Saturday, April 26, 2008

بلد العجائب

بقلم د.طارق عباس

يبدو أن العجائب السبع التي يتحدث العالم عنها لا تمثل مثقال ذرة إذا ما قورنت بالعجائب التي نحياها ونشاهدها ونسمع عنها، وتطل علينا برأسها كل يوم، في شتي مناحي الحياة، في الممارسات الديمقراطية والقرارات السياسية والاقتصادية: والفتاوي الدينية، وفي إدارة شؤون البلاد عموماً، لتنفرد مصر ـ صاحبة حضارة سبعة آلاف سنة ـ بعجائب الدنيا المليون، وعلي سبيل المثال:
- في العالم كله، تحاول الحكومات تسخير ما لديها من إمكانات، وموارد لخدمة الناس، وإذا فشلت رحلت، حفاظاً علي ماء الوجه، أما في مصرنا الغالية فالشعب هو الذي يجب أن يرحل، والحكومة جاهزة بالقلل، بعد أن كبست علي أنفاسه، وحولت موارده إلي مصادر دخل ثابتة تؤمن مستقبل الغلابة من المستثمرين ورجال الأعمال.
- في العالم كله ينتخب المحافظون، والبرلمانات ما هي إلا تجسيد حي، لإرادة الشعوب، والصوت المعبر عنهم، والمتحدث باسمهم، أما في بلادنا فالمحافظون يعينون بالأمر المباشر، والناس تتسول من أعضاء البرلمان، خاصة بعد نجاحهم وجلوسهم تحت القبة، وانشغال بعضهم بالتربح من تأشيرات الوزراء وكبار المسؤولين، مقابل غض الطرف عن مصائر عباد الله.
- في العالم كله تتخذ القرارات بعد طول دراسات ومناقشات وأبحاث وتحليلات، أما في مصر فالقرارات تولد فجأة وربما بالصدفة، دون ترتيب، دون تربيط، دون داع، المهم أنها تأتي. ففي عام ١٩٩٦ صدر القرار بإنشاء وزارة (الإدارة المحلية)، وبعد عام واحد تغير اسمها، وأصبح وزارة (التنمية الريفية)، ثم سميت وزارة (التنمية المحلية)، ثم أدمجت في وزارة (التخطيط)، ثم ألغيت وزارة (التخطيط) وعجبي.
- ومثل هذه العجائب كثير، ظهرت وزارات، واختفت وزارات، وأدمجت وزارات في وزارات، واستقلت وزارات عن وزارات، فعلت قرارات، وغيبت قرارات، وهمشت قرارات، وحفظت قرارات، فتح الاستيراد، أغلق الاستيراد، دفعت الرسوم الجمركية، رفعت الرسوم الجمركية، جمد الدستور ربع قرن، عدلت ٣٤ مادة منه دفعة واحدة، يعلن عن عاصمة جديدة لمصر، ثم ينسف الإعلان بعده بلحظات، أجلت انتخابات المحليات مدة عامين بحجة وضع قانون جديد لها، ثم أجريت الانتخابات بلا قانون جديد، ولا عزاء في الديمقراطية.
وأخيراً وليس بآخر كانت أم العجائب يوم الخميس قبل الماضي، والمتمثلة في الإعلان عن ولادة محافظتين جديدتين، هما: السادس من أكتوبر وحلوان، دون أن يخبرنا أحد أن مصر كانت حبلي بأي دراسات عن محافظات جديدة، لذا أثارت الولادة ـ غير الطبيعية ـ للمحافظتين شكوك الأغلبية، فمن الأب الشرعي للفكرة؟ ومتي ولدت في رأسه؟
ولماذا لم يعلن عنها قبل انتخابات المحليات حتي يتم اختيار المرشحين بناء علي التقسيم الجغرافي الجديد؟ هل يعقل أن ينام الناس وهم تابعون لمحافظة الجيزة، ثم يستيقظون وهم تابعون للفيوم، ثم ينامون ويستيقظون ليجدوا أنفسهم تابعين لمحافظة أكتوبر الجديدة؟ ما موقف النائب الذي اختير في دائرة، ثم أصبح في حيز جغرافي تابع لمحافظة أخري؟ هل سيمثل المحافظة الجديدة دون أن ينتخبه الناس؟ أم سيبقي ممثلا لدائرة غير تابع لها؟ كيف يمكن الحديث عن التخطيط وأمامنا أعجب أمثلة العشوائية؟
إعلان عن محافظتين جديدتين بلا مقار محافظين، بلا عاصمة بلا مديرية أمن، بلا شرعية، ومن أين ستأتي الحكومة المبجلة بالموارد التي ستوفرها للمحافظتين الجديدتين في وقت يعتصر فيه الموظفون من قلة الموارد؟ عجيبة جديدة تؤكد أن مصر صارت في ظل النظام الموجود بالفعل وبالقوة بلداً للعجائب.

No comments: