكي يحصلوا علي رغيف العيش لابد أن يعيشوا في ظل سياسات مختلفة، وحكومة لديها مصداقية، ومستعدة أن تدفع مع الناس ثمن أي إصلاحات سياسية، وأن تتوقف عن اتهام المصريين بعدم الاستجابة لوصفات الإصلاح، وتتناسي أنها فاقدة المصداقية، وأن الناس يعتبرونهم فاسدين، وبعد ذلك هل نطالبهم بأن يستجيبوا لدعاواهم «الإصلاحية»؟!.
جمال مبارك.. شاهد شايف كل حاجة
طالما أن جمال مبارك بدأ يخرج إلي الناس في شكل لقاءات شعبية تحت مظلة مساندة أعضاء الحزب الوطني في ترشيحات الانتخابات المحلية.. وطالما أن الصحف القومية بدأت تفرد له نفس المساحات التي تفردها في لقاءات الرئيس مبارك بنفس الاهتمام في نشر صوره علي صدر الصفحات الأولي مع إبراز عناوين هذه اللقاءات في مانشيتات ضخمة..
أعتقد بعد كل هذا أننا لم نعد في حاجة إلي تفسير عمن هو الرئيس القادم.. فالصورة الآن أصبحت واضحة، خاصة بعد أن يقوم تليفزيون الدولة بإذاعة تسجيلات حية لهذه اللقاءات، التي كشفت عن أن «جمال» شاهد شايف كل حاجة.. شايف طوابير العيش، وكيف يتقاتل الناس مع بعضهم في محاولة الحصول علي رغيف. شايف هوجة الغلاء وارتفاع الأسعار.. شايف الناس مخنوقة إزاي.
لقد أسعدني أن أقرأ تحليلاً سياسياً رائعاً خالياً من التزويق وعبارات النفاق، بقلم الزميل الأستاذ ممتاز القط في أخبار اليوم شدني إلي متابعة حوار «جمال» مع البسطاء في أسيوط، عندما وقعت عيناي علي أحد المزارعين، وهو يقول لجمال.. «الضرايب العقارية ناوية تخرب بيوتنا.. بيقولوا حياخدوا ضرائب علي الأرض الزراعية.. إحنا مش ناقصين يا بيه.. كفاية أسعار السماد اللي اكتوينا بيها».
ويرد «جمال» بصوت ابن يتحدث مع والده.. أنا معاك يا عمي الحاج.. معاك في كل حاجة قلتها.. لكن بلاش نصدق الشائعات.. مفيش حد قال إن الضرائب العقارية هتكون علي الأرض الزراعية.
هذه رؤية ابن الرئيس.. لأنه شايف كل حاجة باعتباره يعيش بالقرب من القاعدة الشعبية يشعر بآلامهم ويحس بنبضهم.. لكن لا أعرف لماذا يتجنب الحديث عن حديد التسليح الذي أصبح يهدد صناعة المقاولات في مصر، هل لأن أمين التنظيم في الحزب الوطني هو المحتكر للحديد.. أم لأنه صديقه الشخصي، ولا يحب أن يتناوله في خطاب جماهيري؟
«جمال» يعرف جيداً أن عدداً من شركات المقاولات في مصر مهدد بالتوقف عن العمل، بسبب ارتفاع مواد البناء.. وأن الوزير رشيد محمد رشيد أوقف تصدير الأسمنت، حتي لا تفلت الأمور من يده بعد انفلات التجار، وعدم تأثرهم برسم الاحتكار.. كلمة حق الوزير رشيد يبذل قصاري جهده، لتثبيت الأسعار..
ولا أعرف لماذا لم نسمع أن «جمال» باعتباره الأمين العام المساعد للحزب وأمين لجنة السياسات ناقش هذه القضية، رغم أنها قضية ليست عادية ولا تحتمل التجاهل.. فأسعار الشقق في مصر أصبحت ناراً.. وشبان من جيل «جمال» في ورطة، بسبب ارتفاع أسعار التمليك أو الإيجارات، حتي إسكان الشباب مهما أعلنت الحكومة عن دعم، فهو أيضاً يدخل مرحلة متعثرة، بسبب ارتفاع مواد البناء.
.. جمال.. شايف مشكلة الحديد.. وشايف مشكلة الأسمنت.. وشايف كل شيء ومع ذلك لم يفعل شيئاً!
الذي أعرفه أن أمانة السياسات في الحزب الحاكم هي التي تضع الاستراتيجية لنظام الحكم في البلاد.. وهي التي تسقط القوانين المشبوهة والأوامر العسكرية التي كانت سلاحاً لرئيس الوزراء عندما يفشل في تطبيق قانون.. معني هذا الكلام أن أمانة السياسات تستطيع أن تضع حلولاً كثيرة.
منها علي سبيل المثال.. إعفاء حديد التسليح من حصة الحكومة في الضرائب، طالما أن الأسعار هي أسعار عالمية.. فأوروبا لا تطالبنا بأن نبيع الحديد بنفس السعر الذي يباع فيها.. ولكن عندما تتوحد أسعار الخامات المستوردة.. تستطيع الحكومة أن تساهم في المكونات المصرية التي تدخل في صناعة الحديد.. وربما يكون محتكره مظلوماً والحق معه.. وأن الارتفاع الجنوني في أسعاره ليس بيده لكن من يعرف.. ومن يقتنع؟!
إن سكوت «جمال» وعدم تناول هذه القضية ضمن القضايا التي تشكل هموم عند الناس تطرح أكثر من سؤال.. لماذا السكوت عن حديد عز.. ولماذا لا تساهم الحكومة بمصانع جديدة للحديد؟ وبالمناسبة «عز» ليس وحده هو المعني بمجاملات الحزب له.. فهناك أثرياء فيه لم نسمع أنهم تفاعلوا مع هموم الناس واتحدوا في إقامة عمل خيري يخفف آلام محدود الدخل.
للأسف إن بعض هؤلاء الأثرياء صنعوا ثرواتهم بعد انضمامهم للحزب الوطني، وكانوا قريبين من «جمال».. وبعضهم انضموا وهم أثرياء بطبيعتهم مثل رشيد والمغربي ومنصور وخميس، فلم تزدد ثروتهم، حتي بعد انضمامهم، لأنهم أصلاً أثرياء أباً عن جد.
ولو طلب «جمال» من أجهزة النظام الاطلاع علي إقرارات الذمة المالية لكل عضو قريب منه.. سوف يري العجب والصيام في رجب.. كيف تحول أصحاب الملايين في ٦ سنوات إلي أصحاب المليارات.
اشتري دماغك
فشلت المعارضة في الحصول علي ثقة واحترام النظام السياسي المصري فقرر النظام أن يعارض نفسه!
الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان حسني مبارك يتولي مهمة المعارضة في مجال المحليات والمرور والفساد الذي وصل «للركب».
والدكتور فتحي سرور يعارض الهيئة البرلمانية للحزب الوطني لأن السادة نواب الأغلبية يتقاعسون عن حضور جلسات مجلس الشعب.
والدكتور يوسف بطرس غالي يعارض ويهاجم الجهاز المركزي للمحاسبات التابع لرئيس الجمهورية لأن الجهاز المذكور يتصيد الأخطاء للحكومة ويفضحها في مجلس الشعب.
والدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي يهاجم التعليم العالي ويشتم أساتذة الجامعات ويقول إنهم عالة علي المجتمع.والمستشار ممدوح مرعي وزير العدل يقول أن القضاء فاسد وأن القضاة معظمهم لا يصلح لهذه الوظيفة.
والدكتور أو الأستاذ أو اللواء وزير الضمان أو التضامن الاجتماعي يقول إن الفقراء هم سبب فقر الدولة وفسادها وتخلفها لأنهم فاسدون متخلفون لا يفعلون شيئاً سوي التسول والشكوي وابتلاع موازنة البلاد.
والاستاذ جمال مبارك يهاجم عبد الناصر وسياساته ويقول إنها سبب خراب البلاد وفقرها.
والأستاذ عبد الله كمال رئيس تحرير لجنة السياسات وأحد نوابها في مجلس الشوري يخصص جريدته ومجلته لمعارضة أحمد نظيف واتهام حكومته بأنها سبب الفقر وارتفاع الأسعار لأنها فشلت في تنفيذ برنامج الرئيس.وصحف الحكومة تنافس الصحف المستقلة في السخرية من فشل الحكومة وخيبة وزرائها وعجزهم عن استلهام فكر وعبقرية زعيم البلاد.
والحزب الوطني ينافس نفسه ويعارض نفسه، ويقاتل الأعضاء بعضهم بعضاً للفوز بثقة المباحث والحكومة والرئيس ونجل الرئيس.
حتي الرئيس حسني مبارك تقول الصحف الأجنبية إنه يعارض الأستاذ جمال مبارك والسيدة سوزان مبارك ويقتسم معهما السلطة حرصاً علي استقرار البلاد!!.
الوحيد الذي «اشتري دماغه» في هذه المعمعة هو الأستاذ علاء مبارك، حيث يقال أنه قد اكتفي بتشجيع النادي الإسماعيلي ونادي باريس، فضلاً عن العضوية الفخرية في منتدي دافوس!!
عين علي بكره
الأمل هو زاد الحياة، واليائسون وحدهم يعجزون عن الوصول إلي الشاطئ الآخر من النهر، فإما أن يعودوا من حيث أتوا، أو يستسلموا للغرق.
داليا الشيمي ورفاقها من مجموعة «عين علي بكره» ،بالاشتراك مع جمعية المرأة والمجتمع، حلموا يوماً بدمج الأطفال المعاقين مع أقرانهم الأصحاء في المدارس الحكومية، وخاضوا معارك كبري، خاطبوا كل الجهات عبر الإنترنت، وصلوا إلي أعضاء مجلس الشعب، والنتيجة: وافقت وزارة التعليم علي الفكرة، وأعلنت عن تبني الوزارة لها، واتخاذ جميع الإجراءات لتعميمها.
تقول داليا الشيمي، في رسالة لها عبر بريدي الإلكتروني، من علي فراشها بعد إصابتها في حادث سير - سلامتك يا داليا - مستندة إلي مقولة للكاتب العالمي «باولو كويلهو»: «إنك إذا رغبت في شيء تآمر العالم علي تنفيذه»،
إننا يمكننا تغيير كل شيء إذا أردنا، وتتذكر داليا ما لقنته لها والدتها الكريمة: «من حق المحكومين أن يعترضوا علي الحكام، ولكن الحق الذي يهجرونه هو تقديمهم حلولاً لما يعانون من مشكلات،
وإيجاد بدائل لما يعانون، وبالتالي يهدرون طاقاتهم في لعن هؤلاء، فيما يبقي وضعهم كما هو، لذلك نجد هذه المجتمعات علي مر العصور، حكاماً يؤدون ما يرونه صحيحاً، ومحكومين يلعنونهم، ثم يرون أنهم كانوا أصلح بعد وفاتهم، الحكام يبدأون من والديك، بوصفهما الصورة الأولي للسلطة في حياة كل فرد، كل شيء في حياتنا قابل للتغيير، قابل للإصلاح، لو رغبنا ولو سعينا».
مفيش حاجة في الدنيا مستحيلة، مفيش حاجة مش ممكن تتغير، المهم نشوف عايزين إيه، وما هي الخطوات التي علينا اتباعها لتحويله مما هو عليه، ثم نقيم الأدوات التي يمكن أن نستخدمها لتحقيق ذلك. هذه هي استراتيجية داليا ومن معها، استراتيجية تستحق التأمل والتشجيع للعبور إلي الشاطئ الآخر، بعد أن تعثرت الحكومة وكادت تغرق، وهي تحاول العودة إلي الشاطئ نفسه الذي بدأت منه!
أبولمعة
«مصر لم ولن تفرط في سيادتها أو دماء أبنائها».. هذا نص التصريح التاريخي الذي تفضل به السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري المصري رداً علي جريمة القتل التي تفضلت إحدي السفن الأمريكية الشقيقة بارتكابها ضد أحد البحارة المصريين منذ عدة أيام.
لم يكن الأستاذ صفوت الشريف في حاجة إلي مثل هذا التصريح الوطني التاريخي بالغ القوة والوضوح، فكل العالم يعرف أن مصر مبارك لا تفرط في سيادتها أو دماء أبنائها، وكل العالم مازال يتذكر المواقف العظيمة الصارمة للسيد صفوت الشريف إزاء كل الجرائم والتجاوزات والجنح والجنايات التي ارتكبتها الدول العظمي والوسطي والصغري في حق مصر.
يوم أذاعت إسرائيل الشقيقة مأساة الأسري المصريين الذين تفضل جيشها بدفنهم أحياء في حرب 67 وقف السيد صفوت الشريف نفس الموقف البطولي الرائع وصرح بأن مصر لم ولن تفرط في سيادتها أو دماء أبنائها.ويوم مصرع طفلة مصرية برصاصة إسرائيلية شقيقة علي الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، غضب الأستاذ صفوت الشريف وقال إن مصر لم ولن تفرط في سيادتها أو دماء أطفالها.
ويوم قام جيش الدفاع الإسرائيلي ـ الشقيق أيضاً ـ بضرب رفح المصرية وهدم منازلها، وقف الأستاذ صفوت والأستاذ فتحي والأستاذ بكري وقالوا جميعاً إن مصر لم ولن تفرط في سيادتها أو دماء مواطنيها.ويوم حاولت حركة حماس ـ غير الشقيقة ـ أن تجبر مصر علي فتح حدودها أمام العالقين والجائعين والمحاصرين والمرضي من أبناء فلسطين، أناب الأستاذ صفوت الشريف زميله الحاج أحمد أبوالغيط في الإدلاء بتصريح رهيب قال فيه إن مصر لم ولن تفرط في سيادتها، وأنها سوف «تكسر رجل» أي شخص يحاول اقتحام حدودها!!ا
لأستاذ صفوت الشريف وزملاؤه الأبرار لا يكذبون ولا يبالغون و«لا يضربون» التصريحات علي طريقة إخوانهم ضاربي البانجو أو البودرة أو البرشام، وإن كنا نلومهم لأن كلامهم الكبير لا يقابله أي إجراء عملي فإن السبب في ذلك هو جبن الأطراف الأخري التي تبادر بالاعتذار عن جرائمها قبل ضربها والقصاص منها. وهو نفس الاعتذار الذي قدمه الديناصور الأستاذ «أبولمعة» في إحدي حلقات «ساعة لقلبك» قبل أن يحبسه أبولمعة في مصيدة الفئران!!!