Tuesday, April 15, 2008

وما مصر إلا «فيس بوك» كبير

بقلم عزت القمحاوى

لم تخرج الحكومة بعد من صدمة الاعتصام؛ الدعوة التي هبطت من فضاء الإنترنت الخيالي لتؤثر هذا التأثير في صميم الواقع.
صدمة الحكومة تبدو في السلوك الاعتقالي ضد إسراء، الفتاة التي بدأت الدعوة، وضد غيرها من المدونين والناشطين السياسيين من غير الأحزاب الموصوفة بـ «الشرعية» أي الحاملة لترخيص مزاولة المهنة!
وفي الوقت نفسه تنكر الحكومة بلسانها أهمية ما جري، وتعلن أن الاعتصام لم ينجح.
ولأن السلوك أصدق إنباء من اللسان، فينبغي أن نكون علي يقين من أن الحكومة مصدومة، ولا أظن أن مصدر صدمتها ودهشتها ينبع مما اكتشفته من تأثير الفيس بوك في الواقع، بل من تأثير خطاب الغضب بالذات، فالحكومة نفسها هي التي اخترعت الفيس بوك، حيث حولت مصر إلي موقع عملاق للدردشة، ومع ذلك فإن دردشاتها لا تؤثر هذا التأثير، ولم تضمن لها التفافاً جماهيرياً يوازي قوة الـ«جروب» الخاص بها.
ودعونا نسمي الأشياء بمسمياتها فنتحدث عن «النظام» السياسي الذي قد يستخدم حكومة مانيوال أو حكومة إلكترونية لتنفيذ استراتيجية الدردشة كعقيدة سياسية؛ فقبل حكومة نظيف الإلكترونية كانت هناك حكومات مانيوال أو يدوية تصرفت، حتي قبل معرفة الفيس بوك بسنوات طويلة مع مصر باعتبارها موقعاً كبيراً لـchat لا ينتهي ولا يتقدم خطوة واحدة صوب التنفيذ.
فقط كلام، كلام.. دائماً هناك خطط وأفكار عبقرية مقذوفة باتجاه المستقبل، وهو زمن خيالي لا نعرف عنه شيئاً ولا نضمن أن نكون من بين سكانه أو شهوده لكي نستمتع بجني ثماره.
في الغالب، كل شيء تمام ولاتوجد مشكلة في مصر، وفي حال التواضع والاعتراف بمشكلة فهي مطروحة للنقاش في حزب الأغلبية الافتراضية وأحزاب المعارضة الافتراضية والحكومة والمجالس الافتراضية، أي بين أعضاء المجموعة البريدية نفسها، التي لا تستخدم الكمبيوتر من منازلها ـ لسوء حظنا ـ وإنما تدير دردشاتها في قاعات يسممون أبداننا كل لكي يصلوا إليها وينصرفوا منها بمواكب تربك المرور وتبقي المواطنين رهن الإقامة الجبرية في طرقهم إلي أعمالهم الأكثر جدوي وتحديداً من جلسات الـchat السياسي.
ومؤخراً لم يجد رئيس الوزراء ضرراً في طرح المشكلات لـ «نقاش مجتمعي» وهو ما يعني قراراً بتوسيع مجموعة الفيس بوك لتشمل المجتمع المصري كله، وليس في هذا أدني مشكلة: ستستمر الدردشة حتي يتعب المدردشون.
أوضاع المرور الكارثية في القاهرة طرحها لحوار مجتمعي، الدعم طرحه لحوار مجتمعي، وأزمة الرغيف هي الأخري مطروحة للحوار المجتمعي.
لكن السلطة ممثلة في الحزب الوطني وحكومته تطلق الدعوة علي "الفيس بوك القومي" ولا تعود تفتح بريدها لتعرف شيئاً عن نتيجة الحوار، لأنها تعمل للمستقبل، وليس لحاضر عابر، وعلمها في الراس، لا في الفيس بوك ولا في الكراس، ولا في البرامج الحوارية بالتليفزيون، التي طرح الخبراء فيها حلولاً تكفي لإصلاح الكوكب وليس مصر وحدها!
بجد، كان من الممكن أن نأخذ في يدنا البشرية كلها، في رحلتنا إلي المستقبل، بسبب كثرة الحلول التي اقترحها الخبراء. لكننا في وسط هذا الفيس بوك الكبير نفاجأ برسالة (فلفل شطة) من حكومي أو حزبي أو من أحد المؤلفة قلوبهم في عزب الصحافة القومية التي بلا ضابط أو رابط يطعن المشاركين في الحوار بتحد جد مهول: إنكم لم تطرحوا حلولاً!!
يا لفداحة وجمال وخيالية الاتهام!
لأن مقالاً لايمكن أن يسمي مقالاً من دون أن يتضمن حلولاً، فوصول أحدنا بوعيه إلي استهجان سلوك أو تصرف أو حل يعني بداهة امتلاكه البديل، فلماذا إذن سيذاكر وحده ويخفي اقتراحاته؟!
ولنأخذ عار اختفاء الرغيف، مثالاً، فقد كتبت هنا أتندر علي علاج نقص العيش ببناء أكشاك لتوزيع الرغيف غير الموجود، أو فصل الإنتاج عن التوزيع، لأن الأساس باختصار هو نقص الإنتاج وتسرب الدعم. والانفراجة التي تمت لم تتم إلا بفضل مخابز القوات المسلحة والشرطة، أي في ظل حالة طوارئ غذائية.
ولن يمكن أن تعود أوضاع الخبز طبيعية في ظل ثلاث حقائق، أولها انخفاض سعر كيلو الدقيق عن سعر كيلو العلف الحيواني، وثانيها الفجوة الكبيرة بين سعر الدقيق المدعم والدقيق الحر، وثالثها انخفاض رواتب كل المصريين وبينهم القائمون علي أجهزة الرقابة الحالية أو أي أجهزة يتم اختراعها.
أي أن أمن الرغيف باختصار سيبدأ من احترام محصولنا من القطن والاستفادة من الصناعات الجانبية حوله (الأعلاف والزيوت) فتوفير الأعلاف هو الذي سيقلص تلقائياً مساحات البرسيم لصالح القمح وسيغلق الباب علي استخدام الدقيق والخبز أعلافاً، ودعم كل الدقيق ليس بدعة، فالفينو خبز أيضاً، ولن يعتب علينا كم صينية بسبوسة عند الحلوانية، لأن أضعاف هذا الدعم يضيع بسبب الفارق الخيالي بين السعرين والذي يحرض علي التهريب، ورفع الرواتب سيضمن لنا من بين ما يضمن أجهزة رقابة نزيهة!
وعلي نفس المنوال تقريباً سنكتشف أن زحام المرور والدعم وتدني التعليم والصحة، وكل مشكلة تحتاج إلي منظومة حقيقية، وليست منظومة من نوع منظومات الدردشة في الجروب الحكومي.
أي أننا باختصار بحاجة إلي حكومة تعرف أن الكلام وسيلة للبحث عن حلول يجري تنفيذها بأسرع ما يمكن، وليس غاية في حد ذاته، وعملية تستمر إلي الأبد.

نحن بحاجة إلي حكومة تقلد شباب الفيس بوك فتنزل إلي الواقع وتترك الدردشة!

No comments: