بقلم أسامة هيكل
القادة نوعان.. الأول يتسلم السلطة ويستخدمها لخدمة الناس، وهذا النوع من القادة نادر في العالم الثالث، ومحكوم بقواعد لايستطيع الخروج عنها في الدول المتقدمة.. والآخر يستخدمها للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وهذا النوع من القادة يقيس نجاحه بطول المدة التي سيطر فيها علي السلطة، بغض النظر عما يتحقق للناس فعلاً.
وروبرت موجابي «٨٤ عاما»، أحد رموز النوع الثاني، والمنتشرين في العالم الثالث.. كان رئيساً للوزراء منذ ١٩٨٠ حتي أصبح رئيساً للبلاد في ١٩٨٧.. وطوال هذه الفترة، اكتسب موجابي كراهية الشعب في زيمبابوي، رغم تاريخه النضالي ضد الاستعمار البريطاني وضد التفرقة العنصرية.. فقد أرهق المواطنين بسياساته، وقمع المعارضة،
واتهمها بالتعامل مع القوي الخارجية لزعزعة الأمن والاستقرار في زيمبابوي.. واستخدم أغلبيته البرلمانية في فرض تعديلات دستورية وسن قوانين تضمن تشديد قبضته علي السلطة، وتضمن له الاستمرار فيها دون منغصات.. ساءت الأوضاع في زيمبابوي طوال مدة حكمه التي امتدت ربع قرن، وتجاوزت نسبة البطالة ٧٠%، والتضخم وصل أعلي نسبة في العالم،
بينما يزعم النظام الحاكم بقيادة موجابي أنه يسعي للإصلاح السياسي والاقتصادي.. وبعد أن كانت زيمبابوي أحد أهم الكيانات الاقتصادية الأفريقية، ومخزنا للغذاء بالنسبة للجنوب الأفريقي، باتت تعاني أزمات اقتصادية طاحنة، وتعرض فيها المواطنون للموت جوعاً.. ولم يكن موجابي يخجل من هذا الوضع، ولكنه كان يتهم المعارضة بأنها هي السبب فيما آلت إليه الأوضاع في زيمبابوي، رغم أنه كان متخذ القرار الوحيد.
لم يكن موجابي يفكر في مستقبل الحكم في زيمبابوي.. وكان يرفض دائما تسمية من يخلفه، وكان يقول دائما: إن الشعب حر في اختيار من يخلف موجابي، وإنه لايريد أن يفرض اسما بعينه، حتي لا يسلبهم حقهم في الاختيار.. وهو ما دفع المراقبين لتوقع اندلاع ثورة شعبية أو انقلاب عسكري في زيمبابوي للإطاحة بالنظام الحاكم، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية الطاحنة.
كان موجابي يعلن دائما إيمانه بالتعددية الحزبية، وفي عهده تأسس ٢٥ حزباً سياسياً، وكلها كانت هامشية لا دخل لها بالشارع، وبالتالي لايعرف المواطن في زيمبابوي أسماءها ولا أسماء رؤساء هذه الأحزاب..
وكان الحزب الحاكم «زانو. بي. إف» - الاتحاد الوطني لزيمبابوي الأفريقية - هو الفائز باكتساح في كل الانتخابات بفضل عمليات التزوير الصارخة من جهة، و ضعف الأحزاب من جهة أخري.. ولم يكن يهتم بالتقارير الدولية التي تفضح هذا الفساد السياسي، لأنه كان يفكر فقط في الاستئثار بالسلطة، ويرد بأن زيمبابوي دولة ديمقراطية تقوم علي تعدد الأحزاب، ويطالب الأحزاب بالمزيد من العمل والاحتكاك بالجماهير.
ولكن الضغط الذي مارسه موجابي وحزبه علي المواطنين في زيمبابوي، فجر حزب الحركة من أجل التغييرالديمقراطي، الذي أعلن تأسيسه مورجان تسفانجيري، وهو شاب ينتمي للطبقة الكادحة.. وكان هذا الحزب الجديد جاداً و يهدف لإنهاء الحكم الديكتاتوري المتسلط في زيمبابوي، فأصبحت لديه جماهيرية حقيقية فرضت علي الرئيس موجابي متغيراً لم يكن يضعه في الحسبان..
و دفع الحزب الجديد المواطنين الذين اختنقوا من سياسات الحزب الحاكم إلي البحث عن البديل مهما كانت التكلفة خاصة في ظل وجود رقابة دولية علي الانتخابات.. فالهدف هو الخلاص من النظام الحاكم أولاً... وشعر الناس بأن هذه الانتخابات مهمة لتحقيق هدفهم في ظل قدر النزاهة المفروض عليها بسبب الضغوط الدولية، فشارك ٦٥% من الناخبين في الانتخابات البرلمانية، ولم تكن أقصي مشاركة قبل ذلك تتجاوز ٢٠%..
وفاز بها حزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي بالأغلبية رغم ضغوط الحزب الذي كان حاكماً.. وأعلن الحزب الجديد صاحب الأغلبية أنه يسعي للرئاسة.. وأصبح حلم الفترة الرئاسية السادسة بعيداً عن موجابي.. وقريباً سوف يحزم حقائبه للخروج من قصر الرئاسة.. وهو حزين لأنه يترك السلطة، وليس لأنه لم يقدم شيئاً لشعبه.
مسكين روبرت موجابي.. لم يكن ماهراً بالقدر الكافي كي يحافظ علي السلطة.. ولكن هذا هو قدر النوع الثاني من القيادات.. يضحي بتاريخه مقابل الاستمرار في السلطة.
Saturday, April 5, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment