بقلم حلمى النمنم
مضي يوم الأحد ٦ أبريل، وهناك من يؤكد أن الدعوة إلي الإضراب نجحت تمامًا، وهناك من يؤكد أنها لم تحقق أي نجاح ولم تجد أي استجابة، لكن «الأحد» كان كاشفًا لجميع الأطراف والفرقاء، ولذا بات ملحًا المصارحة وأن نكاشف أنفسنا، قبل أي شيء.. لأننا نعيش أزمة خانقة وإن استمر الحال علي هذا النحو،
فإن الأزمة سوف تتحول إلي كارثة حقيقية.. والحادث أمامنا أن مصر تحكمها معادلة سياسية منذ مارس ١٩٥٤، وارتضاها معظم الأطراف في مصر، بمقتضاها اقتنصت الدولة لنفسها الجزء الأكبر من حريات المواطنين، وانتهكت الكثير من حقوقهم السياسية، مقابل أن توفر لهم الحدود الآمنة للمعيشة من مأكل ومسكن وعمل،
ولم يكن المواطن معنيا بالدين العام والتضخم وغيرهما، كانت الدولة تتحمل كل ذلك، والمواطن أقر لها بذلك وصمت عن حقوقه وحرياته العامة والخاصة، وجرت ما أطلقنا عليه من قبل عملية المقايضة، بين المواطن والدولة، ارتضي المواطن ذلك وسعدت الدولة برضاه.
وهكذا نجد أن الدولة المصرية في السبعينيات التي نادي رئيسها بالانفتاح الاقتصادي، هي التي أنشأت وقتها محال لبيع ساندوتشات الفول والطعمية، لتوفرها للمواطن بسعر رخيص، وفي السنوات الأخيرة اتجهت الدولة إلي الخصخصة، لكن الرئيس مبارك أعلن في معظم خطاباته أن الدولة ملزمة بحماية محدودي الدخل ولابد من مراعاة البعد الاجتماعي،
وكان رؤساء الوزراء منذ عاطف صدقي وحتي عاطف عبيد يعلنون في جلساتهم الخاصة وبعض أحاديثهم العامة، أنهم يقومون بإجراءات الخصخصة مضطرين تحت ضغط البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية.. ولكن مع الحكومة الحالية، قرر طرف أن يهدم ويتملص من التزامه في المعادلة القائمة منذ سنة ١٩٥٤، فوجدنا رئيس الوزراء د. أحمد نظيف والمجموعة المحيطة به، يتصرفون بمنطق أن الشعب المصري «يتنطع» علي الحكومة والدولة، وأن الدولة لم تعد تحتمل هذا «التنطع».
وقالها د. نظيف مرة موبخًا المواطنين «الحكومة بابا وماما..»، والواقع أنها طبقًا للمعادلة القائمة ليست «بابا وماما» فقط، لكنها كذلك «تيتة وطانط»!!
الشعب المصري لم يتنطع علي الحكومة، لكن الحكومة سلبته جميع المبادرات والحريات، وعليه فإن الحكومة تحاول التملص من التزامها، وإذا كان الأمر كذلك فيجب للمعادلة القائمة أن تهدم من أساسها وتبني معادلة جديدة، ولا يهدم - فقط - ركن واحد منها، وأخشي القول بأن الحكومة هي التي تحاول أن تتنطع علي الشعب، بأن تتملص من الدعم وتحتفظ بالتسلط المصاحب له، ولكن الحكومة يجب أن تكون منتخبة، فحين كان يتولي الحكومة سعد زغلول أو النحاس أو النقراشي وغيرهم فإن هؤلاء لم يكونوا بيروقراطيين تمت ترقيتهم من وظيفة إلي أخري، كانوا زعماء ومناضلين وكانوا ذوي حيثية في الشارع ولدي الرأي العام،
ولم يهبط أحدهم من مجاهل الدواوين الحكومية أو الأجهزة السرية أو غياهب الجامعات، فإما أن تهدم المعادلة بالكامل أو تبقي بالكامل، المشكلة الأخري أن الحكومة شرعت في التملص وهي لا تملك وحدها ذلك، لذا وجدنا خطاب الرئيس مبارك في العوينات يوم الخميس الماضي، يلتقي مع خطاب المعارضة والمستقلين في انتقاد أو مؤاخذة الحكومة، لأن القرار في صياغة المعادلة لرأس النظام وليس لرئيس الحكومة ولا للحكومة كلها.
الحكومة أصيبت بالقلق الشديد من الدعوة إلي الإضراب والأحزاب كذلك، معظمها علي الأقل، والجماعة التي تزعم لنفسها السيطرة علي الشارع، لكن المواطن العادي أصابه القلق، أعرف كثيرين جلسوا في البيت ليس إضرابًا ولكن تحسبًا من وقوع عنف ومواجهات بين الأمن والمتظاهرين، ومن حسن الحظ أن ذلك لم يحدث، فمشاهد حريق القاهرة في يناير ١٩٥٢ وأعمال الحرق والنهب في ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ لم تغب عن بال الكثيرين، لكن ما حدث يوم ٦ أبريل، وإن مضي بأقل قدر من الخسائر، يجب أن يدعونا إلي حوار جاد، وإعادة صياغة المعادلة القائمة منذ مارس ١٩٥٤، إما بالتأكيد مجددًا عليها وتجديدها وإما نقضها بالكامل وصياغة معادلة سياسية واجتماعية جديدة،
فالواضح أن المجتمع لم يعد قابلاً بالالتزام القديم والحكومة لم تعد تحتمل الوفاء بالتزامها، لقد ظل المجتمع مخلصًا في التزامه وتعهده غير المكتوب طوال هذه العقود، وليست مصادفة أن كل التحركات الجماهيرية خلال هذه العقود كانت متعلقة بمطالب حياتية وليست بمطلب سياسي أو ديمقراطي مباشر.. بل الغذاء والطعام والأسعار، ويمكن ان نستثني الفترة بعد ١٩٦٧، حيث كانت التحركات متعلقة بمطلب الكبرياء الوطني في الحرب، وليس مصادفة كذلك أننا لم نجد احتجاجًا شعبيا حقيقيا علي فرض قانون الطوارئ منذ ٢٧ عامًا، حتي الآن.. أي أن جيلاً بأكمله ولد ونضج في ظل الطوارئ!.
ما أخشاه ألا يحدث حوار ولا تتم مكاشفة، فتترك الأمور إلي عوامل الدفع الذاتي، وحتي هذه الحالة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالنتائج ولا أن يتفاءل بالمستقبل، فقد لا يكون المستقبل أفضل من الحاضر.
Thursday, April 10, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment